التضامن مع فلسطين ومناهضة التطبيع: مهام اليسار المناضل والحركة العمالية

الافتتاحية, سياسة5 أبريل، 2025

للتحميل بي دي اف:  وقف الجرائم الصهيوينة بغزة 2025

للطبع ورقيا: التضامن فلسطين 05 ابريل 2025

لا يسعن كل مناضل-ة سوى إلا أن يحيي عاليا ديمومة حراك الشعب المغربي التضامني مع الشعب الفلسطيني في النكبة الجارية التي يعيشها. تواصل هذا الحراك بأشكال متعددة خلال ما يزيد عن العام، وشهدت مدن مغربية عديدة مظاهرات تضامنية منددة بالعدوان الصهيوني على أهلنا بقطاع غزة الصامد والمقاوم في سياق شديد الصعوبة.

مع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن زخم هذا الحراك التضامني أقل بكثير من حيث جرأته ونطاقه مما كانت تشهده البلاد أثناء عقود خلت. سبق للشعب المغربي عبر حراكه الطلابي والتلاميذي العفوي أن قدم شهداء تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وكانت مسيرات الغضب الشعبي حاشدة ومؤثرة، جعلت النظام يخفي علاقاته مع الكيان الصهيوني، أما الآن فصار التطبيع معلنا إن على المستوى الرسمي أو حتى بعض مكونات ما يسمى مجتمعا مدنيا وشخصيات ثقافية وفنية مستقلة…

لقد نجح النظام القائم في تلجيم النضال بصورة عامة، والنضال التضامني مع الشعب الفلسطيني بشكل خاص. كل القوى التي كانت تزعج راحة النظام على هذا الصعيد جرى إخضاعها أو تفكيكها. صارت قوى المعارضة التاريخية الليبرالية أو قسم من القوى الدينية على حد سواء موالية للنظام، ومستنكفة عن أي مناوشة قد تفضي إلى التصادم معه.

يدعم المغرب رسميًّا “حل الدولتين” ويبدي لفظيا إدانة لانتهاكات إسرائيل، لكنه يحافظ على علاقات لم تعد خفية منذ اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني ويطورها. تنفذ وكالة بيت مال القدس مشاريع إغاثية وإعمارية في القدس والضفة الغربية، كبناء المدارس وترميم المنازل. لسان حال النظام هو “قلوبنا مع علي وسيوفنا مع معاوية”: دعم فلسطين رسميًّا مع التطبيع الاقتصادي والأمني مع إسرائيل.

تبرز شبكات تضامن محلية مرارا مثل مبادرات “لجان دعم الشعب الفلسطيني”، وتُشكَّل أحيانًا “جبهات تضامن” تجمع بين إسلاميين ويساريين ونشطاء مستقلين، خاصة خلال الأزمات الكبرى (مثل حرب غزة 2021 و2023).

إن من يبادر الآن للتضامن مع الشعب الفلسطيني عبارة عن تنسيقات تلف قوى سياسية ونقابية وجمعوية وشخصيات مستقلة من مشارب مختلفة، يوجد أغلبها تحث هيمنة الحركات الإسلامية المنغرسة شعبيا.

هكذا، تهيمن الحركات الإسلامية على مبادرات التضامن مع الشعب الفلسطيني بفعل نفوذها السياسي والأيديولوجي والتنظيمي وانغراسها الشعبي (تستفيد الجماعات الإسلامية من شبكاتها الاجتماعية والدعوية لتعبئة الرأي العام، مستغلةً المشاعر الدينية)، ما يُحرِّف التضامن الشعبي من قضية تحررية عادلة إلى قضية ذات بعد ديني يتجاهل الأبعاد السياسية والاجتماعية للصراع الدائر بفلسطين.

تنظم جماعة العدل والإحسان مسيرات ووقفات احتجاجية في المدن الكبرى تحت شعارات مثل “تحرير فلسطين” و”مقاومة التطبيع”. وتُطلق حملات توعوية بطريقتها في المساجد والأحياء الشعبية، مع جمع التبرعات لدعم الفلسطينيين. تستعمل خطابًا يجمع بين البُعد الديني (حماية المقدسات) والسياسي (معاداة الصهيونية، وحتى اليهود أحيانا. أما حزب العدالة والتنمية، ففي زمن وجوده على رأس الحكومة جرى التطبيع.

