معركة الأساتذة المتدربين: بالنضال وحده سنحقق الانتصار
واصل الأساتذة المتدربون معركتهم البطولية بشجاعة وقدموا المثال الدامغ على جدوى النضال الجماعي والموحد، بأشكال نضالهم المتنوعة وبمسيراتهم العارمة وتواصلهم مع الشبيبة الجامعية وتلاميذ الثانويات وساكنة الأحياء الشعبية خلقوا حضنا شعبيا متضامنا مع مطالبهم وهزموا حملة الدولة وأكاذيب أحزابها التي عملت ما بوسعها لنزع المصداقية عن نضال الأساتذة.
ونظرا للمستوى الذي بلغته معركة الأساتذة المتدربين فانه من البديهي أن تطرح للتداول العمومي أسئلة عن مستقبلها، وما المسار المطلوب سلكه، وكيف نرد على مبادرة الأصدقاء ومناورات الأعداء، وما أوراق الضغط ونقاط الضعف المحيط بمعركتنا؟ وهدا نقاش عادي ومطلوب بين كل أنصار النضال ببلدنا.
معركة الأساتذة المتدربين: ميزان القوى الفعلي والمعطيات المؤثرة على راهن ومستقبل المعركة.
يتحدد ميزان القوى لأي معركة اجتماعية بطبيعة السياق الاقتصادي والسياسي الإجمالي بالبلد، وليس خافيا أن معسكرنا خارت قواه، وعجزت منظماته واستنكفت عن رد الضربات بأشد منها. وتبقى النضالات البطولية العمالية والشبيبية واحتجاجات الساكنة في عزلة، وتنفرد بها الدولة قمعا أو احتواءا. وتمثل معركة الأساتذة الجارية مثالا حيا عن حقيقة ميزان القوى. ولنتصور انخراطا قويا للنقابات والشبيبة الجامعية في دعم هذه المعركة، لو حصل ذلك، لاتخذت الوقائع مجريات نضالية أخرى، ولأجبرت الدولة عن التراجع فورا. الأدهى أن معركة الأساتذة المتدربين أزعجت القيادة النقابية العاجزة والهرمة، التي تتوسل حوارا بئيسا من حكومة بئيسة وتناور بخطوات نضال هزيلة ومتباعدة؛ لا قدرة لها على صد الهجمات ولا انتزاع المكاسب. بل إنها تستعرض فضيحة ضعفها وتكشف طبيعتها المتواطئة. إذن المعركة خيضت وواصلت تطورها بتعارض مع ميزان القوى الإجمالي.
لكن هناك معطيات أخرى لها تأثير على سياق وآفاق المعركة النضالية وتمثل عناصر اجابية تصب في صالح تحقيق المطالب منها:
1- الحكومة تحت ضغط توفير حلول ملموسة للدخول المدرسي القادم بناء عن معطيات مؤكدة لرسم خريطة مدرسية وتفادي الارتباك. فكيف يتأتي لها ذلك وملف 10000 إطار تربوي مازال عالقا.
2- لا بدائل للحكومة لمواجهة الخصاص المسجل أصلا بالإضافة إلى المحالون على التقاعد إلا بالاعتماد على الأطر التربوية المتوفرة، وحينها سنقف على مستويات غير ممكنة واقعيا من التكدس وحركة إعادة انتشار إجبارية غير ممكنة للأطر في الوقت الحالي، وإلزام آخرون بتدريس مواد خارج تخصصهم.. حصول هذا السيناريو يجعل الموسم الدراسي موسم احتجاجات للمنظمات النقابية.
3- أقسام بلا أساتذة سيثير احتجاجات الأسر والتلاميذ مما سيخرط فئات أخرى في النضال.
4- اللجوء إلى تشغيل مدرسين (بالتعاقد مثلا) نتيجته خلق حركة احتجاج جديدة ستطالب بتسوية وضعيتها بإدماجها بالوظيفة العمومية (أمثلة سابقة كالعرضيين- سد الخصاص- التربية غير النظامية ….).
5- ستكون الدولة أمام تحدي كبير . فتزامن الدخول المدرسي المقبل مع الانتخابات البرلمانية يهدد بإرباك لا يمكن التنبؤ بما سيسفر عنه من تأثيرات على محطة سياسية بالغة الحساسية لدى الدولة.
6- كما أن تطورات قضية الصحراء ورغبة الدولة في تركيز الأذهان عليها حصرا، وكذا تنظيم مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ في وأخر السنة الحالية محطة لن تسمح الدولة بحركة تشوش التركيز على النجاح التنظيمي لتلك المحطة العالمية والترويج للمغرب وقدرته على تثبيت الأمن في عالم يهزه الإرهاب .
