نضال الأساتذة/آت المتدربين: حماية حرية عدم النضال.. لقمع حرية النضال
حرية عدم النضال.. لقمع حرية النضال
أشرف نضال الأساتذة المتدربين على تغطية العام الدراسي والتكويني، مدة قياسية سجل فيها الأساتذة المتدربين بأحرف من ذهب، وبالأحرى، من دماء، ملحمة نضالية تضاف إلى سجل نضال كادحي شعبنا ضد الاستغلال والقمع.
تعنتت الدولة ورفضت الاستجابة لنضال الأستاذات والأساتذة، لأن المرسوم القاضي بفصل التكوين عن التوظيف يعتبر جزء لا يتجزأ من هجومها على نظام الوظيفة العمومية وتفكيكه بما يضمن الاستجابة لأوامر البنك الدولي في هذا المجال (تقليص كتلة الأجور، نقل علاقة الهشاشة الشائعة بالقطاع الخاص إلى القطاع العمومي، تشجيع الاستثمار الخاص بالتعليم.. الخ).
لا يتعلق الأمر إذن بمشروع جهنمي تفتق عن ذهن بنكيران وأفاعيل حكومته، بل بهجوم شمولي على موظفي الدولة، شاءت سياسة الدولة أن يكون الأساتذة المتدربون في الجبهة الأمامية لهذا الهجوم، وهو ينال وسينال باقي شرائح الموظفين عاجلا أم آجلا، إن لم يتم وقفه بوحدة الشغيلة كافة.
صمود أسطوري
أثار صمود الأساتذة المتدربين سخط نظام ألف الخنوع من شغيلة مضبوطة بشكل جيد من طرف بيروقراطيات فاسدة وشائخة وحريصة على استقرار سياسي قائم على الاستغلال والاضطهاد والقمع.
انفجر سخط النظام على هذا الصمود بتكسير عظام وتهشيم وجوه وتسخير بلطجية لضرب الأساتذة بالسلاح الأبيض والحجارة، إضافة إلى كل صنوف التضييق على الاحتجاجات، دون أن ننسى حرمان الأساتذة المتدربين من منحة جرى تقزيمها إلى النصف.
ورغم ذلك لا زالت تدور
رغم كل هذا القمع والتضييق لا زالت عجلة نضال الأساتذة تدور رغم خفوت زخم التضامن نسبيا.
زاد استمرار هذا النضال سخط دولة اعتقدت أنها خلفت النضال والاحتجاج وراءها منذ خفوت حراك 20 فبراير والنضال الاجتماعي الذي واكبه، فزادت من جرعة قمعها وحصارها، ولم تكتف بالقمع “المادي” بل صاحبته بهجوم “إعلامي” و”دعائي” لتشويه هذا النضال وإفقاده المصداقية، كما فعلت سابقا مع نضال “طلبة الطب” وستفعله مع أي نضال للكادحين مستقبلا.
بلطجة إعلامية
تجلت هذه البلطجة بداية في اتهام الأساتذة بكون نضالهم موجها من قوى سياسية وليس نضالا من أجل مطالب اجتماعية، كما سبق واتهم طلبة الطب برفضهم العمل بالعالم القروي.
الحرية المفترى عليها
ظهرت في الآونة الأخيرة تهمة جديدة موجهة للأساتذة المتدربين، مفادها أن حرية الاحتجاج يقابلها بالضرورة حرية عدم الاحتجاج، وبلغة نضال الأساتذة حرية مقاطعة الدروس والامتحانات “تستوجب” بالضرورة حرية من يريد متابعة الدراسة واجتياز الامتحانات، وإلا فإن “الحرية” منقوصة غير كاملة ما دامت ليست للجميع.
ظهرت هذه النغمة الجديدة في إحدى الندوات التي نظمها ممثلو الاستبداد ومنفذو سياسته المخربة لقطاع التعليم العمومي، بالمركز التربوي الجهوي بآسفي، وأيضا في تدوينة لأحد أعضاء حزب العدالة والتنمية وكاتب عام النقابة التابعة لهذا الحزب؛ محمد يتيم.
يقول كاتب هذه النقابة التي لا تحمل منها إلا الاسم وليس المضمون في الدفاع عن مصالح الأجراء وعموم الشغيلة: “الخطأ القاتل الذي سيقع فيه الطلبة الأساتذة: منع الملتحقين بالأقسام وممارسة العنف اللفظي تجاههم”.
وأدان بالتالي محمد يتيم “كل التصرفات” التي صدرت عن الأساتذة المتدربين المقاطعين “لمنع الطلبة الذين اختاروا أن يرجعوا إلى فصولهم الدراسية”، فحسب يتيم “الحق في استئناف الدراسة لمن اختاره والحق في اجتياز الامتحان، لا يقلان أهمية عن الحق في الاحتجاج والمقاطعة”.
الحرية أحادية الجانب
كغيره من خدام الاستبداد وعبيده، لا يرى يتيم إلا الجانب الذي يخدم الاستبداد في “الحرية”، أي حرية العودة إلى الدراسة وحرية اجتياز الامتحانات. فيتيم ونقابته وحزبه هاجموا الأساتذة و”حرموا” حقهم في الاحتجاج “السلمي”، ولم تقم نقابة يتيم ولو بمبادرة “يتيمة” للتنديد بالقمع الشرس الذي طال الأستاذات والأساتذة، والمنع الذي نال احتجاجهم ومقاطعتهم.
كم من مرة منعت قوى القمع الأساتذة المتدربين من ولوج مراكز التكوين قصد كسر عزيمتهم ومنع تجمعهم، ولم تنطق نقابة يتيم بحرف حول هذا المنع.
