الدولة صانعة البيئة : الاقليم، الطبيعة، والقيمة
كريستيان بارينتي (*)
جامعة نيويورك، نيويورك، NY 10003، الولايات المتحدة الأمريكية؛
تعريب ع.سعيد بتصرف
ملخص: حجتي هي أن الدولة أساسية بالنسبة لنموذج القيمة لأنه نموذج يسلم قيمة استعمال الطبيعة غير البشرية لعملية تراكم رأس المال. لا يمكن لرأس المال، ولم يتمكن تاريخيا، من تملك الطبيعة غير البشرية من دون مساندة الدولة. الدولة توفر مرافق الطبيعة غيرالبشرية لعملية التراكم من خلال خلق أنظمة الملكية، والبنيات التحتية المادية، والمعرفة العلمية. تمثل الدولة بالتالي عاملا سياسيا حاسما قل نظيره في عملية الاستقلابMetabolismالبيئي للرأسمالية ونموذج القيمة. الصفات البيئية للدول الرأسمالية بطبيعتها متجذرة في صفاتها الاقليمية الأساسية. أين توجد مرافق الطبيعة غيرالبشرية ؟ على سطح الأرض. ما هي المؤسسات المسيطرة في نهاية المطاف على سطح الأرض؟ الدول القومية المحددة إقليميا.
كلمات البحث: قيمة، البيئة السياسية، الدولة، الطبيعة، تغير المناخ، العنف.
إن تسارع الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بتغير المناخ سيحثم عودة الدولة بقوة. تغير المناخ سيجلب طقسا متطرفا تصاحبه حالات طوارئ على مستوى من الاتساع و الفوضوية و التدمير يصعب معالجته عبر القطاع الخاص اوالعمل التطوعي المجتمعي، او على غرار تجمع الحركات الاجتماعية الأفقية مثل “حركة اعتصم Occupy” بالرغم من أن هذه الأشكال كلها يمكن أن تكون جزءا من الحل. أثناء الكوارث وحالات الطوارئ الطبيعية المرتبطة بالمناخ، يتم استدعاء الدولة لأنها الوحيدة التي تتوفر على القدرة الاقتصادية والشرعية السياسية للرد بالحجم المناسب.
بفعل ما تتعرض له الدولة عبر الأزمة المناخية سوف تتكفل بشكل أكثر وضوحا بــــمهمتها البيئية: الاستجابة لحالات الطوارئ، إعادة بناء البنيات التحتية المتضررة من جراء العواصف، وقمع الاضطرابات المدنية المتعلقة بالكوارث الطبيعية، وربما الحد من الثلوث الكربوني، وهكذا دواليك (بارينتي عام 2011، 2012؛ ينرايت ومان 2012).
كيف تستجيب الدولة لأزمة المناخ؟ هو سؤال مختلف: في بعض الأحيان قد تفشل، ولكن دائما يتم استدعاؤها.
في حين تبقى الدولة مهمة وسوف تتنامى أهميتها على الأرجح في المستقبل، لم تعد الدولة تشكل بالنسبة للعديد من الأكاديميين اليساريين و المناضلين موضوعـا للدراسة الجدية أو كهدف سياسي.
ولكن الدولة لا يمكن تجنبها. حتى تكون سياسات اليسار فعالة، يجب على الحركات خلق استراتيجيات تهتم بالدولة و تهدف لتغييرها. عندما ننظر على سبيل المثال السياسة المعادية للدولتية لجون هولواي، متأثرا بالتجربة الزباطية و حركة اعتصم، نجد هولوا يؤكد : “لا يمكن إنشاء عالم جدير بالإنسانية من خلال الدولة” ووسائله المفضلة، النفي: “نحن نبدأ من الصراخ … لمواجهة تشويه حياة الإنسان من قبل الرأسمالية، صرخة من الحزن، صرخة من الرعب، صرخة من الغضب وصرخة من أجل الرفض: (2002: 1 ).
هذا يعيد إلى الأذهان العنوان الساخر للينين: مرض “اليسارية” الطفولي في الشيوعية- وتوبيخه لليسارييـن الألمان بكونهم “اعتبروا رغبتهم وموقفهم السياسي والفكري واقعاً موضوعيا. وهذه أخطر غلطة يرتكبها الثوريون” (1940:41).
للأفضل وللأسوأ تبقى الدولة مركزية في النضال السياسي الحديث. يقول جيسون مور: ” الرأسمالية لا تتوفر على نظام ايكولوجي بل هي نفسها نظام ايكولوجي” (2011:1).
في هذا المقال سوف أعمل على توسيع هذا المفهوم لأبين أن الدولة الرأسمالية الحديثة ليست فقط في علاقة مع الطبيعة، بل هي في حد ذاتها علاقة مع الطبيعة.
العلاقة الاستقلابية للرأسمال مع الطبيعة غيرالبشرية هي أيضا ودائما علاقة مع الدولة و بوساطة من الدولة.
ظلت الدولة كذلك، ودائما، مؤسسة “صانعة للبيئة” : الادارة والوساطة و التقديم والانتاج البيئي هي من السمات الأساسية للدولة الرأسمالية الحديثة المحددة جغرافيا.
علاوة على ذلك، فان الدولة تبقى مركزية في تشكل القيمة. فاذا كانت المرافق الطبيعة غير البشرية هي مصادر مهمة للثروة وهي كذلك فعلا، فالدولة هي من يقدمها لرأس المال.
