تربية الشباب الثوري [1]
ليون تروتسكي
يجب على حزب ثوري أن يتأسس بالضرورة على الشباب. لا بل بالوسع قول إنه يمكن الحكم على الطابع الثوري لحزب ما، بالمقام الأول، بمقدرته على جذب الشباب العامل إلى الانضواء تحت رايته. يكمن السلوك الأساسي للشباب – واقصد الشباب الحقيقيين وليس شيوخ عشرين سنة- في استعدادهم لأن يهبوا أنفسهم تماما وبالكامل لقضية الاشتراكية. إن التاريخ لا يتقدم، بوجه عام، بلا تضحيات بطولية، وبلا شجاعة، وبلا حزم.
لكن التضحية وحدها لا تكفي. ما يلزم هو فهم واضح لمسار التطور ولمناهج العمل الملائمة. وهذا لا يمكن الحصول عليه سوى بالنظرية وبالتجربة الحية. إن الحماس الأشد اتقادا سرعان ما يبرد ويتبخر ما لم يجر إسناده في الوقت المناسب على فهم واضح لقوانين التطور التاريخي. كم مرة عاينا شبابا متحمسين يصبحون، بعد طأطاة الرأس، انتهازيين؛ ويسارويين محبطين يصبحون بسرعة بيروقراطيين محافظين، على النحو ذاته الذي يتحول به خارج عن القانون إلى دركي ممتاز . كسب المعارف والتجربة، وفي الآن ذاته، الاحتفاظ بروح القتال، والتضحية الثورية بالذات، والعزم على السير حتى النهاية، تلكم مهمة تربية الشباب الثوري وتربيتهم الذاتية.
إن الثبات الثوري على المبدأ خصلة ثمينة طالما هو موجه ضد التكيف الانتهازي مع البرجوازية ومع التقلب النظري مثل التردد الرعديد لكل صنوف المكاتب والردهات الشيوعية و الاشتراكية من طراز برادر Browder و نورمان توماس Norman Thomas [2]، ولوفيستون و نظائرهم. لكن “الثبات على المبدأ” يتحول إلى نقيضه عندما يكون مجرد عزاء للعصبويين و لمشوشي الأذهان لعجزهم عن الارتباط بالجماهير.
إن الوفاء لراية الأفكار الثورية هو الخصلة الأساسية التي لا غنى لثوري حقيقي عنها. لكن الويل لمن يحول وفاءه إلى عناد عقائدي، وإلى ترديد صيغ جاهزة، محفوظة على ظهر قلب نهائيا، دون قدرة على النظر إلى الحياة و الإجابة على مقتضياتها. إن سياسة ثورية حقيقية تعني إيصال أفكار الثورة البروليتارية إلى جماهير متزايدة دوما، عبر تركيبات ظروف تاريخية دائمة التغير، غالبا ما تكون جديدة و غير مرتقبة.
طبعا يظل العدو الرئيس في صفوفنا هو الانتهازية، لا سيما بشكلها الأشد ضررا، اي الستالينية. سفلس الحركة العمالية هذا. لكن النضال الظافر ضد الانتهازية يستدعي على نحو جوهري القضاء على عيوب العصبوية و التحذلق المتشدق في صفوفنا. لقد علمنا تاريخ الأممية الرابعة، ومنه تاريخ فرعها بالولايات المتحدة الأمريكية، دروسا عديدة يجب علينا فهمها وتطبيقها.كان من عادة اليونان القدامى استعراض عبيد سكرانين بقصد ثني الشباب عن إدمان الكحول. إن أولر Oehler و فيلد Field وفيركين Vereeken، وأمثالهم (3)، عبيد للعصبوية ينسقون تقطيبات وجوههم وشقلباتهم كما لو كان هدفهم الأساسي تنفير الشباب بعصبوية عقيمة وقاتلة.
أخيرا، نأمل أن يكون المؤتمر المقبل لرابطتكم مرحلة هامة على طريق اكتساب خبرة سياسية على قاعدة غرانيت البرنامج الماركسي. بهذا الشرط وحده يمكن تأمين مصير الحركات التاريخية الكبرى التي تمثل رابطة الشباب أحد فيالقها الطليعية.
(18 يوليو 1938)
إحالات:
- النص رسالة إلى مؤتمر Y.P.S.L (رابطة الشباب الاشتراكية)، منظمة شباب الحزب الاشتراكي، التي بقيت بيد التروتسكيين بعد “خروجهم” من ذلك الحزب.
- برادر Browder من قادة الحزب الشيوعي، و لوفيستونLovestone من قادة المعارضة اليمينية “البراندليرية”. نورمان توماس Norman Thomas (1884-1968) قس من دعاة السلام، كان من قادة الحزب الاشتراكي الذي استقبل التروتسكيين ثم طردهم.
- فيلد B.J.Field اسم مستعار لماكس غولد Max Gould (1900-1977)، اقتصادي زار تروتسكي في برانكيبو، ثم جرى طرده –للمرة الثانية- من الفرع الأمريكي بسبب رفضه الانضباط في أثناء إضراب فنادق نيويورك. هوغو أولر Hugo Oehler اسم مستعار لإدوارد أولر Rdward Oler (1903-1983)، من قادة الحزب الشيوعي العماليين، جرى كسبه للمعارضة اليسارية لكنه بقي سريا داخل الحزب مدة سنتين. عارض في البداية الاندماج مع منظمة موست Muste و “الانعطاف الفرنسي” وتم طرده في العام 1935. كان اعتبر دخول التروتسكيين الأمريكيين الحزب الاشتراكي “عملا تصفويا”.
================
المصدر : سلسلة أعمال ترتسكي الجزء 18 [يونيو 1938 إلى سبتمبر 1938] ، بإشراف بيار بروييه ، منشورات معهد ليون تروتسكي ، 1984 – صفحات 146 إلى 148
تعريب المناضل-ة
اقرأ أيضا