الرفيق عبد الحميد أمين والهزيمة التاريخية في غارة قانون الإضراب

سياسة10 مارس، 2025

بقلم؛ م. البحري

في معرض مداخلة عن بُعد، اقتضاها إبعادُه المتعسف عن أشغال ما سُمي مؤتمرا وطنيا للاتحاد المغربي للشغل، عبر الرفيق عبد الحميد أمين عن رأي تقييمي إجمالي لعملية تمرير قانون الإضراب. قوام هذا الرأي الفقرتان التاليتان:
«لقد خضنا في الفترة الأخيرة وبالخصوص يومي 5 و6 فبراير، مع الإضراب العام الوطني، معركة كبرى ضد مشروع القانون التكبيلي للإضراب. وقد تمكنت الرأسمالية المتوحشة بدعم من الدولة المخزنية من فرض مصادقة البرلمان بأغلبيته المخدومة على هذا القانون المشؤوم الذي يشكل حكما بالإعدام على ضمان الحق الدستوري والإنساني في الإضراب.
وإذا كان هناك بعض المتخاذلين والمنهزمين يعتبرون أن المعركة قد انتهت بهزيمة تاريخية للطبقة العاملة، فإنني أعتبر، ومن منظور رفع راية النضال النقابي والسياسي والجمعوي التقدمي والوحدوي، أنه يجب العمل على مواصلة المعركة من أجل إسقاط القانون التكبيلي للإضراب بالموازاة مع مواصلة المعركة لإلغاء الفصل 288 المشؤوم بشأن ما يسمى بعرقلة حرية العمل».
لا شك أن يوم 5 فبراير 2025 كان يوما فارق في تاريخ الحركة العمالية المغربية، ليس لأنه يوم إضراب عام، لأن اعتبار 5/6 فبراير اضرابا عاما يقتضي غض الطرف عن الواقع، وتجاهل حالة التردي الفعلي التي صارت إليها الحركة النقابية، ومنها ضعف يُعجزها عن شل حركة الاقتصاد والحياة الاجتماعية المميز لإضراب عام. 5 فبراير يوم فارق لأنه جسَّد فعلا هزيمة للحركة العمالية. وهزيمة تاريخية بالنظر إلى أننا تكبدناها في مجال رئيسي هو حرية الإضراب، الإضراب الذي هو أداة المقاومة العمالية اليومية، وأحد أدوات حسم الصراع مع البرجوازية ودولتها.
ورغم إقرار الرفيق أمين بكون هذا القانون الممرر إعداما لحق الإضراب، اعتبر في الفقرة الثانية وصف الأمر بالهزيمة التاريخية تخاذلا وانهزامية. ما جرى هزيمة لأن الدولة البرجوازية حققت مبتغاها، والحركة العمالية منيت بخسارة نوعية جسيمة باستكمال إلغاء حرية الإضراب، بعد عقود من المطالبة بالغاء ما كان يكبلها، وبخاصة الفصل 288 من القانون الجنائي (عرقلة حرية العمل المزعومة)، والمادة من مرسوم 1958 المانعة لإضراب الموظفين، وظهير التسخير (1938).
وهي هزيمة بدون معركة، لأن سياسة البيروقراطية النقابية شلت قدرة الطبقة العاملة على إسقاط مشروع قانون الإضراب. فهل يخفى على كل مهتم جدي (وبأحرى مناضل عمالي) أن القيادات النقابية تعاونت مع الدولة لتمرير قانون الاضراب. تعاون امتد كل تلك العقود التي جرى فيها تداول مشاريع عديدة لقانون الاضراب، لم تواجهها القيادات المتحكمة في النقابات حتى بحملة تشهير جديرة بهذا الاسم. تعاون تجسد في توقيع اتفاق 30 أبريل 2022 المشؤوم حيث وافقت القيادات على الثالوث المدمر: قانون الاضراب و»إصلاح» التقاعد، وتعديل مدونة الشغل. ولا غرابة بتاتا في تعاون البيروقراطيات النقابية مع الدولة البرجوازية، فذلك جوهر سياساتها، تسميها «شراكة اجتماعية» هدفها «السلم الاجتماعي». وقد أذاقت هذه السياسة للطبقة العاملة ثمارها المرة على امتداد عقود، منها ما سمي ميثاقا وطنيا للتعليم، الذي مثل ميثاق تدمير التعليم العمومي لفائدة رأس المال، وما حل بتقاعد الموظفين (الضربات الثلاث: السن والمعاش والاقتطاع)، ونظام المآسي في قطاع التعليم الذي كان من عوامل تفجر حراك هذا القطاع، والقائمة طويلة…
لكن هل الاعتراف بواقع الهزيمة خذلان وانهزامية؟ فهل نعتبر ما جرى انتصارا؟ او حتى تعادلا؟ والإقرار بالهزيمة ليس انهزامية. الموقف الانهزامي كامن في فَقْدِ الثقة في النصر والدعوة إلى التخلي على النضال. بينما الاعتراف بالهزيمة بعد حصولها شرط من شروط الاستنهاض، ومعالجة مكامن الضعف التي سببت الهزيمة، لاكتساب القدرة على دخول المواجهات القادمة.
واقع الهزيمة فارض نفسه، وهو ما جعل الرفيق أمين، في ما تلا من مداخلته، ينبه إلى التصعيد المرتقب الذي سيشهده الهجوم البرجوازي على ما تبقى من مكاسب، معددا بعضها، كقانون النقابات ومواصلة تفكيك الوظيفة العمومية… واستشعار الهزيمة والضعف العام هو الذي حدا بالرفيق إلى التركيز على وجوب الوحدة النضالية العمالية والشعبية.
ليس إنكار هزيمة قانون الإضراب مفاجئا في السياق المغربي، إذ أن كلمة الهزيمة تكاد تنعدم في خطاب اليسار المغربي برغم القدر الهائل من الهزائم المتراكمة منذ الاستقلال الشكلي وبداية الصراع مع الحكم المطلق. يطغى في خطاب اليسار نبر انتصاري لاعقلاني، وتعامٍ عن مكامن ضعف حركة النضال العمالي وكبواتها، رغم الكلام عن النقد الذاتي. يعود أصل الخطاب الانتصاري هذا إلى أجواء الاندفاع الثوري الشبابي الذي ميز ميلاد اليسار الجديد في النصف الثاني من سنوات 1960 ومطلع سنوات 1970 . واستمر ذلك الخطاب رغم كل التحولات العميقة التي شهدها الوضع السياسي، مرد ذلك اعتبار كل حديث عن هزيمة تخليا عن المنظور الثوري، وهو طبعا تخل مستهجن.
هذا الموروث التاريخي، يستدعى نفضا ومواجهة واقع حركة النضال وممارستها بعين موضوعية متجردة من إسقاط الرغبات عليهما، لأن النتيجة الوحيدة لإنكار واقع الهزيمة هي عدم البحث عن أسبابها، ولا عن سبل النهوض منها، وبالتالي السير نحو هزائم أخرى.
ليتنا نتعلم من تجربة طبقتنا، فقد كتب لينين سنة 1921بصدد التعامل مع الهزائم ما يلي:
«إن التعرض للهزيمة أقل خطراً من خشية الاعتراف بها، والخوف من استخلاص كل نتائجها … ان على المرء ان لا يخشى الاعتراف بهزائمه. يجب ان نستخلص من كل هزيمة كل ما تحمله من دروس . فاذا ما قيل لنا بأن الاعتراف بالهزيمة، مثل التخلي عن موقع، يضعف معنويات الثوريين ويقلل من اندفاعهم في النضال، فلا بد أن نقول ان مثل هؤلاء الثوريين لا يصلحون لشيء… لقد كانت قوتنا وستبقى دائماً نابعة من النظر إلى أقسى الهزائم بكل رباطة جأش، والتعلم منها كيف نبدل عملنا. لهذا السبب ينبغي ان نتحدث بكل صراحة . إن هذا الأمر مفيد وهام لا من حيث الحقيقة النظرية فحسب بل ومن الناحية العملية أيضاً. اننا لن نتعلم أبداً القيام بمهماتنا بشكل جديد إذ لم تفتح تجربة الأمس عيوننا على أخطاء الأساليب القديمة». [*] لقد هُزمنا بسبب هيمنة خط سياسي داخل الحركة النقابية، خط البيروقراطيات القائم على التعاون الطبقي (الشراكة الاجتماعية)، وليس على النضال الطبقي، الذي هو علة وجود النقابات. تفادي الهزائم يتطلب تغليب منطق النضال الطبقي بالاستقلال عن البيروقراطية وبناء خط كفاحي ديمقراطي داخل الحركة النقابية المغربية، بمعركة سياسية ضد خط البيروقراطيات.[*] لينين. ف: الأعمال الكاملة بالفرنسية، الجزء 33، منشورات اللغات الأجنبية، موسكو، 1975 صفحات 88 و89.
او الرابط التالي: https://www.marxists.org/francais/lenin/works/1921/10/vil19211031.htm

شارك المقالة

اقرأ أيضا