لا تنتظروا ذلك من يتيم وأمثاله وحزبه، فهؤلاء- شأنه شأن كل خدام الاستبداد والاستغلال- ينددون دائما بنضال الكادحين، ويساوون دائما بين الضحية والجلاد، هذا إن لم يفضلوا الجلاد على الضحية، كما هو شأن كل المنددين بنضال الأساتذة المتدربين.
الحرية المنافقة
حرية التعليم، حرية الالتحاق بالفصول الدراسية، حرية اجتياز الامتحانات.. كلها جمل براقة، إن لم نستكشف غورها ونستجلي وظيفتها السياسية، سنعتقد في نزاهة وإيمان المتشدقين بها بمفهوم الحرية.
أين هي حرية التعليم في دولة خربت فيه الدولة قطاع التعليم العمومي وحرمت ملايين الأطفال من الالتحاق بصفوف الدراسة باعتراف المجلس الأعلى للتعليم: “بين سنتي 2000 و2012 غادر حوالي 3 ملايين تلميذ مقاعد المدرسة قبل الوصول إلى السنة الأخيرة من التعليم الثانوي الإعدادي، ونصف هؤلاء لم يستوف الدراسات الابتدائية”.
عن أي حرية تعليم يتحدثون وآلاف الأطفال تحول “الحواجز الاقتصادية” والفقر وعدم قدرة أسرهم على تمويل تعليم أبنائها من حصولهم على حقهم في التعليم.
يا لغيرة هؤلاء على حرية وحق كمشة من “الأساتذة المتدربين” في “استئناف الدراسة واجتياز الامتحانات”.
لماذا لا يدافع يتيم ونقابته عن حق الأساتذة المتدربين في تقاضي منحة هزيلة، ولماذا لم يحتج كل دعاة الحرية، ضد حرمان الأساتذة المتدربين من حرية التوظيف، بدل فرض “مرسوم يفصل التكوين عن التوظيف” من أعلى دون حتى استشارتهم.
إذا كانت حرية القبول بفصل التكوين عن التوظيف التي يدافع عنها يتيم إلى جانب قلة قلية جدا من الأساتذة المتدربين، فإن حرية رفض هذا الفصل، حرية الدفاع عن الحق في التوظيف، هي الحرية الأجدر والحق الأكثر وجوبا للدفاع عنه.
لماذا الآن؟
لماذا تعالت هذه الأصوات دفاعا عن “الحرية”؟ الجواب بسيط، إن الدولة في موقف ضعف لحدود اللحظة، فقد استطاع الأساتذة إنجاح مقاطعة الدروس والامتحانات، وبالتالي فالكرة في ملعبها وليس في ملعب الأساتذة المتدربين.
لم تستطع الدولة منع الاحتجاجات في الشارع، ولم تستطع أيضا إفشال المقاطعة، لذلك تحاول تفجير معركة الأساتذة المتدربين من الداخل، بزرع الشقة في صفوفهم.
ليست الحرية والديمقراطية مفاهيم معلقة في السماء ومفصولة عن المصالح الاجتماعية والطبقية المتناقضة في المجتمع الرأسمالي، لذلك فإن حرية الأساتذة المتدربين في مقاطعة الدروس موجهة للدفاع عن مصالح الكادحين في وجه تعديات البرجوازيين ودولتهم.
إن حرية مقاومة الظلم لا تستوجب حرية القبول بهذا الظلم، حرية الحرب ضد الاستغلال لا تعني بالضرورة ضمان حرية القبول بهذا الاستغلال.
حرية الدراسة… ما أشبهها بحرية العمل
دأبت الدولة لحماية مصالح البرجوازيين والرأسماليين، على التضييق على كل فرصة للعمل النقابي، لذلك ضمنت قانونها الجنائي فصلا ينص على “حرية العمل” وهو الفصل 288، ومقتضاه أن حرية الإضراب لا يجب أن تمس بحرية العمال الذين يريدون متابعة العمل ويأنفون الدخول في الإضرابات.
كان هذا الفصل سيفا مسلطا على رقاب النقابيين والنقابيات وزج في السجون العشرات، واستغل الرأسماليون هذا الفصل لاستقدام عمال من خارج المنشأة قصد كسر إضراب العمال المضربين.
إن حرية العمل للعمال الرافضين للإضراب منافقة شأنها هنا شأن حرية الدراسة بالنسبة للأساتذة المتدربين الرافضين لقرار مقاطعة الدروس.
على المناضلين طبعا الإصغاء لكل قسم يرفض الالتزام بقرار نضالي ما، والعمل على إقناعه بأشكال ديمقراطية، ولكن عند تنفيذ القرار المتخذ بشكل جماعي وبشكل ديمقراطي، فلا مجال للحرية هنا ولا للديمقراطية، إلا أن تكون هذه المفاهيم وسيلة لكسر النضال.
فالعمال داخل المصنع يناقشون بشكل ديمقراطي وبأوسع حرية قرار خوض الإضراب وطرق شنه وتنظيمه، وعندما يتخذ القرار بالأغلبية فإن الأقلية تخضع لهذا القرار، ولفرضه يلجأ العمال المضربون إلى حاجز الإضراب لمنع كاسري الإضراب من العمل.
فقط الرجعيون وخدام الاستبداد والناطقون الرسميون بمصالح الرأسماليين هم من يهاجمون “حاجز الإضراب” ويهاجمون العمال المضربين ويتهمونهم بعرقلة حرية العمل.. وهو ما ينطبق هنا على كل من ينتقد الأساتذة المتدربين على حماية مقاطعة الدروس ومقاطعة اجتياز الامتحانات.
إلى الأمام فإنكم منتصرون وإنكن منتصرات على دولة القهر والقمع.
وائل المراكشي
اقرأ أيضا