العولمة الرأسمالية والامبرياليات والفوضى الجيوسياسية ومستتبعاتها
بيار روسيه
جرى إعداد هذا النص تمهيدا لنقاش حول الوضع العالمي باللجنة العالمية للأممية الرابعة في فبراير عام 2015 [1]. كان وجب الاشتغال عليه ثانية بعد النقاشات قبل نشره، لم يتأت ذلك لأسباب عملية. ومع ذلك تم إدخال تعديل جوهري على القسم المتعلق بالأزمة البيئية. كما وجب إضافة إشارة خاصة حول الوضع في أوكرانيا على أساس المقرر المصادق عليه في اللجنة العالمية ذاتها، و الذي نحيل عليه [2].
بوجه ما بلغت الدينامية الرأسمالية من حدود في سنوات 1970، فرضت البرجوازية الأنجلوساكسونية في البدء سياسات نيوليبرالية مدمرة اجتماعيا (في ظل حكم ريغن وتاتشر)، ثم أتاح تفجر الاتحاد السوفييتي، قبل ربع قرن، اتخاذ العولمة الرأسمالية كامل أبعادها. لم يُولد هذا الإقلاع نمط سيطرة دولية مستقر، بل وضعا فوضويا على نحو مزمن. لم تكف بعض الامبرياليات التقليدية عن الانحدار، بينما تتوطد قوى رأسمالية جديدة، مؤججة المنافسات الجيوسياسية. وببلدان عديدة، أفضى عنف السياسات النيوليبرالية المفروضة إلى تفكك النسيج الاجتماعي، و إلى أزمات نظام حادة، وحتى إلى انتفاضات شعبية، لكنه أفضى أيضا إلى تطورات مضادة للثورة خطيرة. وحفز توسع الرأسمالية في روسيا والصين بقوة بالغة إضافية الأزمة البيئية الشاملة –لاسيما احترار المناخ-، ما باتت شعوب عديدة تدفع عنه ثمنا باهضا.
حاولنا سابقا تقدير المستتبعات السياسية للعولمة الرأسمالية. ومع الفاصل الزمني، وتسارع الاضطرابات الجيوسياسية، تلزم العودة إلى الأمر.
وإذ تقدم “الأطروحات” التالية عناصر أولية للتحليل و للإجابة على ما يطرح علينا من مسائل، فإنها لا تدعي الاكتمال و لا تقديم خلاصات تامة. غايتها في المقام الأول أن تكون مدخلا لعملية تفكير جماعية على نطاق دولي. وهي تستند في الغالب على تحاليل جرى تقاسمها، لكنها تسعى إلى السير قدما بالنقاش حول مستتبعاتها. وتقوم لهذه الغاية،وبمجازفة تبسيط وقائع معقدة، بـ”تطهير” التطورات الجارية، غير المكتملة في الغالب، لتثمين ما يبدو جديدا.
I – مجرة امبريالية جديدة
أول ما نعاين هو اختلاف الوضع الراهن عن أوضاع مطلع القرن او في أثناء سنوات 1950-1980. ونسجل بوجه خاص:
* التغير العميق وتنوع المكانة الاعتبارية للامبرياليات التقليدية؛ إذ “قوة فائقة” أمريكية؛ وإخفاق تشكيل امبريالية أوربية مندمجة؛ و”تحجيم” الامبرياليتين الفرنسية والبريطانية؛ ووجود امبرياليات “بلا أسنان” (ألمانيا بوجه خاص، لكن حتى اسبانيا إزاء أمريكا اللاتينية)؛ وإخضاع الامبريالية اليابانية، وأزمات تفكك اجتماعي ببعض البلدان الغربية (اليونان) منتمية تاريخيا إلى الدائرة الامبريالية…
* ” ترجح العالم” بانتقال “قلب” إنتاج السلع العالمي إلى آسيا بدلا من الغرب، ما يجعل مفهومي “المركز” و “الأطراف” متقادمين.
* توطد أشكال أولية لامبرياليات جديدة – بدءا بالصين الفارضة ذاتها حاليا بما هي ثاني قوة عالمية، مع عدم تجاهل حالة روسيا الخاصة.
* تطور متفاوت لكل امبريالية، قوية في بعض المجالات، وضعيفة في أخرى. فبات من جراء ذلك وضع تراتب للدول الامبريالية أشد تعقيدا مما مضى. وجلي أن الولايات المتحدة الأمريكية تظل بالمقدمة؛ فلها دون سواها إمكان إدعاء القوة في كل المجالات، لكنها تسجل مع ذلك انحدارا اقتصاديا نسبيا، وتقلصَ ميزانيتها العسكرية، وتُحس حدود سلطتها العالمية.
لذا ليس توصيف القوى الجديدة السؤال الوحيد المطروح علينا.يتعين علينا أيضا إعادة تقييم المكانة الاعتبارية المتغيرة للامبرياليات التقليدية – و النظام الامبريالي برمته.
II . عدم استقرار سياسي مزمن
ثاني إثبات هو أن العولمة الرأسمالية لم تنتج “نظاما عالميا جديدا” مستقرا، بل بالعكس.
