أضواء على قطاع التعليم ونضال شغيلته- حوار مع المناضل النقابي عادل أومرجيج
بعد عام ونصف من توقف حراك شغيلة التعليم (2023) بدأ هؤلاء في التململ من جديد، إذ هبَّت تنسيقيات للنضال من جديد. لتسليط الضوء على ما يجري في قطاع التعليم بعد هذه المدة من الحراك، أجرت جريدة المناضل- ة حوارا مع المناضل النقابي عادل أومرجيج حوارا هذا نص:
1* لوحظ مؤخرا احتجاج فئات في قطاع التعليم (التنسيقية الوطنية لأساتذة الزنزانة 10 خريجي السلم 09 و التنسيقية الوطنية للمقصيين من الأثر الإداري والمالي لاتفاق 26 أبريل 2011، والتنسيق الوطني للمتصرفين التربويين ضحايا الترقيات). في رأيك ما الذي أدى إلى استئناف الاحتجاج بعد خفوته لأكثر من سنة؟
إن ما جرى انتزاعه من مكتسبات جاء بفعل نضالات الشغيلة التعليمية وبحراكها التاريخي وما عرفه من تغيير في موازين القوى لصالح شغيلة التعليم وليس هِبة من الوزارة أو التزاما منها خلال هذا الحوار أو ذاك. فالحقوق تنتزع ولا تعطىى. واستئناف التنسيقيات للاحتجاج لا يرتبط بعدم وفاء الوزارة بالتزاماتها كما تحاول البيروقراطيات النقابية إقناعنا به، وتنسى أو تتناسى أن هذا الأمر ليس سببا وإنما هو ذاته نتيجة لسبب أعمق وهو اختلال موازين القوى لصالح أعداء الشغيلة… إذن فعودة الاحتجاجات هو اعتراف وإيمان من هذه التنسيقيات بأن الحلول لا تنتزع عبر حوارات ماراتونية في غرف مكيفة، وإنما تنتزع بالنضال الميداني والوحدوي.
2* بعد مرور سنة ونصف على حراك شغيلة التعليم. ما تقييمك لذلك الحراك؟ وما أسباب مآله؟
عرف قطاع التعليم بالمغرب الموسم الماضي حراكا نضاليا غير مسبوق خاضه شغيلة التعليم ردا على إصدار المرسـوم رقـم 2.23.819 الصـادر يوم 6 أكتوبر 2023 في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، معتبرين إياه تشريعا تراجعيا يضرب حقوقهم المادية ويمس كرامتهم ويسعى إلى تسليع التعليم وضرب مجانيته ويؤسس لقانون خارج الوظيفة العمومية، وقدموا دروسا كبيرة في التضحية والصمود واستطاعوا أن يحققوا العديد من المكتسبات التي يمكننا تقييمها على المستويات التالية:
سياسيا: إن أهم المكتسبات السياسية التي حققها الحراك التعليمي هو إعادة الاعتبار لثقافة الاحتجاج وسط فئة عريضة من نساء ورجال التعليم والإيمان بأهمية وراهنية النضال الوحدوي مقابل الوعي بخطورة النضالات الفئوية، حيث شكلت مسيرة 7 نوفمبر 2023 على سبيل المثال لا الحصر ملحمة تاريخية لم يعرف المغرب مثلها منذ حركة 20 فبراير. استطاع حراك الشغيلة أن يكشف كذلك عن تهافت وبطلان العديد من أوهام القيادات النقابية كالسلم الاجتماعي والتعاون الطبقي ومساهمتها في الحفاظ على الوضع القائم عبر تشبتها بخيار الحوار كآلية وحيدة لانتزاع المكتسبات والحقوق. إن صمود شغيلة التعليم ونضالهم الميداني لمدة ثلاثة أشهر جعلهم يحققون من المكتسبات ما لم تستطع القيادات النقابية تحقيقه لسنوات طويلة عن طريق الحوار القطاعي والمركزي.
