الأساتذة/آت المتدربون: تعديات البرجوازية ومقاومة الكادحين
بقلم: فودة إمام وسامي علوان
ضمن محتويات العدد 63 من جريدة المناضل-ة: فبراير-مارس2016
تدخل معركة الأساتذة/آت المتدربين شهرها الرابع من المقاطعة الوطنية لمراكز التربية والتكوين بهدف إسقاط المرسومين المدمرين للوظيفة والمدرسة العموميتان. الأغلبية الشعبية متعاطفة مع حركة الأساتذة/آت المتدربين. إنها حركة ضد التقشف وضد الحكومة التي خرجت توا من هزيمتين الأولى في مواجهة سكان طنجة ضد الغلاء، والثانية مع الطلبة الأطباء ضد ما سمي خدمة صحية إجبارية .
نحن إزاء تجدد النضال الاجتماعي بعد فترة تراجع تلت الحالة النضالية لسنة 2011. حركة بخصائص سابقة للحالة الاستثنائية التي مثلتها حركة 20 فبراير، وفي نفس الوقت تستعيد تقاليدها ودروسها الأساسية.
تعديات في سياق تراجع نضالي
تأتي هذه المعركة في سياق وطني مطبوع بهجوم نيوليبرالي كاسح على ما تبقى من مكتسبات اجتماعية كلفت عقودا من النضال والتضحيات. منذ أفول حركة العشرين من فبراير وعقب التنازلات عن بعض الحقوق نتيجة المد الشعبي الذي اكتسح البلد مخلفا حالة الرعب والخوف في معسكر البرجوازية الحاكمة، استرد النظام المغربي بالتدريج ما تم التنازل عنه مستفيدا من حالة الجزر واليأس الذي أصاب شباب الحركة وتدهورها النضالي وأيضا ضبابية ما تحمل من مطالب، زد على ذلك المناخ الإقليمي المتسم بصعود الحركات الرجعية المضادة للثورة ولمطالب الثوار.
خمدت حركة العشرين من فبراير لكنها تركت بشائر نضال للمستقبل الواعد بالمزيد من المعارك الكفاحية ضد التعديات التي تطال القسم الأعظم من شعبنا.
أول ما بحثت عنه الدولة في هجومها هو إيجاد وسيلة لوقف الاحتجاج الاجتماعي الذي يخدش هيبتها مرة بعد أخرى، ويعيد خلط أوراق استحقاقاتها. الخضوع أمام سكان طنجة مثل انعطافا تلاه استسلام أمام الطلبة الأطباء، وقد دعم كلا الاحتجاجان بعضهما بشكل غير مباشر وشكلا كابوسا للطبقات المالكة التي اطمأنت لاستعادة المبادرة ووضعت على جدول أعمالها الانتهاء السريع من التعديات التي حضرتها بوقت طويل على مكاسب تاريخية هامة.
كان صعود العدالة والتنمية خيار الدولة للوقوف أمام موجة النضال وجرى خلال ولايتها الحكومية الشكلية إعادة إرساء تدريجية لسياسة قمعية ضد الحركات الاجتماعية وتضييق شديد على الحريات السياسية والديمقراطية والنقابية والجمعوية.
نضال في مواجهة قرارات ظالمة
في الصيف المنصرم صادق المجلس الحكومي على قرارين وزاريين يقضيان على التوالي بفصل التكوين عن التوظيف و بتخفيض المنحة إلى النصف. شكل هذا التعدي إحدى المنعطفات الهامة للشبيبة المكافحة، واجهته الطلائع الشابة بحزم وإصرار وطول نفس واستمرارها البطولي في المقاطعة المستمرة وكذلك تنظيم محطات كفاحية ونجحت معركتهم في حفز، متواضع، قاعدة النقابات وجسما عريضا من موظفي وموظفات التعليم غير المنقبين أصلا. وتم خوض أشكال نضال تضامنية منها الرمزي مثل حمل الشارة الحمراء، ومنها الميداني مثل الإضراب عن العمل وتنظيم وقفات احتجاج تضامنية، ومنها المادي بخاصة حملة جمع الدعم المالي للمعركة(حملة محدودة حتى الآن للأسف).