هذه الحجة تصبح واضحة بإعادة النظرفي الميزة “الإقليمية” البديهية للدولة، والتي لم يتم التنظير لها بشكل كاف. الدولة الحديثة هي في الأساس جغرافية، إقليمية، أي،و بمعنى آخر، بيئية.
يجب أن نقر أولابأن الدولة الرأسمالية تعمل بطبيعتهاعلى إعادة إنتاج شروط التراكم (اذا كانت تعمل عكس ذلك فيجب اعتبارها نوعا آخر من الدول). ثانيا، يجب الاعتراف بأهمية قيمة استعمال الطبيعة غير البشرية في إنتاج قيمة التبادل.
ثالثا، يجب الانتباه إلى موقع تواجد قيم الاستعمال الطبيعية هاته. أين هي مرافق “الطبيعة”؟ في المحيط الحيوي، أي بمعنى آخر، فوق سطح الأرض، وأخيرا، ما هي المؤسسات المسيطرة على سطح الأرض؟ الدول طبعا.
وراء كل “حق للملكية” تقف قوة الدولة التنفيذية، ربط هذه النقاط معا: التواجد القبلي لقيم استعمال الطبيعة غير البشرية، ووجودها على سطح الأرض، حيويتها بالنسبة لرأس المال، و كون الدول هي المؤسسات التي تتحكم في نهاية المطاف في سطح الأرض. بالتالي يمكن القول إن الدولة، وخاصة من خلال ميزتها الاقليمية، توفر قيمة استعمال الطبيعة غيرالبشرية لنظم الانتاج و التثمين. بشكل أكثر تحديدا، تقدم الدولة الحديثة الطبيعة غيرالبشرية لعملية تراكم الرأسمال عبر ثلاث طرق رئيسية:
من خلال أنظمتها المنظمة للملكية، إنتاجها للبنية التحتية ثم ممارساتها العلمية والفكرية التي تجعل الواقع الحيوي مقبولا اقتصاديا و في المتناول
استعادة الطبيعة
منذ أوائل السبعينيات حاول العديد من علماء البيئة[i] المهتمون بالتاريخ والاقتصاد السياسي، والبيئة السياسية وضع الأسس من أجل اعادة التفكير العميق في العلاقة بين رأس المال والطبيعة.
وتكتسي الأعمال الأخيرة للراحل نيل سميث أهمية خاصة بالنسبة لموضوع مقالنا. في كتابه “تفاوت التنمية” (2008) ، جادل سميث بأن المجتمع من خلال التفاعل مع الواقع الفزيائي و الحيوي ينتج الطبيعة. وبذلك يعني الاستحضار المادي الفعلي وتحول النظم البيولوجية، وليس مجرد “البناء الاجتماعي”. دهاء سميث في تأسيسه للنشاط الاقتصادي البشري من خلال الواقع الفزيائي الحيوي الذي نسميه الطبيعة، أصبح أساسا لمناقشته ل” إنتاج الطبيعة”.
يجب التمييز بين مصطلح سميث “إنتاج الطبيعة” و ” البناء الاجتماعي ” في تعريف الطبيعة. أحد المقالات الجوهرية في هذا النوع مقال Crononكرونون في (1995 ) “اشكالية البرية، أوالعودة إلى الطبيعة الخاطئة” حيت يسائل فيه النظرة الثنائية السائدة، في الولايات المتحدة بشكل خاص، عن الطبيعة كمعطى خارج المجتمع، عن طريق استعادة العوامل التاريخية المتراكمة التي تحكم مفهوم ” البرية ” لدينا.
يواصل “كرونون” تحليله من خلال مساءلة المفاهيم الأمريكية حول النزعة الفردية المتطرفة، والحدود والقلق من التصنيع، والعودة الى فكرة رومانسية حول الجمال المذهل للطبيعة المهدد بالإبادة. وكذلك العودة إلى المفاهيم اليهودية/المسيحية التي تربط ” الطبيعة البرية ” بالمنفى، الوحشية، أو الشيطان.
تحاليل “مورMoore”،الذي سبق ذكره، هي أيضا مركزية بالنسبة للاستدلالي حيث إن مفهومه حول “العالم الايكولوجي” يضع الطبيعة الاجتماعية وبشكل واضح ببعد نظر في قلب قراءته التاريخية للرأسمالية. يدافع مور (2011 : 1) عن نظرية الرأسمالية كعالم ايكولوجي، و هو منظور يربط تراكم رأس المال بعملية انتاج الطبيعة في وحدة جدلية. هذا المنظور يبدأ من فرضية أن الرأسمالية لا تفعل فقط في الطبيعة بقدر ما تتطور هي نفسها من خلال علاقات الطبيعة بالمجتمع.
تناسي الدولة
في الوقت الذي ازدهرت فيه النظرية الماركسية البيئية في العقود الأخيرة، لم تحظ نظرية الدولة بنفس القدر من الاهتمام. نقطة الانطلاق البديهية اذن هي ربط النظريتين. الصلة بين الدولة والجغرافيا واضحة. الدولة مجال اقليمي، والتقاليد الماركسية في تنظير الدولة تدرك ذلك جيدا. “بوب جيسوب” يذكرنا بأن مؤسسة الدولة تقوم على أقلمة السلطة السياسية من خلال ثلاث سمات رئيسية هي: أراضي الدولة، جهاز الدولة، وسكان الدولة. في حين أن العلاقة بين الاقليم والقيمة لم يتم التطرق لها بالشكل الكافي.