ساهم الحراك أيضا في التجسيد العملي لأحد مبادئ النضال النقابي، فردا على سياسة القمع الممنهجة من طرف الوزارة تجاه الحراك عبر توقيف بعض قادته عن العمل وتجميد أجورهم كرس الشغيلة قيم التضامن والتآزر بجمع المساهمات المالية وتنظيم وقفات احتجاجية تضامنية مع الموقوفين والانضمام إلى معتصماتهم أمام المديريات والأكاديميات…
بفضل الحراك التعليمي كذلك تمت إعادة إحياء بعض أدبيات العمل الجماهيري القاعدي؛ إذ لاحظنا الدور البارز الذي لعبته مجالس المؤسسات والجموع العامة بين مختلف مكونات الحراك في خلق فضاءات للنقاش الجاد والمسؤول الهادف إلى بناء وحدة الشغيلة التعليمية على أسس متينة والمتحرر في الآن ذاته من تلك الحسابات النقابية الضيقة التي لا نجد لها حضورا إلا في جدول أعمال القيادات الفوقية (صراعات جانبية متمثلة في طرد مناضلي الكدش من أمام البرلمان يوم 5 أكتوبر 2023 وتنظيم مسيرتين قطبيتين بمدينة مراكش في نفس اليوم بتوقيتين ومكانين مختلفين).
اقتصاديا: من الناحية الاقتصادية تمكن الحراك التعليمي من فرض مكاسب مادية لم تستطع انتزاعها معارك نضالية سابقة رغم حجم تضحياتها البطولية وذلك راجع إلى طابعها الفئوي. تمثلت هذه المكتسبات في التسوية المادية لملفات بعض الفئات التعليمية والزيادة في الأجور، هذا المطلب الذي كانت الوزارة ترفض مناقشته مع النقابات التعليمية خلال سنوات طويلة من الحوار القطاعي، أحيانا بحجة مخلفات أزمة كورونا وأحيانا أخرى بحجة تداعيات الجفاف والحرب على أوكرانيا وهي كلها مبررات واهية ومضحكة تحطمت على صخرة وحدة شغيلة التعليم لمدة ثلاثة أشهر، وكان يمكن لهذا الصمود التاريخي المنقطع النظير أن ينتزع مكتسبات مادية أخرى لو لم نكن أمام مفارقة عجيبة وغريبة وهي أن من يناضل لا يحاور ومن يحاور لا يناضل، والجدير بالذكر أيضا أن للحسابات النقابوية دورا بارزا في حرمان فئة عريضة لشغيلة التعليم من مكتسبات مالية؛ إذ لاحظنا كيف فوتت هذه الحسابات حق التعويض التكميلي لفائدة أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي علاوة على عدم القدرة على انتزاع مكسب تخفيض ساعات العمل ومطالب أخرى كان بالإمكان تحقيقها نظرا لحجم التضحيات المبذولة. لكن رغم ما حققه الحراك التعليمي من مكتسبات جزئية مهمة ورغم حجم التنازلات التي قدمتها الحكومة على المستوى الاقتصادي وتراجعها عن العديد من التشريعات الواردة في النظام الأساسي السابق إلا أنها ظلت متشبتة بجوهر هجومها المتمثل في فرض نمط توظيف جديد قوامه التوظيف الجهوي (التعاقد) بدل التوظيف المركزي كما كان معمولا به حسب النظام الأساسي القديم (2003).
ومن منطلق الموضوعة القائلة أن قوة أي حركة في قوة جماهيريتها وضعفها في ضعف قيادتها نرى أن انتكاسات الحراك وبعض مآلاته السلبية تعود إلى أخطاء قياداته بتنظيماتها الثلاثة الناتجة عن تغليب بعضها لنزعات انتهازية ونهج ممارسات بيروقراطية؛ إذ بدل طرح نقاش جدي ومسؤول محكوم بروح وحدوية لدراسة التناقضات الذاتية والموضوعية لتلك اللحظة الحاسمة التي عرف فيها الحراك منعرجا دقيقا ومغايرا لما كان عليه سابقا (فرض الحوار مع نقابة FNE بحضور ممثلين عن التنسيقيات المناضلة)، اختارت التنظيمات الثلاثة الدخول في صراعات هامشية (الاختلاف حول عدد تمثلية كل تنظيم) ونهج أسلوب المزايدات الفارغة والتعاطي مع الحراك في مراحله الحاسمة بنوع من الحماسة المفرطة والثقة الكبيرة في النفس وتبخيس حجم النقيض بعدم إخضاع خططه للدراسة والتمحيص بعيدا عن ردود الأفعال وسيادة الغرور. إن عدم التشبث بوحدة قيادة الحراك التعليمي في مختلف مستوياتها (التقرير، التسيير، التنظيم، التفاوض…) هو ما سهل المأمورية على أعداء شغيلة التعليم بالانقضاض على معركتها البطولية وخلق أجواء مشحونة يطبعها التخوين وبروز الصراعات الفئوية مما فرش الأرضية المناسبة لهجوم الوزارة عبر إصدار توقيفات عن العمل مع توقيف الأجرة لعدد كبير من قادة الحراك.
