المؤتمر الوطني الحادي عشر للجامعة الوطنية للتعليم / التوجه الديمقراطي
مكاسب واعدة، ونواقص باعثة على تضافر جهود البناء على أسس ديمقراطية وكفاحية
مضى شهر كامل على انعقاد مؤتمر جامعتنا، وهي مدة كافية للنظر في الحصيلة بعين ناقدة تروم ترسيخ الايجابيات، والارتكاز عليها لتخليص منظمتنا من كل ما يكبح سيرها لتحقيق علة وجودها، أي أن تكون أداة كفاح يسيرها مناضلوها بديمقراطية، وتسهم في إخراج الحركة النقابية المغربية من أزمتها. وإذ نضع أمام أنظار رفاقنا هذا التقييم، فأملنا أن يتم إغناؤه في جوانبه الناقصة، وتصحيح ما نكون قد أخطأنا فيه.
++++++++
يتطلب التقييم الموضوعي لمجريات مؤتمر الجامعة الوطنية للتعليم الأخير، وإدراك أهمية ما تمثله الجامعة في ساحة النضال النقابي بالمغرب اليوم، التذكير بمميزات الحالة النقابية لشغيلة التعليم من منظور تاريخي، ورصد مكامن القوة والضعف في تجربة جامعة التعليم /توجه ديمقراطي.
أولا: حالة نقابية لها جذور
شكل قطاع التعليم قسما ديناميا ومتقدما ضمن الحركة النقابية المغربية منذ نشأتها في ظل الاحتلال. وبعد الاستقلال الشكلي كان لنقابيي التعليم دور كبير في البناء النقابي وفي النضالات، وكانوا أكبر قطاع يصطدم بالتبقرط المتنامي للاتحاد المغربي للشغل، واستقلت عمليا نقابتهم منذ منتصف ستينات القرن الماضي. وشكلت عمودا فقريا لمشروع الكنفدرالية الديمقراطية للشغل كنقابة بديلة دفع بها الاتحاديون بمبرر انعدام الديمقراطية الداخلية وتواطؤ المحجوب بن الصديق مع النظام وأرباب العمل.
وقادت النقابة الوطنية للتعليم، تحت هيمنة سياسية اتحادية، نضال المدرسين حائزة على أغلبية راسخة بلا منازع طيلة 35 سنة بالأقل. وإبان منعطف دمج الاتحاد الاشتراكي في حكومة الواجهة (“التناوب التوافقي”) هزت أزمة داخلية نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وبالقلب منها نقابة التعليم التي تصدعت ثم انشقت إلى كيانات متعددة. تعمق لدى الكونفدرالية خط معاونة الدولة في تدبير المسألة الاجتماعية (الذي لا يخلو من مناوشة)، فكان لها دور كبير في تمرير سياسة تدمير التعليم العمومي عبر لجنة التعليم التي شكلها الحسن الثاني وانتهت العملية بالمصادقة على ما يسمى “ميثاقا وطنيا” للتربية و التكوين. وزاد ابتعاد النقابة الوطنية للتعليم/ك.د.ش عن انشغالات شغيلة التعليم، لا سيما الأفواج الجديدة الملتحقة بالعمل. فتشكلت حالات استياء متتالية، تجلت في انسحابات فردية وأخرى جماعية، ثم في انشقاقات (النقابة المستقلة للتعليم، الهيئة الوطنية للتعليم). وارتباطا بفقد الاعتبار المتزايد – ذي الخلفية السياسية- للمعارضة التاريخية بدأ التيار الاسلامي (“عدالة وتنمية”) يحقق تقدما “نقابيا” في قطاع التعليم، عبرت عنه نتائجه في الانتخابات المهنية.ضمن هذا السياق كانت جامعة التعليم بالاتحاد المغربي للشغل، مدة طويلة، إطارا شبه فارغ تتربع عليه بيروقراطية شائخة. وكان من عواقب أزمة النقابة الوطنية للتعليم/كدش تدفق أفواج من المدرسين إلى جامعة التعليم بإم.ش، لا سيما الفئات ذات المطالب الخاصة والتي لا تجد آذانا صاغية لدى بيروقراطية ك.د.ش.
