غيثا البراد- عضوة المجلس الجماعي بوجدة (عن الحزب الاشتراكي الموحد) في حوار مع جريدة المناضل- ة
منذ اندلاع نضالات عمال شركة موبليس- ديف المفوض لها تدبير خدمات النقل الحضري بمدينة، وجدة تضامنت معهم غيثا البراد، ورفيقها شكيب سبايبي، عضوي المجلس الجماعي للمدينة عن الحزب الاشتراكي الموَّحد، وسبق لهما أن نفَّذا اعتصاما جزئيا إنذاريا في بهو الجماعة يوم 12 مارس 2025، وانسحبا من دورة المجلس الجماعي يوم 17 أبريل 2025 احتجاجا على عدم إدراج نقطة عمال موبليس- ديف في جدول أعمالها، ليلتحقا بوقفة احتجاجية نظمها العمال تزامنا مع هذه الدورة. تعريفا بتجربتهما الجماعية والانتخابية ، أجرت جريدة المناضل- ة هذا الحوار مع الرفيقة غيثا البراد.
——————
1* هل يمكن أن تقدِّمي لنا لمحة مختصرة عن مدينة وجدة، بالتركيز على أهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها؟
تعيش مدينة وجدة وجهة الشرق عموما أزمة اقتصادية واجتماعية مستمرة منذ سنين وزاد من تفاقمها إغلاق الحدود باعتبارها كانت المورد الاقتصادي الرئيسي لأبناء المدينة من خلال امتهان الأغلبية لما يعرف بالتهريب المعيشي وزاد من تعميق الأزمة غياب بدائل اقتصادية كفيلة بتحريك عجلة الاقتصاد بالمنطقة وفك العزلة المجالية التي تؤكد على استمرار مسلسل التهميش.
2* ما الخطوات النضالية والتضامنية التي انخرط في الحزب الاشتراكي الموحد ومنتخٓبيه إلى جانب معركة عمال موبيليس- ديف
انخرط الحزب منذ البداية في الخطوات النضالية للعمال عن طريق المساندة والتواجد اليومي بمعتصمهم أمام الشركة بالإضافة إلى قيامنا بنشر مجموعة من الدعايات الإعلانية بمواقع التواصل الاجتماعي تشرح معركتهم. أيضا نظمنا اعتصاما داخل بهو جماعة وجدة، وأثَرنا الموضوع في جميع دورات المجلس من أجل الترافع على قضاياهم خاصة وأن جماعة وجدة هي المسؤول الأول عن المشكل.
3* انعقدت دورة المجلس الجماعي يوم ٢٧ أبريل، وقد انسحبتما منها. ما حيثيات تلك الدورة؟ ولماذا انسحبتما منها؟
بخصوص الدورة الاستثنائية قررنا الانسحاب لعدة اعتبارات أهمها هو أنه رغم مرور اكثر من شهر على الاحتجات والإضرابات الخاصة بعمال النقل الحضري لم تتفاعل معهم فجماعة وجدة. بل لم تدرج نقطة النقل الحضري بجدول أعمال هذه الدورة. نحن قلنا إننا لا يمكن أن نناقش أي موضوع بدون نقاش حول النقل الحضري. وضحنا ذلك في نقطة نظام وانسحبنا من الدورة. والتحقنا مباشرة بالوقفة التي كان ينظمها العمال تزامنا مع دورة المجلس.
4* هل يمكن أن تعطينا صورة عن النضالات الاجتماعية (العمالية والشعبية) بمدينة وجدة؟
تداعيات الأزمة الاقتصادية طبعا أثرت على مجريات الحياة العامة بالمدينة وخلقت احتقانا شعبيا وامتعاضا لدى عموم السكان، لكنها لم تتحول لحركات منظمة ومترجمة عن التوجه الرفضوي المعبر عنه، اللهم بعض المحاولات الطفيفة من خلال معارك معزولة، (دعم حراك الريف والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، دعم حراك جرادة وفجيج، دعم القضية الفلسطينية، الحراك التعليمي، الاحتجاجات الطلابية… وأخيرا المعركة ضد شركة موبيليس- ديف المفوَّض لها تدبير خدمة النقل الحضري).
