واقعة «المؤتمر الثالث عشر» للاتحاد المغربي للشغل: أية عبرة؟

الافتتاحية, سياسة23 فبراير، 2025

بدرجة عالية لا سابق لها من العسف والاستهتار بأبسط أوليات الديمقراطية، في التحضير لمؤتمر وطني وانتخاب منتدبيه، جرت عملية سُميت زورا مؤتمرا وطنيا للاتحاد المغربي للشغل أيام 21 فبراير 2025 إلى 23 منه.
تكمن الدلالة الوحيدة لهذه العملية المرتجَلة في الحضيض الذي بلغه التدبير «التنظيمي» لهذه المنظمة العمالية. والحق أنه لم يكن يُقام، في أي لحظة من تاريخ الاتحاد المغربي للشغل، أي وزن للديمقراطية. فأول القادة (المحجوب بن الصديق) إنما فرض نفسه فرضا (محل الطيب بن بوعزة المنتَخب)، بدعم من الحركة الوطنية البرجوازية، في منصب الأمين العام دوسا لإرادة المشاركين في مؤتمر التأسيس قبل 70 عاما، فانطبعت حياة هذه المنظمة بتسيير متحكَّم فيه فوقيا، يُضبط وفق مشيئة الفرد الذي يوزع الثروة والسلطة بما يضمن إعادة إنتاج نمط التدبير.

وعلى امتداد هذه العقود السبعة، لم تكن الديمقراطية حاضرة سوى كضحية مذبوحة، فجرى اضطهاد ذوي الرأي المغاير، بالطرد وحتى بالاعتداء على السلامة الجسدية، وجرى حل تنظيمات، والاستعاضة عن أجهزة منتخبة بأخرى حسب إرادة الأمين العام، يُرسِل عند الاقتضاء فِرقا معززة بقضبان حديد، في عملية»تطهير» دائمة. آلية التدبير معكوسة تماما، فعوض قيادة منتخبة من القاعدة، بات الماسكون بأعلى جهاز يصطفون من يجاريهم في تشكيل أجهزة النقابات محليا، وفي المستويات الوسطى، وصولا إلى القمة، قمة دوس الديمقراطية. حتى رؤوس هذه القمة تساقط منها الكثير بعد تورط بالغ في الفساد، بلا قرار ديمقراطي، وبلا حساب.
هذا الإرث التاريخي هو الذي جعل ما سُمي مؤتمر 13 ينعقد بتلك السهولة، وبلا أدنى اهتزاز ينم عن حرص على الديمقراطية، وهذا ما يسّر إقصاء من لا يرغب الأمين العام ومقربوه حضورهم. لا شرعية لذلك المؤتمر، ولا لسابقه، وهلم جرا قهقرةً.
تأسس الاتحاد المغربي للشغل بانقلاب «نقابيين وطنيين»، مرتبطين بالحركة الوطنية البرجوازية (حزب الاستقلال وأساسا ما سيصبح يساره)، على التيار الشيوعي في الحركة النقابية المغربية، بتنسيق مع اتحاد نقابي عالمي تسيره الامبريالية. وسرعان ما استقطبت الملكية بيروقراطيةَ هذا الاتحاد بعد أن عززتها ماديا. ومذاك، والاتحاد المغربي للشغل لم يستكمل بعدُ عقده الأول، بات سياسيا مواليا للملكية، جاهدا لحصر نضال شغيلة المغرب في مطالب معيشية ومهنية بالغة الضيق، أي وفق ما سماه لينين سياسية عمالية برجوازية.
وجلي أن السير على هذا النهج، المضَحي بمصالح الشغيلة الآنية والتاريخية، لا يتلاءم مع أي ديمقراطية، بل يقتضي أن يُفرض فرضا. هذا الفرضُ فرضاً هو قاعدة تسيير الاتحاد المغربي للشغل. ويتضمن قبول وجود يساري ضمن حدود وشروط. كأن لسان البيروقراطية يقول: هذه المواقع في التنظيم، وفي جهازه، أَهَبُها من أشاء متى أشاء و أنزعها متى أشاء. وهذا الأمر الذي دل عليه واقع أن صوتا وحيدا داخل «المؤتمر 13»، ضمن زهاء 1700 مؤتمر/ة، ارتفع دفاعا عن حق اليساريين المبعَدين من المؤتمر، رفاق النهج الديمقراطي العمالي، رغم نداءات عبر عنها ثلاثة منهم، يتقدمهم القيدوم عبد الحميد أمين.
لم يكن الوجود اليساري في الاتحاد.م.ش تعبيرا يتناسب مع شيوع تصور مغاير، كفاحي وديمقراطي، للنضال النقابي؛ بل وجودٌ قائم على مسايرة خط البروقراطية، والتزام بتغييب النقاش والنقد، بناء على وهم مراكمة القوى بهكذا مسايرة. والحال أن بناء ميزان قوى ضد البروقراطية إنما يكون بالدفاع عن خط نضال معارض، يشمل شعارات النضال وسبل تدبيره وتسيير أداته. وبفعل غياب هكذا دفاع، أفلحت البيروقراطية في تدبير الوجود اليساري بما يخدم خطها، خط الشراكة الاجتماعية مع أعداء الطبقة العاملة، متدخلة بين فينة وأخرى بسيف القمع لتحجيم اليسار المساير وفرض الانضباط عليه.
وطبيعي أن يتأثر خطٌّ لا يكافح البيروقراطية بتقاليدها، لا بل أن تستوعب البيروقراطية بعضا من أنصار هذا الخط، وهو ما سبق أن انتقدته وثائق المؤتمر الوطني للنهج الديمقراطي (2004) دون نجاح في تجاوزه، رغم كل أشواط الشد والجذب مع البيروقراطية و النتائج المخيبة للآمال الناجمة عنها.
إن ما يترتب من واجبات عن «واقعة المؤتمر 13» إنما هو أساسا تقييم إجمالي لتكتيكات هذا اليسار، وتفاهماته مع البيروقراطية، في ضوء الوضع المتزايد ترديا منذ العام 2012. يجب وضع حصيلة «التوجه الديمقراطي»، وتدبير إعادة دمجه، والحصيلة الراهنة، منها مجريات هذا المسمى مؤتمرا وطنيا.
سياسة غض الطرف، كأن شيئا لم يكن، وتأكيد التمسك بالاتحاد المغربي للشغل بنفس الرؤية، لن يزيد البيروقراطية غير عنجهية و إذلالا لمن تعتبرهم خصومها. ومما لا ريب فيه، قيد ذرة، أن هذه السياسة لا تسهم في تشكل حالة يسارية ثورية داخل هذا الاتحاد، أي بتعبير آخر لا تصب في بناء حزب الطبقة العاملة الذي يقتضيه نضال تحررها.
ما فتئت جريدة المناضل-ة تتناول بنقد ماركسي واقع الاتحاد المغربي للشغل، ودور بيروقراطيته، ولواقع الحركة النقابية برمتها، من أجل استجلاء طرق عمل تضع نصب عينها تبلور طليعة عمالية اشتراكية. وساجلت من هذا المنظور قوى اليسار المتدخلة نقابيا، وبالمقام الأول الوجود اليساري في الاتحاد المغربي للشغل. ودون استصغار لتعقيدات الوضع النقابي وإكراهاته، نرى أن التجربة تؤكد من جديد، اليوم، عبر واقعة «المؤتمر 13» تلك المآزق التي نبهنا إليه على امتداد عقدين.
ليس الاتحاد المغربي للشغل صنما يُعبد، بل منظمة يلجأ إليها الشغيلة، كسائر المنظمات بلا استثناء، احتماء من جبروت رأس المال ودولته. وواجب الثوريين العمل مع الشغيلة أينما وجدوا، في جميع النقابات وخارجها، برؤية تروم تسييس النضال العمالي تسييسا ماركسيا، وتدبيره ديمقراطيا، لتلتقي أرقى طلائع النضال، أرفعها وعيا وأشدها كفاحية، من كل المنظمات، في حزب اشتراكي للشغيلة يقود نضال الطبقة العاملة، التي يتعين أن تقتاد معها عامة مقهوري/ات النظام الرأسمالي التابع في سيرورة نضال مستمرة تنجز المهام الديمقراطية بلا انقطاع مع المهام الاشتراكية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا