في ذكرى 20 فبراير: بناء حزب العمال الاشتراكي ضرورة آنية
نهاية سنة 2010 وبداية سنة 2011 اندلع الحريق الثوري من جنوب تونس، وامتد إلى عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشكلا الموجة الأولى لسيرورة ثورية طويلة الأمد. أُسقطت طغاة من على عروشهم بينما اضطر الآخرون إلى تقديم تنازلات، وزج آخرون ببلدانهم في حروب أهلية مدمِّرة، حوَّلت ما سُمي «ربيعا عربيا» إلى شتاء مُمتد، قطعته موجات أخرى نهاية سنة 2018 وسنة 2019.
امتدت الموجة إلى المغرب على شكل حَراك سياسي أُطلق عليه «حركة 20 فبراير» رفع مطالباً سياسيةً تحت شعار «إسقاط الفساد والاستبداد»، وازاه حَراكٌ عمالي وشعبي، دون أن يتمكن كلا الحَراكين من التضافر.
يُعزى مآل النضالات إلى انعدام هذا التضافر بين هذين الحَراكين، ويفسَّر هذا الأخير بسيطرة قوى سياسية غير عمالية على الحركة النقابية، وهيمنة أيديولوجية وسياسية لنفس القوى على الوعي الشعبي والعمالي.
تمكَّنت المَلكية منذ وقت مبكِّر من سنة 2011 من تحييد الحركة النقابية، بعد لقاء المستشار المَلكي محمد المعتصم مع القيادات النقابية في منزله، وبعد توقيع اتفاق أبريل 2011، الذي قالت عنه قيادية في الكدش إنه تعبير عن «روح المواطنة» التي دفعت الحركة النقابية إلى هجر شارع الاحتجاج والجلوس إلى طاولة الحوار.
أما الهيمنة الأيديولوجية البرجوازية فقد تجلت في سقف سياسي حُبس فيه الحَراك، مؤطِّرا بشعار «إسقاط الفساد والاستبداد»، مُركزا على رموز بعينها، دلالةً على أن مشكل البلد هو «الزواج بين السلطة والثروة»، وأن البديل هو الفصل بينهما. وتعود هذه الهيمنة إلى عقود من سيطرة معارضة برجوازية ليبرالية على قيادة مناوَشة المَلكية من أجل الحصول على قسط من السلطة، ثم صعود معارضة برجوازية رجعية/ دينية تحمل نفس المطلب مع إقرانها بتخليق المجتمع دينيا.
كِلا المعارَضتين تهيمنان على الحركة النقابية المغربية باسطتين بذلك سيطرة تنظيمية وسياسية على الطبقة العاملة المغربية، وفي نفس الوقت تهيمنان على الوعي الشعبي، وتحصران النضالات العمالية والشعبية في حدود لا تهدد النظام الرأسمالي ومصالح البرجوازية، التي تشكل المَلكية قسمَها الحاكم، بينما تشكل المعارضتان البرجوازيتان (الليبرالية والرجعية الدينية) تعبيرا عن أقسام البرجوازية المستاءة من احتكار المَلكية للثروة وما يتيحه من الانفراد بفرص الاغتناء الاقتصادي، مناديتان باقتصاد سوق شريف ومنافسة حرة، اقتصاد لا يحفظ للطبقة العاملة وشرائح الشعب الكادح سوى فرط الاستغلال وإحسان عمومي يسمَّى «حماية اجتماعية».
تمكَّنت هاتان المعارضتان من حصر الحَراك النضالي لسنة 2011 في تلك الحدود، ما أتاح الفرصة للمَلكية من هزم ذلك الحَراك، بطيف تنازلات سياسية لا تمس جوهر احتكارها للحكم الفعلي، وتنازلات اقتصادية سرعان من تمكَّنت من استرجاعها باستئناف الهجوم بقيادة فصيل من الحركة الرجعية الدينية (العدالة والتنمية).
ما يفسر هذه الهيمنة السياسية والأيديولوجية لقوى سياسية برجوازية على الحركة العمالية والوعي الشعبي، هو وزن اليسار الجذري، فهذا الأخير هزيل وضعيفُ التواجد شعبيا، وقسمٌ منه مسايِرٌ للبيروقراطيات النقابية، ولم يتمكن من بناء يسار طبقي مُعارض داخل النقابات، أما القسم الآخر، أي الشبيبي الطلابي فغارق في اقتتال طلابي لا ينتهي ومسيَّج بأسوار الجامعات، عاجز عن امتلاك منظور إجمالي للتغيير بالبلد، ما يؤدي بخريجيه إما إلى الاندماج في المجتمع أو التحول إلى جناح يساري لتبرير سياسات البيروقراطيات النقابية (خاصة داخل الاتحاد المغربي للشغل)، وقد أبانت تلك التجربة عما لها من ضرر وتدمير تعبئات طلابية واعدة كما هو شأن نضالات تنسيقية المفروض عليهم- هن التعاقد.
ما أدى إلى هزم حَراك 20 فبراير، أي هيمنة القوى السياسية البرجوازية على الحركة العمالية والوعي الشعبي، هو ما أدى إلى نفس المآل بالنسبة لأهم حَراك شعبي شهده البلد بعد 2011، أي حَراك الريف، ونضالات عمالية كان أهمها حراك شغيلة التعليم لسنة 2023.
سيستمر الوضع على ما هو عليه، أي موجات نضالات عمالية وشعبية، تتمكن المَلكية من ردها على أعقابها، ما دامت الطبقة العاملة لم تحقق بعدُ استقلالها السياسي والأيديولوجي عن البرجوازية (أحزابها ودولتها). فقط بناء حزب العمال الاشتراكي يضمن تلاقي روافد النضال العمالي والشعبي في نهر هادر قوي، لا يكتفي بإحراز انتصارات جزئية (إصلاحات ومكاسب آنية)، بل يتجه نحو الإطاحة بمجتمع الاستغلال الرأسمالي ودولته، ويقيم مجتمع المنتجِين- ات المتشاركين- ات الأحرار (اشتراكية بيئية).
تشكل معاداة الرأسمالية أرضية التقاء لبناء هذا الحزب، وستتمكن النوى الماركسية عبر هذه الأرضية من تجميع طلائع النضال العمالي والشعبي. فحدَّة الاستغلال الاقتصادي وعسف الاستبداد السياسي ينتج دوما عناصر يمكن أن تتبنى برنامج التغيير الثوري، لكن هذه العناصر لا ترى في البلد قوة سياسية تستحق الالتحاق بها، لذلك ينتهي بها المطاف في حضن قوى مُعارضِة غير عمالية (ليبرالية أو رجعية دينية).
بناء حزب من هذه الطينة، وعلى أرضية معاداة الرأسمالية، ينطلق من أفران الكفاح اليومي إلى جانب شغيلة البلد وكل المضطهَدين- ات، من نساء وضحايا البطالة والمحتقَرين- ات قوميا وثقافيا وجنسيا. وهي أرضية يمكن أن يلتقي حولها كل منتسبٍ- ةٍ إلى المشروع التاريخي للطبقة العاملة، ويعمل بحزم وجِد من أجل تحقيقه، هو ما يعمل من أجله أنصار ونصيرات جريدة المناضل- ة، مادِّين أيدي التعاون إلى كل هؤلاء.
اقرأ أيضا