موجة الالتحاق بجامعة تعليم إ.م.ش اصطدمت بالجهاز البيروقراطي الشائخ، اصطداما أججه مناخ المغرب النضالي بدءا من مطلع العام 2011. ففي خضم موجة النضالات تلك تأثرت الحركة النقابية المغربية، سواء بتنامي الروح المطلبية، وتدفق دماء جديدة، كما بمطلب الديمقراطية والتضايق من الزمت البيروقراطي. بلغ الاصطدام ذروته عند سعي البيروقراطيين إلى نسف المؤتمر الوطني العاشر المتأخر 17 سنة، فكان انسلاخ جامعة التعليم عن الاتحاد المغربي للشغل في مايو 2012.
على هذا النحو، تمثل جامعة التعليم ثمرة لأزمة الحركة النقابية عامة، وبخاصة قسمها الخاص بالمدرسين، وهي ضمن هذه الأزمة عنصر قوة بما تضم من طاقات فتية مندفعة للنضال ومنتفضة ضد البيروقراطية. وهي تشكل إلى جانب بعض فروع النقابة الوطنية للتعليم /كدش ذات النفس الكفاحي الديمقراطي، نقطة ضوء في مشهد قاتم.
عاشت جامعة التعليم، مع جامعتي الفلاحة ، تجربة مشتركة في مواجهة العسف البيروقراطي، في إطار التوجه الديمقراطي بالاتحاد المغربي للشغل. ودون نقاش جماعي رفاقي بين مكوناته، دفعت بعض أطرافه إلى تصفيته بالتفاوض من أجل العودة إلى حظيرة البيروقراطية المحجوبية المخاريقية . وبالنظر إلى عنفوان القوى المناضلة في جامعة التعليم، وضراوة معركتها ضد البيروقراطية، لم يتيسر دفعها إلى العودة إلى إ م ش.
ثانيا: الجامعة منذ المؤتمر 10 نضاليا وتنظيميا
بالنظر إلى سياق تجدد الجسم التنظيمي للجامعة الوطنية للتعليم، والاصطدام بالبيروقراطية الشائخة، وموجة نضالات العامين 2011-2012، تبنت الجامعة الوطنية للتعليم/ التوجه الديمقراطي شعارات نضال طبقية، ونبرة ديمقراطية وكفاحية غير معهودة في إ.م.ش. وتجسد ذلك كله، بدرجة معينة، في ممارستها، لكن مع رواسب ورثها بعض كوادرها عن معايشة البيروقراطية ردحا من الزمن، وكذا عن تقاليد بعض اليسار غير الديمقراطية.
فعلى الصعيد النضالي، أسهمت الجامعة بما أوتيت في إنجاح النضالات، الخاصة بقطاع التعليم والوظيفة العمومية، او المندرجة في برامج التنسيق النقابي بين المركزيات منذ 2012 حتى الآن. وبرزت بقوة في حجم مسيرة فبراير 2014 حيث فاق عدد المتظاهرين 10 آلاف (وقيل 15 ألفا). كما انخرطت في أشكال التضامن مع تنسيقية المجازين وحاملي الماستر والمتصرفين، ومع مناضلي ما تبقى من حركة 20 فبراير، ومسيرة الكرامة من أجل الشغل تضامنا مع المعطلين، ومؤخرا في التضامن مع حركة الأساتذة المتدربين، حيث انفرد أحد فروعها بسوس بالدعوة إلى التضامن بالإضراب. بيد أن انخراط الجامعة في مبادرات التنسيق بين المركزيات كان دون موقف نقدي من تلاعب القيادات البيروقراطية بسلاح الإضراب العام بإفراغه العملي من محتواه الكفاحي، وتسييره الفوقي وعديم النفس، والذي يخلف الإحباط أكثر مما يقوى عزيمة النضال ويوسع نطاقه. كما انساقت الجامعة في تسيير أشكال النضال مع المألوف المكرس من قبل البيروقراطيات (ضعف الصلة المباشرة بالأجراء، انعدام جموع عامة للمضربين، ولا نقاش حول تسيير النضال ونتائجه…). فالمناضلون القدامى متطبعون بتقاليد إ.م.ش، بينما الجدد لم يكسبوا بعدُ ثقافة نضال وتجربة جديدتين. وبهذا الموقف اللانقدي تفقد الجامعة تعاطف القواعد العمالية بالنقابات الأخرى المستاءة من سياسة البيروقراطيات، مبطلة بذلك دورها كحافز في ظل أزمة مجمل الحركة النقابية المغربية. إن جامعتنا بحاجة إلى تدقيق النظر في قضايا النضال النقابي من منظور مصلحة الشغيلة الخلو من أي ميل إلى نقابة “الشراكة الاجتماعية” التي كرستها قيادات المركزيات، وبمنهجية المراهنة أولا و اخيرا على ميزان القوى. ما يعني تجديدا جوهريا للرؤية النقابية اعتمادا على جهد إعلام وتكوين استنائي بارتباط مع النضال اليومي ذي المنظور الشمولي.
توسعت الجامعة الوطنية للتعليم تنظيميا، حيث بلغ عدد فروعها (محليا، وإقليميا وجهويا) 203 بالتعليم المدرسي، و19 مكتبا نقابيا بقطاع التعليم العالي، و20 لجنة وطنية للفئات. وعلى صعيد الهياكل الموازية نجحت الجامعة في تنظيم مؤتمرات اتحاد نساء التعليم بالمغرب، واتحاد شباب التعليم بالمغرب، واتحاد متقاعدي التعليم والنقابة الوطنية للمبرزين بالمغرب، والنقابة الوطنية للمساعدين التقنيين والاداريين. وهذا الزخم النضالي والتنظيمي هو ما أبرزته على نحو ما النتائج المحققة في الانتخابات المهنية (لجان إدارية متساوية الأعضاء). هذا علما أن مناضلي الجامعة يشتغلون في ظروف صعبة بانعدام مقرات ومتفرغين وشح الإمكانات المادية، ونقص خبرة في عملية الانتخابات مقارنة بما لدى النقابات التقليدية في هذا المضمار .
وتسعى الجامعة إلى تنظيم أقسام أخرى من شغلية التعليم غير ُمدرسة تابعة للقطاع الخاص:شغلية شركات النظافة والحراسة، ومدرسي التعليم الخصوصي. وقد بذلت جهود اولية، وإن لم تكن تحولا نوعيا، في مجال التكوين بتنظيم دورات جهويا ووطنيا (الوضع النقابي بالمغرب، النظام التعاضدي، الأعمال الاجتماعية، الانتخابات المهنية، الملفات المطلبية، النظام الأساسي وسائر التشريعات..). وكذلك إعلاميا بذلت جهود أولية تستدعي المضاعفة والتطوير النوعي لتسمو الى مستوى التطلع الديمقراطي والكفاحي لمناضلي الجامعة.
ثالثا: مؤتمر وطني ثان بعد التحرر من بيروقراطية إ.م.ش
شارك في المؤتمر الوطني الحادي عشر 835 مؤتمر ومؤتمرة. وإن كان هذا يعكس ظاهريا وزن الجامعة الكمي، فلا بد من استحضار أمرين:
- التفاوت الجغرافي الذي أبرزته انتخابات اللجان الثنائية حيث تتركز قوة الجامعة في جهة سوس ماسة وبعض المناطق بالشمال.
- الجانب النوعي: ضعف، وحتى انعدام، أي دينامية في بعض اللجان الوطنية وبعض الفروع.
أما عن جدوى تضخيم عدد المؤتمرين، فإن هذا العدد الهائل من المؤتمرين لا يتيح اشتغالا فعالا، فكي يشارك الجميع مشاركة جدية في النقاش، واتخاذ القرارات، يلزم من الوقت أضعافا مضاعفة لأيام المؤتمر. ثم إن تحضيرا حقيقيا بواسطة جموع عامة في الفروع يغني عن جهد مادي كبير يكلفه مؤتمر ضخم. ومعلوم أن إغراق مؤتمرات المنظمات العمالية بجمهور كثيف هو من أساليب البيروقراطية الرامية إلى إفراغ المؤتمر من محتواه والتحكم في نتائجه السياسية والتنظيمية. وقد لامس ذلك عن قرب من عاش طويلا في الجامعة في إطار الاتحاد المغربي للشغل، أو جاء إليها من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
1- انتداب المؤتمرين
يُحسب في الرصيد الإيجابي لجامعتنا أن انتداب المؤتمرين جرى في أجواء سليمة لم تثر أي طعن أو منازعة، ولا أي تعيين غير خاضع لقواعد وأنظمة الجامعة. بيد أن المشاركة في المؤتمر بصفة الانتماء إلى أجهزة قيادية أو مسؤوليات (لجنة إدارية، مكاتب وطنية، تنظيمات موازية، لجان ثنائية، …) إنما يكون على حساب تمثيل ديمقراطي للقاعدة، ويضخم تأثير الجهاز في حياة المنظمة. وهذا أمر يتطلب المراجعة و لاشك.
2- التحضير للمؤتمر
إن نسبة كبيرة من نجاح المؤتمر في مهام التقييم ورسم الآفاق إنما تحددها جودة التحضير في القاعدة، بنقاشات الفروع، سواء في جموع عامة أو فرق عمل. لم يكن النقاش التحضيري للمؤتمر جماعيا وجديا بالقدر الكافي. فبعض بعض الأوراق لم تصل إلى جميع الفروع، كالمقرر حول السياسة التعليمية. ثم إن التاريخ المحدد للمؤتمر لم يكن مواتيا تماما لفتح نقاش من هذا القبيل، إذ كانت الفترة مثقلة بمهام المراقبة المستمرة والإعداد للامتحانات. ونتج عم هذه العوامل مجتمعة أن جل المؤتمرين المتدخلين، سواء في الجلسة العامة أو في الورشات، إنما ناقشوا بناءا على وجهات نظرهم، وليس على وجهات نظر الفروع التي يمثلون، باستثناء فرعين أو ثلاثة.
إن الإلمام بقضايا النضال النقابي بقطاع التعليم، وبمجمل الساحة النقابية، على نحو يتيح نقاشا عميقا يجعل المؤتمر مختبرا حقيقيا للبلورة البرنامجية والنضالية، يتطلب تكوين المناضلين تكوينا اقتصاديا-اجتماعيا، فضلا عن النقابي، ونقاشا دائما يواكب المستجدات، لاسيما بفضل ما تتيحه وسائل الاتصال الحديثة (لائحة البريد الداخلي، وموقع الجامعة الالكتروني…)
ختاما بهذا الصدد، لابد من الإشارة إلى ما خيم على اشغال المؤتمر من بعض الأثر السلبي على معنويات المناضلين/ات الناتج عن مصير باقي مكونات التوجه الديمقراطي، والطريقة التي انفرط بها عقد “التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل”.
3- ممارسات شائنة يطل منها شبح المحجوبية
شابت تنظيم المؤتمر اختلالات أدت إلى إضاعة الوقت، وحتى توتر الأجواء بلا داع. منها مشكلة المبيت التي ألقيت على رؤوس المؤتمرين، واقتراح المسير أن تستمر أشغال المؤتمر إلى حدود الرابعة صباحا في اليوم الأول. هذا ما احتج عليه بعض المؤتمرين. والمثير للاستغراب أن ما لم تحله اللجنة التنظيمية خلال شهر جرى حله في أقل من ساعتين. كما أن إنهاك المناضلين، كما في اليوم الثاني، بأشغال لم تنته لم إلا في الساعة السادسة والنصف صباحا، يفضي عمليا إلى تفكيك المؤتمر، وهذا حصل بالفعل حيث لم يبق في أواخر زمن المؤتمر إلا أقل من 150مؤتمر-ة. ومعلوم إن البيروقراطيات عادة ما تلجأ إلى ارهاق المؤتمرين حتى الساعات الأولى من الصباح كي ينال منهم العناء، وينصرف جزء منهم، ليتأتى تمرير القرارات في جلسات قليلة العدد وضعيفة المشاركة.
وثمة بوجه خاص ذلك النقاش العبثي حول تشكيل الجهاز قبل مناقشة أدبيات المؤتمر والمصادقة عليها. وهذا أمر مثير للتساؤل والريبة، لا تشهده حتى المؤتمرات الأكثر بيروقراطية في تقاليد النقابة بالمغرب، حيث عادة ما تحترم شكليات أسبقية عرض أدبيات المؤتمر والبت فيها قبل الانتقال إلى تشكيل الأجهزة. ولولا ضغط مؤتمري انزكان بالانسحاب لسجل التاريخ على جامعتنا سابقة في العسف البيروقراطي.