3* ما الذي منع تنظيمات حراك شغيلة التعليم (التنسيق الوطني لقطاع التعليم، التنسيقية الموحِّدة وتنسيقية الثانوي التأهيلي) تشكيل قيادة موحَّدة للحراك؟
ساهمت عدة أسباب في منع تشكيل قيادة موحدة لحراك شغيلة التعليم من أبرزها نجد:
تجذر منطق الحسابات الضيقة بين مكونات التنظيمات الثلاث وانفصال اختيارات أبرز قادتها ومواقفهم عن أراء وتقديرات قواعدها وعموم شغيلة التعليم، وتلك المحاولات الخجولة لفرز قيادة ميدانية لبعض المسيرات الاحتجاجية الوطنية أو الجهوية كانت قيادة فوقية لم يتم بناؤها على أسس صلبة عبر إشراك قواعد مختلف تلك التنظيمات في صياغة القرارات والمساهمة في تسيير معاركها النضالية من تنظيم مجالس المؤسسات والجموع العامة لاتخاذ القرارات بكيفية جماعية وموحدة تنزيلا لمبدأ «من الشغيلة إلى الشغيلة»، مما يشعرها بدورها الفعال في قيادة معركتها وتلزم نفسها بضرورة إنجاح برامجها النضالية والتقيد بها بكيفية إرادية لأنها لا تجسد إلا ما ساهمت هي نفسها في تشريعه.
حصر الوحدة الميدانية في أمور جزئية مرتبطة بكيفية تنظيم وتدبير مسيرة احتجاجية وطنية أو جهوية بدل سيادة الروح الوحدوية لمختلف مراحل الحراك؛ وحدة الفهم، وحدة التقرير، وحدة التسيير والتقييم، ووحدة التفاوض.
سيادة تصور خاطئ لدى قادة هذه التنظيمات لمفهوم الانتماء النقابي (أو الانتماء لتنسيقية ما)، ينهل أسسه من فهم ميتافيزيقي للهوية من حيث هي تطابق وتماثل (مبدأ الهو هو أ = أ) يعارض جوهر وحقيقة الأشياء القائمة على التناقضات المستقلة عن إرادة البشر؛ إذ يُعَدُّ الانخراط في منظمة نقابية أو تنسيقية ما وتحمل المسؤولية في أجهزتها التنظيمية مبررا سيكولوجيا كافيا للدفاع عن اختياراتها مهما كانت خاطئة وتبخيس اختيارات ما عداها من تنظيمات مغايرة وهو فهم غير علمي يناقض القوانين المتحكمة في سيرورة الأشياء. إن عدم الكشف عن هذه التناقضات والإيمان بموضوعيتها المستقلة عن إراداتنا هو ما جعل العديد من مناضلي التنسيقيات والنقابات التعليمية يسقطون في فخ التعامل مع منظماتهم كأنها وحدة هلامية لا يحكمها صراع داخلي بين الأفكار والتقديرات الصحيحة والأفكار والتقديرات الخاطئة وتغاضيهم عن أخطاء إطاراتهم النقابية والتنسيقية وتوجيه بوصلة نقدهم لأخطاء الإطارات الأخرى وتبريرهم لاختيارات انتهازية معادية لمصالحهم الطبقية؛ إذ لاحظنا ازدواجية الخطاب عند بعض قادة تنسيقية المفروض عليهم التعاقد فهم تارة يدافعون عن مطلب الإدماج في الوظيفة العمومية كما تؤمن به تنسيقتهم وتعبر عنه في بياناتها ورسائلها وتارة أخرى نجدهم ينتصرون لمطلب الإدماج كما تدافع عنه قيادة نقابتهم وشتان بين هذا وذاك.
4* بماذا تفسر فئوية النضالات القائمة في قطاع التعليم، وعموم الوظيفة العمومية، رغم وحدة الهجوم؟ ما الذي يمنع قيام نضال موحَّد بين موظفي الدولة؟
عرفت نضالات شغيلة التعليم منذ سنوات طويلة أزمة تنظيمية تتمثل في خوض معارك فئوية معزولة عن باقي مكونات الجسم التعليمي، وهو ما كان يسهل عملية احتوائها وقمعها رغم صمودها البطولي (اعتصام 111 يوما لتنسيقية المقصيين من الترقية بالشهادة سنة 2014، معركة الأساتذة المتدربين سنة 2015، معركة تنسيقية المفروض عليهم التعاقد سنة 2019…)، كلها معارك باسلة قُدمت فيها تضحيات جسام، وفي المقابل نجد انحصار تفاعل الفئات الأخرى في خطوات محتشمة كإصدار بيانات تضامنية وحمل الشارات الحمراء أو في أحسن الأحوال تجسيد إضراب ليوم واحد.
يمكننا تفسير فئوية النضالات القائمة في قطاع التعليم وعموم الوظيفة العمومية بطبيعة السياسة الممنهجة من طرف الدولة انصياعا منها لتوصيات المؤسسات المالية وما يقتضيه ذلك من تنزيل «إصلاحاتها» / تخريبيها باعتماد مبدأ التدرج وهو ما كانت تسعى البيروقراطيات النقابية لإنكاره عبر تضليل وعي شغيلة التعليم بنشر أوهام المشاركة في صياغة النظام الأساسي؛ بينما المتتبع للشأن التعليمي ولو من بعيد يتبين له أن النظام الأساسي الجديد هو حصيلة تراكم العديد من التعديات التي نهجتها الدولة المغربية في قطاع التعليم منذ سنوات طويلة، إن عزل فئة معينة من شغيلة التعليم والإجهاز على حقوقها واستهدافها دون باقي الفئات الأخرى هو ما كان يضفي على نضالات هذه الفئات من الشغيلة طابع الفئوية مما يتيح لأعدائها سهولة الانقضاض عليها وتمرير مخططاتها الطبقية التراجعية، وهو ما جعل من تنسيقيات هذه الفئات ضعيفة وغير قادرة على المقاومة والصمود.
علاوة على نهج الدولة لمبدأ فرق تسد، ساهمت البيروقراطيات النقابية في تكريس طابع الفئوية وبلقنة العمل النقابي عبر عدائها التام والمطلق لضرورة الوحدة النقابية. إن القيام بقراءة سريعة لتاريخ النضال النقابي بالمغرب يوضح لنا حجم انشقاقاته التي تولدت عنها تربية تنظيمية وأيديولوجية بائسة قوامها الإيمان بثقافة «فخر الانتماء» والتشبث بالزعيم وتقديسه وسيطرة وهم وحدة التنظيم الهلامية، وكلها نزعات انتهازية وبيروقراطية ترفض وحدة الشغيلة التعليمية رغم ضرورتها الموضوعية: وحدة النقيض ووحدة المطلب. لكن رغم وضوح هذه الضرورة تظل البيروقراطية متشبثة بواقع التشتت تيسيرا منها للانقضاض على الشغيلة من طرف أعدائهم والإجهاز على مكتسباتهم وذلك كله تحت مبرر أكذوبة شعار التعددية النقابية.
5* ما موقع النقابة اليوم في قطاع التعليم؟ هل لا تزال لديها مصداقية؟ وما السبيل لتقويتها؟
موقع النقابات صار موقعا ضعيفا جدا و هو ما يعكسه ضعف نسب انخراطات نساء ورجال التعليم بشكل خاص والشغيلة بشكل عام. لقد فقدت البيروقراطيات النقابية مصداقيتها بين صفوف عامة الشغيلة وذلك نتيجة لاصطفافها بضفاف المواقف المعادية للشغيلة، الذين يفترض أنها تمثلهم وتدافع عن مصالحهم، وارتمائها بأحضان الوزارة تحت ذريعة ما يسمى بالشركة الاجتماعية وبالتعاون الطبقي والسلم الاجتماعي… ناهيك عن تخلفها عن أدوارها التاريخية المرتبطة بالتأطير والتنظيم… وبالتالي فسبل تقوية النقابة تستدعي:
• النقد الدائم والمستمر للمساعي التي تروم تشويه وعي شغيلة التعليم الطبقي ونشر أوهام السلم الاجتماعي، والسعي نحو تجذير الوعي الطبقي بمختلف مستوياته السياسية والنظرية وسط الشغيلة.
• ممارسة النضال النظري لفضح البيروقراطيات النقابية المنتعشة في واقع التشتت والتشرذم والمتورطة في خلقه؛ إذ لا ينبغي أن يكون هذا التبقرط مبررا لعزوفنا عن ممارسة النضال النقابي واختيار سلوك الانسحاب والترحال من منظمة نقابية إلى أخرى التي عادة ما تكون أكثر بيروقراطية، فلم يكن يوما القضاء على المريض للتخلص من المرض حلا بل الحل هو معالجة المرض لإنقاذ المريض، وهو ما يفرض علينا ضرورة التشبث بالنقابة من حيث هي مكسب وملك لنا جميعا والسهر على كنس اتجاهاتها البيروقراطية والانتهازية دائما وباستمرار كما يتم كنس الغبار.
• تخلص مناضلي ومناضلات التنظيمات النقابية من وهم «فخر الانتماء» وأكذوبة الشرعية التاريخية وتقديس الزعيم وتخوين الإطارات المغايرة والعمل على تكثيف التواصل والنقاش الجاد والهادف بين هؤلاء المناضلين بمختلف انتماءاتهم النقابية لتوحيد رؤيتهم حول سبل تحرير النقابة من الاتجاهات البيروقراطية المسيطرة عليها في أفق بناء وحدة الطبقة العاملة.
• الالتزام بالديمقراطية الداخلية وما تقتضيه من ضرورة إشراك قواعد النقابة في صياغة القرارات والمساهمة في تسيير معاركها النضالية وشؤونها التنظيمية.
6* هل تشكل التنسيقيات بديلا للنقابة؟ وبماذا تفسر موجة الالتحاقات الكبيرة للمفروض عليهم- هن التعاقد بالنقابات مؤخرا؟
لا يمكننا إنكار الدور الكبير الذي اضطلعت به تنسيقية المفروض عليهم التعاقد في قيادة النضال والدفاع عن حقوق نساء ورجال التعليم منذ سنة 2018 إلى حدود انطلاق شرارة الحراك التعليمي سنة 2023. خلال هذه السنوات كان هذا الإطار الصامد محركًا أساسيًا لنضالات شغيلة التعليم رغم حجم التضييق والقمع الذي تعرض له (الاستشهاد، الاعتقالات، التوقيفات، الاقتطاع من الأجور…) وعملت على إعادة إحياء بعض مقومات النضال العمالي الكفاحي (الديمقراطية الداخلية، التضامن، استقلالية قراراتها عن الدولة والبيروقراطيات النقابية، الربط الجدلي بين النضال النقابي والسياسي…). لكن رغم تضحياتها الجسام إلا أن فئوية نضالاتها جعلتها معزولة عن باقي الفئات التعليمية الأخرى وعموم الأجراء المعنيين بمعركة الدفاع عن الوظيفة العمومية.
إن مرض الفئوية هو ما يجعل التنسيقيات غير قادرة على أن تشكل بديلا للنقابات. علاوة على هذا فمنذ تأسيس تنسيقية المفروض عليهم التعقد مثلا، هيمن على خطابها موقف عدائي تجاه النقابات، محملة إياها مسؤولية تمرير مخطط التشغيل بالعقدة مما جعل ذاك الخطاب يرى في التنسيقية الممثل الشرعي والوحيد لهذه الفئة.
تكمن محدودية هذا الموقف وضعفه في عدم تمييزه بين الخط البيروقراطي المهيمن على الأجهزة التنظيمية للنقابة والمسؤول عن اختياراتها المعادية لمصالح الشغيلة والمنخرط في سياسة التعاون الطبقي، وبين النقابة كأداة من أدوات الدفاع الذاتي ومكسب عمالي ناضلت الطبقة العاملة عبر تاريخها من أجل تحصينه والحفاظ عليه. إن النضال النقابي شأنه شأن باقي الظواهر تحكمه سيرورة الصراع والتناقض بدل الوحدة والتكامل، وهو ما كان يقتضي على مناضلي التنسيقية منذ تأسيسها المزاوجة بين النضال ضد سياسة الدولة من جهة والنضال داخل النقابات بغاية تحريرها من قبضة البيروقراطية من جهة أخرى. على ضوء هذا الاقتناع الراسخ نعتبر الالتحاقات الكبيرة للمفروض عليهم التعاقد بالنقابات في الآونة الأخيرة موقفا سليما وشجاعا، وهذا أمر ساهمت فيه اعتبارات كثيرة يرجع البعض منها إلى تراجع فعالية التنسيقية وضعفها التنظيمي، إضافة إلى الدور الكبير الذي لعبته تلكم السجالات والنقاشات الفكرية بين مجموعة من مناضلي التنسيقية لإعادة النظر في الموقف السلبي من النقابات، وهو ما ساهمت فيه كذلك وبشكل كبير جريدتكم المحترمة (جريدة المناضل- ة).
7* كلمة أخيرة: ما السبيل لنهوض نضالي في القطاع؟
إيمانا منا أن الذي لا يتعلم من دروس الماضي يبقى في العتمة، نربط ربطا جدليا بين التفكير في سبل استنهاض الفعل النضالي داخل قطاع التعليم بتقييم موضوعي للمعارك النضالية التي عرفها هذا القطاع وخاصة الحراك التعليمي الأخير بغرض الوقوف على العبر واستخلاص الدروس، وهو الأمر الذي لا يمكنه أن يتحقق إلا بإيلاء الإطارات المناضلة الأهمية اللازمة لمهمة تقديم الإجابة النظرية عن التناقضات التي أفرزتها الحركات الاحتجاجية السابقة، إن وعي نساء ورجال التعليم بالتناقضات التي تحكم سيرورة معاركهم النضالية هو الكفيل بامتلاكهم القدرة على توجيه بوصلتها نحو المسار السليم. كما أن تحديد المهام والأولويات وتسطير البرامج النضالية ما هو إلا تعبير نظري عن دراسة التناقضات التي تحكم واقع نضالهم، على هذا الأساس نذهب إلى أن أحد المداخل الجوهرية لاستنهاض الفعل النضالي داخل القطاع التعليمي يفرض العمل على إيجاد حل للتناقضات التالية:
التناقض بين الرغبة في بناء وحدة شغيلة التعليم على أسس متينة وبين السعي نحو تكريس طابع الفئوية على نضالاتهم وتشتيت وحدتهم.
التناقض بين تنامي الممارسة العملية وانخفاض منسوب الوعي النقابي والسياسي لدى فئة عريضة من شغيلة التعليم.
التناقض بين متطلبات النضال النقابي الكفاحي وبين التربية الأيديولوجية والتنظيمية السائدة وسط فئة كبيرة من مناضلي ومناضلات التنسيقيات والهيئات النقابية.
إن استنهاض الفعل النضالي داخل قطاع التعليم يستوجب على المناضلين والمناضلات بمختلف انتماءاتهم المساهمة في حل هذه التناقضات من خلال:
نبذ مرض الفئوية والعمل من أجل بناء وحدة نضالية على أسس متينة تستمد شرعيتها وقوتها من قواعدها الرافضة للقرارات الفوقية (أهمية مجالس المؤسسات والجموع العامة) والتشبث بالديمقراطية الداخلية.
فضح كل المحاولات التي تستهدف تشويه وعي الشغيلة باعتباره أحد المداخل الأساسية للإجهاز على حقوقهم وتكثيف عملية استغلالهم، والسعي إلى تعزيز وعيهم النقابي والسياسي وتأطيرهم لإشراكهم في تحمل مسؤولية معاركهم عبر تزويدهم بآليات فهم واقعهم.
ممارسة النقد والنقد الذاتي والصراع الفكري الإيجابي بين المناضلين بمختلف انتماءاتهم النقابية والحزبية والأيديولوجية وتوجيه النقد إلى الأفكار بدل حامليها وعدم التهجم الشخصي والابتعاد عن خلق سجالات ثانوية لا تسهم إلا في عرقلة سيرورة معاركنا النضالية.
اقرأ أيضا