الدولة تناور بين القمع والمبادرات للالتفاف على المطالب المشروعة
بدءا علينا التمييز المنهجي بين الحكومة والدولة، فالحكومة في أخر التحليل موظفون سامون لمدة محددة، يدبرون سير أجهزة الحكومة. أما المفاصل الأساسية فيحددها الحاكمون الفعليون مع ترك التفاصيل الجزئية للوزراء لإشباع شغفهم للسلطة.”عيطوا على الدولة” صاح بن كيران في مدينة وجدة ردا على احتجاجات ضده في ندوة عمومية، ولم يأتي البوليس؛ أحد أجهزة الدولة الحقيقية. ذاك مثال حي عن التمايز بين الحكومة والدولة .
الاستجابة لمطلب الأساتذة المتدربين من طرف الحكومة الحالية سهل وممكن ويدخل في صلب التدبير الجزئي لحكومة الواجهة، فما سبب تعنتها ورفضها التوصل إلى حل منذ الشهور الأولى لتفجر الاحتجاج؟
ما عقد عدم قبول الحكومة الحالية الاستجابة لمطالب الأساتذة المتدربين المشروعة أمرين اثنين :
1- ما أن تخلصت الحكومة من الاحتجاجات العارمة للأطباء المتدربين والداخلين والمقيمين ضد مشروع خطة لوزير الصحة، والتي أجبرته عن التراجع بعد لجوئه إلى التصعيد اللفضي ملوحا بخيار إما أن تمر الخطة أو يغادر المنصب لكن في الأخير لا خطة مررت ولا غادر منصبه.
فهمت الحكومة عدوة الشعب أن تراجعها أمام الحركات الاحتجاجية لن يسمح بتمرير خططتها المدمرة لمكاسب تاريخية وسيعطى ذلك الدليل عن ضعفها وسيرمى بها الحاكمون الفعليون جانبا هذا ما يقصد به الحرص على “هيبة الدولة”.
2- أطلق الوزير الأول تصريحات علانية تجزم برفض التراجع عن تطبيق المرسومين حتى ولو أدى ذلك إلى اسقاط الحكومة وأقسم وشدد في مناسبات لاحقة على نفس القول مما وضع الحكومة وحزب العدالة والتنمية تحديدا في مأزق. فان تراجعت عن ما جزم به ” بن كيران ” فسيكون لذلك تأثيرات سلبية على مستويين؛ الأول ستنقض الأحزاب الرسمية المعارضة على الحكومة وعلى “العدالة والتنمية”، وستستعمل ذلك في حملاتها الانتخابية القريب أجلها. أما الثاني فسيعطي الدليل على أن النضال الجماعي والصبور يجبر الدولة على التراجع وهو أخطر ما لن يقبل به أعداء الشعب.
وبناءا عليه فإن الحكومة في مأزق حقيقي، نضالات الأساتذة المتدربين تؤرقها ومدركة للضرر المعنوي الذي سببته معركة إسقاط المرسومين للحكومة الحالية، بلغ التبرم مستوى التضارب بين الوزير الأول ووزير الداخلية إبان القمع الشرس بمركز “انزكان” ودأب أنصار الحكومة على اتهام جهات معادية لهم بالحيلولة دون قبول الأساتذة المتدربين بحلول الحكومة، من جهة أخرى فقبولها الاستجابة لمطالب الأساتذة يجلب أضرارا سياسية لا تقل خطرا عن مواصلة فرض الأمر الواقع.
ما سيأمله “بن كيران” تدخل سلطة أخرى بحل يخرجه من المأزق ويوفر له غطاءا للتراجع بأقل الأضرار، إن تلميحه بالتوجه إلى القضاء للفصل في الأمر قد يكون لذاك الهدف.
الأحزاب الرسمية ومعركة الأساتذة المتدربين.
أكدت الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة تعزز حزب العدالة والتنمية الانتخابي وثبات باقي الأحزاب الحكومية بمواقعها مع بقاء حزب “الأصالة والمعاصرة” كآلة انتخابية منافسة مستفيدا بقربه من الدولة وكبار المالكين. قبل نصف سنة من الان لاشيء يعكر من صورة “العدالة والتنمية” لدى القاعدة الانتخابية، بل إن الذين يأملون شيئا اجابيا من العملية الانتخابية غالبا ما يمنحون أصواتهم لهذا الحزب. لكن أمرين اثنين غيرا نسبيا مزاج القاعدة الشعبية ونال من صورة “العدالة والتنمية”: معركة الطلبة الأطباء وقمع مطالب الأساتذة المتدربين وأخيرا مشروع إصلاح صناديق التقاعد. لقد نفدت الحكومة قرارات أشد خطرا لكن ما أثار رد فعل رافض وواسع هي تلك الإجراءات السالفة الذكر.
