موت 5 عمال في نفق بسد المختار السوسي بإقليم تارودانت: نزيف حوادث الشغل مستمر… أين منظمات الطبقة العاملة؟
بقلم: مرصد حوادث الشغل و الأمراض المهنية
صباح يوم 27 يناير 2025، أُعلِن عن موت 5 عمال اختناقا داخل نفق مائي بسد المختار السوسي بجماعة تفنوت، إقليم تارودانت، نتيجة انفجار بالنفق يوم 26 يناير 2025، وذلك في أثناء قيام العمال بأشغال صيانة داخل نفق مائي يمتد أفقيا حوالي 400 متر، مستعملين قناني غاز لتلحيم الأنابيب. اهتز النفق بانفجار قوي، متسببا في انهياره، واندلاع نيران داخل المساحة المغلقة، ما أدى إلى محاصرة 5 عمال وانقطاع الاتصال بهم، وفقدانهم داخل النفق لساعات.
لم تتمكن وحدات الوقاية المدنية من الوصول إلى الضحايا إلا صباح اليوم التالي، 27 يناير 2025، حوالي الساعة الثالثة فجرا. أعلنت جماعة تفنوت، إقليم تارودانت، عن انتشال الضحايا الخمس جثثا هامدة، موضحة أن السلطات المحلية وعناصر الوقاية المدنية، وفريق إنقاذ من منجم الزكوندر بـ»أسكاون بإقليم تارودانت، والمتطوعين والعمال، لقوا صعوبة كبيرة طيلة أكثر من 14 ساعة في الوصول إلى الضحايا داخل النفق، بسبب تسرب الغاز والانفجار داخل النفق الضيق»، إضافة إلى طوله، والركام المتناثر داخله.
ويوم 28 يناير 2025، دُفنت جثامين الضحايا، بعد انتهاء عمليات التشريح بمركز الطب الشرعي بأكادير.
منذ البداية حضرت إلى موقع الحادثة السلطات المحلية والقوات المساعدة والدرك والوقاية المدنية للتعامل مع الوضع؛ كما أعلن عن فتح تحقيق في الواقعة تحت إشراف النيابة العامة لتحديد كافة حيثيات الحادث وملابساته.كما زار عامل إقليم تارودانت وعدة مسؤولين، مساء يوم 26 يناير 2025، موقع الفاجعة «للوقوف على سير العملية». هذا فيما أوفد وزير التجهيز والماء «لجنة للبحث في ظروف وملابسات الحادث وإجراء مهمة تفتيش فورية لمراقبة شروط السلامة في أوراش السدود قيد الإنجاز»، وأمر، «في خطوة استباقية، بإجراء مهمة تفتيش فورية تهدف إلى تقييم تدابير السلامة المعتمدة في جميع أوراش بناء السدود قيد الإنجاز…»، و»التأكد من التطبيق الصارم للقوانين والمعايير المتعلقة بالسلامة في جميع أوراش السدود الجديدة».
بالمقابل لم يسجل أي حضور حقيقي، لا ميداني، ولا إعلامي، لمنظمات الطبقة العاملة، وخاصة المنظمات النقابية، في متابعة هذا الحادث المأساوي، والقيام بمناسبة ذلك بطرح مشكل انعدام شروط الصحة والسلامة بأماكن العمل، وما يترتب عنها من مصائب (حوادث وأمراض) تصيب العاملات والعمال، ومعاناة الضحايا وذويهم في تحصيل حقوقهم.
مرة أخرى، وبعد دفن جثامين الضحايا الخمس الذين قضوا جميعهم خنقا و/ أو حرقا داخل النفق، وهم أحياء بسبب الغاز والأنقاض والغبار…؛ تكشف هذه الفاجعة أن الحادثة وقعت في مكان عمل محصور، ضيق، ومغلق، وعن انعدام شروط الصحة والسلامة المهنية، التي تنص عليها قوانين الشغل على علاتها، وعن ضعف وسائل الإنقاذ، وعدم فعاليتها في ظل ضعف الإمكانيات، إذ لم تتمكن فرق الإنقاذ والوقاية المدنية من دخول النفق لفك الحصار عن العمال، والوصول السريع إليهم، وإنقاذهم في الوقت المناسب، إلا بعد ساعات طويلة، حيث أخرجتهم جثثا هامدة فجر اليوم التالي، لعدم وجود تجهيزات كافية…؛ ما يكشف عدم»جاهزية فرق الإنقاذ والوقاية المدنية في مواجهة مثل هذه الحوادث».
إنها ليست حادثة عابرة أو طارئة بل تكشف وضعا ثابتا لسنوات: هشاشة شروط الصحة والسلامة المهنية بأماكن العمل بالمغرب، حيث تتكرر الحوادث المأساوية دون اتخاذ تدابير حقيقية لتحسين الأوضاع، وتفضح سياسات الدولة في مجال الصحة والسلامة المهنية، حيث الإهمال المتكرر في حماية العاملات والعمال وضمان سلامتهم، وظروف العمل الوعرة والخطرة التي يُجبَرون على العمل فيها يوميًا، الأمر الذي فضح وضع حياة العاملات والعمال في مرتبة أخيرة بعد تقليص النفقات وضمان الأرباح.
وتثار أسئلة عديدة ما تزال دون جواب. أهمها:
– هل كانت إجراءات الوقاة متوفرة للعمال، باعتبار العمل في نقف يعتبر عملا في مكان مغلق، محصور، وضيق، ويتطلب اتخاذ إجراءات خاصة؟
يتطلب العمل في أماكن العمل المغلقة و/أو المحصورة و/أو الضيقة عمالاً متخصصين بتجهيزات ووسائل عمل تحفظ سلامة وصحة وحياة العمال، أقلها أن يكون العامل مستعملاٌ وسائل الوقاية الفردية الملائمة، واتِّباع إجراءات ولوج الأماكن الضيقة و/ أو المغلقة، و/ أو المحصورة، إذ أن بيئة العمل في هذه الحالة تكون فيها حدة المخاطر، واحتمال حدودثها مرتفعا، ما يتطلب توخي الحذر الزائد، والصرامة في تطبيق الاحتياطات اللازمة. إذا لم تكن قد اتخذت هكذا تدابير السلامة لحماية هؤلاء العمال، فقد اُرسلوا مسبقا إلى الموت.
– هل تم اتخاذ تدابير اتقاء مخاطر استخدام قناني غاز في مكان عمل مغلق، محصور، وضيق؟
– هل كان هناك تدخل لفرق الإنقاذ والوقاية المدنية بسرعة واحترافية لإنقاذ العمال المحاصَرين داخل النفق؟ أم أنها كانت تفتقر إلى العدد الكافي من العناصر المؤهلة والمدرَّبة، وإلى التجهيزات المناسبة للتعامل مع هكذا حالات: ولوج الأماكن المغلقة و/ أو المحصور و/ أو الضيقة والغازات السامة…؟
بدون الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها بفتح تحقيق نزيه لتحديد أسباب الحادث، تحت إشراف لجنة مستقلة يشارك فيها ممثلو الشغيلة، لن يتم تحديد الأسباب الحقيقية وراء الفاجعة، ولا الطرف المسؤول عنها، ما يحول دون تجنب تكرارها.
فلنطالب بـ:
– فتح تحقيق نزيه لتحديد أسباب الحادث، تحت إشراف لجنة مستقلة يشارك فيها ممثلو الشغيلة. والنظر في ما إن كانت الشركة المشغلِّة مقاولة من باطن، فتحْتَ هذا الستار يجري تشغيل العمال في أخطر ظروف عمل، والبحث في سوابقها في حوادث الشغل.
– إعادة النظر في سياسات الدولة في مجال الصحة والسلامة المهنية بإصلاحها جذريا…
وبهذا الصدد يتعين على منظماتنا النقابية، والجمعيات العمالية، أن ترصد كل ما يضر الشغيلة من نواقص القوانين وشتى ألوان تردي ظروف العنمل لتؤسس عليها دفترا مطلبيا كاملا متكاملا يخص الصحة و السلامة في أماكن العمل، مرفوقا بآليات التطبيق ، لا سيما صلاحيات مفتش الشغل، ولجنة الصحة و السلامة ومندوبي السلامة بالمناجم.
******************************************
تارودانت: 5 عمال يفارقون الحياة تحت الأنقاض، ضحايا الأرباح في كل مكان
بقلم؛ النادي العمالي للتوعية والتضامن 30 يناير 2025
ها هو الموت يأخذ مرة أخرى رفاقاً لنا في أماكن العمل
توفي في 26 يناير2025، تحت الأنقاض، 5 عمال حوصروا داخل نفق بسد المختار السوسي الكائن بجماعة «أهل تفنوت» بإقليم تارودانت. تأتي حادثة الشغل المميتة هذه لتعري واقع صحة وسلامة العمال/ات، غير الحاضر في اهتمامات أرباب العمل الباحثين عن أقصى الأرباح، وليوضح بجلاء عدم اكتراث أجهزة الدولة المسؤولة بمراقبة ظروف العمل وتطبيق قانون الشغل لسلامة العمال وحياتهم. عدم اهتمام منها لا يعبر سوى عن اصطفافها إلى جانب يد أرباب العمل واستباحة تشغيل العمال على حساب حيواتهم وسلامتهم.
يعمل العمال والعاملات في أماكن العمل في ظروف تختلف حسب قوتهم التنظيمية. ويمثل بَحْثُ أرباب العمل عن أقصى الأرباح ضغطاً على الأجور وعلى ظروف عملٍ تتدهور شيئا فشيئا. إن تظافر كل من البطالة وهشاشة الشغل وغلاء المعيشة اليوم المترافق مع الحرب على التنظيم النقابي، وتشديد الاستغلال، وهزالة الأجور، وانعدام الحماية الاجتماعية، تفسر قبول العمال والعاملات العملَ في ظروف عمل مأساوية. وإن القبول بالعمل في هكذا ظروف، يعني شيوع الحوادث والأمراض المهنية.