خلال ثلاثة أشهر عبأت حركة الأساتذة/آت المتدربين آلاف المحتجين حيث شلوا جميع مراكز التكوين ونظموا مسيرات جماهيرية بالعاصمة الرباط تجاوزت بكثير ما حركته بيروقراطية النقابات في مسيرات استعراضية بالرباط والبيضاء. حاربت الدولة ولا تزال هذه الحركة بقوة، استعملت عنفا شرسا خلف إصابات خطيرة، واعتقلت عشرات الشباب المناضل، ومنعتهم من حق التنقل، وحاصرت أنشطتهم النضالية المختلفة، ولا تتردد في حشد مستفزين مرتزقين لإرباك نضالهم وخلق مبررات لتدخل قمعي في حقهم، بخاصة أن نضالهم الجماهيري لم يسجل أي من تبريرات الدولة لقمع الاحتجاج ومنعه، أي ما تسميه فوضى وشغبا وخدمة أجندات أطراف أخرى…
توجد هذه المعركة البطولية حاليا في نقطة اللاعودة، ليس للمحتجين ما يخسرون سوى بطالتهم، وأمامهم مستقبل لكسبه: وظيفة عمومية ضامنة للاستقرار ومستقبل نضال لتحصينها وتوسيع المكاسب المرتبطة بها. خياران لا ثالث لهما: نصر توجد مؤشرات دالة على قربه، أو هزيمة بشرف. انتصار المعركة وشيك دونه مزيد من الصمود والإصرار وبحث سبل بعث روح حماسية في المعركة، واستثمار كل المحطات الرسمية وغيرها لضخ مزيد من الدماء في شريان المعركة، على سبيل المثال الدعوة لإنجاح الإضراب العام الذي دعا له التنسيق النقابي والمشاركة النشيطة في فعالياته إن وجدت أو تنظيم أنشطة نضال خاصة يوم الإضراب العام
ينبغي أن تعلم الدولة وحكومة واجهتها أن جرأتها على الكادحين لها ثمن، وثمن باهض جدا، وأن تعنتها مهما طال لن يقضي على استماتة الأساتذة/آت المتدربين في الدفاع عن مطالبهم العادلة والمشروعة، وأنهم صابرون على هذه الفرصة التي انفتحت لهم أكثر بكثير من صبرهم على سنوات البطالة العجاف غير المأسوف عليها والتي لا وجود لأدنى استعداد للعودة لها مجددا.
مقاومة حتى النصر
في حين يبتلع الدين الخارجي أموالا ضخمة، ومثلها يخصص لصالح كبار البرجوازيين والتجار والملاكين العقاريين ومالكي رؤوس الأموال، ويظل البلد تابعا ومتخلفا يرزح تحت حكم فردي مطلق، ويستمر القضاء شيئا فشيئا على مكاسب عمالية وشعبية تاريخية، لا تدخر الدولة جهدا في تضييق الخناق بأشكال متنوعة على الأغلبية الشعبية المستغلة والمضطهدة، غير أن تعدياتها لا تفعل سوى استثارة المزيد من السخط والتمرد، هكذا برزت للواجهة بعد فترة تراجع قصيرة بوادر مقاومة شعبية وعمالية ضد تعدياتها الجائرة
حتى الآن، نحن أمام حركات مقاومة اجتماعية هي مجرد رد فعل مباشر على هجوم الدولة المدمر لما تبقى من طفيف المكاسب. رد فعل بنواقص عدة رغم أهميته، إذ لا زال في طور دفاعي أولي ومتأخر عما تحيكه الدولة وخدامها من إجراءات وترتيبات لسحق المكتسبات العمالية. ومنظمات النضال العمالية لازالت مستنكفة عن أي رد فعل تجاه ما يحدث من تعديات.
إنها فاتحة نضال يستدعي الحفز والتطوير بالمشاركة والتعبئة وكشف أضاليل الدولة والمتواطئين معها، وتعرية ما يحاك ضد شعبنا عبر تنظيم مهرجانات خطابية ووقفات وتجمعات وتظاهرات وندوات للتشهير بجرائم الدولة (الخوصصة وتفكيك الوظيفة العمومية…) وكذلك بالمتابعة الصحفية المناضلة.
ليس في مقدور شعبنا أن يحقق نصرا على مضطهديه دون مركزة كفاحه وتصويبه نحو الرأسمال وخدامه.
اقرأ أيضا