5* بخصوص المجلس الجماعي، ما تشكيلته السياسية: أي أغلبية تسير المجلس؟ وأي معارضة؟
يتشكل المجلس من انعكاس للائتلاف الحكومي وبعض الأحزاب الداعمة (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، الحركة الشعبية، الحركة الديموقراطية الاجتماعية، الديموقراطيين الجدد، حزب الوحدة والديموقراطية). إما إن أردنا الحديث عن المعارضة فأي معارضة نقصد؟ للأسف جرى تمييع مفهوم المعارضة وجعله توابع ذيلية للأغلبية الهجينة. ورغم محاولات منتخبي الاشتراكي الموحد لخلق تنسيق بين مكونات ما سمي “بالمعارضة” الا أن الأمر فشل بحكم أن كل مكون تحكمه مرجعية وخلفية مغايرة بالإضافة إلى مصالح ضيقة في بعض الجلسات. نحن في الحزب الاشتراكي الموحد نعارض القرارات التي لا نراها مناسبة ونصوت للقرارات والمشاريع التي نقتنع بجدواها بالإضافة إلى اقتراح وتجويد بعض اتفاقيات الشراكات التي تُعرض علينا. لأننا معارضة بناءة لا تبتز أحدا وهدفها خدمة الصالح العام.
6* ما وزن الأعضاء المنتسبين إلى اليسار داخل المجلس؟ وهل هناك تعاون بينهم؟
أولا يجب الفصل في الأعضاء المنتسبين لليسار بين اليسار المناضل ذي الشرعية النضالية ويسار على مقاس المطلوب منه. نحن باعتبارنا مناضلين- ات في الحزب الاشتراكي الموحد ذي المرجعية الاشتراكية، نعتبر انفسنا تعبيرا عن نبض الشارع ونضالاته العادلة والمشروعة نتبنى دعم كل المعارك المشروعة، للأسف حاولنا التنسيق مع قوى اليسار ولكن لحدود الساعة هناك تعثر في ذالك.
7* ما تقييمكم- كن في الحزب لتحالفات سبق عقدها مع أحزاب إدارية في بعض المجالس المحلية؟
الحزب وطنيا كان واضحا في مسألة التحالفات. ولكن هناك بعض التجارب الخاصة في بعض الجماعات الترابية المحسوبة على المجال القروي تم عقد تحالفات مع أحزاب أخرى نظرا لبعض الخصوصية. وهي جماعات قليلة والمكتب السياسي يتابع الأمر. ولكن تواجدنا اليوم تقريبا في جل المدن الكبرى نتواجد في المعارضة.
8* بالنسبة لكم، المشاركة في الانتخابات الجماعية واجهة نضال مؤسساتية. هل تتيح القوانين المنظمة للجماعات المحلية هذا النضال؟
نعم نحن نتبنى مبدا النضال من داخل المؤسسات، وشخصيا اعتبر القوانين المنظمة للجماعات المحلية بالمغرب تتيح إطارًا للنضال المؤسساتي من خلال آليات مختلفة. فعلى سبيل المثال، تتمتع الجماعات بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، مما يسمح لها بتحمل مسؤولياتها بشكل مستقل. كما يُشكل المجلس الجماعي أداة رئيسية في تسيير شؤون الجماعة، ويمكنه تشكيل لجان دائمة لدراسة القضايا وتحضير المسائل للتصويت عليها. بالإضافة إلى ذلك، تُشجع الجماعات على التعاون مع هيئات أخرى لتحقيق أهدافها، مما يمكنها من ممارسة دور فعال في النضال المؤسساتي. لكن يبقى الخلل في مدى تفعيل هذه القوانين وتنزيلها، اعتقد يجب التفكير في آلية تتكلف بمدى تفعيل القانون.
9* هل يتيح تسيير المجالس الجماعية إشراكا فعليا للسكان في تدبير الشؤون المحلية؟ وما حدود صلاحية المجالس المحلية بناء على القوانين المنظمة لها؟
يجب الفصل بين ما يجب أن يكون وماهو كائن، ينص القانون على مبدا الديموقراطية التشاركية المتعارف عليها دستوريا. ونبدأ بهيئات التشاور حيث يمكن اعتبار وجودها صوريا انطلاقا من الهيئات المشكلة لها وكيف يجري تشكيلها وحتى انعدام أي إضافة نوعية في عملها، ثم النشر الاستباقي الذي ينص عليه القانون التنظيمي فللاسف غائب في الجماعات. هناك قوانين تتيح إلزامية إشراك المواطنين في صنع القرار المحلي عن طريق إشراكهم في صياغة برنامج عمل الجماعة وتتبع هذا البرنامج. أيضا هناك الميزانية التشاركية التي تتيح للمواطنين إضافة مشاريع للميزانية العامة. المشكل في عقلية من يدبرون الجماعات الترابية وليس في القوانين.
10* اعتمادا على القوانين المنظمة للجماعات المحلية، هل لدى الجماعات المحلية موارد مالية تتيح لها استجابة فعلية لمصالح السكان؟
أعطي مثالا بجماعة وجدة. تتكون ميزانية الجماعة من جزئين رئيسيين:
الجزء الأول: عمليات التسيير تشكل 90% – يضم هذا الجزء جميع المداخيل والنفقات المتعلقة بالتسيير اليومي للجماعة، مثل نفقات الرواتب والأجور والتعويضات، وتسديد الديون، وأداء الضرائب والرسوم.