- اشتد تنافس الامبرياليات، وبات كونيا بقدر أن زمن “الحوزة المحروسة” ومناطق النفوذ شبه الحصرية قد انتهى بمعظم مناطق العالم ( ما خلا بأمريكا اللاتينية إلى حد بعيد؟)، وتطالب الصين بولوج ساحة القوى الأكبر. وتسعى حكومة اليابان إلى تقليص تبعيتها العسكرية إزاء الولايات المتحدة الأمريكية وإلى التحرر من البنود السلمية بالدستور الياباني. وباتت حدود الاتحاد الأوربي و روسيا منطقة نزاعات.
- يمكن لـ”امبرياليات فرعية” قديمة (البرازيل…) أو متجددة ( أفريقيا الجنوبية بعد زوال الأبارتهايد)، بعضها متطلع إلى اقتفاء “النهج الصيني” (الهند)، أن تستفيد من حدة تنافس القوى لتسهم تدريجيا في التنافس في السوق العالمية.
- كانت التحالفات الجيوسياسية بالأمس “مجمدة” بنزاعات شرق-غرب من جهة و بالنزاع الصيني السوفييتي من جهة أخرى (ما يفسر مثلا بجنوب آسيا محور الهند –روسيا ضد الولايات المتحدة الأمريكية-باكستان- الصين)؛ فباتت أكثر ليونة وتغيرا. وسعت أنظمة بأمريكا اللاتينية إلى تليين المشد الأمريكي المفروض .
- أسهم انطلاق الثورات العربية، ثم عنف الثورة المضادة بعدد من بلدان المنطقة، في خلق وضع غير متحكم به في منطقة واسعة تمتد من الشرق الأوسط ألى الساحل (وحتى أبعد).
بعد انفجار الاتحاد السوفييتي، كانت البرجوازيات و الدول الامبريالية (التقليدية)، في مرحلة أولى، غازية جدا: تغلغل في أسواق الشرق، وتدخل بأفغانستان (2001) و بالعراق (2003)… ثم كان ثمة توحل عسكري، والأزمة المالية، وبزوغ قوى جديدة والثورات العربية… ليفضي كل ذلك إلى فقد المبادرة و التحكم الجيوسياسيين: باتت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تتفاعل باستعجال أكثر مما تخطط فرض نظامها.
وتتمثل إحدى أسئلة الوضع العالمي في الرابط بين انعطاف ما بعد 1989(امبرياليات غازية) وذاك المتشكل في منتصف سنوات 2000 (عدم استقرار جيوسياسي).
III. . العولمة و أزمة القابلية للحكم
أرادت البرجوازيات الامبريالية الإفادة من انهيار الكتلة السوفييتية وانفتاح الصين على الرأسمالية لخلق سوق عالمية موحدة القواعد بما يتيح لها نشر رساميلها وفق مشيئتها. ولم يكن لعواقب العولمة الرأسمالية إلا ان تكون بالغة العمق – وفاقمتها تطورات لم ترد البرجوازيات الامبريالية، المغتبطة، توقعها.
في الواقع كان ذلك المشروع يستتبع:
- تجريد المؤسسات المنتخبة (برلمانات، حكومات،…) من سلطة قرار الخيارات الأساسية، وإجبارها على تطبيق تدابير متخذة في مكان آخر في تشريعاتها: المنظمة العالمية للتجارة، واتفاقات التبادل الحر الدولية، الخ، مسددا على هذا النحو ضربة قاضية للديمقراطية البرجوازية الكلاسيكية – ما جرى التعبير عنه إيديولوجيا بالإحالة إلى “الحكامة” بدلا من الديمقراطية.
- نزع الشرعية، باسم سمو حق المنافسة، عن “الأنماط الملائمة” من سيطرة البرجوازية الناتجة عن التاريخ الخاص للبلدان وللمناطق ( المساومة التاريخية من الطراز الأوربي)، وشعبويات من طراز أمريكي لاتيني، وتحكم دولتي من الطراز الأسيوي، وأنماط متنوعة من الزبونية القائمة على إعادة التوزيع…). فقد كانت كلها تقيم علاقات معدلة مع السوق العالمية وبالتالي عقبات بوجه الانتشار الحر للرأسمال الامبريالي.
- انقلابات جيوسياسية جذرية متغذية من حركية غير مسبوقة للرأسمال الامبريالي، والتمييل financiarisation، والتدويل المتنامي لسلاسل الإنتاج…مع “نقل المركز” الإنتاجي نحو آسيا والتراجع الأوربي. وتترافق هذه الانقلابات الإجمالية مع تمايزات جديدة داخل مجموعات إقليمية، سيما بالاتحاد الأوربي.
- مستو تمييل غير مسبوق. اتخذ تطور الرأسمال الوهمي، الملازم للرأسمالية الحديثة، أحجاما كبيرة في السنوات الأخيرة. ودون قطع الصلة، يؤدي هذا إلى درجة عالية من ابتعاد الرأسمال الوهمي عن عمليات الإنتاج، فيما تنحل الصلة بين الدائن الأصلي و المستدين الأصلي. دعم التمييل النمو الرأسمالي، لكن تطوره الفائق فاقم تناقضاته.
- سيرورة متصاعدة بلا نهاية من تدمير الحقوق الاجتماعية. إذ أدركت البرجوازيات الامبريالية التقليدية قدر الضعف والأزمة الذين ألما بالحركة العمالية ببلدان ما يسمى “المركز”. وباسم “التنافسية” بالسوق العالمية، أفادت من ذلك لشن هجوم مستمر، وممنهج، لتدمير الحقوق الجماعية المكتسبة بوجه خاص في الحقبة التالية للحرب العالمية الثانية. لم تكن ترمي إلى فرض “عقد اجتماعي” جديد أكثر ملاءمة لها، بل إلى إنهاء كل اتفاقات من هذا القبيل والاستيلاء على كل القطاعات المربحة المفلتة منها بانتمائها للخدمات العامة، من صحة و تعليم وأنظمة تقاعد، ونقل، الخ.
- تغيير لدور الدولة و العلاقة بين الرساميل الامبريالية والمجالات الترابية. فما عدا استثناءات، لم تعد الدولة شريك إشراف على مشاريع اقتصادية كبيرة أو تطوير بنيات تحتية اجتماعية (صحة، تعليم…). وإن كانت تواصل دعم “شركاتها” متعددة الاستيطان ، فإن هذه الأخيرة لا تشعر (بالنظر لقوتها وتدويلها) بتبعية إزاء بلدانها الأصلية كما في السابق: باتت العلاقة “لامتساوقة” أكثر من أي وقت مضى…أما دور الدولة، الذي يظل أساسيا، فيتقلص إلى الإسهام في وضع قواعد تعميم حركية الرساميل، وفتح القطاع العام برمته لشهية الرأسمال، والإسهام في تدمير الحقوق الاجتماعية وإبقاء سكانها ضمن الوضع المتوقع لهم.
- ،حن إذن إزاء نظامين تراتبيين مهيكلين لعلاقات السيطرة الامبريالية. تراتب الدول الامبريالية، المعقد كما أشرنا آنفا ( النقطة I)، وتراتب تدفقات الرساميل الكبرى التي تطوق العالم في شكل شبكات. لم يعد هذان النظامان يتطابقان، رغم أن الدول هي في خدمة تدفقات الرساميل.
تمثل العولمة الرأسمالية نمط سيطرة طبقية إجمالي جديد، غير مكتمل وغير مستقل هيكليا. إذ يؤدي إلى أزمات شرعية وقابلية للحكم مفتوحة؛ بلا مصادر شرعية، تاريخية كانت أو ديمقراطية ، أو اجتماعية أو ثورية… تصفي البرجوازيات الامبريالية قرونا من “الدراية” في هذا المجال باسم حرية حركة الرأسمال، فيما تمزق عدوانية السياسات النيوليبرالية النسيج الاجتماعي في عدد متزايد من البلدان. وإن حرمان قسم كبير من سكان بلد غربي كاليونان من خدمات الصحة أمر معبر جدا عن تطرفية البرجوازيات الأوربية.
في زمن الامبراطوريات، كان يجب تأمين استقرار الممتلكات الاستعمارية – وكذا، وإن بدرجة أقل، مناطق النفوذ في زمن الحرب الباردة. أما اليوم فيتوقف ذلك بفعل الحركية والتمييل، على المكان واللحظة… هكذا يمكن دخول مناطق برمتها في أزمة مزمنة تحت ضربات العولمة. وقد أدى تطبيق الأوامر النيوليبرالية من قبل أنظمة ديكتاتورية إلى انتفاضات شعبية بالعالم العربي، وأزمات نظام مفتوحة وردود مضادة للثورة عنيفة، مفضية إلى عدم استقرار حاد.
تكمن خصوصية الرأسمالية المعولمة في التلاؤم مع الأزمة كحالة دائمة: تصبح ملازمة للاشتغال العادي لنظام السيطرة الإجمالي الجديد. إن كان الأمر كذلك، وجب علينا تغيير رؤيتنا لـ”الأزمة” بما هي لحظة خاصة بين حقب مديدة من “الحالة العادية”- ولم نفرغ بعد من قياس عواقبها ومكابدتها.
- IV. الامبريالية المتشكلة الجديدة
كانت البرجوازيات الامبريالية تعتقد بعد 1991 أنها ستلج أسواق البلدان المسماة سابقا “اشتراكية”، لدرجة إخضاعها على نحو طبيعي – متسائلة حتى ما إن بقيت لحلف شمال الأطلسي وظيفة ما إزاء روسيا. ليست هذه الفرضية عبثية كما يُبرز وضع الصين في انعطاف سنوات 2000 و شروط انضمام هذا البلد إلى المنظمة العالمية للتجارة (المناسبة جدا للرأسمال العالمي). لكن الأمور اتخذت مسارا مغايرا – ويبدو أن هذا لم يكن واردا أصلا أو جديا لدى القوى القائمة.