كما مورست ردود فعل غير رفاقية ضد مناضلين احتجوا على ما يرونه غير لائق بنقابتهم وانسحبوا، منها ما ردده البعض من شعار “الفساد يطلع برا”. شعار انتقده ورفضه الكاتب الوطني واعتذر عنه. كما مورست بعض الأساليب في الضغط النفسي على المؤتمرين غايتها دفع الأمور في الاتجاه الذي يريد المسير ومن يؤيده. منها زعم المسير أنه ثمة من يريد إفساد المؤتمر، و أن هناك من يريد حذف اللجنة الإدارية، وأن النقاش في الأوراش قد لا يسفر على أوراق و بالتالي ضرورة تشكيل الأجهزة، الخ والتهويل من خطورة الخروج دون قيادة إذا اتبعنا النقاش، وقيل أن إدارة المعهد حيث ينعقد المؤتمر تريد إفراغ المدرج قبل الثامنة ليلا، الخ وفوق هذا وذاك، عمل المسير على إهدار الكثير من الوقت بمختلف السبل، وهي طريقة للتضييق على المؤتمر ودفعه الى ارتجال القرارات دون إنضاج النقاش.
كلها أجواء غير سليمة أثرت على نتائج المؤتمر، وحتى على مستوى الحضور، الذي تقهقر إلى أقل من 300 في اليوم الثاني بعد تمرير لجنة الترشيحات، و لم يبق في آخر زمن المؤتمر إلا حوالي 150 مؤتمرا. ولم تحظ الورشات بالاهتمام اللازم (لم يتعد الحضور فيها 120 مؤتمر ومؤتمرة). وكان عدد الحاضرين عند التصويت على اللجنة الإدارية أقل من 200 مؤتمر/ة، بل إن بعض أعضائها كانوا غائبين ولم يتقدموا ليتعرف عليهم المؤتمرون/ات.
4- التقرير الأدبي:
من الأنسب، من حيث الجدوى والديمقراطية، أن يكون التقرير الأدبي ضمن وثائق تحضير المؤتمر الواجب إرسالها إلى الفروع ثلاثة أشهر قبل موعد المؤتمر. فذاك يتيح دراسة ونقاشا حقيقيين تصل خلاصاتهما إلى المؤتمر الذي لن يحتاج لحظتها وقتا طويلا لحسم الأمر. ومن المؤسف أن ما شهده المؤتمر لم يكن تقريرا أدبيا بالمعنى المتعارف عليه في المنظمات العمالية، بقدر ما كان خطابا غير مركز ومفرط الطول (قرابة 3 ساعات)، مجانبا لانتظارات المؤتمرين خاصة في مسألة من أهمية نقاش العلاقة بالاتحاد المغربي للشغل بعد تصريحات موخاريق وأمين. خصائص التقرير الأدبي هذه جعلته يثير احتجاج الحاضرين.
5- مسألة الديمقراطية في تشكيل الأجهزة (لجنة الترشيحات) :
سبق في مناسبات أخرى لمناضلي التوجه الديمقراطي نقاش مسألة “لجنة الترشيحات” كآلية لتشكيل هيئات النقابة. يدور النقاش حول مدى ديمقراطيتها. ومع تكاثر انتقادها ثمة من يعمد إلى وضعها (في القانون الأساسي) جنبا الى جنب مع الاقتراع السري، وتغليبها في الواقع. وقد كان من المؤشرات الأشد خطرا في مؤتمر جامعتنا أن المدافعين عن لجنة الترشيحات رفضوا حتى أن تكون منتخبة. انها البيروقراطية أس إثنين. وإن جرى نقاش كيفية تشكيلها، والتصويت على الصيغة المعتمدة، فذلك دون تقديم مبررات مقنعة لرفض إلغائها النهائي.
في الواقع هذه اللجنة من بدع بيروقراطيي أحزاب اليسار والنقابات الذين تعوزهم الثقة في القواعد ويسعون للتحكم في تشكيل الهيئات، مراهنين على ما يجندون من أنصار وعلى سلبية القواعد او تشتت مكوناتها. وظيفة لجنة الترشيحات في النقابة (أو أي منظمة جماهيرية) هي إتاحة تفاهم بين قوى سياسية لتقاسم المقاعد. المقاعد تلك وسيلة لاقتياد المنظمة وفق تصور معين باستغفال القاعدة. وأكبر المتضررين من طريقة “لجنة الترشيحات” هم القاعدة العريضة للمنظمة الجماهيرية التي تكون غير منتمية سياسيا.
والصواب أن من لديه تصور لقيادة منظمة عليه ان يقنع به القاعدة، ويثبت جدوى تصوره، لينال ثقة القاعدة عن وعي وإدراك. وهذا ما يتطلب صياغة التصور وعرضه للنقاش أمام أنظار أعضاء المنظمة، والاستعداد للبقاء في وضع أقلية ذات رأي مغاير طالما لم يفلح التصور في إقناع الأغلبية. وتستلزم هذه الديمقراطية تنظيم الاختلاف بإرساء حق تجمع ذوي رأي موحد حول أرضية، وإتاحة إمكان إيصال رأيهم إلى الجميع. وبناء على أرضيات مختلف وجهات النظر يجري الترشيح لانتخاب الأجهزة، ويجري التمثيل فيها باعتماد قاعدة النسبية. وليس هذا الاصطفاف حزبيا لأنه يجري حول قضايا النضال النقابي (مضمون النضال وأشكاله وتنظيمه..). وقد يلتقي على نفس الأرضية النقابية مناضلون من تيارين سياسيين مختلفين مع آخرين غير منتمين سياسيا. هذا ما يضفي على اليات تشكيل الاجهزة طابع نقاش وتباري بين افكار وليس تواجها بين إشخاص.
إن القاعدة التي تقوم عليها هذه الديمقراطية العمالية الفعلية هي بث الحيوية في الحياة الداخلية للمنظمة النقابية، وخلق دينامية دائمة بمحاربة الميول الى السلبية والاتكالية وتفويض الصلاحيات داخل القواعد النقابية. وهو ما يعني تطوير الوعي العمالي عبر تكوين ذي مضمون طبقي، وتوسيع حرية النقاش والتعبير الحر والعلني عن الخلافات، وتطوير إعلام عمالي طبقي حقيقي.
طبعا، التقاليد الموروثة ببلدنا بعيدة مسافة فلكية عن هذه الديمقراطية، وهذا البعد من الأسباب المساعدة على نشوء ظواهر مثل المحجوبية.
6- مسألة دور الجامعة الوطنية للتعليم بالساحة النقابية، وعلاقتها بمكوناتها:
جعل الحرص على الديمقراطية و الكفاحية جامعة التعليم نقابة على حدة، خارج المركزيات تنظيميا، لكنها تلتقي مع المناضلة منها ميدانيا في خطوات وحدوية تقتضيها مصلحة الشغيلة، وتدفع إليها ضراوة التعديات على المكاسب دفعا.
وقد التقت الجامعة، في خضم التصدي لاستئصال المعارضين داخل إ.م.ش، مع نقابتي الجماعات المحلية والفلاحة. وتشكل التوجه الديمقراطي على أسس الذود عن الديمقراطية، والوفاء النضالي لمصالح الأجراء، والسعي لتطهير منظمات النضال من الفساد. وإذ لا يتسع المجال هنا لوضع حصيلة إجمالية لتجربة التوجه الديمقراطي واستخلاص دروسها، لابد من تأكيد ملحاحية هذه المهمة، إلى جانب مسألة دور جامعة التعليم ضمن الأزمة العامة للحركة النقابية. إن تفكيك التوجه الديمقراطي، بعودة نقابتي الجماعات والفلاحة إلى إ.م.ش، يضع جامعة التعليم أمام مسؤولية البرهنة البرنامجية والعملية على إمكان ممارسة نقابية مغايرة، ديمقراطية وكفاحية فعلا. ومع الأسف لم يتأت، سواء في الإعداد للمؤتمر أو في أثناءه، تعميق النقاش حول هذه المسائل بالغة الأهمية. فالانزلاق المتزايد للخط المهيمن في النقابة بالمغرب الى مستنقع “الشراكة الاجتماعية” (التعاون مع الدولة لتمرير خططها المدمرة لمكاسب الأجراء وحقوقهم)، وتفاقم العسف البيروقراطي، سيدفعان حتما بأقسام من الحركة النقابية الى التمرد على القيادات. وقد برز هذا في بحث الاجراء عن قنوات لتوحيد فعلهم، من تنسيقيات مهيكلة، وعمل ميداني موحد، واتحادات فئوية خارج المركزيات، الخ. وحتى رفاقنا بجامعتي الفلاحة والجماعات سيصطدمون بلا ريب مع البيروقراطية طالما تمسكوا بالديمقراطية والكفاحية ومناهضة الفساد. هذه التطورات التي تحبل بها الحركة النقابية المغربية تلقي على كاهل جامعة التعليم/توجه ديمقراطي أن تمثل تلك المنارة التي سترشد قوى النضال الحية إلى بناء قطب نقابي وفي لمصالح الأجراء يسهم في حل أزمة النقابة بالمغرب في اتجاه تكريس الديمقراطية والنضال الطبقي.