الدولة الحقيقية وأحزابها في المعارضة فرحت لتآكل الرصيد المعنوي “للعدالة والتنمية” وسعيدة لتقلص حاضنته الانتخابية وتستعمل كل الوقائع لكشف تناقضاته بين وعوده الحزبية وممارسته الحكومية، وستوظفها في محاربته ليس وهو بالحكومة لكن غدا إن انتقل للمعارضة حينها فلن تكون له حجة رفض ما حرص على تطبيقه بنفسه.
ليس للأحزاب المعارضة الرسمية من سياسة مغايرة لما تنفذه الحكومة الحالية فكلاهما يطبقان سياسة وضعت سلفا، كل ما يقومون به هو تنابز وإثارة مناوشات وصراع زائف من أجل كسب الأصوات الانتخابية لتنفيذ السياسة ذاتها.
إن حرص الدولة على فش معركة الأساتذة المتدربين في حال واصلت زخمها أمر أكيد، ولن يكون القمع المفتوح خيارها بالنظر لإدراكها أنه سيستثير تضامنا شعبيا واسعا وسيمس بصورتها التي تسوقها خارجيا، بل الأرجح مبادرة تستجيب للجوهري من مطالب الأساتذة وترفع الحرج السياسي على رئيس الحكومة ويكون الحاكمون الحقيقيون نالوا ما أرادوا.
ما الموقف من مساعي الوساطة بين الأساتذة المتدربين والحكومة؟
ليست مهمة منظمات النضال ومناضليها لعب دور الوسيط المحايد في قضايا الصراع الطبقي بكل مظاهره سواء الموجه ضد المالكين أو ضد دولتهم، دورهم الوحيد أخد موقعهم في خندق معسكر العمال والشعب، لسنا محايدين بل معنيين بالإنخراط من أجل انتصار معركتنا على عدو يريد إركاعنا أو الفتك بنا، لا ثقة لنا في وعوده ولا نصدق أكاذيبه عن تحمل الضربات بمبرر مصالح الوطن، ومن أجل ما فيه خير البلد. تلك سخافات وخدع مكملة للقمع غايتها تعبئة الأقسام المتخلفة الوعي السياسي منا وتجنيدها ضد الحركة المناضلة. يريد بعضا من قادة المنظمات الشعبية والعمالية المحرجين بتخليهم عن واجب الدعم النشط وكذا بعض المثقفين الليبراليين المنزعجين من تعنت وجلافة الحكومة، يريد هؤلاء، القيام بدور الوسيط المحايد للتوفيق بين معسكر الحكومة غير المتفهم ومعسكر النضال الذي يبالغ في مطالبه، أمثال هؤلاء لا يظهر لهم أثر في معارك يجري هزمها بشراسة ولا في أخرى تحمل مطالب تمس خيارات جوهرية للحكومة بل يندفعون إلى الواجهة الإعلامية حين تظهر حركة واسعة نسبيا وثابتة نضالية وبمطالب جزئية هنا يقفزون بزهو ويعرضون مهاراتهم الدبلوماسية وطبعا الضغط على الحركة النضالية لتقليم وتهذيب مطالبها ومساعدة الحكومة على تجاوز الضغط واحتواء مطالب الحركة بتنازلات جزئية، إن بعض الوسطاء يتدخلون بإيعاز مباشر من الدولة نفسها وهم جزء مكمل لأدوارها.
لسنا معنيين بحسابات الأحزاب الرسمية المتنافسة، ولا بمناوراتها، ولا يهمنا تنافس أجهزة الدولة وحساباتها، ما يعنينا هو تحقيق مطالبنا التي حددناها بدقة ووضوح وخيارنا مواصلة نضالنا لنيلها وثقتنا في دعم وتضامن شعبنا .
نتحاور وننصت لكل المبادرات التي تقدم لنا ونتعامل بلباقة مع كل المساعي التي تطرحها المنظمات والهيئات والأفراد وأجهزة الدولة ونقاربها ونخضعها للنقاش الديمقراطي ومدى استجابتها لمطالب حركتنا.
ما من أوهام لدينا ولسنا بقاصرين نضاليا بل متيقظين ومدركين لكل ما يحيط بمعركتنا النضالية، ولنا العزم الكافي للسير قدما حتى الانتصار وتحقيق مطالبنا كاملة غير منقوصة. ثقتنا في وحدة نضالنا.
سعيد، أستاذ متدرب
اقرأ أيضا