مغرب الجنوب الشرقي: الموت يكشف مجددا مغرب الفقر والأمية والمرض..
خبر كالصاعقة نزل على ساكنة “مصيسي”*، وعلى عموم المواطنين بالجنوب الشرقي، “الأبناء الذين من المفترض أنهم يجلسون على مقاعد الدراسة مشتتون في جنبات الطرقات، منهم من مات، ومنهم من بترت يده أو من انتزعت عينه…”.
لقد شهد مساء أمس الجمعة 11 مارس 2016 اصطداما عنيفا بين شاحنة مخصصة لنقل” المعادن” تحمل 48 تلميذ وتلميذة نظرا لانعدام النقل المدرسي، وبين سيارة من نوع الدفع الرباعي، على مستوى الطريق الرابطة بين جماعة “مصيسي” و”فزو” باقليم تنغير،خلفت هذه الحادثة المأساوية 48 حالة إصابة: من بينها وفاة تلميذة وتلميذ، وستة تلاميذ حالتهم خطيرة لازالوا في غرف الإنعاش، فضلا عن 19 حالة كسور في مختلف مناطق الجسم، استدعت بتر اليد لأحد التلاميذ، وكسور على مستوى العنق، وفقدان البصر وثم نقل التلاميذ الى مستشفى “علي الشريف” بالرشيدية.
طيلة خمسة سنوات، يداوم سائقوا الشاحنات –أجراء المناجم- على نقل هؤلاء التلاميذ مجانا، بخاصة اولئك الذين يبعدون على مركز امصيسي، خصوصا مناطق “الحفيرة” تبعد عن مصيسي 40 كلم، “فزو” (30 كلم) و”بوديب” 25 كلم و”تازولايت” 17 كلم، عبر مسالك طرقية ضيقة غير معبدة.
من الشائع في المناطق الجبيلة المحيطة بتنغير، نقل التلاميذ في شاحنات المقاولات، فالسائقون يتعاطفون معهم، وينقلونهم في مسالك وعرة، وطرق غير معبدة، في منطقة بلغ فيها الفقر والبؤس مبلغا مفزعا. يكشف تخلي الدولة الكلي عن مسؤوليتها؛ في تعليم الفقراء وصحتهم وحياتهم.
بين الفينة والأخرى، تكشف الحوادث المميتة المتتالية بهذه المناطق الوضع المرعب الذي يعيشه فقراء الجنوب الشرقي، أبناءهم يقطعون يوميا مسافات طويلة في احوال طقس باردة، املا في الوصول إلى مؤسسات تعليمية متخلفة (انعدام الاسوار، غياب التجهيزات الضرورية، غياب مطاعم وداخليات..) هذا فضلا عن الفقر المدقع يجابهه السكان بفلاحة معاشية متواضعة وتجارة تقسيط بسيطة، وأوضاع المرأة بهذه المناطق تفوق درجة التحمل؛ عمل منزلي مترافق مع اشغال شاقة بالجبال والسهول بحثا عن الخشب للتدفئة، وسقي المزروعات، وأمية مستشرية في صفوفهن، أما الولادات فتتم دون إشراف طبي، مما يفاقم اعداد المواليد الموتى؛ مولودان من اصل 4 يموتون عند الولادة. يضاف لهذا النقص المهول في البنيات التحتية والخدمات الأساسية، حيث تعيش هذه المناطق عزلة تامة ، وممرات عتيقة سرعان ما تتعطل أثناء تهاطل الأمطار وتساقط الثلوج. لذلك يضطر شباب هذه المناطق للهجرة القروية، بحثا عن لقمة العيش في المدن . إنها ظروف معيشية لا انسانية.
تبقى هذه الحوادث، والوفيات والإعاقات المترتبة عنها شاهدا على تردي أوضاع مغاربة الأسفل، وشاهدة كذلك على استرخاص أرواح السكان. تغطي الصحافة جانبا ضئيلا فقط من هذا الواقع المزري، وتظل غالبية الحوادث طي الكتمان. ومع الأسف الشديد يساعد على استمرار هذا الوضع الوعي السياسي المتأخر وانعدام تقاليد التنظيم النضالي لدى هؤلاء السكان، وسيادة العفوية في الاحتجاجات، وفقدان الثقة في القوة الجماعية والرهان على حلول السلطة والمجالس المحلية، فضلا عن غياب التضامن، الخ. اوجه الضعف هذه؛ يفاقمها عدم اضطلاع منظماتنا العمالية وجمعيات الحقوق الانسانية بأحد أدوارها الأساسية المتمثلة في فضح جرائم دولة أرباب العمل الذين لا يعاملون البشر الكادح سوى كمورد لا كانسان، وينهبون ثرواتهم الطبيعية، ويلوثون بيئتهم، ومن ثمة يتركونهم يواجهون مصيرهم عزلا.
المسؤولية كل المسؤولية تتحملها دولة البورجوازيين، فلماذا لا يلقى ابناءهم نفس المصير وهم يتنقلون لمدارس وجامعات خمسة نجوم؟ لماذا نحن دوما من يدفع ضريبة الموت والمرض والأمية و البطالة ؟
طيلة أزيد من 60 سنة على الاستقلال الشكلي، سخرت البورجوازية جهاز دولتها لخلق بنى تحتية؛ عبر آلية الاستدانة؛ تسهم في مراكمة الأرباح منها الموجه لبناء السدود والطرق السيارة والقطارات، والمطارات، والمركبات السياحية.. مقابل تهميش مذل كلي لسكان الجبال.
لم تساعد كل الترقيعات (محاربة الفقر، التنمية البشرية، التغطية الصحية للمعوزين..) في حسين ظروف السكان، فمجمل “المشاريع التنموية” ينقشع زيفها بمجرد انتهاء الجلبة الاعلامية.
يستدعي انقاد ارواح اطفال ونساء وشباب هذه المناطق، ووقف هذا التردي المريع تحركا نضاليا جماعيا للسكان، يتضافر مع كل قوى طبقتنا، عمالا ومعطلين وطلاب وتلاميذ ونساء، بناء على تعبئة واسعة تكشف الأوضاع اللاإنسانية التي لا زال سكان الجبال والقرى يعيشون فيها في القرن الواحد والعشرين.
يجب إنماء ارادة الكفاح لدى ملايين المغاربة الذين يعيشون من كدحهم، عبر الانخراط في كل أشكال المقاومة اليومية، واعتماد التضامن والديمقراطية في تسيير النضالات. سبيلنا الوحيد لتغيير ميزان القوى بما يضمن تحسين أوضاع الكادحين.
العزاء لعائلات الضحايا.
لا لاسترخاص حياة أطفالنا.
——-
الجماعة القروية مصيسي :M’SSICI جماعة قروية تابعة لإقليم تنغير ضمن جهة درعة تافيلالت، بلغ مجموع عدد سكانها حسب 2004 حوالي 7043 نسمة يعيشون في 828 أسرة.
حسن أقرقاج
اقرأ أيضا