قبل 90 سنة، يوم 21 يناير 1924، توفي لينين: راهنية أفكاره ومعركته
لحظة الذكرى التسعين لوفاة لينين، تجدر العودة إلى ما تمثل اللينينية للحركة العمالية. لا سيما أن هذه الكلمة تعرضت لتزوير كبير وتشويه، و جرى إفراغها من محتواها، واستعمالها لخدمة سياسات مناقضة لما دافع عنه لينين و أتاح ظفر الثورة الروسية، أول ثورة عمالية منتصرة في التاريخ. إن تزوير ستالين و خلفائه بالاتحاد السوفييتي لليننية سبب و لا يزال كوارث في الحركة الثورية و العمالية.
إن كان لينين، بالأمس كما اليوم، ممقوتا من قبل المدافعين الصرحاء و المنافقين عن الرأسمالية، فلأنه ترجم إلى أفعال تراث ماركس و انجلز، الذي أراده البعض أن يبقى أدبيا ليس إلا. ناضل لينين، ضد كل العقبات والمصاعب، لبناء الأداة التي لا غنى للعمال عنها: حزب الكفاح، المكون من مناضلين مكرسين بالكامل للثورة البروليتارية، الحزب البلشفي. كان اختيار لينين هذا عرضة للتحقير داخل الحركة الاشتراكية قبل 1914 باعتباره عصبويا بسبب رفضه الذوبان في حزب واحد مع المناشفة الذين كانوا يقدمون أنفسهم بما هم أكثر انفتاحا، لكنهم كانوا كذلك بوجه خاص إزاء تأثيرات البرجوازية وضغوطها. هذا الخيار التنظيمي الحاسم نهجه لينين منذ 1903.
حزب ثوري ديمقراطي وممركز
كان للنقاشات الإيديولوجية دفاعا عن الماركسية ضد كل ضروب الانحراف أهمية حاسمة لتسليح سياسي وعملي للمناضلين العماليين في روسيا آنذاك . لكن لم يكن بد أيضا من الوجود المستقل ، بحزب خاص بهم، لمناضلين وقادة منتقين على أساس إخلاصهم لقضية الثورة الاشتراكية، أي الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة العالمية، للتمكن من قيادة الطبقة العاملة إلى النصر عند حلول وضع ثوري.
عندما اندلعت الثورة أول مرة في روسيا عام 1905، لم يطلقها لينين ولا الحزب البلشفي. بل حدثت انتفاضة شعبية كان مطلق شرارتها القمع الدامي لمظاهرة عمالية قادها كاهن منور.
لكن المناضلين البلاشفة كانوا في الصف الأمامي لما تلا من إضراب عام و تنظيم للمجالس العمالية (السوفييتات). ولم يتردد حزبهم، مستجيبا بذلك لعزم الجماهير، في تنظيم عمال موسكو عسكريا لما اختاروا مواجهة قوات القيصر. وبعد تراجع طور هجوم الثورة، وضع الحزب البلشفي، بإيعاز من لينين، على كاهله مواصلة محاربة العدو الطبقي حتى على الصعيد الانتخابي كمنبر للتوجه إلى تطلعات الجماهير الكادحة و الاستجابة لها.
إن كان هذا الحزب كفاحيا، منضبطا في الممارسة، فقد كان أيضا ديمقراطيا، بعكس الأكاذيب التي يروجها أعداؤه أمس و اليوم. على هذا النحو، بعد أن أصبح لينين في وضع أقلية داخل حزبه بصدد مسألة المشاركة في الانتخابات بعد العام 1905، امتثل لينين لموقف الأغلبية، مع الدفاع عن خطه، الذي انتهى إلى نصر.
لأن لينين قاتل بصرامة وحزم لبناء هذا حزب الثوريين هذا، فقد كان عمليا الحزب الوحيد عمليا الذي حافظ على راية النزعة الأممية والاشتراكية عندما اندلعت الحرب العالمية في 1914، رافضا الانضمام إلى البرجوازية كما فعل معظم الأحزاب الاشتراكية و النقابات في أوربا. لكن لينين لم يتحول إلى داعية للسلام، بل دعا الحزب البلشفي في أسوا لحظات يأس الجماهير إلى تحويل الحرب الامبريالية إلى انتفاضة عمالية لإطاحة البرجوازية.
كان لينين والحزب البلشفي يشكلان كلا واحدا. إن وجود هكذا حزب، أتاح دون غيره للثورة التي تفجرت في فبراير 1917 أن تسير حتى منتهى إمكاناتها، متيحة للطبقة العاملة بلوغ السلطة في أكتوبر 1917. لولا الحزب البلشفي، ولينين الذي كان قائده الأبرز، لم يكن للثورة أن تعرف طريق الظفر. و كانت بعض الرسائل وخطاب من لينين في ابريل 1917 كافيان لتوجيه حزبه، في لحظة تردد، نحو الثورة البروليتارية. هذا فيما كان القادة المناشفة وحلفاؤهم الحكوميون قد تحولوا إلى مدافعين عن “الديمقراطية”، أي عمليا عن البرجوازية.
هكذا كان الحزب البلشفي، حسب تعبير روزا لوكسمبورغ، قد امتلك “الجرأة” . كان لينين مرة أخرى في أكتوبر 1917 هو صاحب القرار الحاسم: الإعداد للانتفاضة المسلحة لنقل السلطة إلى مجالس العمال والفلاحين و الجنود. وهذا ضد قسم من قادة الحزب التاريخيين الذين لم يتجرؤوا على قطع الحبال مع العالم القديم.
حزب الثورة العالمي
ملايين العمال و الفلاحين الروس هؤلاء الذين قاموا بالثورة، قاوموا فيما بعد على نحو ظافر، بقيادة تروتسكي الذي أسس الجيش الأحمر وقاده، تحالف العالم الرأسمالي الذي أرسل قواته لإسقاط أول دولة عمالية.
كان لينين يتصور ضرورة السير حتى النهاية بما تحبل به الحقبة من إمكانات لقلب النظام القائم، كما فعل ماركس قبله، في إطار معركة الطبقة العاملة العالمية من أجل المجتمع الاشتراكي الجديد. بالإفادة مما كسبا من وزن نتيجة انتصار أكتوبر في روسيا، أسس لينين وتروتسكي الأممية الثالثة، المعلنة في العام 1919، في عز الحرب الأهلية. كان الأممية الثالثة، حزب الثورة العالمي، في قطع مع الاشتراكية الديمقراطية المنتقلة إلى صف النظام البرجوازي في 1914، تدعو بكل البلدان إلى خلق أحزاب شيوعية ثورية.
الإرث الثوري للحركة العمالية
تمثلت المأساة في أن الطبقة العاملة العالمية و مناضليها لم يتسع لهم وقت بناء أحزاب ذات خبرة، منغرسة في الجماهير على شاكلة حزب البلاشفة، قبل تراجع الموجة الثورية التي أعقبت الحرب العالمية. كان غياب هكذا أحزاب حاسما لمصير الثورة العمالية في أوربا، رغم المعركة الجريئة لملايين العمال و الفلاحين في ألمانيا و فنلندا وهنغاريا لا سيما من 1918 و 1923. وبتواطؤ القادة الاشتراكيين الديمقراطيين، قامت البرجوازية الألمانية باغتيال روزا لوكسمبورغ و كارل ليبكنخت، الذين حظيا بمصداقية تتيح بناء حزب شيوعي قوي.
كان لهزيمة البروليتاريا الأوربية تلك عواقب كارثية. ففي الاتحاد السوفيتي تسارع انحطاط الثورة العمالية، المعزولة ببلد متأخر. وأدى انتصار الرجعية البيروقراطية و إرساء الديكتاتورية الستالينية إلى حفر أخدود دم بين الأفكار والتقاليد التي حملها لينين، وبعده المناضلون البلاشفة حول تروتسكي، و المسخ الكاريكاتوري الذي مثلته الستالينية. وكانت إحدى نتائج تلك الخيانة، بكل مكان، تحول الأحزاب الستالينية إلى حراس للنظام البرجوازي، جنبا إلى جاب مع الاشتراكية الديمقراطية.
اليوم ، بكل مكان، تظل الطبقة العاملة محرومة من أحزاب ممثلة لمصالحها الطبقية. ومع تعمق الأزمة، وتفاقم الصراع الطبقي أي تخوضه البرجوازية العالمية، من الحيوي لمستقبل الأجيال الجديدة أن تعيد وصل ما انقطع مع التراث الثوري للحركة العمالية منذ بداياتها.
لن تستعيد الطبقة العاملة ثقتها بالنفس، وتنتصر على البرجوازية دون وعي مهمتها التاريخية، ودون بناء أحزاب ثورية شيوعية، مثل الحزب الذي كرس لينين حياته لبنائه.
بول سوريل
Lutte Ouvrière n°2374 du 31 janvier 2014
تعريب المناضل-ة
اقرأ أيضا