حركة نسائية مدمَجة ومدجَّنة… أي أفق لنضال النساء التحرري؟

الافتتاحية, سياسة10 مارس، 2025

تشهد المسألة النسائية بالمغرب اجتياحا واسعا من الدولة في جميع الاتجاهات، من «تمكين» النساء اقتصاديا، وخطة مساواة، ومحاربة تعنيف النساء، ومشاركة المرأة السياسية، و»إصلاح» قانون الأسرة»… إلخ.
تستند الدولة في هجومها على الجبهة النسائية إلى نسيج عريض من جمعيات «المجتمع المدني» المؤنَّث، يُشكل امتدادا يحظى بالدعم لتيسير تنفيذ الخطط الرسمية؛ وفضلا عن ذلك على هيئات نسائية أكثر تسيُّسا، متحدرةٍ تاريخيا من اليسار، بمعناه الأوسع.

كانت نشأةُ هذه الهيئات بمبادرة من مناضلات أحزاب اليسار، استقلت تنظيميا عن الأجهزة الحزبية، لكن منظورها السياسي ظل إصلاحيا «ديمقراطيا». وقد تبعت تلك الهيئات ذلك اليسار في انحداره يميناً، بتخلي مكوناته المنتسبة إلى الاشتراكية عن هذا المنظور مع الانزياح العام لنظيره عالميا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وعودة الرأسمالية اليه وإلى مجمل معسكره وإلى الصين.
وأسهمت خاصية أخرى للوضع السياسي المحلي في دفع تلك الهيئات إلى الاقتراب أكثر فأكثر من الدولة، وصولا إلى حالتها الراهنة، حالة الدوران في فلكها. تمثلت تلك الخاصية في التسونامي الإسلاموي المتصاعد بقوة، لا سيما منذ مطلع سنوات 1990. إذ بدا لتلك القوى النسائية، ذات المنشأ اليساري، أن الملكية تشكل بواسطة إمارة المؤمنين سدا أمام المد الرجعي الديني الذي يقاوم بشراسة أي إصلاح لواقع اضطهاد النساء.
وقد فعل النظام ذاته ما بوسعه لاستعمال الفزاعة الإسلاموية لجر تلك القوى النسائية «اليسارية»، بمشاركة الفقهاء الرسميين ووزير الشأن الديني في التصدي للمطالب النسائية. مثال ذلك مجريات ما سمي كذبا «خطة إدماج المرأة في التنمية» التي تضمنت قسما مهما من المطالب النسائية ذات الصبغة القانونية، ضمن منظور البنك العالمي المسمى «تمكين النساء»، أي دمجهن النيوليبرالي لخدمة الرأسمالية التابعة.

تعمق من جراء هذا الانزلاق تحولُ القوى النسائية «اليسارية» نحو أنشطة تمويل «المجتمع المدني»، بدعم من منظمات غير حكومية عالمية رأسمالية التوجه، أنشطة يغلب فيها طابع تضميد الجراح الناجمة عن الرأسمالية البطريركية، وانعدام أي أفق استراتيجي. فصار معظمها يقوم بأدوار مكملة للدولة.
ويتضح هول هذا السقوط الحر، بأجلى صوره، في حالة اليسار الذي كان ينهل (بانتقائية) من الماركسية، وكان مبادرا إلى إصدار جريدة 8 مارس في مطلع سنوات 1980. فما انتهى إليه هذا التيار تفصله مسافة ضوئية عن الخط الفكري لانطلاق تلك الجريدة (الطرح الاشتراكي للمسألة النسائية، كلارا زيتكن والكسندرا كولونتاي، نقد النسوية البرجوازية…).
بات معظم الحركة النسائية «التقدمية» مدجنا وبلا منظور تحرري، مجرد «قوة اقتراحية» مقتصرة على مواكبة إجراءات الدولة بالنقد والترافع في المؤسسات من أجل «التجويد»، ولا حاجة الى الشارع إلا للضغط المحسوب في مناسبات نادرة.
جلي أن طبيعة هذه الحركة النخبوية، وإهمال الحركة العمالية النقابية للمسألة النسائية، والتراجع الفكري العام لليسار المغربي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، عوامل ساعدت على إيصال الحركة إلى مصيرها البائس، بعيدا عن هدف حركة نسائية جماهيرية تقدمية مستقلة.
طالما انعدم الاستقلال عن الدولة، تُفرغ الحركة النسائية من كل طابع جذري تفترضه طبيعة اضطهاد النساء في مجتمع رأسمالي، وتغدو مواكِبة لسياسة معادية لسواد النساء الأعظم، قائمة على فرط الاستغلال في أسوأ الشروط، وتكريس تحميلهن أعباء إعادة الإنتاج الاجتماعية وشتى صنوف الميز والقهر.
إن ما آلت إليه الحركة النسائية ذات المنشأ اليساري جزء من الحصيلة التاريخية لقوى النضال العمالي والشعبي التي أنهت دورة، ولم تبدأ أخرى جديدة. أزمة أدوات النضال شاملة، ومأزق الإصلاحية البرجوازية، تجلى أيضا في ساحة النضال النسائي، فوهم الظفر التدريجي بحقوق النساء في ظل النظام القائم ناتج عن الفصل بين النضال من أجل الحقوق الديمقراطية والنضال ضد النظام الاقتصادي- الاجتماعي. وليس عيب هذا المنطق الإصلاحي في عقمه فحسب، بل في أنه يضفي شرعية على النظام القائم، أي على البنية الرأسمالية التي تديم الميز الجنسي وتستفيد منه.
كل بناء جديد لأدوات النضال العمالي والشعبي، منها النسائية، لن تقوم له قائمة إلا بقوى فتية متحررة من هزائم الماضي، مسلَّحة بدروس التجارب المحلية والعالمية وخبرتها. هذه التي تعزز مكونها النسوي بموجة انبعاث عالمية في قَطْعٍ مع عقود من هيمنة النسوية الليبرالية. لن يتحقق تحرر النساء إلا تحت راية نسوية ال ــ99 % (*) المناهضة للرأسمالية: نسوية اشتراكية بيئية.

(*) للتفصيل : انظر بموقع المناضل-ة كتيب: «نسوية من أجل الــ 99 % – بيان»

كتاب نسوانية لأجل الــ 99% – المناضل-ة 

شارك المقالة

اقرأ أيضا