7- منهجية معالجة السلبيات
أبانت نقاشات المؤتمر، وردود فعل معظمه، أن شعلة مناهضة البيروقراطية متقدة في الجامعة. وأبدى قسم هام من المؤتمرين حسا نقديا سليم الجوهر وإن تباينت أشكال التعبير عنه، من التعبير الصريح عن المعارضة، او مغادرة المؤتمر قبل انتهائه، او في نقاش فردي، أو فقط بإبداء مشاعر الاشمئزاز.
من ايجابيات المؤتمر انه لم ينقسم بالانتماء السياسي، فحتى داخل نفس التيار السياسي تجد من يبرر أساليب بيروقراطية ومن يعارضها. هذا أمارة صحة وعافية.
يجب ألا نجعل من سلبيات المؤتمر، ومن طبيعة بعض المناضلين اللاديمقراطية، واستمرار رواسب المحجوبية، حاجزا يحجب عنا ايجابيات جامعتنا ومكامن قوتها ضمن الحركة النقابية المغربية اليوم.
إن رواسب التعايش مع بيروقراطية المحجوب بن الصديق، و تفاوت النزعة الديمقراطية لدى المكونات السياسية الفاعلة في النقابة، وحتى عيوب الأشخاص وتأثيرها السلبي على الحياة النقابية، كلها عقبات يتعين العمل على تجاوزها، لا اتخاذها مبررا لهجر ساحة بناء النقابة الديمقراطية الكفاحية. من المألوف أن تلجا قوى مناضلة نقدية الى التراجع أمام مصاعب البناء، فثمة من يقرر الصمت، وهناك من يستقيل. بيد أن الحرص على مستقبل جامعتنا، ومعها مستقبل الحركة العمالية بالمغرب، يجعل من واجباتنا إقناع جميع المناضلين المستائين من سلبيات تجربتنا بمواصلة جهود البناء. وفي الآن ذاته نأمل ألا ينجر رفاقنا المؤيدون لرأي العودة إلى الاتحاد المغربي للشغل إلى ما يعاكس رأي القاعدة العريضة المتمسكة بخيار بناء الجامعة منارة للفعل النقابي الديمقراطي الكفاحي. فهذا الخيار سائد، مقنع لغالبية أعضاء جامعتنا، ولا أدل على ذلك من عدم تجاوبهم مع خيار العودة الى إ.م.ش رغم نصيحة نقابي من عيار عبد الحميد أمين الذي ناشدهم بذلك في جلسة المؤتمر 11 الإفتتاحية. وهذا ما تأكد على نحو ساطع بتصويت الاغلبية المطلقة على آخر فقرة من القانون الأساسي القاضية بعدم حل الجامعة، أو دمجها في مركزية نقابية أو إلحاقها بها، إلا بقرار ثلثي الحاضرين عند التصويت في مؤتمر استثنائي تستدعيه اللجنة الإدارية.
خاتمة:
كان بالوسع أن يكون مؤتمر الجامعة نموذجا للديمقراطية العمالية لولا الشوائب المذكورة أعلاه. ما يستلزم اليقظة وحس المسؤولية لتجنيب جامعتنا الآفات التي قضت على نقابات أخرى عديدة، استهلكت هي أيضا مدة طويلة كلام الديمقراطية والكفاحية. وإن قول هذا لا يعني أن فرصة إعطاء مثال الديمقراطية، في التنظيم وفي النضالات، قد فاتت: إن قوى جامعتنا الفتية والتواقة للنضال اكبر من ذلك بكثير.
إن وضع الحركة النقابية اليوم بقطاع التعليم، وحتى بعالم الشغل بوجه عام، مقبل على مخاطر جمة، قوامها تصعيد الدولة عدوانها على الأجراء على كافة المستويات. ومن جانب آخر تلحق سياسة القيادات البيروقراطية بالغ الضرر بالحركة النقابية. ما يستوجب جهود إعادة بناء هذه الحركة على اسس الديمقراطية والكفاحية، أي تجديدا عميقا بالاستناد على تطلعات الشغيلة وتجارب نضالهم وعلى مكاسب التجربة التاريخية للحركة العمالية المحلية والعالمية. وهذا ما يلقي مسؤولية جسيمة على جامعتنا بالنظر إلى كونها الأفضل تأهيلا للسير على هذا الطريق.
نقابيو/آت تيار المناضل-ة المشاركون/آت في المؤتمر
30 يونيو 2016
اقرأ أيضا