لا دمج لتأمين المخاطر المهنية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بدون إرادة سياسية…
بقلم : ميم كاف
يتعالى ضجيج الإعلام منذ شهور حول دمج الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بين أخذ ورد. وقد سبق دمج عدد من الحالات في الضمان الاجتماعي، منها التأمين الإجباري عن المرض الخاص بالأجراء فور إحداثه قبل 20 سنة، ثم نظيره الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الممارسين نشاطا خاصا. وطيلة هذه المدة الطويلة ثمة إصرار على عدم دمج تـأمين حوادث الشغل والأمراض المهنية، مع أنه أمر صحي من البداهة جمعه مع سواه في الضمان الاجتماعي. ولا شك أن تقصير المنظمات النقابية بهذا الشأن يفسر هذا الواقع الممتنع عن التغيير، إذ لم يبدأ بعض النقابات النادر يرفع مطلب دمج حوادث الشغل وأمراضه في الضمان الاجتماعي إلا مؤخرا. وطبعا يجد رفض هذا الدمج، أو تأخيره المستمر، تفسيرا في قوة لوبي (جماعة ضغط) شركات التأمين التي تراكم الأرباح وتسعى إلى الحفاظ على غنيمة حوادث الشغل والأمراض المهنية.
يُحمِّل النظام الحالي للتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية الطبقةَ العاملة معاناةً مريرة ويسبب مآسي تُفتت الأكباد (أعداد غفيرة متعاظمة من الأرامل والأيتام، والمعطوبين في أوضاع بؤس وعذاب). ويتسم بعدم إجبارية الـتأمين عن الأمراض المهنية، ويتيح تنصلَ قسم كبير من أرباب العمل من التأمين عن حوادث الشغل، ويٌحمل العامل وذويه تأخرا في تحصيل حقوقهم، ويضيف نفقات توكيل المحامي، ويتميز بهزالة التعويضات.
ليست ثمة حجج للدفاع عن بقاء تأمين المخاطر المهنية خارج الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لذا لا يحتاج دمج هذا التأمين سوى إلى إرادة سياسية. وقد سبق منذ عقود اقتراح هذا الدمج حتى من بعض أوساط مختصي القانون الذين لا علاقة لهم بالحركة النقابية. مثال ذلك التقرير الختامي لندوة حوادث الشغل والأمراض المهنية التي نظمتها كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض قبل ثلث قرن ( المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن عدد 22 1994)، وقد صاغه الخبير الدولي في الضمان الاجتماعي، الفقيد عبد الله بوظهرين، حيث جاء في فقرته الختامية بعنوان آفاق إصلاحية ما يلي:
«الملاحظ أن جل الاقتراحات المقدمة في هذه الندوة انصبت أساسا حول مراجعة ظهير 6 فبراير 1963 بدلا من تقديم بديل حقيقي في هذا النطاق، لهذا فإنه من الضروري إعادة النظر في النظام القانوني لحوادث الشغل والأمراض المهنية إعادة جذرية مبنية على ابتكار نظام جديد يقوم على مفهوم الضمان الاجتماعي، وفي هذا الإطار من المفيد الإشارة إلى أن السلطات التونسية المختصة أقدمت في هذه السنة على هذا الاختيار بعدما كان نظام حوادث الشغل والأمراض المهنية مبنيا على مبدأ مسؤولية المؤاجر وإجبارية التأمين، أي أن هذه الحماية أُدمجت في نظام التأمينات الاجتماعية، ولهذا، فإنه، من بين بلدان المغرب العربي لم يبق إلا المغرب خارج عن هذا الإطار ذو الامتيازات التي لا يستهان بها للطبقة العاملة. فإدماج حوادث الشغل والأمراض المهنية في إطار نظام شمولي للرعاية الاجتماعية يأخذ بعين الاعتبار في نفس الوقت بالطابَعين الوقائي والحمائي معا يمَكن لا محالة من الاستجابة الصحيحة لحاجيات ومتطلبات الفئات العاملة، ويعمل في ذات الوقت على تقليص عدد الملفات المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية التي تُعرض على القضاء، مما يمكن هذا الأخير من التفرغ إلى أعمال أخرى وإلى بلورة مفاهيم موحدة لكثير من المواضيع التي هي من صميم علاقات الشغل مثل تحديد مفهوم موحد للقدرة على العمل، وتحديد الحدود الفاصلة بين حوادث الشغل والحوادث العادية إلى غير ذلك من المواضيع التي نحتاج فيها إلى موقف قضائي موحد».
موقف الدمج هذا جاء أيضا في توصيات رأي مؤسسة تابعة للدولة ذاتها، رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في نوفمبر 2020 بعنوان «الصحة و السلامة في العمل: دعامة اساسية للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية» صفحة 29.
ليست الإرادة السياسة منعدمة لدى الماسكين بزمام المغرب، لكنها إرادة موجهة لخدمة مصلحة البرجوازية، واعتقاد خلاف ذلك ضربٌ من التوهم ينم عن غشامة سياسية وتدنٍّ خطير في الوعي الطبقي. لهذا فإن الإرادة السياسية المطلوبة لدمج تأمين حوادث الشغل والأمراض المهنية في الضمان الاجتماعي هي الإرادة السياسية للطبقة العاملة. هذه الإرادة واهنة، لأنها تعرضت لإضعاف بفعل المؤثرات السياسية، سواء من قبل الدولة البرجوازية المستبدة، بقمعها للحريات وتعريض عامة الشعب للتخويف والتجهيل، أو مؤثرات أحزاب برجوازية «معارِضة» تمارس هيمنة سياسية على قسم من طبقة الشغيلة، وتستعمل كفاحيتها لصالح أهداف غير عمالية.
مجمل مطالب الطبقة العاملة الجوهرية تتطلب ميزان قوى قادر على فرضها على أرباب العمل ودولتهم، وهو ميزان نوعي يتعذر بلوغه دون ارتقاء نضال الطبقة العاملة إلى نضال سياسي. محصلة الكلام أن إنماء وعي الشغيلة السياسي، بجهد تنوير، وفي خضم النضالات اليومية، مهمة ملحة، ودونها سير في ذيل قيادات نقابية لا يتعدى أُفقها طلاء أغلال الاستغلال الرأسمالية بصبغة اجتماعية زائفة.
اقرأ أيضا