الإنارة: إنها قضية انفكاك من التبعية للقوى الاستعمارية
قضى الكادحون – ات المغاربة سنوات طوال محرومين من الإنارة. المحرومون في الأصل هم فلاحون فقراء، ورعاة قطعان صغيرة من المواشي. في تلك المرحلة الغابرة، كان المستوطنون الأجانب، عسكريون وإداريون، وقلة من المغاربة المتعاونين مع الغزاة، هم من يستفيد من الإنارة ويستهلكها كيفما شاء، ووقتما شاء.
استقلال شكلي واستعمار جديد
على ارض الفلاحين الفقراء شيدت المراكز الإدارية والعسكرية الاستعمارية، وتأسست المدن ( لأسباب جغرافية وتاريخية ) منها استخرجت الثروات المعدنية، وفوقها أنشئت الموانئ على السواحل… تمتع الرأسماليون بالإنارة ورغد العيش ، أما كادحو وكادحات المغرب فقد كابدوا شظف العيش، يسكنون الخيام والبيوت الطينية والزرائب، بعد استيلاء العدو، ومعاونيه على أراضيهم، وتحولوا إلى قوة عاملة منتجة للثروات لصالح الرأسماليين. ينيرون بيوتهم ليلا بالقناديل المصنوعة بإبداع الفقراء من قطعة قماش وزيت الزيتون، ثم ينامون استعدادا للكدح صباحا لدى البورجوازيين وهكذا دواليك. أما الإنارة بوسائل أخرى مثل قناديل مادة الغاز السائل والشمع، فكانت نادرة بسبب تكاليفها المالية.
جاء الاستقلال الشكلي لتغليط الكادحين بفعل ما روجت له أحزاب الحركة الوطنية البورجوازية في أوساط الفقراء، من أن الاستعمار خرج، وأن المستوطنين غادروا البلد، وأن كل المحن ستزول، ومعها العذاب والقهر والحرمان، وان الإنسان المغربي سيتمتع ويستفيد من كل شيء في بلده، ومن الإنارة. هل تحقق للفقراء ذلك فعلا ؟ كيف ومتى ؟؟
سيساعد هذا التقديم وهذه الأسئلة على كشف أكاذيب الطبقة البورجوازية الحاكمة اليوم، وألسنتها ذات اليد الطولى في الإعلام الجماهيري الخاص والعمومي، من محللين سياسيين وخبراء متخصصين، وجوقة من أبواق وخدام النظام الاستبدادي. هؤلاء الذين يرددون الأضاليل ويريدون أن يرسخوا في عقول الناس، أن الفقراء هم الذين رفعوا من استهلاكهم للطاقة الكهربائية حسب ما عده العداد الذي لا يخطئ، وأنهم انتقلوا من السعر المخصص للشطر الأول إلى سعر الاشطر الأخرى المرتفعة الثمن.
إن كادحي –ات المغرب ضحايا سياسة الطبقة الحاكمة، هاجروا بشكل جماعي في أحيان كثيرة إلى ضواحي المدن الكبرى بحثا على الشغل ومورد المعيشة الكريمة ” طالب معاشو” كما يوصفون. فاستقروا بهذه المراكز التي تسيطر عليها البورجوازية بعد أن تركوا قراهم ومداشرهم بسبب الفقر والحرمان والتهميش، ولازالوا يهاجرون إلى المدن يوميا للأسباب ذاتها. يمتهنون حرفا موسمية حسب الظروف والفصول والمناسبات، وشيدوا أكواخا تحت قهر سلطة الاقلية الحاكمة والمستحوذة على كل شيء في المغرب، على الهامش، و بدون ارتباط بشبكات خدمات عمومية وأساسية ضرورية وإنسانية.
هذه الخدمات حق لفقراء المغاربة، والتي حلموا بالاستفادة منها بعد “خروج” الاستعمار من بلدهم-هن. لكن الذي حصل هو عكس ذلك تماما.
أغنياء مترفون وفقراء معدمون
البورجوازيون هم من يستهلك كل الطاقات الحيوية وغيرها في قصورهم وإقاماتهم الراقية، مستعملين كل ما توصلت إليه الرأسمالية من وسائل التقدم الصناعي والتقني التي تعمل بالطاقة. لقد أصبحت حياة الأغنياء ترفا بحصر المعنى. في المقابل كم يستهلك الفقراء من الطاقة الكهربائية في المغرب؟ وكيف يستهلكونها ؟ وهم لا يملكون مساكن خاصة بهم في الغالب؟ اغلبهم يؤدون اجرا شهريا من اجل ذلك للملاك. الكادحون لا يملكون حسب نتائج الإحصاء التي تشرف عليها دولة الطبقة الرأسمالية نفسها سوى جهاز تلفاز وثلاجة صغيرة ومصابيح في بيت أو بيتين يتكدس فيهما الفقراء. لاقدرة لهم على استعمال مكيفات منزلية ولا مسابح ولا مصابيح تزين الحدائق الفخمة، إنهم معدمون.
القلة القليلة التي تستحوذ على ثروات المغاربة وتنهبها يوميا، باعت كل شيء يضمن الربح للشركات المحلية والأجنبية، ولا تقدم للفقراء سوى القمع المجهز بكل أدوات الردع الحديثة والمتطورة المستوردة من البلدان الصناعية البورجوازية، بما فيها استعمال الكلاب البكماء المسكينة، وتوجيه كل تلك الترسانة لاسكات المحتجين الذين تحاربهم.
تضليل إعلامي
لقد خرج آلاف المغاربة في احتجاجات عارمة لاستنكار الغلاء الفاحش لفاتورة الكهرباء. هذه الأخيرة التي لا تصدر سوى عن عدادات الشركات الكهربائية الرأسمالية. يرد الرأسماليون على المحتجين بأن هؤلاء، يستعملون ويستهلكون الطاقة بدون اقتصاد وبلا تدبير وبإفراط، معتبرين ذلك هو مصدر الغلاء. إنه افتراء وكذب. ذلك ان الإنارة والماء وخدمات الصرف الصحي مفروض على الدولة أن توفرها للناس بأسعار معقولة ومنطقية ومقبولة، وفي المستطاع، وهذه الطاقات والموارد والخدمات، حق من حقوق الإنسان، ومناقشتها على أساس أنها بضاعة في السوق مثل المواد المصنعة، لا يعد سوى تغليط وخداع ومناورات سياسية تحاول تكريس ثقافة رأسمالية مؤسسة على الاستهلاك والفردانية والأنانية وكل العاهات التي جاء بها النظام الرأسمالي مع الاستعمار إلى المغرب.
من ينير للكادحين طريقهم؟
من حقنا أن نستفيد من الإنارة والماء والصرف الصحي بأسعار مناسبة حسب الدخل والدراهم القليلة المتوفرة لدينا، ومن حقنا أن نطرد كل من يريد أن يربح الأموال الطائلة على حساب حقوقنا الإنسانية التي نرفض إخضاعها لمنطق السوق والتجارة. من حق أطفالنا أن يراجعوا دروسهم- هن- في أجواء تساعد على التحصيل العلمي الجيد مثل إلانارة الجيدة والمتوفرة، كما من حقهم أن يشربوا ماء صحيا معالجا.
إن الشركات التي تقطع الإنارة والماء عن الناس، بمن فيهم الأطفال والمسنون والمرضى، يجب طردها والاحتجاج على سياستها وتعاملها معنا وتحرير البلد من سطوتها على ثرواتنا ومن جشعها الرأسمالي.
ومن يريد أن يحصر المسالة بين شركات استثمارية تمارس حقها التجاري وتبيع بضاعة الطاقة الكهربائية ومواطن مستهلك، فهو لا يفرق بين الاستقلال الحقيقي والاستعمار الجديد عبر الشركات العالمية، ولهذا يجب أن يتطور احتجاجنا على هؤلاء النهابين إلى الأمام، ونتقدم برفع المطالب المستحقة ونستعمل أساليب نضالية ديمقراطية ونستثمر مكاسبنا العمالية التي انتزعت من الطبقة الحاكمة عبر سنين من الكفاح . ننظم الجموعات العامة الشعبية ونعمل على بناء لجان أحياء فعلية وجمع التوقيعات واستعمال العرائض…
في 4 شتنبر 2015 استعملت أحزاب الواجهة كل الأساليب من اجل الحصول على أصواتنا التي تمنحهم ممرا إلى مؤسسات النهب والاغتناء الفاحش، ومراكمة الأموال على حسابنا، وتقديم خدمات لنظام الاستبداد، واليوم يستعملون كل وسائل القمع لإسكاتنا خدمة للرأسمالية والشركات الأجنبية والمحلية.
إنهم يريدوننا أن نعيش أفرادا منعزلين عن بعضنا، ليسهل عليهم سحقنا بالغلاء وارتفاع الأسعار وشل تحركاتنا بسياسة التجويع والبطالة، ويخشون وحدتنا وتضامننا، لأنهم يعلمون علم اليقين أن قوتهم لا تتأتى الا من ضغفنا. لهذا من اولى واجباتنا أن نتحد لكي ننتصر على من يقهرنا ويتسبب في تجويعنا وإعطاشنا وقطع الإنارة عن صغارنا. أن الكادحين متى تضامنوا ووحدوا كفاحاتهم، سيتحولون، لامحالة، الى قوة لا تقهر ضد كل مستغليهم من شتى الشركات الرأسمالية والبورجوازيين المستفيدين من الوضع الراهن.
15 نونبر2015 ، طه محمد فاضل.
اقرأ أيضا