مخاطر العمل في اماكن ضيقة أو مغلقة (محصورة) وسبل الوقاية…

بقلم؛ محمد أمين الجباري

تحل يوم 6 مارس 2025 الذكرى الأربعينية لوفاة 5 من أبناء طبقتنا، اختناقا و/ أو حرقا، داخل نفق بسد المختار السوسي بجماعة تفنوت، إقليم تارودانت، نتيجة انفجار بالنفق، وذلك في أثناء عمليات إصلاح وصيانة (*).
تؤكد هذه المصيبة، الناجمة عن تعود المقاولات على إهمال ظروف عمل الشغيلة، أن صحة هؤلاء وحياتهم ليس هَما يؤرق أرباب العمل ولا دولتهم. وأن الخطابات الرسمية حول الصحة والسلامة في أماكن العمل لا تنقل إلى أرض الواقع بسياسة منهجية للوقاية. كما تؤكد أن ظروف العمل لن تتحسن سوى بالتعبئة والكفاح. ومن واجبات التعبئة هذه التنبيه إلى المخاطر المهنية والتعريف بسبل اتقائها. في هذا الإطار، نعرض أدناه لمختلف مخاطر العمل في مكان محصور ضيق ومغلق، وسبل الوقاية منها.
يتعرض العمال لإصابات خطيرة أو بليغة أو وفيات أثناء العمل داخل الأماكن المغلقة (المحصورة). وينتج ذلك غالبا عن عدم احترام شروط دخول هذه الأماكن والعمل فيها، وعن عدم توفير أرباب العمل معدات العمل المناسبة، وكذا عن عدم كفاية استعداد العمال لدخول مثل هذه الأماكن، وقبولهم العمل بها رغم خطورتها… ما يعرض حياة هؤلاء العمال للخطر المفضي إلى الموت.

فما هي مخاطر العمل في الأماكن الضيقة أو المغلقة (المحصورة)، وما سبل الوقاية؟
أ

أولا-الأماكن الضيقة أو المغلقة (المحصورة):
يُعرف المكان الضيق أو المغلق (المحصور) بأنه مكان عمل ذو وسائل وسبل محدودة للدخول و/ أو الخروج، ويسمح بتراكم المواد السامة أو القابلة للاشتعال أو نقص الأكسيجين، ما يسبب مخاطر للعمال ما لم يزود بالتهوية المناسبة (طبيعية أو صناعية).
يمكن القول إنها الأماكن التي تتوافر فيها أساسا الشروط التالية:
1 – غير مصممة للعمل بها فترة طويلة من الزمن؛
2 – يوجد بها غازات سامة – خانقة – قابلة للاشتعال؛
3 – لها مداخل ومخارج محدودة وضيقة؛
4 – الأكسجين بها بسيط جدا أو منعدم والتهوية بها رديئة جدا والإضاءة غير كافية؛
5 – ليس فيها مخارج كافية ومناسبة للهروب وقت الخطر.
ومن أمثلة الأماكن المغلقة: الأنفاق؛ الخزانات؛ صوامع الغلال؛ حاويات السفن؛ الآبار؛ الحفر …

ثانيا- مخاطر العمل في الأماكن الضيقة أو المغلقة (المحصورة):

1 -مخاطر الاختناق:
خطورة نقص أو زيادة الأكسجين على التنفس: من المعروف أن نسبة الأكسجين في الأماكن المفتوحة حوالي 21% من نسبة الهواء، تجعل الإنسان يتنفس بشكل طبيعي، أما إذا تعرض العامل لنقص أو زيادة النسبة عن ذلك يتعرض لخطورة الاختناق، وسهولة اندلاع نيران بمكان العمل…
ونسبة الأوكسيجين المسموح بها للعمل داخل الأماكن المغلقة يجب ألا تقل عن %19.5 كما يجب ألا تزيد عن %23.5. وأي مكان يقل به نسبة الأكسجين عن 19.5% لا يسمح بالدخول فيه إلا بأجهزة تنفس صناعي مناسبة.

2 – مخاطر التسمم:
الغازات السامة: أخطر الغازات السامة المحتمل وجودها بالأماكن المغلقة هي: غاز الميثان (CH4)؛ غاز كبرتيد الهيدروجين (SH2)؛ غاز أول أكسيد الكربون (CO)؛ غاز النشادر (NH3)؛ غاز الكلور.

3 – مخاطر الحرائق والاشتعال:
المواد القابلة للاشتعال المحتمل وجودها في الأماكن المغلقة هي: المواد البترولية؛ الميثان…

4 – المخاطر الميكانيكية والكهربائية:
– الحركة غير المتوقعة للمعدات الميكانيكية داخل الأماكن المغلقة قد تتسبب في وقوع إصابات للعاملين بهذه الأماكن؛
– تفريغ الشحنات الكهربائية من المحركات الكهربائية داخل الأماكن المغلقة.

5 – المخاطر الطبيعية:
– تفاوت واختلاف درجات الحرارة (برودة، سخونة)؛
– وجود مواد كيميائية حارقة؛
– وجود حشرات وزواحف بالأماكن المغلقة؛ مثلا «فتحات التفتيش» (le regard ou la salle d›inspection)، وأنابيب المجاري تشكل مساكن ممتازة للكثير من الآفات مثل الصراصير والحشرات والفئران…
– الضوضاء العالية؛
– مخاطر الانزلاق والتعثر والسقوط؛
– الإضاءة غير الكافية؛
– عدم استخدام معدات وآلات العمل السليمة قد تسبب الإصابة للعاملين؛
– محدودية المداخل والمخارج من وإلى مكان المغلق…
– مخاطر الاجتياح، مثل :
* حركة المواد داخل المكان المغلق تسبب أنواع كثيرة من الإصابات؛
* حركة الغلال داخل صوامع الغلال واجتياحها للعاملين بداخلها؛
* خول المواد البترولية أو المواد السائلة إلى الخزانات أثناء العمل بداخلها.

ثالثا- إجراءات الدخول والعمل داخل الأماكن المغلقة:
قبل دخول مكان مغلق والعمل به يجب صرف تصريح دخول لهذه الأماكن يحتوي، على الأقل، على المعلومات الآتية:
– اسم وموقع المكان المغلق؛
– الغرض من الدخول للمكان المغلق؛
– التاريخ ومدة صلاحية التصريح؛
– أسماء الأشخاص الذين سوف يدخلون المكان المغلق للعمل به؛
– أسماء الأشخاص الذين سوف يتواجدون خارج المكان المغلق؛
– اسم المشرف المسؤول عن العمل؛
– كشف بالمخاطر المحتملة؛
– طريقة عزل والتحكم في هذه المخاطر؛
– الشروط المقبولة للدخول : نسبة الأوكسجين ، نسبة وتركيز المواد القابلة للإشعال، وتركيز المواد السامة؛
– نتائج القياسات والفحص الذي تم إجراؤها للمكان المغلق قبل الدخول وأثناء الدخول؛
– الوسائل المتاحة والمتوفرة لعمليات الإنقاذ؛
– وسائل الاتصالات مع الأشخاص الذين سوف يدخلون للعمل بالمكان المغلق؛
– المعدات المطلوبة ومعدات الوقاية الشخصية المطلوبة؛
– جميع الشروط الخاصة الأخرى المطلوبة لتأمين العمل داخل المكان المغلق.

رابعا- فحص المخاطر داخل المكان المغلق:
من أهم الأعمال الواجب القيام بها قبل الدخول للمكان المغلق هي فحص الجو داخل مكان العمل بالكشف عن الغازات ونسبة الأكسجين الموجودة، وذلك على النحو الآتي بالترتيب:
1 – فحص نسبة الأوكسجين، والتأكد من أنها لا تقل عن 19.5%، ولا تزيد عن %23.5؛
2 – فحص تركيز المواد القابلة للاشتعال والتأكد من أنها أقل من 10%؛
3 – فحص تركيز الغازات السامة والتأكد من أنها أقل من النسبة المسموح التعرض له، مثلا:
* التركيز المسموح بالتعرض له من غاز كبريتيد الهيدروجين هو: 10 جزء بالمليون (ppm 10).
* التركيز المسموح بالتعرض له من غاز أول أكسيد الكربون هو: 35 جزء بالمليون (ppm 35).
ويستخدم في ذلك جهاز كشف الغازات، وهو جهاز رقمي متخصص في قياس تركيز الغازات، وله خرطوم طويل يستطيع القياس على أعماق، ويحدد نسبة الأكسجين والغازات الأخرى الخطيرة، ولابد من تكرار القياس للتأكد أكثر من مرة.

خامسا- مسؤولية الشخص/ الأشخاص الذين سوف يدخلون للمكان المغلق:
– قبل الدخول التأكد من أن:
* نسبة الأوكسجين لا تقل عن 19.5%؛
* نسبة الأبخرة القابلة للاشتعال لا تزيد عن 10%؛
* تركيز المواد السامة أقل من الجرعات المقررة والمسموح بها؛
* جميع المحابس مغلقة ومؤمنة كذلك جميع التوصيلات الكهربائية؛
* توفر جميع معدات الوقاية الشخصية المطلوبة لأداء العمل بأمان؛
* توفر طريقة اتصالات مناسبة مع الأشخاص خارج المكان المغلق؛
* مغادرة المكان فورا في حالة وقوع حالات طارئة.

سادسا- مسؤولية الشخص/ الأشخاص المكلف بالمراقبة خارج المكان المغلق:
– التواجد عند فتحة الدخول مستعدا للتصرف في حالات الطوارئ ولا يتم تكليفه بأداء أية أعمال سوى المراقبة؛
– أن تكون لديه المعرفة والدراية باستخدام أجهزة التنفس المزودة بالهواء، وكذلك استخدام معدات إطفاء الحرائق؛
– التنبه للإشارات الواردة من العاملين داخل المكان المغلق عبر مختلف هذه الحبال أو بأية وسائل التواصل بهم؛
– مراقبة المحابس والمفاتيح المغلقة بصفة مستمرة؛
– المحافظة على المكان المجاور للمكان المغلق خاليا من جميع العوائق؛
– الطلب من العاملين داخل المكان المغلق مغادرته فوراً في حالة وقوع أية حالات خطرة…

سابعا- الأجهزة والمعدات التي تستخدم لحماية العمال:
– بدل تطهير (كذلك بنطلون قطعة واحدة)؛
– قفازات لليد؛
– خوذة للرأس؛
– نظارات واقية أو درع الوجه: لحماية العين من أي مواد أو مخلفات متطايرة أثناء العمل؛
– قناع الوجه (على سبيل المثال، قناع جراحي): لحماية الأنف والفم من رذاذ المواد أو النفايات؛
– في حالة القيام بعمليات التنظيف التي تولد الأيروسولات، يجب استخدام قناع تنفس صناعي معتمد [الذي يقوم بمنع ما لا يقل عن 95٪ من الجسيمات الدقيقة الصغيرة جدًا (0.3 ميكرون)]. إذا تم تركيبه بشكل صحيح، فإن قدرات الترشيح تتجاوز تلك الخاصة بأقنعة الوجه. ومع ذلك، حتى جهاز تنفس صناعي معتمد مجهز بشكل صحيح لا يلغي تماما خطر المرض أو الموت؛
– المعاطف الكتيمة أو المقاومة للسوائل وقفازات مضادة للماء (قفازات خارجية مطاطية ثقيلة مع قفازات داخلية) وأحذية مطاطية لمنع تسرب مياه قد تكون ضارة إلى الجلد؛
– حزام الأمانونش الإنقاذ، وذلك لإنقاذ العامل فورًا إذا تعرض لخطورة مفاجئة، مثل:
* تعطل أجهزة التنفس فجأة أو انقطاع التيار الكهربي؛
* شعور العامل بالتعب أو الإعياء الشديد أو الإغماء؛
* إذا حدث عطل مفاجئ في أجهزة الإنارة؛
* اندفاع المياه عليه في بئر مثلا، أو أي مكان عمل مغلق مماثل.
– « كمبروسر» تنفس صناعي بالقناع، ووصلات التنفس مناسب لعدد العمال ونوع العمل؛
– كشافات إضاءة؛
– مولد كهرباء ذو قدرة مناسبة للتشغيل والإضاءة في الأماكن المعتمة وليلا؛
– أقماع إرشادية للطريق وشرائط تحذيرية للطريق العام؛
– هَوَّاية أبار (بنزين أو كهرباء)؛
– حقيبة إسعافات أولية؛
– سلم خشب أو ألومنيوم للصعود عليه بسرعة؛
– وسائل أخرى مساعدة في العمل.