في الصين، تشكلت برجوازية جديدة داخل البلد وفي النظام، عبر “تبرجز” البيروقراطية أساسا، بتحول هذه الأخيرة إلى طبقة مالكة بواسطة آليات باتت اليوم معروفة اليوم جيدا. أعادت إذن تشكيل ذاتها على قاعدة مستقلة (إرث الثورة الماوية)، وليس كبرجوازية خاضعة عضويا في الحال للامبريالية. على هذا النحو، غدت الصين قوة رأسمالية، دائمة العضوية بمجلس الأمن لها حق الفيتو (ينطبق هذا كله على روسيا أيضا).
هل يمكن توصيفها بامبريالية جديدة؟ يجب طبعا تدقيق المقصود بهذا الوصف في السياق العالمي الراهن. لكن يبدو صعبا، مع تحول الصين إلى ثاني قوة عالمية، إنكار هذه الصفة عنها ، أيا كانت أوجه هشاشة النظام القائم واقتصاده. و الأمر عينه فيما يخص روسيا بنظر العديد من المعارضين اليساريين الروس للنظام، رغم استمرار تبعيتها الاقتصادية لصادراتها من المواد الخام (ثلثيها بترول). هل يمكن الحديث في هذه الحالة عن “امبريالية ضعيفة”؟
حاولت دول البريكس أن تتدخل سوية في السوق العالمية لكن دون كبير نجاح. و لا تلعب البلدان المشكلة لهذه الكتلة الهشة كلها في نفس الساحة. يمكن على الأرجح اعتبار الهند و البرازيل وجنوب أفريقيا امبرياليات فرعية – وهو توصيف يعود إلى سنوات 1970- و دركيا إقليميا، لكن مع فارق مهم قياسا بالماضي متمثل في استفادتها من حرية أوسع لتصدير الرساميل ( انظر “اللعبة الكبيرة” المفتوحة في أفريقيا مع تنافس الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وفرنسا والهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية والصين وقطر وتركيا …).
هنا نخلص إلى استنتاجين:
- يتأجج تنافس القوى الرأسمالية مع توطد الصين بوجه خاص، لكن حتى روسيا و أوربا الشرقية. يتعلق الأمر فعلا بنزاعات بين قوى رأسمالية، وهي من ثمة مغايرة نوعيا لنزعات الحقبة السابقة.
- على نحو أعم، فيما يخص حرية حركة الرساميل، بوسع البرجوازيات (حتى الخاضعة) والشركات متعددة الاستيطان بـ”الجنوب” استعمال القواعد التي وضعتها في 1991 البرجوازيات الامبريالية التقليدية لنفسها، لاسيما في مجال الاستثمارات، ما يزيد تعقيد التنافس في السوق العالمية قياسا بالماضي. وفيما يخص بيع السلع، يظل خلق تنافس عام بين العمال محفَّـزا بقوة من قبل المقاولات بالمراكز الامبريالية التقليدية، وهي المتحكمة بولوج أسواق الاستهلاك بالبلدان المتطورة و ليس شركات البلدان المنتجة؛ بيد أن الأمر أقل صحة اليوم بالنسبة للصين، وحتى الهند والبرازيل.
v- قوى يمين متطرف جديدة، وفاشيات جديدة
تتمثل إحدى أولى عواقب القوة المزعزعة للعولمة الرأسمالية في صعود مهول لقوى يمين متطرف جديدة وفاشيات جديدة، ذات قاعدة (محتملة) جماهيرية. يكتسي بعضها أشكالا تقليدية نسبيا، مثل منظمة الفجر الذهبي في اليونان، أو تتخذ شكل نزعات كارهة للأجانب وقائمة على انطواء هوياتي. وتولد أخرى في شكل أصوليات دينية، وهذا في جميع الديانات “الكبرى” ( المسيحية و البوذية و الهندوسية، والإسلامية…)، أو “قومية دينية” (اليمين المتطرف الصهيوني)… وتمثل هذه التيارات اليوم تهديدا في بلدان مثل الهند، وسريلانكا، وإسرائيل، أو كانت قادرة على التأثير على حكومات لها من الأهمية ما لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية (في ظل بوش). لذا، ليس للعالم الإسلامي احتكار ما بهذا الصدد، لكن الأمر اتخذ هناك بعدا دوليا خاصا، مع حركات “عابرة للحدود” مثل الدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش)، أو حركة طالبان (انظر الوضع في باكستان)، وشبكات ذات ارتباطات شكلية إلى هذا الحد أو ذاك من المغرب إلى اندونيسيا،وحتى جنوب الفلبين.
بوجه عام، يجب علينا تحليل أعمق لقوى اليمين المتطرف الجديدة، دينية كانت أو غير دينية: فهي ليست مجرد نسخ للماضي، بل تعبر عن الوقت الراهن. يصح هذا بوجه خاص بالنسبة للتيارات الأصولية الدينية. ينبغي توصيفها سياسيا لفهم دورها (نعيد إلى الاذهان أن قسما لا يُستهان به من اليسار الجذري العالمي كان، حتى عهد قريب، يعتبرها تعبيرا مناوئا للامبريالية “موضوعيا” ، وان كان رجعيا أيديولوجيا). وهذا ضروري أيضا لمحاربة التأويلات “الجوهرانية” لـ”صدام الحضارات”.
إنها تيارات يمين متطرف ومضادة للثورة. وأسهمت على هذا النحو في وقف دينامية الثورات الشعبية الناتجة عن “الربيع العربي”. وهي لا تحتكر العنف الأقصى (انظر نظام الأسد)، ولا “الهمجية” (النظام الامبريالي “همجي”). لكنها تمارس على المجتمع تحكما وإرهابا “من أسفل” يذكر في حالات عديدة بفاشيات ما بين الحربين قبل وصولها إلى السلطة.
على غرار كل الألفاظ السياسية، يجري استعمال كلمة الفاشية في غير محلها أو تُأول بكيفيات مختلفة. لكن، وهذه مسألة تناقشها منظماتنا، كيف تتطور الحركات الأصولية او قوى أقصى اليمين القومية، ومن منها يمكن اعتباره فاشيا أو لا- في بلدان مثل الهند وباكستان مثلا.
على نحو أعم، يغذي تجدد قوى اليمين الجذرية اندفاعة رجعية بالغة الخطورة ترمي بوجه خاص إلى النيل من الحقوق الأساسية للنساء و للمثليين جنسيا بالاستناد في الغالب على الكنائس المؤسسية في مجال الوقف الإرادي للحمل ( في اسبانيا، حيث جرى إحباط مشروع لالغاء حق وقف الحمل إراديا، وايطاليا…)، ووضع الأسرة ( بالدعوة إلى العودة إلى رؤية محافظة جدا لدور المرأة)، وحتى إطلاق حملات مطاردة ساحرات ضد مثليي الجنس (ايران، وبلدان افريقية حيث توجد تيارات إنجيلية قوية…). على هذا النحو تهاجم الرجعية حق النساء و الاشخاص في تقرير مصيرهن/هم (الاعتراف بتنوع التوجه الجنسي)، وحوقو منتزعة بنضال مديد.
يساعد على صعود قوى اليمين الرجعية الأيديولوجية الأمنية التي تدفع بها اليوم الحكومات البرجوازية باسم المعركة ضد الإرهاب أو الهجرة “غير القانونية”. وبالمقابل، تستعمل تلك الحكومات ما غذّت من مخاوف لتصليب الدولة الجنائية، ولإقامة أنظمة متزايدة الطابع البوليسية، ولتمرير تدبير قاتلة للحريات: إن مجموعات سكانية بكاملها تعتبر حاليا “مشبوهة” وعرضة لمراقبة.
VI- أنظمة مستبدة، ومطلب الديمقراطية، وأشكال التضامن
سببت العولمة الرأسمالية أزمة المؤسسات المسماة ديمقراطية (حيث كانت توجد) والبرلمانية البرجوازية. وبوجه فقد الشرعية هذا، يتمثل الميل السائد في إرساء –عنيف أو زاحف- لأنظمة مستبدة مفلتة من السيادة الشعبية. بات حق السكان في الاختيار لاغيا ببساطة باسم اتفاقات وقوانين صادقت عليها حكوماتهم.
على هذا النحو، يكسب المطلب الديمقراطي (“الديمقراطية الحقيقية الآن”) بعدا تمرديا مباشرا أكثر مما كان في الغالب سابقا، ما يتيح تحميله مضمونا بديلا، شعبيا. كما أن تعميم السياسات النيوليبرالية، وما يلازمها من تحويل “المشتركات” إلى سلع، يتيح تلاقي المقاومات الاجتماعية، كما شهدنا في حركة العولمة البديلة. كما تتيح العواقب التي باتت محسوسة لتغير المناخ مجالا جديدا لتلاقيات كامنة مناهضة للرأسمالية.
بيد أن العواقب المستديمة لهزيمة الحركة العمالية، والهيمنة الأيديولوجية النيوليبرالية، وفقد البديل الاشتراكي للصدقية، تتعارض مع هذه الميول الايجابية. يصعب إتخاذ نجاحات، كبيرة أحيانا، لحركات احتجاج (اعتصامات في الميادين، عصيان مدني…) بعدا مستديما. يمكن لحدة الاضطهاد، في هذا السياق، أن تعزز مقواومات هوياتية “منغلقة”، حيث تظل مجموعة مضطهدة غير مبالية بمصير مضطهدين آخرين ،كما يسهم إضفاء الطائفية على نزاعات عديدة في تقسيم المستغلين والمضطهدين.
لا يمكن للنظام النيوليبرالي أن يفرض نفسه إلا بنجاحه في تدمير أشكال التضامن القديمة وخنق بزوغ أشكال تضامن جديدة. لا يمكن،أأيا كانت أهمية أشكال التضامن، أن نعتبر أنها تتطور “على نحو طبيعي” ردا على الأزمة، وكذلك شأن النزعة الأممية بوجه رأسمال معولم. يجب بذل جهد متفق عليه وممنهج في هذا المضمار.