الجزء الثاني: يشكل 10% – يتعلق هذا الجزء بعمليات الاستثمار، ويشمل جميع الموارد المرصودة للتجهيز والاستعمال الذي خصصت لأجله.
تجدر الإشارة إلى أن الجماعات تفقد موردا أساسيا في ما ما يطلق عليه “الباقي استخلاصه”. “الباقي استخلاصه” هو مجموع الضرائب التي لم تستخلصها الجماعة من الأفراد والشركات والمنعشين العقاريين… إلخ. على سبيل المثال جماعة وجدة حتى حدود أواخر سنة 2024 فقدت أكثر من 52 مليار سنتيم من مداخيلها. من يمنع الجماعة من استخلاص هاته الأموال؟ ومن هم هؤلاء الشركات والمنعشين العقاريين؟ ولماذا استخلاص الضرائب يقتصر على المواطنين البسطاء بينما يستثنى منه الأغنياء؟
11* بعد إحداث شركات التنمية المحلية، ومؤخرا الشركات الجهوية متعددة الخدمات، ما الذي تبقى للمجالس الجماعية من صلاحيات؟
صلاحيات المجالس المنتخَبة تزداد تقزيما. حتى الخدمات اليومية التي تدخل في اختصاصات الجماعات ستسحب منها تدريجيا، مثل الإنارة والمساحات الخضراء… إلخ. هناك تداخل كبير في الاختصاصات الذاتية للجماعة والدولة تسحب البساط من رؤساء الجماعات شيئا فشيئا. خاصة وأن المبدأ الأساسي هو التدبير الحر ولم يعد مصطلح سلطة الوصاية قاءما في القانون ولكن الواقع شيء آخر.
12* هل هناك تواصل مع السكان لإعلامهم بحصيلة المشاركة في المجالس الجماعية؟ كيف يجري هذا التواصل وكيف يتفاعل معه السكان؟
اذا كان المقصود بالتواصل مع الساكنة هو المجلس فهو منعدم تماما، فالجماعة لا تتوفر لا على موقع أو منصات للتفاعل ولا تقوم بعقد ندوات. أما اذا المقصود هو منتخبو- ات أعضاء الاشتراكي الموحد فنحن نتواصل عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي وبالتواجد الميداني وفتح باب الاقتراح والتفاعل عبر لقاءات حضورية وندوات صحفية مع مختلف الفئات المكونة للساكنة.
13* حول العملية الانتخابية: لم لا تتمكن أحزاب اليسار من الفوز بأغلبيات انتخابية تتيح لها تسيير المجالس الجماعية؟
الجميع يعرف كيف تتم الحملة الانتخابية والخروقات التي تعتري العملية الانتخابية برمتها. وللأسف يمكن القول بان اليسار يعاني غزارة الموقف وبؤس الواقع من خلال شعارات كبيرة ومواقف مشرفة لكنها للأسف لا تترجم إلى توسيع قاعدة الانخراط في اليسار نتيجة لتراجع الوعي المجتمعي وعزوف فئات عريضة عن العمل السياسي الذي أصبح يتم تمرير أفكار قاتلة عن عدم جدوى الانتماء إليه. الفئات المجتمعية التي تؤمن بفكر اليسار أصبحت خارج العملية الانتخابية وتعتقد باللاجدوى منها وهذا هو شكل آخر للتذمر والتعبير الرافض لما أصبح عليه الواقع السياسي ببلادنا.
14* الحملة الانتخابية: كيف يجري تنظيم الحملة الانتخابية اليسارية (طرائقها ومضمونها)؟ ما الذي يميزها عن حملات باقي الأحزاب؟ وكيف يتفاعل معها السكان؟
نمارس حملتنا الانتخابية بنفس الشكل الذي نمارس به نضالنا اليومي في كل القضايا التي ننخرط بها، حملاتنا نظيفة مبدئية ونجد خلالها تفاعلا ميدانيا، وهذا ما عبرت عنه في السؤال السابق بغزارة الموقف وبؤس الواقع حيث إن السكان المؤمنين بخطاب ومبادئ اليسار ليسوا ضمن المصوتين الذين للأسف الشديد لا تزال أصواىهم تشترى في الكثير من الأحيان. عندنا تجربة مدينة وجدة حيث ركزنا على فئة الشباب وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والتواجد الميداني.
