بيان 8 مارس 2025: هدفنا تنظيم مقاومات النساء بوجه تعدد أوجه اضطهادهن

بيانات, سياسة8 مارس، 2025

بقلم؛ تيار المناضل-ة 

تخلد النساء، وحركاتُ النضال، يوم 08 مارس العالمي في سياق صعب، سمته صعود قِوى  نيوفاشية عبر العالم، ورسوخ الرجعية الدينية في قسم عريض من بلدان الجنوب، كلاهما في عداء سافر لحقوق النساء ولتحررهن. فأضحت مكاسب النساء الاجتماعية والديمقراطية هدفا لهجمات كثيفة.

جرى تحطيم مكاسب دولة الرعاية بالمراكز الامبريالية، ومقابلِها الطفيف الناجمِ عن نزع الاستعمار بالجنوب، بمعول السياسات النيوليبرالية، متماشيا مع امتداد صنوف أيديولوجيا أٌقصى اليمين، وسعيه الحثيث لتأبيد تحميل النساء أعباء تؤول للدولة متعلقة بإعادة الإنتاج الاجتماعية، ومعها مجمل أكلاف أزمة الرأسمالية متعددة الأبعاد.

برغم صعوبة هذا الوضع، وما يهدّد النساء بفعل صعود اليمين والحركات المعادية لحقوقهن، يواصلن المقاومة والذود عن المكاسب، معزَّزات بأوجه التقدم التي حققتها الحركات النسوية بمناطق عدة بالعالم.

توجد أوضاع النساء في منطقتنا في مرتبة متدنية بمقياس المساواة والحقوق المكتسبة. وإن كانت حاجات الرأسمالية وضغط النضالات قد أتاحا، على المدى الطويل، مكاسب جزئية للنساء (تحسن في ولوج التعليم، والرعاية الصحية، والعمل المأجور، ومكاسب قانونية…الخ)، فإن هذا التغيير لم يطل الجوهر، حيث يظل الربح أولوية قبل الحياة الإنسانية، ووضع النساء الدوني مرتبط بذلك بلا فكاك. ويظل نزر المكاسب اليسير هذا مهددا بوزن قوى سياسية رجعية، وانتشار مناخ ثقافي شديد التخلف ملائم لدعم أشد التدابير عداء للنساء.

تأثرت النساءُ بالأزمات العنيفة التي ضربت عدة بلدان، سواءً بسبب حروب الثورات المضادة، في السودان و اليمن وسوريا، أو بسبب العدوان الصهيوني الهمجي في فلسطين ولبنان، أو نتيجة عنف الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم وتدهور شروط العيش في أغلب بلدان المنطقة.

يندرج سوء أوضاع جماهير نساء المغرب في سياق هجوم واسع للدولة، أداة رأس المال الكبير المحلي والإمبريالي، لإتاحة الظروف المثلى لمراكمة الأرباح بإزاحة كل العقبات ومواجهة المقاومات العمالية والشعبية. وتمثل النساء ضحية هذا العدوان بامتياز، بفرط استغلالهن بشتى صنوف هشاشة التشغيل، والميز في الأجور، وظروف العمل السيئة، وتحميلهن عبء إعادة الإنتاج الاجتماعية الثقيل بقدر تنامي تردي  الخدمات العمومية، وحتى انعدامها في مجالات عدة. ويؤدي يوم عمل المرأة المزدوج إلى ضغط نفسي وإضرار بصحتها.

لا تزال نسبة النساء النشيطات متدنية، وأغلبهن عاطلات أو عاملات بلا أجر. بالمقابل تشهد قطاعات عديدة نسونة متزايدة، وبوجه خاص المطبوعة بالهشاشة. 

وتواجه النساء اللائي ازداد مستواهن الثقافي والعلمي صعوبات في تحقيق طموحاتهن في إطار مجتمع رأسمالي تابع لا يتيح الشغل للجميع، وتحكمه قوانين وثقافة ذكورية تبخس مكانة النساء. 

وتتعرض النساء لنتائج نزع الملكية العقارية، سواء في المدن وضواحيها بمبرر المصلحة العامة، الحاجب لمرامي رأس المال في إعادة هيكلة المجال لصالحه؛ أوفي القرى حيث  يقوض رأس المال الفلاحي المستغلات الجماعية التقليدية، وتستولي الدولة على أراضٍ استغلها السكان قرونا، وذلك بمبرر حماية الملك الغابوي وإنشاء المحميات الشاسعة …إلخ. 

ويزداد هذا الوضع سوءا جراء عواقب الكارثة البيئية التي تنزل بثقلها  على النساء القرويات، متجلية في موجات  الجفاف الحاد، وآثاره الجسيمة على الفلاحة المعاشية، مصدر  دخل كادحي – كادحات القرى، ما يدفع  هؤلاء نحو هجرة قسرية واسعة إلى المدن، خاصة الرجال، وتُترك النساء في قراهن  لتدبير بؤس أسرهن.

