حزب العدالة والتنمية: تغليب خدمة المَلكية على نصرة الشعب الفلسطيني
بقلم؛ أزنزار
قال عبد الإله بنكيران (الأمين العام لحزي العدالة والتنمية) في مهرجان خطابي حول «تعديلات مدونة الأسرة» بمدينة بنسليمان، متحدثا عن المقاومة في غزة: «الدنيا مُدافَعةٌ. والمُدافَعة يقوم بها الرجال. والرجال هم الأبناء البررة. والأبناء البررة تلزمهم أُسَرٌ سليمة ينشؤون فيها» [1]. لكنه تجاهل قول إن المقاومة كان «يلزمها» حزبُ عدالة وتنمية يوقع على اتفاق التطبيع نيابة عن المَلكية، التطبيع مع عدو صهيوني يبيد تلك الأُسر والمقاومة في غزة وكل فلسطين.
هذه الازدواجية بين ادعاء نصرة الشعب الفلسطيني قولا وخدمة السياسة الخارجية للمَلكية فعلا، وَرَدَ في البيان الختامي للدورة العادية للمجلس الوطني لـــحـــزب الـــــعــــــدالـــــــة والــتـــــــنـــــميــــــة يناير 2025. فشعار الدورة: «الصمود والانتصار» مختلط مع تقدير الحزب العالي «لما تقوم به وكالة بيت مال القدس في دعم صمود المقدسيين، وللمبادرات الإنسانية لجلالة الملك لتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني الشقيق». أما عن المساعدات فقد اختصرها بيان الحزب في تخصيص الملك «لمنح إضافية لفائدة الطلبة الفلسطينيين المنحدرين من قطاع غزة، المسجلين في الجامعات والمعاهد العليا المغربية»، مع السكوت على أن «الفعاليات التضامنية للشعب المغربي وقواه الحية» التي حياها بيان الحزب، كانت ضد وقائع ما كانت لتتم دون التطبيع الذي وقعه الأمين العام للحزب عندما كان على رأس حكومة الواجهة.
ورغم ذلك لم يتورع بيان المجلس الوطني عن تأكيد «موقفه الثابت الرافض لكل أشكال التطبيع»، كأن حزبا آخر هو من وقَّع أمينُه العام على اتفاقية التطبيع يوم 10 ديسمبر 2020. هذا الموقف الذي قذف بقيادة الحزب بين مطرقة ادعاء الرفض وسندان التبرير. في حوار مصوَّر مع بنكيران صرح: «الحزب لم يُطبع، ولم يقبل التطبيع… سعد الدين العثماني كان رئيس حكومة، والحزب لم يتبنَّ ذلك التوقيع»… [2]. وفي حوار آخر: «تفهمت موقف سعد الدين العثماني… ودافعت عليه ولا أزال أدافع عليه». [3]
هكذا بينما اعتبر بنكيران «موقع اللغة العربية في القانون الإطار أكبر خطأ وأكبر مصيبة لحكومة سعد الدين العثماني»، فقد تفهَّم توقيعه لاتفاقية التطبيع! وحينما قامت احتجاجات داخل الحزب تدخَّل عبد الإله بنكيران «لتهدئة الأوضاع داخله». [4]
آخر ما يلجأ إليه بنكيران لتبرير هذا التناقض هو «الظروف»، أي تلك الظروف التي وجد فيها سعد الدين العثماني نفسَه آنذاك بين أمين عام حزب يدَّعي رفضَ التطبيع ورئيس «حكومة جلالة الملك» مُلزَمة بتطبيق أوامر جلالته. ولأن حزب العدالة والتنمية ليس فقط حزبا براغماتيا بل أيضا حزبا مَلكيا و»هِبةً من السماء إلى الدولة المغربية»، كما صرَّح بنكيران سنة 2007 [5]، فإن الحزب فضَّل التضحية بالمبادئ لخدمة المصالح السياسية الآنية، وهذا هو جوهر الانتهازية في السياسة.
يَعرف الحزب كلفة رفض التطبيع آنذاك، وهو يرأس حكومة واجهة رضي الملك بتنصيبها بصعوبة، بعدما عُرف بـ»البلوكاج السياسي» سنة 2016، وفي سياق مقبل على الانتخابات التشريعية والجماعية. لذلك غلبت الحسابات السياسية الآنية والانتخابية على «المبادئ»، هذا إن كان هناك فعلا من يصدق أن للحزب مبادئ.
إن ما فعلته المَلكية حين «فرضت» على أمين عام حزبٍ يدعي رفض التطبيع توقيعَ اتفاقية تطبيع، يدخل ضمن آلية تقليدية تستعملها المَلكية لإفقاد المصداقية للأحزاب السياسية. فعند إعلان استقلال موريتانيا كان من اختاره الحسن الثاني لتمثيله في تقديم التهاني لرئيس موريتانيا المستقلة، هو علال الفاسي الذي كان يعتبر «استعادةَ الصحراء حتى نهر السينغال واجبا مقدَّسا». علَّق جيل بيرو على ذلك قائلا: «الوطني الأكثر تصلبا الذي رضي أن يتنكر لمبادئه، فأوامر الملك لا تناقَش، والحسن لا يحب إلا الرجال المذعنين، المنكسري الشوكة». [6]
وكما الحسن الثاني، فإن محمد السادس أيضا «لا يحب إلا الرجال المذعنين، المنكسري الشوكة»، وكان سعد الدين العثماني من ذلك النوع، وقد تقدَّم بنكيران، بكل ما يملك من ديماغوجية، لكي يبرر لسعد الدين العثماني «إذعانه وانكسار شوكته»، وفي نفس الوقت الحفاظ على طهارة الحزب بادعاء رفض التطبيع ونصرة فلسطين، وهو أمر مستحيل.
إن من يقبل بالمَلكية حاكما مُطلقا في السياسة الداخلية، سيقبل بذلك أيضا في السياسة الخارجية. ونصرة فلسطين، تستدعي النضال ضد الاستبداد في السياسة الداخلية وأيضا الخارجية. وهذا يستدعي النضال من أجل نزع الديبلوماسية ومجمل السياسة الخارجية من يد المَلكية وجعلها في يد المؤسسة التمثلية للشعب المنتخَبة بكل ديمقراطية.
في سابقة تاريخية بعيدة جدا زمنيا، ولكنها أقرب سياسيا، أستطاع «علماء الأمة» بقيادة الفقيه محمد الكتاني، بعد ثورة أسقطت السلطان عبد العزيز، أن يفرضوا «بيعة مشروطة» على السلطان عبد الحفيظ، ضمنوها ما يلي: «إذا عُرض ما يوجِب مفاوضةً مع الأجانب في أمور سلمية أو تجارية فلا يُبرَم منها إلا بَعد الصدع به للأمة… حتى يقع الرضى منها بما لا يقدح في دينها ولا في عوائدها ولا في استقلال سلطانها». وليست هذه الفقرة إلا تعبيرا تقليديا عن المفهوم الحديث للسيادة الشعبية الحقيقية الفعلية التي تتعارض مع حُكم الفرد، وكان جزاء الفقيه الكتاني إعدامه جَلدا من طرف السلطان عبد الحفيظ. أما بنكيران البعيد سياسيا عن «علماء الأمة» أولئك، فكل ما يستعيره منهم هو الهجوم على أي مطالبة بإحقاق حقوق النساء، باعتبارها خروجا عن صحيح دين على علماء الأمة الانتفاض ضده.
عندما هبَّ الشعب المغربي بعد 100 سنة من تلك السابقة التاريخية، في فبراير 2011، وقامت حركة 20 فبراير مُطالبة بـ»دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يضعه مجلس تأسيسي»، انتفض بنكيران، ليس ضد المَلكية، بل ضد حركة 20 فبراير، وسارع إلى تولي حكومة الواجهة، التي اندرجت في مسار مناورات واسعة من المَلكية لتجاوز الانعطافة الثورية التي هبت رياحها من الشرق.
هذه هي الخلفية الحقيقية لمآزق العدالة والتنمية منذ أكثر من عقد: محاولة الحفاظ على قاعدة شعبية والحرص الشديد على خدمة المَلكية وعدم التصادم معها. وقد انتهى به الأمر إلى طرد المَلكية له «مُذعِنا ومنكسِر الشوكة» وبقاعدة شعبية متآكلة. وكل ما يقوم به بنكيران منذ رجوعه إلى الأمانة العامة للحزب محاوَلة لترميم شعبيته المتآكلة تلك، وفي نفس الوقت تأكيد أنه خادم خدوم للمَلكية، فاتحا المجال مرة أخرى لتكرار نفس المسار.
العدالة والتنمية، حزبُ برجوازي مَلكي رجعي، عدو للشعب المغربي كما هو عدو للشعب الفلسطيني.
هوامش[1] 08-02-2025 https://www.youtube.com/watch?v=W4eUTDZnGnk&t=553s.[2] 09-10-2024، https://www.youtube.com/watch?v=0unu2ay5858.[3] 24-01-2025، https://www.youtube.com/watch?v=E0I-hOq_Srg&t=4729s.[4] 09-10-2024، https://www.youtube.com/watch?v=0unu2ay5858.[5] 10-10-2207، https://www.hespress.com/عبد-الإله-بنكيران-نحن-هبة-من-السماء-للد-857.html.[6] جيل بيرو، «صديقنا الملك»، ص 260.
اقرأ أيضا