15* ما رأيكم بخصوص موقف بعض القوى السياسية المقاطعة للانتخابات بمبرر أنها تُفسِد من يشارك فيها وتزكي العملية السياسية الفاسدة؟
مخطئ من يعتبر المقاطعة موقفا مبدئيا فهي تكتيك مرحلي حسب مد وجزر الواقع السياسي وقد حدث بالفعل أن قاطعنا الانتخابات البرلمانية وكذا التصويت على الدستور خلال سنة 2011 انطلاقا من إيماننا العميق بأن المشاركة والمقاطعة هي تكثيك مرحلي لا موقفا استراتيجيا، والمشاركة تتيح مجالا آخر للترافع عن القضايا العادلة من داخل المؤسسات، أما عن القائل بأن المشاركة في العملية السياسية تفسد من يشارك فيها فهل القائل بهذا الموقف يعتمده أيضا في انتخابات اللجان الثنائية ومجلس المستشارين وغيره من الاستحقاقات؟
16* ما وزن النساء في لوائحكم الانتخابية؟ وكيف يجري التعامل مع المنتخَبات داخل المجلس الجماعي؟
اعتبر التواجد النسائي داخل لوائح الحزب هو تواجد نضالي مبدئي انطلاقا من مشروعية نضالية وليس بمنطق التفاضل الجنسي فقد كنت دائما ولا أزال اعتبر منطق الكوطا لا يعبر عن فهمنا الطبقي للقضية النسائية.
في رأيي المتواضع اعتقد وللأسف الشديد بأن بعض النساء في المجالس المنتخبة، وللأسف الشديد مرة ثانية، لسن سوى كومبارس في هذه العملية “الديموقراطية” مما أفرغ مطالب نضالات الحركة الحقوقية والنسائية والسياسية من فحواها وحوَّل الأمر إلى مشهد تراجيدي يصور بعمق كيف يرى البعض (أفرادا وتنظيمات) العمل السياسي للنساء. بمعنى أن تواجد النساء للأسف في تشكيلات مجالس الجماعات الترابية اغلبية كانت أو معارضة أصبح فلكلورا وتأثيثا للمشهد ليس إلا ولم يحقق إدماجا حقيقا لمقاربة النوع الاجتماعي لا من خلال برامج عمل الجماعات ولا حتى من تدبيرها… طبعا مع الاحتفاظ بواجب التقدير لبعض الأسماء باختلاف مشاربها لكنها تبقى الاستثناء وكما تقول القاعدة فهو لا يقاس عليه.
إذن كي نمارس النقد لا بد أولا من الاتفاق على إلزامية تحليل الواقع بشكل ملموس. تواجد النساء [الكوطا] بالمجالس تحوَّل إلى تبعية جديدة في الممارسة السياسية المغربية. فبدل جعل النساء فاعلات في الحقل السياسي تحولن إلى أداة في يد أباطرة العملية الانتخابوية عبر استغلالهن في تصفية الحسابات باغلبية عددية مغشوشة تضرب في صميم التجربة التمثيلية والديموقراطية. وطبعا هذا يجري منذ البداية باختيار نساء يقبلن الخضوع باختلاف الأسباب (العلاقة التي غالبا تربط بين المسؤول الحزبي والمرشحات من النساء: إما زوج أو أب أو أخ… وأحيانا يجري اختيار نساء في أوضاع اجتماعية تفرض عليهن عدم التمرد). لذا أكرر دوما أن عدم مسايرة المجتمع لتطور القوانين يبقى مجرد فلكلور لن يساهم أبدا في أي تغيير في المجتمع خصوصا في ما يتعلق بالنساء. وأؤكد بأنه واهم من يتصور أي تغيير مجتمعي بدون تصحيح النمطية الذهنية…
17* برأيكٍ ماذا يلزم كي تتمتع الجماعات المحلية بسلطات تسيير حقيقية وفعلية لإشراك حقيقي وفعلي للسكان؟
العملية مركبة بداية بالحاجة لأحزاب سياسية قادرة عن انتاج نخب وتاطيرها والمساهمة في العمل لخلخلة بنية التفكير السائدة والمدافعة عن العزوف. بهذا يمكن تقديم مرشحين نزهاء تتوفر فيهم شروط العمل الجاد خدمة للمصلحة العامة دون إغفال أن يتم تصحيح مسار العملية الانتخابية وتجويدها ومكافحة كل المحاولات بشراء الأصوات وابتزاز التي تتم في بضع الأحيان وتضرب جوهر العملية الديموقراطية، وطبعا تبقى مراجعة القانون لفتح المجال أكثر للمجالس لمبادرة وإشراك السكان استجابة لما سيطرحه تجويد العملية الانتخابية كاملة.
اقرأ أيضا