VII . النزعة الأممية بوجه المعسكراتية
لم تعد ثمة قوى كبرى (مقولة لا تنتمي إليها كوبا) “غير” رأسمالية أو “معادية” للرأسمالية. يجب استنتاج كل الخلاصات من ذلك.
كنا في الماضي، وبلا اصطفاف مع الدبلوماسية الصينية، ندافع عن جمهورية الصين الشعبية (وعن دينامية الثورة) ضد التحالف الامبريالي الياباني الأمريكي – وبهذا المعنى كنا في معسكرها. وعارضا حلف شمال الأطلسي مهما كان رأينا في النظام الستاليني؛ ومع ذلك لم نكن ذوي نزعة “معسكراتية”، لأن ذلك لم يكن يحد من معركتنا ضد البيروقراطية الستالينية. كنا فقط نفعل في عالم حيث كانت تتمفصل خطوط النزاعات ثورات / ثورات مضادة، وكتل شرق/غرب و صينية سوفييتية. لم يعد الأمر على هذا المنوال اليوم.
أدى دوما المنطق “المعسكراتي” إلى التخلي عن ضحايا (جُدوا في الجانب السيء) باسم المعركة ضد “العدو الرئيس”. يصح هذا اليوم أكثر من امس، لأنه يؤدي إلى الوقوف في معسكر قوة رأسمالية (روسيا، الصين) أو في المعسكر الغربي عند اعتبار موسكو او الصين خطرا أولا. يجري بذلك تغذية نزعات قومية عدوانية وتكريس الحدود الموروثة عن عصر “الكتل” فيما المطلوب بالضبط محوها.
كما قد تفضي النزعة المعسكراتية إلى مساندة نظام حافظ الأسد المجرم في سوريا – حيث التحالف تحت هيمنة أمريكية ويضم المملكة السعودية. وتكتفي تيارات أخرى بالتنديد بالتدخل الامبريالي في العراق و سوريا ( وهذا واجب) لكن دون حديث عن ماهية داعش ودون دعوة إلى مقاومتها.
يمنع هذا النوع من المواقف طرحا واضحا لمجمل مهام التضامن. إن التذكير بالمسؤولية التاريخية للامبرياليات، وتدخل العام 2003، والأهداف غير المعلنة للتدخل الراهن، و التنديد بإمبريالتنا الخاصة، واجبات كلها غير كافية. يجب التفكير في مهام التضامن الملموسة من وجهة نظر الحاجات ( الإنسانية، و السياسية، و المادية) للسكان الضحايا و للحركات المناضلة. وهذا المتعذر سوى بمهاجمة نظام الأسد و الحركات الأصولية المضادة للثورة.
VII . التوسع الرأسمالي و أزمة المناخ
أتاحت إعادة دمج “الكتلة” الصينية السوفييتية في السوق العالمية توسعا هائلا للمساحة الجغرافية لسيطرة الرأسمال، ما أسس تفاؤلية البرجوازيات الامبريالية. كما أسس تسارعا دراميا للازمة البيئية الشاملة، في مجالات متعددة. وقد بلغنا حدا يجعل تقليص نفث غازات الاحتباس الحراري واجبا لا يقبل تأخيرا في البلدان النافثة الكبرى بالجنوب و ليس بالشمال وحسب.
في هذا السياق، يجب الا يشجع سداد “الدين البيئي” للجنوب التطور الرأسمالي العالمي و يفيد الشركات متعددة الاستيطان اليابانية-الغربية المقيمة بالجنوب، أو الشركات متعددة الاستيطان الخاصة بالجنوب (من قبيل الصناعة الغذائية البرازيلية،الخ)، ما لن يؤدي سوى الى إذكاء اشد للازمات الاجتماعية والبيئية.
ثمة دوما حاجة إلى تضامن شمال-جنوب، مثاله الدفاع عن ضحايا الفوضى المناخية. لكن المطلوب على جدول الأعمال في علاقات “شمال-جنوب” هو نضال مشترك “مناهض للمنظومة” من وجهة نظر الطبقات الشعبية، أي معركة مشتركة من أجل بديل مناهض للرأسمالية، وتصور آخر لتطور “الشمال” كما “الجنوب” (المزدوجات غايتها التذكير بأن تنافر “الشمال” و”الجنوب” بلغ اليوم مستوى يجعل المفهومين خداعين).
نقطة الانطلاق هي المعركة الاجتماعية-البيئية من أجل “تغيير النظام، لا المناخ”، و أساسها الحركات الاجتماعية وليس تحالفات البيئة وحدها. يجب، و الحالة هذه، العمل من أجل تمفصلها. ما لم يضف طابع بيئي على المعركة الاجتماعية (على غرار ما يمكن القيام به منذ الآن في النضالات الفلاحية والحضرية)، سيظل نمو تعبئات “المناخ” العددي على سطح الأمور.
لقد باتت عواقب الفوضى المناخية بادية، ويمثل تنظيم الضحايا، والمساعدة على تنظيمهم الذاتي، قسما من أساس المعركة البيئية.
إن عواقب نظام طاقة إجمالي قائم على الوقود الأحفوري باتت اليوم جلية تماما. وبفعل احترار الغطاء الجوي الإجمالي، غدت المجالد تتقلص ومستوى المحيطات يرتفع والصحاري تمتد والماء يندر، و الزراعة مهددة والظواهر المناخية القصوى أكثر تواترا. وفاقت عواقب الإعصار الفائق Haiyan في الفلبين ما جرى التحذير منه. وبات المستقبل المعلن حاضرا. ولهذا عواقب مزعزعة تتجاوز المناطق المتضررة مباشرة و تؤدي إلى توترات متسلسلة (انظر لاجئي بنغلاديش، والنزاعات مع الهند حول مسألة المهاجرين).
يُجمع المختصون على قول إن ارتفاع متوسطا بدرجتين لحرارة سطح الكرة الأرضية، قياسا بمستوى ما قبل التصنيع، سيؤدي إلى إطلاق تفاعلات مناخية يستحيل وقفها ما أن تبدأ. بأخذ هذا بالحسبان، ثمة عدد من المسائل الكبرى تظل بلا حل.
قد يؤدي ذوبان المجالد وقنن الجليد إلى ارتفاع كارثي لمستوى البحار. حتى عند تأمين استقرار ارتفاع الحرارة في درجتين، سيبلغ ارتفاع المياه على الأرجح في نهاية القرن بين 0,6 و2,2 متر. وفوق ذلك، ستترفع المياه إلى مستوى أعلى بكثير. و ستكون التجمعات السكانية الساحلية مهددة، وكذا المجموعات القاطنة في الجزر أو البلدان و المناطق منخفضة العلو. ويوجد أكثر من نصف بنغلاديش في خطر مباشر.
وينضاف اليوم بعد آخر، فالقنة الجليدية العريضة في بالقطب الجنوبي الغربي تبدي أمارات فقد استقرار، فيما قد يؤدي ذوبانها إلى ارتفاع المحيطات بسبعة أمتار.
يمكن توقع أن يكون لارتفاع الحرارة عواقب كارثية على مخزونات المياه العذبة، مع تزايد حالات الجفاف وموجات الحر. وتتراجع المجالد بوتيرة غير مسبوقة، و تجف الفرشات المائية. وتفقد الأنهار من مقدراتها. ينبع أكثر من نصف المياه العذبة بالعالم من الجبال (سيلان، ذوبان ثلوج…). وستغدو حروب السيطرة على مصادر الماء أكثر ترجيحا.
كيف يمكن تأمين الغذاء لسكان الأرض دون لجوء إلى الشركات الصناعية (صناعة الغذاء)، ولا إلى استعمال متنام للمبيذات، و الأجسام المعدلة جينيا التي تدمر المحيط الحيوي؟ تتمثل المسألة الأساسية بالجنوب في السيادة الغذائية التي تمنح الشعوب حق ووسائل تحديد أنظمتها الغذائية الخاصة. و تعطي السلطة لمن ينتجون ويوزعون ويستهلكون بدلا من المقاولات الكبرى ومؤسسات السوق المسيطرة اليوم على القطاع. وتتيح إنهاء الاستيلاء على الأراضي و تتطلب إصلاحا زراعيا واسعا لإعادة الأراضي إلى المنتجين.
إن الوجه الأكثر تدميرا في الأزمة البيئية هو ربما أثرها على التعدد الإحيائي – ما بات يسمى أكثر فأكثر “الانقراض السادس” . سيعنى ارتفاع حرارة الغلاف الجوي بثلاث درجات، مثلا، القضاء على نصف كل الأنواع الحية. ويوجد ربع كل الثدييات في خطر. ويؤدي التحمض الجاري للمحيطات إلى موت شعب المرجان، وكذا أجسام متوقفة على تكلس صدفاتها. ولا يمكن فصل مستقل النوع البشري عن أزمة التنوع الإحيائي هذه.
IX – عالم حروب دائمة
لا نسير على الأرجح نحو حرب عالمية ثالثة على نمط الأولى والثانية، إذ ليس ثمة صراع من أجل إعادة توزيع ترابية للعالم بالمعنى الذي كان سابقا. لكن عوامل الحرب بالغة العمق والتنوع: نزاعات جديدة بين القوى، والتنافس على السوق العالمية، والولوج الى الموارد، وتفكك المجتمعات، وصعود فاشيات جديدة مفلتة من تحكم مطلقيها، وعواقب متسلسلة للفوضى المناخية و أزمات إنسانية كبيرة النطاق.