لا يُعزى واقع تدهور ظروف العمل إلى شدة هجوم أرباب العمل على حقوق العمال والعاملات فحسب، بل هو مسؤولية القيادات النقابية. قيادات خذلت القاعدة العمالية العريضة في عدم إتيان برامج نضالية ميدانية، تفرض تطبيق الحد الأدنى مما هو موجود في مدونة الشغل من مواد تتعلق بالسلامة والصحة، بدل الجري نحو «شراكة «مزعومة». إن أرباب العمل الذين تجالسهم القيادات النقابية في المحافل والندوات، هم أنفسهم المسؤولون عن قتل العمال/ ات في أماكن العمل. ولنا في بعض حالات وفيات حوادث انهيار الأتربة أسفله خلال السنوات الأخيرة، المثال الفاضح لهول وتدهور ظروف العمل المنتشرة:
– في 17 يناير 2025 لقي عامل بناء حتفه إثر انهيار قبو في ورشة بناء بإحدى البنايات قيد الإنشاء بمدينة الرحمة، التابعة لإقليم النواصر ضواحي الدار البيضاء؛
– في شهر ديسمبر في العام 2024 في طنجة، توفي عامل داخل ورش بناء بعد انهيار جزئي بداخله. قتيل على الأقل ومصابون في انهيار ورش بناء بالرحمة ضواحي البيضاء؛
– في بداية شهر يوليوز في سنة 2024 لقي عامل (42 سنة) مصرعه وأصيب ثان (43 سنة) إثر انهيار جزئي لمقلع للأحجار بجماعة غياثة الغربية بإقليم تازة؛
– في نهاية فبراير 2024 توفي عاملان إثر انهيار نفق داخل منجم تابع لشركة متخصصة في استخراج المعادن بالجماعة القروية لالة عزيزة التابعة لإقليم شيشاوة؛
– يوم 28 مايو 2024، توفي عامل انهالت عليه الأتربة والرمال بمقلعٍ رمال بمنطقة بوعسيلة بجماعة بني زرنتل، نواحي أبي الجعد، إقليم خريبكة؛
– في يونيو 2022 في مدينة طنجة أدى انهيار أتربة داخل مشروع حفر الأنابيب إلى وفاة عاملين بطنجة؛
– في 25 أبريل 2023 لقي عاملان مصرعهما، جراء انهيار مقلع للرخام بجماعة سيدي لامين بإقليم خنيفرة. الأول شاب يبلغ من العمر حوالي 20 سنة، والثاني أربعيني متزوج وله طفلان. الضحيتان يتحدران من مركز كهف النسور؛
– في 9 يوليوز 2021 في مدينة أزيلال توفي عامل ثلاثيني في محطة لتزويد الماء بمنطقة أفورار إثر انهيار كومة من الأتربة عليه؛
– في شهر نوفبر من سنة 2018 قضى ثلاثة عمال مناجم بمنطقة جرادة، في حين جرى إنقاذ ثلاثة آخرين أصيبوا بجروح متفاوتة الخطورة، جراء انهيار ركام من الصخور والأتربة. وقع هذا الحادث في أعقاب حادثتين خلال أسبوع من قبل أسفرا عن مقتل عامل بعد انهيار بئر مهجورة للفحم، وعن مقتل آخر جراء انهيار صخري بينما كان يجمع بقايا فحم.
وإذ نتوجه بالتعزية لعائلات رفاقنا، نؤكد استعدادنا للعمل مع كل أنصار الطبقة العاملة من أجل وقف نزيف حوادث الشغل. وهذا يتطلب النضال من أجل:
جهاز تفتيش شغل بصلاحيات حقيقية والرفع من أعداد العاملين به؛
أدوار حقيقية للنقابات ومؤسسة مندوبي الأجراء ولجان الصحة والسلامة، ومندوبي السلامة في اتقاء الأخطار المهنية بأماكن العمل؛
تفعيل دور المعهد الوطني لظروف الحياة المهنية، وتمكينه من وسائل النهوض بمهمته؛
جعل مجلس طب الشغل مؤسسة مستقلة، تتجاوز الطابع الاستشاري إلى هيئة ذات صلاحيات فعالة؛
تطوير صلاحيات المصلحة الطبية للشغل، وضمان استقلال طبيب الشغل عن رب العمل. وتخريج العدد المناسب من أطباء الشغل وتعيين العدد الكافي من الأطباء مفتشي الشغل؛
توسيع جداول الأمراض المهنية لتواكب التطورات الحاصلة في أماكن العمل؛
المنع الفوري والنهائي لمادة الأميانت المسرطنة؛
إصدار القانون الإطار للصحة والسلامة في العمل بالقطاعين العام والخاص؛
إلغاء قانون التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية وإسناد المهمة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛
مصادقة المغرب على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 161 (خدمات الصحة المهنية) والاتفاقية 155 (السلامة والصحة المهنيتين وبيئة العمل).
أخيرا إن سبب الموت في أماكن العمل معروف. موت في سبيل الأرباح، أرباح أرباب العمل.
اقرأ أيضا