ثامنا- كيفية وقاية العامل من هذه الظروف الخطيرة:
– يجب على صاحب العمل تجنب، قدر الإمكان، جميع الأعمال في الأماكن الضيقة؛ وعندما لا يكون من الممكن القيام بخلاف ذلك، يجب تقييم المخاطر التي يشكلها العمل في المكان المعني، واتخاذ إجراءات السلامة المتبعة للعمل بأمان داخل هذه الأماكن، وإعداد خطة سلامة مكتوبة تختص بالأماكن المغلقة (المحصورة)، واتخاذ ترتيبات الطوارئ عند الضرورة؛
– عدم تجاهل المخاطر، فقط لأن المكان المحصور كان آمنا يومًا ما، لا يعني أنه سيكون كذلك دائمًا؛
– عدمالسماح لشخص ما بالدخول إلى مكان مغلق والعمل به دون التأكد من أن المكان آمن؛
– عدم المخاطرة بحياة العامل تحت تأثير ضغوط المشرفين (مديرين، رؤساء فرق، شافات…)؛
– التنسيق الجيد مع المصالح المختصة ودراسة المشاكل المحتملة في موقع العمل ووضع خطة للتغلب عليها، مع تحديد الاحتياجات المطلوبة للعمل وتجهيزها بوقت كافي؛
– تهوية المكان المغلق أو المحصور بفتحه بفترة لا تقل عن 30 دقيقة قبل بداية العمل، وتهويته بواسطة شفاطات هواء مناسبة (هَوَّاية أو أكثر إذا لزم الأمر)، والأنسب تهويته بضخ هواء نقي إلى الداخل وفى نفس الوقت سحب الهواء الملوث (الغازات من المكان المحصور) إلى الخارج قبل العمل فيه؛
– التأكد من أن العامل على دراية بالمخاطر الموجودة داخل مكان عمل ضيق، ومؤهل ومدرب على هذا العمل وعلى استخدام معدات الطوارئ…
– تقليل مدة العمل المتواصل قدر المستطاع لأن العامل غير معتاد على أجهزة التنفس، وزيادة مدة الاستراحة وعددها بين فترات العمل، وتهوية المكان أثناء فترات الاستراحة، لا سيما إذا كان العامل غير معتاد على العمل في الأماكن الضيقة؛
– التدريب والتوعية يجب توفير التدريب المستمر للعاملين حول العمل داخل الأماكن المحصورة وطرق السلامة؛
– إخطار العمال بالمخاطر المحتملة وكيفية التعامل معها.

* من أجل تفاصيل أكثر عن هذه الحادثة، يرجى العودة إلى صفحة فيسبوك مرصد حوادث الشغل و الأمراض المهنية بالمغرب:

https://web.facebook.com/share/p/1ABKvum891/

شارك المقالة

اقرأ أيضا