لقد دخلنا مباشرة في عالم حروب دائمة. ويتعين تحليل كل حرب بخصوصياتها. ونحن إزاء أوضاع بالغة التعقيد، كما الأمر اليوم بالشرق الأوسط، حيث تتداخل في مسرح أحداث واحد (العراق و سوريا) صراعات ذات خصوصيات مميزة (كردستان السوري، منطقة حلب، الخ)
و الحرب قائمة لتستمر بأوجه متعددة. يجب علينا إذن أن نهتم مجددا بالطرق التي تخاض بها، لاسيما المقاومات الشعبية، من أجل فهم أفضل لشروط النضال، وواقع الوضع، ومتطلبات التضامن الملموسة…
لكن نحن بحاجة إلى “نقاط استقرار” للحفاظ على بوصلة في وضع جيوسياسي بالغ التعقيد: الاستقلال الطبقي ضد الامبرياليات، وضد النزعات العسكرية، و ضد الفاشيات و صعود حركات هوياتية “مناوئة للتضامن” (عنصرية، كارهة للإسلام، ومعادية للسامية، وكارهة للأجانب، وأصولية، وكره المثلية الجنسية، و كره النساء، وذكورية…)
X- حدود القوة العظمى الفائقة
لا تمنع القواعد الوحيدة للنظام الرأسمالي المعولم بعض البلدان من أن تكون مساوية أكثر من أخرى؛ تبيح الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها أمورا لا تسمح بها في جهات أخرى. وتراهن على مكانة الدولار، وتتحكم بقدر مهم من التكنولوجيا الأكثر تقدما، و تقود قوة عسكرية لا نظير لها. و تحافظ الدولة على وظائف عالمية حكر عليها، فقدتها قوى أخرى او لم تعد تملك وسائلها.
تظل الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الفائقة الوحيدة بالعالم – ومع ذلك تخسر كل الحروب التي خاضت من أفغانستان إلى الصومال. ربما تقع مسؤولية ذلك على العولمة النيوليبرالية التي تمنعها من توطيد اجتماعي (بتحالف مع نخب محلية) لمكاسب عسكرية مؤقتة. وربما الأمر ناتج أيضا عن خصخصة الجيوش، حيث تقوم شركات المرتزقة بأدوار متنامية، وكذا العصابات المسلحة “غير الرسمية” في خدمة مصالح خاصة (مقاولات كبيرة، عائلات كبيرة…)
كما ليس لهده القوة العظمى، مهما كانت فائقة، وسائل التدخل في جميع الاتجاهات في شروط عدم استقرار هيكلي. قد تكون بحاجة الى امبرياليات فرعية قادرة على مساندتها. لكن تَشكـلَ امبريالية أوربية أجهض، ولم يعد لفرنسا وبريطانيا غير مقدرات محدودة جدا؛ ولا زال على اليابان أن تحطم المقاومات المدنية لإعادة تسلحها الشاملة.
الحروب تعني أيضا حركة مناوئة للحرب، و بما ان الحروب متباينة، ليس تشكل حركة مناوئة للحروب متآزرة أمرا سهلا. وتبدو النظرة من أوربا (الغربية ) إلى هذه المسألة متشائمة، بقدر ما قرضت “المعسكراتية” الحملات الرئيسة التي نظمت في هذا المجال وجعلتها عاجزة. لكن ثمة حركة مناوئة للحروب، لا سيما في آسيا، و أوراسيا، ويجري تجاوز الحدود الموروثة عن عصر الكتل بوجه خاص حول هذه المسألة.
XI- أزمة انسانية
السياسات النيوليبرالية، والحروب، وفوضى المناخ، والاضطرابات الاقتصادية، والتفكك الاجتماعي، والعنف المتفاقم، والمذابح، وانهيار انظمة الحماية الاجتماعية، والأوبئة المدمرة، واستعباد النساء، وموجات التهجير القسري، واطفال يموتون ببطء عطشا مهملين مع ابائهم وسط منطقة الساحل… هكذا تلد الرأسمالية الظافرة، المنفلتة من عقالها، عالما تتكاثر به الأزمات الإنسانية، مؤدية إلى معاناة لا يمكن لمن لم يعشها أن يتصورها، ولمن عاشها أن يسميها.
إن تفكك النظام الاجتماعي يعصف أيما عصف بالدول في بلدان مثل باكستان (التي تملك السلاح النووي)؛ أو المكسيك حيث تستعمل عصابات المافيا، في اتحاد وثيق مع الطبقة السياسية، العنف لفرض سيطرتها – ومن ثمة تسمية الدول الفاشلة، والدول المافيا، و إرهاب عصابات المخدرات.
يجب الرد على هذه الهمجية الحديثة بتوسيع مجالات العمل الأممي. يتعين على قوى اليسار المناضل، وعلى الحركات الاجتماعية بوجه خاص، تأمين تطوير التضامن “من شعب إلى شعب” إزاء ضحايا الأزمة الإنسانية.
بعد حقبة جرى فيها تحقير مفهوم النزعة الأممية ذاتها، أعادت إليها موجة العولمة البديلة، ثم تكاثر “الاعتصامات” بالميادين و الأحياء، الاعتبار. يجب الآن أن تجد هذه النزعة الأممية المجددة أشكال نضال بطابع ديمومة أكثر، في جميع ساحات الاحتجاج.
بيار روسيه
مع إسهام نقاشات مكتب وسكرتارية الأممية الرابعة، مع شكر الأشخاص الذين بعثوا تعليقات قيمة على صيغة سابقة من مشروع النص هذا.
اقرأ أيضا