بعبارة أخرى، فإن رؤى الاقتصاد السياسي الماركسي للإشكالات البيئية، أو البيئية السياسية، لم يتم ربطها بالتمام بالنظرية الماركسية للدولة.
لم تتطرق معظم نظريات التقنين، ولا حتى نظريات “دولة /الفضاء” لنيل برينر وغيره، للعلاقة بين دور قيمة استعمال الطبيعة غير البشرية في عملية التراكم واقليمية الدولة…في حين نجدهم يستحضرون المواضيع المألوفة حول نظرية العولمة السائدة:
استخدام الحاسوب في الانتاج والأهمية المتزايدة للإنتاج غير المادي تميل الى تحرير الرأسمال من القيود الاقليمية. يمكن للرأسمال أن يتملص من التفاوض مع السكان المحليين بنقل مواقعه لنقطة أخرى في الشبكة العالمية أو مجرد استعمال امكانية نقل موقع الانتاج كسلاح في المفاوضات ( 2001: 297 ).
خلال النقاش حول الدولة والجغرافيا، يتم التركيز على “المدى”: عند أي مدى يمكن اعتبار أن تغيرا ماديا في وظائف الدولة السياسية والإدارية قدحصل(برينر 1999). ولكن الأهمية البيئية للدولة كإقليم، ومكان لإنتاج قيمة استعمال الطبيعة، لم يتم التطرق لها. في حين تتطرق النظريات البيئية بشكل أفضل للجغرافيا باعتبارها إحدىالوسائل الفعلية للإنتاج.
في ما يلي أحاول رسم نظرية عن الدولة الرأسمالية بكونها سياسية واقتصادية، وبيئية في نفس الوقت، كما سأحاول التطرق بشكل أعمق للدولة في نقاشات القيمة و التاريخ البيئي العالمي للرأسمالية.
القيمة والطبيعة
كان ماركس واضحا في قوله إن الطبيعة غير البشرية توفر قيم استعمال لرأس المال، التي يتم تحويلها عن طريق العمل إلى قيم تبادلية. في نقد برنامج غوتا يشرح ماركس ذلك على هذا النحو: ” العمل ليس وحده مصدر كل الثروة. الطبيعة هي كذلك مصدر لقيم الاستعمال (ومن المؤكد منها تتكون الثروات المادية!) مثلها مثل العمل، والذي هو نفسه ليس سوى مظهر من مظاهر قوى الطبيعة، القوة البشرية العاملة “
هنا ماركس يقوم بعمليتين، الأولى أنه يعيد البشر إلى الطبيعة. على وجه الخصوص. يثير انتباهنا إلى حقيقة أن قوة العمل هي قوة طبيعية يتم تسليمها الى الانتاج. الرأسمالي يشتري وقت العمل من العامل الذي يسلم قوة طبيعية لعملية الانتاج، إنها قوة عمله. ثانيا، يؤكد أن الطبيعة غير البشرية توفر قيم استعمال لعملية التراكم، من خلال خاصيات طبيعية للأشياء، مثل القوة الهيكلية للخشب، الميزة المغذية للبطاطا، أوالطاقة الشمسية المخزنة في الفحم. من خلال عمليةالانتاج، والتي هي تطبيق لقوة العمل على العالم الخارجي، يتم تحويل قيم استعمال الطبيعة غير البشرية الى قيم تبادلية، أي مال أو رأس المال، وهي قيم متحركة. كما تخلق قوة العمل في الوقت نفسه مرافق (قيم) جديدة.
للاطلاع على تحليل صريح للعلاقة بين “الطبيعة الخارجية”، والقيمة، يمكن النظر إلى مناقشة ماركس ل”القوى الطبيعية” للإنتاج في الفصل القصير حول “التفاضلية العامة للإيجار” في الجزء الثالث من كتاب الرأسمال. هنا ماركس يصف المزايا التي تعود على الرأسمالي الذي يملك شلالا:
في أي ظروف يحقق صاحب المصنع في هذه الحالة [امتلاك شلال] فائض القيمة …؟: نجد في المقام الأول، القوة الطبيعية، القوة الدافعة للطاقة المائية التي تقدمها الطبيعة نفسها وليست نتاجا للعمل في حد ذاته، على عكس الفحم الذي يحول الماء إلى بخار، والذي له قيمة ويجب أن يدفع مقابلها، أي له تكلفة. إنه عامل طبيعي للإنتاج، وليس هناك أي عمل من أجل إنشائه.
لكن هذا ليس كل شيء. فصاحب المصنع الذي يستعمل المحرك البخاري هو أيضا يستخدم قوى طبيعية لا تكلفه شيئا لكنها تجعل العمل أكثر انتاجية وتخفض من المتطلبات المعيشية للعامل وترفع مستوى فائض القيمة وهامش الربح. فهي كذلك تبقى محتكرة من قبل رأس المال كما هو الشأن بالنسبة للقوى الاجتماعية التي تنشأ من داخل التعاونيات وتقسيم العمل، وما إلى ذلك. صاحب المصنع يدفع مقابل الفحم، ولكن ليس مقابل قدرة الماء لتغيير حالته وتحويل نفسه الى بخار، ولا لمرونة البخار. هذا الاحتكار لقوى الطبيعة (أو بالأحرى انتاجية العمل) هي مشتركة بين جميع رؤوس الأموال التي تستخدم المحركات البخارية (ماركس 1990b: 782).
لوضع هذه النقطة بشكل مختلف الى حد ما، يمكن القول إن الطبيعة غير البشرية توفر إيجارات: المرافق الموجودة خارج عملية الانتاج، ولكن يتم تسليمها إليه ويتم الاستيلاء عليها كدخل غير مكتسب. وهذا واضح في حالة النفط. لكن هناك قيم استعمال فزيائية حيوية أخرى، كقابلية الطين للتطويع، وقدرة المياه لتتحول إلى بخار. جميع القوى الطبيعية للإنتاج يمكن اعتبارها شكلا من أشكال الايجار. أو، كما قال ماركس في الجزء الأول من كتاب الرأس المال I:
يمكننا تضمين كل الظروف الموضوعية الضرورية لعملية الانتاج في أدوات العمل …. هذه الأدوات لا تدخل مباشرة في العملية، ولكن بدونها تبقى العملية مستحيلة أو فقط جزئية. مرة أخرى، الأرض نفسها هي إحدى هذه الوسائل الكونية، فهي توفر للعامل الارض تحت قدميه و “ميدان العمل” من أجل عملياته الخاصة. أدوات من هذا النوع والتي سبق أن توسطت من خلال العمل السابق، وتشمل ورش العمل، القنوات والطرق، الخ …ــوإذا نظرنا إلى العملية برمتها من وجهة نظر نتائجها، فمن الواضح أن أدوات العمل تلك، وهدف العمل، كلاهما يشكلان وسائل الانتاج (ماركس 1990a: 286-287).
كما يضيف ماركس حول صيد الأسماك على هامش الصفحة “قد يبدو ذلك متناقضا حينما نصرح أن السمك غير المصطاد يشكل أحد وسائل الانتاج في صناعة صيد الأسماك. ولكن حتى الآن لا أحد اكتشف فن صيد السمك في مياه لا تحتوي على أسماك “( 1990a : 286-287 )
عملية تكون الرأسمال، وهنا ينبغي عدم الخلط مع الرأسمالية، باعتبارها نظاما اجتماعيا يتوفر دائما على عوامل خارجية يعتمد عليها. هذا هو منطق الحظر على المستوى الجزئي. الاستيلاء على المرافق الطبيعة الخارجية هو في قلب عملية التثمين. ونحن نرى منطق الحظر على مستوى صغير في إطار عملية العمل.
“خارج” رأس المال يمكن أن يشمل الأماكن ولكن أيضا العلاقات الاجتماعية. بالنظر الى كيفية استعمال التضامن، واللغة، والثقافة بشكل روتيني في الانتاج الرأسمالي. العمل الجماعي المكثف للعمال المهاجرين لجني”الخس” في ساليناس مثال لذلك (Bardacke 2011).
بالنسبة لماركس، قوة العمل كقوة طبيعية تميز البشر، والقدرة على العمل، و”مجموع تلك القدرات العقلية والجسدية الموجودة في شكل مادي، الخاصيات الحيوية للإنسان، والقدرات التي يحركها كلما قام بإنتاج قيمة الاستعمال من أي نوع” (1990a: 271) –هي مماثلة لقوة الدفع الكامنة في الشلال، أو السعرات الحرارية في البطاطا، أو الطاقة اللامتناهية للشمس، لكونها قوى متواجدة من قبل و من خارج رأس المال. يسخر الرأسمال (أو يلتقط عبر الاستعمال) قوة العمل في عملية الإنتاج. وهكذا فإن “استعمال قوة العمل هو عمل في حد ذاته”. عملية التثمين هي في نفس الوقت عملية انشاء مرافق عبر قوة العمل البشري و عملية استيلاء و تحويل المرافق الموجودة من الطبيعة غير البشرية في إطار علاقة نقدية. يستخدم الرأسمالي المال لشراء وقت العمل، كمية من المال للحصول على كمية من الوقت، و خلال تلك العملية يحاول الرأسمالي التقاط أكبر قدر ممكن من قوة العمل. النقطة الأساسية هي أن قوة العمل أو القدرة على العمل هي موجودة من قبل و من خارج رأس المال ؛ فهي في هذا الصدد مثلها مثل الشلال. قوة العمل، مثل القوى الطبيعية الأخرى، تصبح قوة انتاج يتم الاستيلاء عليها خلال عملية العمل من قبل رأس المال في عملية حظر نشيطة على المستوى الجزئي. حظر ليس للأراضي، ولكن للطاقات : البشرية والفيزيائية الحيوية،الحركية، والطاقة الشمسية.
وعلى نطاق أوسع، فإن عملية الإنتاج تؤدي إلى مساءلة عملية الاستقلاب كما عبر عن ذلك ماركس في الجزء الأول من كتاب الرأس مال :
العمل هو، أولا وقبل كل شيء، عملية تفاعل بين الانسان والطبيعة، عملية يقوم فيها الانسان، من خلال حركاته، بتنظيم استقلابه مع الطبيعة و التحكم فيه. انه يواجه المواد الطبيعية باعتبارها قوة من قوى الطبيعة. انه يحرك القوى الطبيعية التي تنتمي إلى جسده، ذراعيه وساقيه ورأسه ويديه، من أجل الاستيلاء على المواد الطبيعة وتكييفها مع احتياجاته الخاصة.
من خلال هذه الحركة يفعل في الطبيعة الخارجية ويغيرها، وبهذه الطريقة فانه يغير في الوقت ذاته طبيعته الخاصة. انه يطور امكانات تغفو في الطبيعة، ويخضع حركة قوته لسلطته السيادية الخاصة (ماركس1990a: 283).
عبر هذا التحليل لقوة العمل، يبدو التاريخ البشري تاريخا بيئيا، والإنتاج كإنتاج للطبيعة الاجتماعية.
السلطة الجيولوجية و تموقع الدولة
لكي يتمكن رأس المال من استعمال المحيط الحيوي، يجب أن تسيطر الدولةعليه.قبل أن يتمكن رأس المال من تسخيرالطاقة، وقوة العمل ك”ايجارات” موجودة مسبقا (القيمةالمحولة) للطبيعة غير البشرية، يجب على الدولة السيطرة على الأرض، وأجزاء من سطح الأرض التي توجد بها هذه المرافق. يجب أن تستحوذ الدولة ماديا على هذه الأجزاء من سطح الأرض وتسيطر عليهاعسكريا وقانونيا. كما يجب أن تقوم الدولة بفتح الفضاء عبر انشاء الطرق، والقنوات، والموانئ، والتي ترتكز على المعرفة العلمية، وحسن الائتمان والاستثمار المباشرللهيئات العمومية.يجب على الدولة كذلك أن تقوم بالاستحواذ وفتح الطبيعة بطريقة أكثر تجريدا هذه المرة وذلك عبر توفير المعرفة وجعلها في المتناول من خلال الأجهزة الفنية والادارية للتدبير والعلوم والحكامة.
من أجل توفير الطبيعة و وضعها تحت إشارة عملية الإنتاج تقوم الدولة وبشكل مستمر بقياس، وصف وتصنيف، وتمثيل، وتطويع القوى الفيزيائية والحيوية للطبيعة، يمكننا أن نطلق على هذه الممارسات السلطة الجيولوجية geopower؛ من الواضح أن السلطة الجيولوجية فكرة مقتبسة توسع مفهوم السلطة الحيوية لميشال فوكو[ii]. يمكن التذكير إذا بتعريف “فوكو” للسلطة الحيوية كما جاء في محاضرة له عام 1978 حول موضوع “الأمن،الإقليم و السكان” :
“أعني بذلك عددا من الظواهر، التي أعتبرها مهمة، كمجموعة الميكانيزمات التي يتم من خلالها تحويل السمات البيولوجية الأساسية للجنس البشري إلى موضوع للاستراتيجية السياسية في إطار استراتيجية عامة للسلطة. بصيغة أخرى كيف قامت الدول الغربية المعاصرة، منذ القرن الثامن عشر، باعتماد حقيقة بيولوجية أساسية تنظر إلى البشر كأنواعespèces ، هذا ما أطلقت عليه اسم السلطة الحيوية“.
بالنسبة لفوكو السلطة الحيوية هي مصفوفة من الممارسات الخطابية الحديثة والأشكال “الدقيقة” للتنظيم التي تهتم، تسخر، تقوض، تعزز وتنشر وتحقق أقصى قدر من السلطة للهيئات الفردية و الساكنة بأكملها؛ لنتمحص مثلا الصحة العمومية، تخطيط المدن أو مفاهيم تطوير الذات.
بالنسبة لتوثايلاثايلTuathail:
السلطة الجيولوجية هي تشغيل المعارف الجغرافية لا كمكون بريء و محايد للمعرفة والتعلم ولكن كمجموعة من تكنولوجيات السلطة التي تعنى بالإنتاج الحكومي و إدارة الفضاء الإقليمي. إشكالية السلطة البيولوجية تعنى بالأشكال الحديثة للتحكم في الجغرافيا منذ القرن السادس ، و هو الوقت، كما يقول فوكو، الذي ظهرت فيه و بشكل بارز أهمية و محورية الدولة كموضوع عمومي يستدعي تفكيرا عموميا و نظرياحول أهميتها و دلالتها ( 1996 : 6 ).
إذا كانت السلطة البيولوجية تعني مجموع صلاحيات الهيئات و السكان، فالسلطة الجيولوجية تمثل بالمقابل مجموع تقنيات السلطة التي تمكن من جعل الأقاليم و كوكب الأرض مفهومة، و في المتناول و قابلة للاستعمال.
تتضمن تقنيات السلطة الجيولوجية الاستكشاف، و الوصف والمسح العقاري. بناء الطرق والقنوات والسدود والسكك الحديدية، التلغراف؛ تأسيس حقوق الملكية، ترسيم الحدود، أنظمة الشرطة وتحديد الهوية؛ الدراسات الاستقصائية، وجميع العلوم الطبيعية التطبيقية، مثل علم النبات، علم الزراعة، و علم الجيولوجيا.
لكل هذه الآليات، سواء على حدة أو مجتمعة أصداءإيكولوجية. كل هذه الممارسات الإدارية والعلمية تصنع و تعيد تصنيع الطبيعة الاجتماعية للرأسمالية.
حقوق الملكية هي شكل مركزي و مؤثر من أشكال السلطة الجيولوجية. حقوق الملكية، والتي ينبغي عدم الخلط بينها وبين مجرد “حيازة”، هي فكرة مجردة في العالم الحديث تدعي السلطة الإقليمية للدولة. كذلك الحال بالنسبة للبنيات التحتية التي تكون في الغالب من نتاج الدول .تقوم الدولة بتسليم قيم الاستعمال هذه لعملية الإنتاج عبر آليات قانونية وعقلانية في إطار محدد إقليميا للقانون، من خلال الاستثمارات العمومية الضخمة التي لا غنى عنها لتطوير البنيات التحتية.”المالك” الحقيقي في نهاية المطاف هو الدولة التي تسيطر على قيم استعمال الطبيعة غير البشرية، وتوفر هذه الإيجارات لرأس المال. وهكذا، و بالإضافة إلى امتلاكه للشلال حسب ماركس يقوم الرأسمالي بمراقبة و فرض احترام حقوق الملكية و لو بالقوة.
هيئة خاصة
دعوناالآن نستعرض بعض التعريفات الكلاسيكية للدولة.حسب “إنجلز” في كتابه “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة“ لدينا تعريف للدولة على النحو التالي:
يمكننا الجزم بأن هذا المجتمع أصبح متشابكا في تناقض غير قابل للذوبان، وأنه قد انقسم إلى متناقضين لا يمكن التوفيق بينهما. من أجل أن لا تستهلك هذه التناقضات طبقات ذات مصالح اقتصادية متضاربة، المجتمع في صراع عقيم، أصبح من الضروري التوفر على قوة تبدو فوق المجتمع، و التي من شأنها أن تخفف من هذا الصراع وإبقائه ضمن حدود“النظام“. وهذه السلطة، نشأت من المجتمع ولكن تضع نفسها فوقه، وتبعد نفسها أكثر فأكثر عنه، إنهاالدولة.انجل2004: 157-158).)
هذه هي الدولة كنتاج و كحكم Arbitreللصراع الطبقي. يلخص لينين، وهو يعيد قراءة إنجلز: “إن الدولة هي نتاج ومظهر من مظاهر استحالة التوفيق بين التناقضات الطبقية. الدولة تنشأ حيث ومتى و مادامت التناقضات الطبقية غير متوافقة بشكل موضوعي“(لينين 1976:5).
مباشرة بعد ذلك نجد تعريف ماكس ويبر Max weber الكلاسيكي والأكثر انتشارا للدولة الحديثة، التي توصل إليها حين كان يحاول تحديد مفهوم ل “السياسة” في خضم الصراع الطبقي العنيف للثورة الألمانية. ألقى محاضرته “السياسة كمهنة “في ميونيخ يوم 19 يناير1919 أي بعد أقل من 3 أشهر، من اندلاع الثورة بمدينة ميونيخ وجميع مناطق بافاريا و نشوء جمهورية بافاريا السوفياتية لمدة قصيرة. و بعد ذلك، تماما كما حذر ويبر، حلت “ليلة قطبية جليدية مظلمة” تم خلالها سحق هذه الثورة بعنف.في هذه المحاضرة، لم يكن ويبير يناقش ماركس فقط و لكن كان يناقش أيضا اللينينية كما كانت قائمة فعلا. حتى أنه بدا وكأنه يعيد صياغة -كتاب لينين-“الدولة و الثورة”:
“في النهاية لا يمكن تعريف الدولة الحديثة إلا اجتماعيا”، يقول ويبر “، وذلك باستخدام الوسائل المحددة التي هي غريبة عن المجتمع…أي العنف الجسدي” (2004: 33). من هنا نجده يتفق مع تأكيد تروتسكي أن “كل دولة تستند على القوة “، مشيرا إلى أن القوة هي” وسيلة خاصة بالدولة “، ليصل إلى صيغته الشهيرة “يجب أن نقول إن الدولة هي شكل من أشكال التجمع البشري الذي استطاع (بنجاح) فرض احتكاره للعنف الجسدي المشروع داخل محيط إقليمي” وهنا فكرة الإقليم هذه هي سمة مميزة أساسية.
في الواقع، إذا كانت السيادة هي جغرافية في الأساس، فإن الآثار الاقتصادية والبيئية المترتبة عن “احتكار العنف الجسدي المشروع ” داخل إقليم معين تعني ممارسات الدولة لتنظيم وانتاج كل من الانسان والطبيعة غير البشرية: الهيئات، قوة العمل، قيم استعمال الموارد “الطبيعية”: جميع العناصر الحاسمة للقيمة. هذه هي بالضبط اقليمية الدولة التي تخلق بشكل تلقائي الخصائص البيئية. وهذا ما يجعل الدولة محورية فيما يسميه “مور(2013) Moore”العالم الايكولوجي لمشروع التراكم الرأسمالي.
(,,,,)
مناقشة ماركس السابقة للطاقة المائية مقابل قوة البخاركمصدر لفائض إضافي للقيمة تقترح اعتبار “الفضاء كقوة لإنتاج”،هذاينبهنا إلى أهمية السيطرة السياسية (وهو ما يعني مراقبة قسرية وإدارية) على المحيط كشرط مسبق لعملية الاستيلاء على”قوى الإنتاج”وقيم استعمال الطبيعة غير البشرية.وهكذا، وبالعودة إلى مناقشة ماركس للشلال مقابل البخار، نجد مايلي:
الإنتاجية المتزايدة لليد العاملة لا تنشأ من رأس المال ولا من عملية الإنتاج نفسها ولا من تطبيق بسيط لقوى الطبيعية بشكل منفصل عنهما و لكن هي مدمجة في الرأسمال. وهي تنشأ من إنتاجية طبيعية أكبرللعمل مرتبطة باستخدام القوة الطبيعية، قوى طبيعية غير متوفرة لجميع رؤوس الأموال في نفس مجال الإنتاج. على سبيل المثال مرونة البخار، لا تحدث تلقائيا بمجرد استثمار رأس المال في هذاالمجال. ما يستخدم هو بالأحرى القوة الطبيعية القابلة للاحتكار و التي هي، مثل الشلال، متاحة فقط لأولئك الذين يمتلكون قطعة معينة من سطح الأرض وملحقاتها.
التراكم البدائي كمكون للدولة
من اجل فهم أفضل لأصول الدولة الصانعة للبيئة، نعود مرة أخرى لمناقشة ماركس في ما يسمى ب “التراكم البدائي”. حيث يستهل حديثه بالقول: “المال والسلع نفسهما جزء من رأس المال شأنهما في ذلك شأن وسائل الانتاج والعيش. ويتم تحويلها إلى رأس المال “(1990a: 874). لكن فصل المنتج عن وسائل الإنتاج وخلق طبقتين متعارضتين تاريخيا يدخل أيضا في عملية تكوين الدولة الرأسمالية. عملية تشتغل على النحو التالي: الخطوة الأولى: أدى صعود صناعة الصوف الهولندي في أواخر القرن الخامس عشرالى ارتفاع أسعار الصوف والأراضي في الجزر البريطانية. كبارالاقطاعيين ردوا بعزل الفلاحين عن الأرض، والاستعاضة عنهم بالغنم. و هو أمر غير شرعي حاولت الدولة الملكية إيقافه “التشريع استسلم مرة أخرى أمام هذا التغيير الهائل “، حسب تعبير ماركس. A 1489 الخطوة الثانية. مع الاصلاح في انكلترا، قام العرش بنزع الملكية عن أكبر كبار ملاكي الأراضي : الكنيسة الكاثوليكية. وتم توزيعها على المقربين من الملك. وهذه المصادرات تعني أيضا اجتثاث الفلاحين الذين تحولوا إلى بروليتاريين. وكانت هذه المصادرة نتيجة أو سببا ثانويا لما يسميه ماركس “الصراع الديني الفذ”. هنا أعطت الدولة ملكية الأرض لطبقة ميركانتيلية شبه رأسمالية صاعدة لملاكي الأراضي وساهمت بالتالي في نشوئها. في نفس الوقت ساهم ذلك في تحول الدولة نفسها بشكل تدريجي. الخطوة الثالثة. بعد الثورة الانجليزية، واستعادة ستيوارت في 1660، تم استكمال تمليك الأراضي :من خلال وسائل قانونية ثم سلب الأراضي و إلغاء الملكية الإقطاعية، أي تم التخلص من كل الالتزامات تجاه الدولة و تعويضها من خلال فرض ضرائب على الفلاحين وبقية جماهير الشعب، وبالتالي الادعاء بحقوق الملكية الخاصة في شكلها الحديث. ماركس 1990a: 883-884).
الخطوة الرابعة. في القرن الثامن عشر قامت النخب بحظر أشكال الملكية الجماعية، وهي نظم قانونية جرمانية قديمة ظلت تعيش تحت مظلة الإقطاعية، من خلال عمليات برلمانية للحظر. الآن الدولة تتخذ خصائص رأسمالية بشكل واضح و صريح. تتشابك النخب السياسية مع الطبقة الرأسمالية الزراعية الجديدة. هكذا يكون التراكم البدائي هو أيضا عملية تكون الدولة.
الخطوة الخامسة. أخيرا، أو في نفس وقت، نجد الغزو الأوروبي للأمريكتين والتبادل الكولومبي (كروسبي 2003)، النتائج البيولوجية والسياسية المترتبة عن دمج العالمين القديم والجديد. ساهمت السنوات الطويلة من استيلاءات القرن السادس عشر ليس فقط في ظهور الرأسمالية، بل أيضا الدولة الرأسمالية.
يمكن أن نضع بسهولة هذه الخطوة النهائية في البداية. تطور المحيط الاستعماري كان أيضا حافزا في تطور الدولة الرأسمالية. ساهمت الأرباح المتراكمة عبر استغلال موارد العالم الجديد، وقوة اليد العاملة الأفريقية، في تمويل تصنيع اقتصاديات دول المركز. مثلما كانت الموارد الاقتصادية تتدفق ذهابا وايابا بين المركز والمحيط كانت مداخيل الدولة تزداد وتتطور بين المركز و المحيط في إطار نظام عالمي رأسمالي ناشئ.
حتى خلال معظم لحظات القرصنة قام الاستعمار الأوروبي بلف نفسه في مواثيق الدولة والشرعية، والجهاز الاداري. كان مدفع سفينة القراصنة مرخص من قبل الملكة اليزابيث. كان بيزارو[iii] يتوفر على رخصة من شارل الخامس. وكانت الميركانتيلية نظاما تجاريا متمحورا حول الدولة. تم تطوير تقنيات سياسية، عسكرية وادارية وفنية وعقلانية و قضائية، و عرقية مختلفة من خلال جغرافيا غير متكافئة للإمبراطورية.
خاتمة
لقد وضعت تحليلا للدولة متجذرا في قراءة ايكولوجية سياسية للقيمة .الدولة الرأسمالية كمحفز مركزي للطبيعة الاجتماعية، ليست فيعلاقة مع الطبيعة، بل هي في حد ذاتها علاقة مع الطبيعة.تبقى الدولة كمؤسسة صانعة للبيئة حاسمة في عملية الاستقلاب الرأسمالية .هذه الحجة لها تداعيات سياسية. أولا،إن الدولة لايمكن تجنبها، كما أكد ذلك علماء من أمثال هولواي. من أجل أن تكون حركات اليسار حركات فعالة، خاصة في مواجهة أزمة المناخ، لا بد أن تأتي باستراتيجيا تطرح و تطمح إلى تغيير الدولة. فكرة تفادي التطرق للدولة هي في الحقيقة جهل بمركزية الدولة و أهميتها الطبيعية لتشكل القيمة وبالتالي للمجتمع الرأسمالي ككل(Mazzucato2013).
في محاولة لشرح مركزية الدولة للصحفيين صرح رئيس بنك التصديروالاستيراد بالولايات المتحدة الأمريكية بعد رحلة عمل الى جمهورية التشيك رافقه خلالها الرئيس التنفيذي لشركة وستنهاوسWestenHouse:
“حان وقت إسقاط وهم وجود سوق حرة بحثة في عالم التجارة العالمية … في العالم الحقيقي مؤسسات القطاع الخاص الأمريكية تتصارع ضد مجموعة من الشركات المنافسة التي غالبا ما تكون مملوكة للحكومات و/أو محمية من قبل هذه الحكومات التي تدعمها وترعاها” (الإيكونوميست 30 يوليو 2013).
بعبارة أخرى، فان الأطر القانونية للملكية يتم اصلاحها اقليميا وتبقى الدول الوحدات السياسية الحاسمة داخل النظام العالمي.
التدبير، والوساطة، وانتاج، وتقديم الطبيعة غير البشرية لعملية التراكم هو مهمة أساسية، ومحددة جغرافيا، من مهام الدولة الحديثة، الرأسمالية.
عندما نتحدث عن عملية الاستقلاب الرأسمالي، يجب أن نفكر في الدولة باعتبارها غشاء وسيطا لا غنى عنه في هذه العملية. في هذا الصدد، أزمة المناخ لا تتطلب دورا جديدا للدولة، ولكن دورا مختلفا ومغايرا لما تقوم به الدولة اليوم. ولكي يحدث ذلك يحتاج العلماء النقديون إلى تجديد اهتمامهم الفكري والنظري بالدولة. لقد اقترحت أن نبدأ بالنظر للدولة باعتبارها الفاعل البيئي المركزي في الدراما التاريخية الكبرى للرأسمالية. تبقى الدولة في مركز الصراع السياسي الحديث. تغير المناخ يجلب كوارث وحالات الطوارئ تستدعي دائما تدخل الدولة. كيف تستجيب الدولة هي مسألة مختلفة: في بعض الأحيان تفشل، ولكن دائما يتم استدعاؤها.
* كريستيان بارينتي : محقق صحفي و كاتب امريكي و أستاذ بجامعة نيويورك وتشمل كتبه: “تأمين أمريكا: الشرطة والسجون في عصرالأزمات”(2000)، “القفص الناعم: نظام المراقبة في أمريكا من العبودية إلى الحرب على الإرهاب”(2003). “الحرية: الظلا ل والهلوسة في العراق المحتل”((2004و أخيرا: “مدارالفوضى: تغير المناخ وجغرافيا العنف الجديدة”(2011)،
[i]من بين هؤلاء الرواد على سبيل المثال لا الحصر: وليام كرونون (1991 ، 2003). ألفريد كروسبي (2003 )؛ و على طريقتها الخاصة استر بوسوروب (1965 )؛ ديانا ديفيس (2007 )؛ مايك ديفيس (1995 ، 1998 )؛ جون بيلامي فوستر (2000)؛ دونا هاراواي (1991 )؛ ديفيد هارفي (1997 )؛ سوزانا هيشت واليكس كوكبرن (1990 )؛ CINDI كاتز (1995)؛ كارولين التاجر (1980 )؛ جيمسأوكونور (1997)؛ ريتشارد بييت ومايكل واتس (1993)؛ مايكل بيرلمان (1975)؛ ألفريد شميت (1971)؛ جيمس سكوت. (1999)؛ نيل سميث (2008)؛ دونالد Worster (1993)؛ ومؤخرا، أندرياناVlachou (2002وجايسون جورج مور (2002، 2011)؛ وBatallie (1991).
[ii]ميشال فوكو(1926 – 1984) فيلسوففرنسي، يعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، تأثر بالبنيويين ودرس وحلل تاريخالجنون في كتابه “تاريخ الجنون”, وعالج مواضيع مثل الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون. ابتكر مصطلح “أركيولوجية المعرفة”. (عن موقع ويكيبيديا : المترجم)
[iii]مستكشف اسباني قاد عمليات الغزو و الحرب في أمريكا الجنوبية في القرن السادس عشر و اشتهر بمذابحه ضد شعوب الأنكا(المترجم)
اقرأ أيضا