تشن الدولة هجومها  الشامل والعميق هذا بنهج سياسة “فرق تسد”، بتمكين قسم من ضحايا سياستها من فتات التنازلات، وبتأجيج المنافسة لتقسيم معسكرهم – هن. وتنجح إلى حد بعيد، عبر  ما يمكن تسميته بـ”نسوية الدولة”، أي تبنيها خطابا نسويا (الكوطا النسائية في مضامير عديدة، وجندرة السياسة الرسمية…)، والاعتماد على شبكة “مجتمع مدني نسائي” في أعماق المجتمع، في إفراغ القضية النسائية من كل محتوى مناهض لدولة رأس المال. وتستعمل مسألة قانون الأسرة لتوطيد شرعية المَلكية، ومكاسبها السياسية، بتحسينات جزئية لا تنال من جوهر الموروث المضطِهد للنساء، تُكسبها صفة التعقل المتوازن بوجه “الغلاة”، دينيين و”حداثيين” على السواء.

لا سياسات الدولة الاجتماعية الزائفة، ولا تعديلات قانون الأسرة الممنوحة من فوق، من شأنها تحسين أوضاع النساء المقهورات، وبأحرى دفعهن في اتجاه تحررهن. تحسين الأوضاع على طريق التحرر سيكون بنهوض قوة النضال النسائية، هذه التي لم تكشف بعدُ عن كامل كمونها، لتتشكل في حركة نسائية جماهيرية. إنها تنبجس في حركات نضال عمالية وشعبية متواترة. أهمها نضال النساء ضمن الحركة النقابية، حيث يتقدمن نضالات كبيرة برغم الحجر البيروقراطي، لا شك أن من أعظمها في الآونة الأخيرة  كفاح عاملات شركة سيكوميك بمكناس، الصامدات منذ العام 2017، بوجه جبروت رب العمل والدولة، ثم بوجه البيروقراطية النقابية المتعاونة معهما. تجلت أيضا هذه القوة العمالية النسائية في إسهام النساء، الكمي والنوعي، في حراك  شغيلة التعليم طيلة ثلاثة أشهر في 2023-2024، وكذا في وزنهن في نضالات شغيلة قطاع الصحة، ومكانتهن في حراك شغيلة الزراعة باشتوكة أيت باها في نوفمبر 2024. وتؤكد نضالات النساء ضمن حراك مدينة فجيج المستمر، المناوئ لاستيلاء رأس المال على خدمات ماء الشرب، ما برز في حراكات سابقة (طاطا، إيفني، جرادة الريف…) من مقدرات كفاحية نسائية متنامية. 

يشكل انخراط النساء الواسع هذا في النضالات العمالية والشعبية الأساس الموضوعي لبناء حركة نسوية مناهضة للرأسمالية، شريطة تجاوز واقع الميز ضدهن، والميل العام لإقصائهن في منظمات النضال القائمة. إقصاء يجعلهن أول من يهجر تنظيمات المقاومة الجماعية لسيادة ممارسات السيطرة الذكورية، الجاعلة منهن مجرد تابعات منفذات على غرار السائد في المجتمع.

سيواجه بناء حركة نسائية جماهرية بعداء شرس من طرف قوى رجعية أكثر قوة تنظيميا، ومنغرسة بقوة في تربة شديدة التأخر ثقافيا، لكن افتقاد هذه إلى بديل حقيقي عن أوضاع اضطهاد النساء لا بد أن يزيحها من الطريق.

ينطلق بناء حركة نسائية جماهيرية من الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأساساً انتشال جماهير النساء من جحيم البطالة، والعمل بدون أجر، والعبودية المنزلية، وفق شعار لكل مواطن الحق في دخل يضمن عيشا كريما. وكذا من مطلب تحمل الدولة مسؤولية تأمين الحقوق الأساسية في العمل لجميع القادرين ات والحق في الصحة العمومية والسكن اللائق والتكفل برعاية المواطنين التابعين، بفعل المرض والسن والإعاقة.

وستكون طلائع طبقة الشغيلة النسائية عمودا فقريا لكل حركة نسائية جماهيرية تروم مساواة حقيقية. فهذه مستحيلة طالما بقيت البنيات التي تُخضع حياة الأغلبية لمقتضى ربح الأقلية.

يقتضي تحرر النساء التخلص من الرأسمالية عبر ثورة تأخذ بها طبقة الشغيلة زمام أمر العالم المحيط بها، وتقرر حسب  مصالحها الجماعية، كيفية تنظيم الإنتاج ومجمل الحياة الاجتماعية. إن كل ما يبدو مستحيل التغيير، ويعزى إلى الطبيعة البشرية، يمكن  الطعن فيه عندما يشرع الشغيلة والمضطهدون/ت في النضال جماعيا، و اكتشاف مقدراتهم، والتفكير في طرق جديدة للعمل والحياة. هذه هي الثورة الاشتراكية ونقطة الانطلاق من أجل عالم بلا ميز جنسي ولا اضطهاد أيا يكن.

أكد عقد ونصف من اندلاع السيرورة الثورية بمنطقتنا أنه دون تغيير جذري وشامل يقطع جذور الاستبداد والتبعية الرأسمالية، ويحقق مكتسبات جوهرية تغير من أوضاع غالبية الكادحين – ات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دون ذاك الأفق ستغرق منطقتنا وشعوبنا في دوامة جهنمية من الأزمات العنيفة التي تكلف النساء غاليا. أمر يستوجب النهوض بمهمة بناء أدوات النضال العمالي و الشعبي، منها حركات نسوية جماهيرية، تنسق عملها على صعيد المنطقة.

النصر لكفاح النساء المقهورات

عاشت الثورة الاشتراكية النسوية البيئية 

للتحميل بي دي اف: 8 مارس 2025

 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا