حزب الأصالة والمعاصرة ما طبيعته وما برنامجه السياسي؟
بقلم: أنور أحمد
أنهى حزب “الأصالة والمعاصرة” مؤتمره الثالث المنعقد في يناير 2016 تحث شعار ” الديمقراطية الاجتماعية ورهانات التحديث السياسي بالمغرب”بتشكيل هياكل قيادته الوطنية . وأثار سياق تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة والغايات منه نقاشا بين اللفيف الحزبي الرسمى والمعارض .
السياسة العمالية المستقلة معنية بإبداء موقفها من الأحزاب البرجوازية بكل تلاوينها لتربية الطلائع العمالية المناضلة علي كشف حقيقتها السياسية والمصالح الطبقية التي تمثلها .
تأسيس الأصالة والمعاصرة :الدولة تعزز واجهتها بحزب جديد.
1- فؤاد عالى الهمة من رحاب القصر الملكي إلى الزعامة الحزبية.
لم يكن ولادة حزب “البام” نتيجة مخاض نضال شعبي ولا سليل نقاش سياسي وتقارب فكري أفضى لقناعة تأسيس حزب سياسي بل هو ثمرة قرار الدولة في شخص أحد رجالتها الحاليين،فؤاد عالى الهمة ،أحد زملاء الملك في مدرسة القصرالملكي ترشح باسم حزب الحركة الشعبية أحد الأحزاب اليمينية وأصبح رئيسا لبلدية “ابن جرير” بين عام 1992/1997 ثم نائبا برلمانيا عن قلعة السراغنة بين 1995/1997 و تولى منصب كاتب الدولة في الداخلية سنة 1رفقة إدريس البصري أحد جلاوزة النظام المشهورين. استقال منتصف 2007 لخوض الانتخابات كمرشح مستقل عن دائرة الرحامنة وفازت لائحته بكاملها بثلاث مقاعد ، بيسر شكل فريق برلماني من 36 برلمانيا مستقلا محتلا الرتبة السادسة في ترتيب الفرق البرلمانية .
2- من حركة لكل الديمقراطيين …
أعلن عن تأسيس حركة لكل الديمقراطيين بهدف واضح العمل على وقف صعود الأحزاب السلفية الرجعية التي تهدد مكاسب الانفتاح والحداثة- حسب قولهم- مما يستدعي تجمعا واسعا وتحالفا لكل الديمقراطيين أحزابا وهيئات ودولة لوقف خطر المد السلفي . أعلن عن تأسيسها في 17 يناير 2008 ووقع بيانها أشخاص من مشارب فكرية وثقافية وسياسية و جمعوية ومهنية متنوعة يستحيل لفهم جميعا علي أي شيء إلا تلبية لأوامر الدولة.
3- …. إلي تأسيس حزب الأصالة والمعاصر (البام).
أعلن عن تأسيس الحزب في صيف 2008 عبر إعلان نشرته صحيفة “الصحراء” اليومية . وجاءت ولادة (البام) عبر تجميع لخمس أحزاب صغيرة مغمورة خلقت كلها بأمر من أجهزة النظام لتفتيت الساحة الحزبية وترك باب المناورة مفتوحا لأي هندسة برلمانية تمليها الظروف علي أجهزة الدولة ،هده الأحزاب هي : حزب العهد – حزب البيئة والتنمية- حزب رابطة الحريات- حزب مبادرة والمواطنة والتنمية وكلها أحزاب مغمورة اندمجت في حزب “الأصالة والمعاصرة” بالإضافة إلي شخصيات سياسية ارتبط بروزها ب”الحركة من أجل الديمقراطية” في أغلبها قدماء يسار متهالك ومعتقلين سابقين وكل الباحثين عن تقاعد مريح ومقابلا مجزيا مقابل التجند دفاعا عن النظام باستثمار الماضي النضالي داخليا وفي الخارج عربونا عن تغيير “ديمقراطي” للنظام.
جاء في بيان إعلان التأسيس ” الدينامية الايجابية التي يعرفها الحقل السياسي الوطني والتي عرفت تباعا تشكيل فريق نيابي داخل مجلس النواب ،ثم فريقا ثانيا داخل مجلس المستشارين تحت اسم الأصالة والمعاصرة انصهرت فيها فعاليات برلمانية تنتمي الي مشارب وتنظيمات حزبية مختلفة … وتجاوبا مع العرض السياسي الذي تقدمت به الحركة لكل الديمقراطيين ،قصد المساهمة في تأهيل الحقل السياسي الوطني والعمل علي تجاوز واقع البلقنة التي يعرفها المشهد الحزبي”.
4- ما غاية الدولة من تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة (البام) وما سياقه؟
ليس سرا أن الهدف من تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة كان جواب الدولة المدركة لحقيقة التآكل الذي أصاب قاعدة أحزاب المعارضة الليبرالية وتصدع تنظيماتها وخطر دلك علي السرك الانتخابي الذي فقد الإثارة لاقتصاره علي أحزاب بزعامة أعيان فاسدين ينفرون الجماهير من المشاركة الانتخابية مما يفسح المجال رحبا لاكتساح الأحزاب الدينية للانتخابات لما تتوفر عليه من مصداقية نظير عدم تورطها بعد في الفساد ،لكن أهم من دلك فتأسيس “البام” كان بغاية تمكينه من أغلبية برلمانية وتشكيل حكومة تمرر بالسرعة المطلوبة إصلاحات نيوليبرالية مؤلمة دون اعتبار لحسابات فقدان القاعدة الانتخابية .
الملكية الحاكمة بالمغرب ممسكة بخيوط الحياة السياسية اعتادت علي تدقيق من سيقوم بدور المعارضة ونسبة المقاعد التي ستوزع علي الأحزاب المعارضة الرسمية أو الإدارية وتحدد من سيتولى القيادة السياسية في هدا الحزب أو داك …فالأحزاب كما الجمعيات ليست إلا مكملا لعمل الدولة وواجهة لإضفاء تعددية زائفة أما الجزء المستقل من أحزاب وجمعيات و أفراد فمراقب وخاضع للتضييق ومحاولات الاختراق وعمليات الخنق والقمع.
في منتصف الستينات أسس مستشار وصديق الملك “أحمد رضا أكديرة” جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك). كما أسس صهر الملك الراحل “أحمد عصمان” حزب التجمع الوطني للأحرار ،كما طلب من “المعطي بوعبيد” الذي كان وزيرا أولا سنة 1983 تأسيس حزب الاتحاد الدستوري. كل تلك الأحزاب يعلن عن ولادتها عشية موعد الانتخابات وتنتهي باكتساحها وتحتل المراتب الأولي برلمانيا وفي الجماعات وهو عينه ما حصل مع الحزب الذي أسسه صديق ومستشار الملك.
حزب الأصالة والمعاصرة: ما طبيعته الطبقية وما برنامجه السياسي؟
سيضيع جهد الباحث عن جديد يميز حزب الأصالة والمعاصرة عن باقي الأحزاب البرجوازية الملكية .فتأسيسه كان ثمرة تجميع لرقع صغيرة حزبية قاسمها المشترك كونها محميات لزعماء وسجلا تجاريا لنيل قسمتهم من منافع التمثيل في المؤسسات والدعم المالي وبيع التزكية الانتخابية أسوة بأغلب الأحزاب السياسية ،فلا موقف يميزهم ولا برنامج سياسي يخصهم ولا ماضي نضالي يحوزونه ،ما أضافه حزب الأصالة والمعاصرة هو استقدام مجموعة من قدماء يسار متهالك من تجارب وفترات مختلفة ألف بين قلوبها صديق الملك وجندها لتأسيس حزب الدولة الجديد ،تتحدث باسمه للإعلام وتصوغه أدبه السياسي مستثمرتا ما كسبته من تجربة سياسية وعلاقات بمنظمات النضال لتجنيد أعضاء جدد باحثين عن طرق الإفلات من شطف العيش بإنصاف النظام والمصالحة معه.
أربك الصعود النضالي المتفجر سنة 2011 خطط النظام ودفعه إلي إعادة ترتيب أولوياته ،فقد ندد المحتجون بفساد واستبداد النظام وطال الأمر داته زعماء حزب الأصالة والمعاصرة نفسه .فسحب فؤاد عالي الهمة إلي مواصلة عمله رسميا كمستشار للملك وتوارى الحزب وخف ضجيجه قليلا ،واضطر النظام إلى إجراء تعديل دستوري لم يكن واردا لديه وأجرى انتخابات دون اللجوء إلى التزوير المعهود أسفرت عن تبوء حزب “العدالة والتنمية” صدارتها مع كبحه بتحالف حكومي هجين للحد من حريته عند الضرورة .