اليسار أضعف من أن يقود النضال التضامني وقسم منه منسحب أصلا من ساحة النضال. رغم دوره التاريخي في النضال ضد الاستعمار والطغيان، انحط وتشظى وضعف تنظيميا، وابتعد عن القضايا الجماهيرية، وجزء منه منشغل بأزماته التنظيمية والفكرية، وآخر، الذي لم يعد يسارا بمعنى الكلمة، موال للسلطة القائمة، ويعاني فقدان مصداقية كبيرة.

النقابات المغربية، التي كانت في معظمها تعتبر القضية الفلسطينية “قضية وطنية”، بقدرتها التنظيمية والتعبوية، تُصدر بيانات تضامن رمزية، لكنها لا تتبنّى تحركات ميدانية واسعة، وتتوانى عن لعب دور محوري في التضامن مع فلسطين، أولا لسيطرة قوى غير عمالية على قيادتها، وثانيا لأنها تخلت منذ فترة ليست باليسيرة حتى عن مناوشة النظام خوفا من التصادم معه، وخشية إطلاق المارد الشعبي من عقاله.

تصدر الحركة التقدمية المغربية بيانات تضامنية وتشارك في المسيرات، لكن بحضور محدود مقارنة بالقوى الإسلامية. تركّز على ربط القضية الفلسطينية بالصراع ضد الإمبريالية والرجعية المحلية والصهيونية. أما الجمعيات الحقوقية (مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان) فتُوثّق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وتنظم ندوات فكرية وتنتقد التطبيع المغربي-الإسرائيلي وتطالب بقطع العلاقات. والاتحاد الوطني لطلبة المغرب تراجع دوره التاريخي بشكل كبير، واختفت أشكال التضامن العفوية التي كانت تنطلق من الثانويات والجامعات.

لا بد من كسر هذه الدوامة، وإحياء دور القوى التقدمية والعلمانية في قيادة التضامن مع فلسطين، مع ضرورة بناء تحالفات واسعة، وعلى اليسار المناضل والنقابات العمالية تبني مواقف أكثر جرأة.

مهاهنا تجاه نضال الشعب الفلسطيني:

* إنهاء تشظي اليسار المناضل وتيهه الفكري وتوحيد القوى التقدمية والعلمانية في تحالف واسع يربط القضية الفلسطينية بالنضال ضد الإمبريالية والاستغلال الرأسمالي محليًّا وعالميًّا، وتنظيم حملات ميدانية مُكثَّفة (مسيرات، إضرابات، اعتصامات) بدل الاكتفاء بالبيانات الرمزية، مع إشراك الشباب والطبقات الشعبية، وتقديم رؤية تُؤكِّد أن الصراع الفلسطيني هو قضية تحرر وطني وعدالة إنسانية، وليس مجرد صراع ديني أو عرقي، لنزع نفوذ الإسلاميين.

* تحويل التضامن إلى عمل نقابي بدمج قضية فلسطين في المطالب النقابية، مثل ربط استغلال الشركات المتورطة في الاحتلال الإسرائيلي بانتهاكات حقوق العمال محليًّا، حملات مقاطعة فعلية: تبني حملات BDS (مقاطعة إسرائيل) بشكل منظّم، بالتعاون مع النقابات الدولية، وفضح الشركات المغربية المتعاونة مع الكيان الصهيوني، والضغط على الدولة: استخدام القوة التعبوية للنقابات لرفض التطبيع الأمني والاقتصادي مع إسرائيل…

* دعم المبادرات الشعبية غير الحزبية، مثل لجان الدعم الطبي للفلسطينيين، أو الحملات الفنية التي تُعري جرائم الاحتلال، وحملة مقاطعة الكيان الصهيوني BDS…

* فضح محاولات الجماعات الإسلامية اختزال القضية الفلسطينية في “حرب إسلامية ضد اليهود”، وتذكير الرأي العام بتاريخ التضامن اليهودي- العربي مع فلسطين.

* كشف تناقضات الدولة بفضح الفجوة بين الخطاب الرسمي الداعم لفلسطين والتعاون الصريح مع إسرائيل في المجالات الأمنية والاقتصادية.

* الدعوة إلى قطع العلاقات عبر مطالبة الدولة بإلغاء اتفاق التطبيع (2020) ووقف كل أشكال التنسيق مع الكيان الصهيوني، كشرط لأي تضامن حقيقي.

* تحويل التضامن من “شعارات مؤقتة” أثناء الحروب إلى مشروع تحرري دائم، يرتبط بالعدالة الاجتماعية محليًّا وعالميًّا.

شارك المقالة

اقرأ أيضا