لجأ النظام مؤقتا لعجلة احتياطية اسمها “العدالة والتنمية” لاجتياز سياق تفجري لسنة 2011 وعند سيتأكد من استنفاد الموجة النضالية لديناميتها سيضعها جانبا ويكمل طريقه بعجلة أصيلة ومعاصرة.
“يجب على المرء، كي يكون على بصيرة في صراع الأحزاب، ألا يثق بها وفق أقوالها بل عليه أن يدرس تاريخها الفعلي، أي أن ينظر إلى طريقتها في حل مختلف المسائل السياسية وإلى سلوكها في مختلف القضايا المتعلقة بالمصالح الحيوية لمختلف الطبقات الاجتماعية: مالكون عقاريون، رأسماليون، فلاحون، عمال، الخ.” (1)
إن الأصالة والمعاصرة حزب الدولة تأسس لخدمة أجندتها وليس تعبير عن قناعة مستقلة لمجموعة من الأشخاص للدفاع عن مصالح طبقية،وهو ما يطلق عليه مغربيا بالأحزاب “الإدارية” التي تكتسح الواجهة الرسمية للدولة (برلمان- جماعات- حكومة- جمعيات …) عبر تدخل علني وخفي من قبل أجهزة الدولة .
حزب الأصالة والمعاصرة حزب للدفاع عن النظام القائم و أعدائه كل من يسعي إلي تغيره إصلاحيا ليبراليا كان عماليا ثوريا أو رعيا دينيا غايته دوام سيطرة النظام السياسي والاقتصادي القائم بالتخلص من بعض الشوائب التي تمس من شرعيته وتشكل خطرا عليه.
“تتأسس مرجعية الحزب علي قيم المواطنة و الأصالة المغربية والتشبث بمقومات الأمة المغربية الأساسية كما ينص عليها دستور المملكة وهي الدين الإسلامي السمح والملكية الدستورية والوحدة الوطنية المتعددة الروافد .. .(2)
“يعمل حزب الأصالة والمعاصرة علي المساهمة في أعمال مقتضيات الدستور المتعلقة بالثوابت الوطنية ..” كم ” يؤكد حزب الأصالة والمعاصرة علي أهمية و قيمة وديناميكية الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب علي كافة المستويات:السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية والبيئية و يعتبر أن مهمة تحصين وتوطيد وإثراء هده الدينامية تشكل الرهان الكبير للمشروع الوطني قيد الانجاز” ويسعي الحزب إلي “إقرار سياسة عمومية أمنية آستباقية وفعالة للتصدي لكل المحاولات المهددة للاستقرار و أسس التماسك الاجتماعي والهادفة إلي المس بسمو القانون وهيبة المؤسسات”.(3)
القاموس الإنشائي نفسه المشترك بين كل الأحزاب البرجوازية الذي تتقاسمه مع وكالات الأنباء الرسمية وتصريحات وبيانات الوزارات الرسمية لكونه صادر من جهة واحدة هي الدولة .
خلاصة:
ليس حزب الأصالة والمعاصرة إلا محاولة لتحريك الحياة السياسية الرسمية التي علاها الصدأ بفعل الاختلال الذي خلفه ضعف أحزاب المعارضة الليبرالية التي فقدت مصداقيتها بمشاركتها في حكومة واجهة للنظام مررت تعديات مضادة بعد عقود من معارضة رسمية للملكية . قوة حزب الأصالة والمعاصرة لا تتمثل في انغراس شعبي ولا في بديل سياسي يقنع به بل في ما يلقاه من سند الدولة برجالها و دعمها وخفوته سيكون بسرعة بروزه حين ينهي أنجاز مهمته نجاحا أو فشلا.
+—————
1- الأحزاب السياسية في روسيا لينين .
2- الديمقراطية الاجتماعية ورهانات التحديث السياسي :مشروع الوثيقة المذهبية
3- نفسه.
اقرأ أيضا