استعمال النقابة لأغراض غير نقابية: الانتفاع بالمتاجرة بحقوق الشغيلة
مراسل نقابي
نموذج من القطاع الفلاحي
توجد المنظمات العمالية المغربية في حالة من الضعف أعجزتها عن الحفاظ على المكاسب، فما بالك بانتزاع حقوق جديدة. أسباب هذا الضعف متنوعة، لكنها ليست موضوع بحث ونقاش داخل المنظمات. ويتمثل أحد المشاكل التي تفقد النقابة المصداقية والاعتبار في أعين الشغيلة والرأي العام الشعبي في ظاهرة «النقابيين» الذي يستعملون موقعهم لتحسين وضعهم الشخصي والاغتناء بالمتاجرة مع أرباب العمل على ظهر العمال. موضوع مسكوت عنه في المقرات والاجتماعات النقابية، وفي «الإعلام» النقابي، رغم أن روائح الفضائح تنتشر بين فينة وأخرى. هذا لا يمنع الشغيلة من الكلام فيما بينهم عن سماسرة العمل النقابي وما حققوا لأنفسهم من امتيازات وكيف لطخوا سمعة النقابة وخربوا التنظيم.
هذه الظاهرة توجد من أعلى مستويات الجهاز النقابي (مثال محمد عبد الرزاق التاريخي في قيادة الاتحاد المغربي للشغل) إلى أدنى المستويات، في الاتحادات المحلية وحتى في مكاتب نقابية بهذه المقاولة أو تلك.
وطبعا تغض الدولة الطرف عن سماسرة العمل النقابي لأن من صالحها أن تتشوه سمعة النقابة لينفر منها الشغيلة، وتضعف ليستمر جبروت رأس المال.
وإذا كانت الصحافة البرجوازية تستعمل حالات السمسرة والفساد المنتشر في النقابات لضرب التنظيم العمالي وإبعاد الناس عنه، فمن واجبنا نحن النقابيين أن ندقق النظر في المشكل، أي في أسبابه، وسبل القضاء عليه، من أجل بناء نقابة تقوم بدورها في تنظيم الشغيلة من أجل النضال.
واجبنا استخلاص قواعد احتماء من الوصولية والانتفاعية بتحليل ما جرى وماذا كان واجبا عمله لاتقاء الضرر؟
نستهل هذا الواجب بعرض حالة اشتهرت قبل سنوات بين نقابيي وشغيلة القطاع الفلاحي بنواحي هوارة بسهل سوس. لا يهمنا الشخص ولا مصيره بقدر ما تهمنا حالة التنظيم العمالي وضرورة وقايتها من أمثال هذا المنتفع على ظهر الشغيلة.
كان السمسار عاملا في شركة صوديا، له 20 إلى 25 سنة أقدمية التحق بالنقابة منذ التسعينات مستواه الدراسي الرابعة إعدادي، مسؤول في جهازها المحلي بالقطاع الفلاحي.
تحمَّل المسؤولية عند استقلال هوارة نقابيا عن تارودانت، وقد ظهر في معركة عمال صوديا. بدأ مناضلا يتنقل بدراجة هوائية واشترت له النقابة دراجة نارية لتسهيل تنقلاته لأداء المهام النضالية.
عند اتساع التنظيم النقابي في 2015-2017 أصبحت له شعبية وأهمية، وبات يُستدعى من طرف أرباب العمل والسلطات، عند وقوع نزاعات شغل. وكان التحاق قطاع كبير بالنقابة (شغيلة كواليني بين موروكو) زاد من مكانته فتضاعف لجوء أرباب العمل والسلطات إليه، وحتى السياسيين، الراغبين في الأصوات الانتخابية للقاعدة العمالية.
وعمل لتعزيز موقعه في الجهاز النقابي عند انضمام قوى جديدة.إذ أصبح يستعملها ضد رفاقه القدامى لاعبا على «صراع الجدد والقدامى». وعند تجديد الفرع في 2018، قام بتنصيب أمين المال بالدعاية لمن يريد، بعد طرد أمين المال السابق بإذلاله لأنه كان يصر على ضبط حسابات المالية معه.
منح نفسه دور محاور نيابة عن الشغيلة وفي غيابهم. فأقدم على مساومات مع أرباب العمل في ملفات نزاعات الشغل قابضا مقابلا ماديا من الطرفين العامل ورب العمل. ومع مُضي الوقت بدأت معلومات عن ذلك تتسرب، وتشيع شيئا فشيئا، حتى غدا مشهورا.
ومن أمثلة صفقاته التي غذى منها جيوبه: حالة تعويض عامل عن طرده، حيث حدد مبلغ التعويض في 60 ألف درهم، لكن لم تصله منها سوى 40 ألف، حيث استولى شريك في الشركة على 10 آلاف درهم فاز «المسؤول النقابي السمسار» بـ 10 آلاف درهم. الصفقة انفضحت.
ثاني الأمثلة: ضيعة «الكليتة» اشتراها برجوازي بدون عمال. وكان مبلغ 100 مليون سنتيم بقي عند الموثق المشرف على عملية بيع الضيعة، لحل مشكل اليد العاملة، إما بأن يعود المبلغ إلى المشتري ويستمر العمال في العمل بالضيعة، أو تسوى بها تعويضات التسريح للعمال. كان عدد الشغيلة المعنيين 25.انضموا إلى النقابة لتسوية نزاعهم مع مشتري الضيعة حول المغادرة مقابل تعويض.
تفاوض المسؤول النقابي السمسار بمفرده باسم العمال ووراء ظهرهم. اقترح على العمال تعويضا لكل واحد بمبلغ 5.5 مليون سنتيم. وكان يجتمع بهم متخفيا خارج مقر النقابة. كان يوهمهم أنه اتصل بالمحامي، ويدفعهم لقبول التعويض ويطالبهم بتعويض عن «أتعابه» 1000 درهم لكل فرد، (أي ما مجموعه 25 ألف درهم)، وأخذ في الوقت نفسه 30 ألف درهم من رب العمل.
25 ألف درهم أعطى منها النقابة 2000. واحتفظ بالباقي فائزا بما مجموعه: 53 ألف درهما. تسربت معلومات الصفقة من عند العمال المعنيين. أراد ثلث أعضاء الجهاز النقابي المحلي طرح المشكلة، فحاول السمسار «النقابي» إرشاء أمين المال، وبعد فشله شن حربا عليه.
كان تفجر هذه المشكلة في نهاية سنة 2018. اعترف السمسار «النقابي» أمام الجهاز النقابي المحلي. ثم تآمر لعزل العناصر التي لا تروقه يزرع الفتنة.
سنكتفي بالمثالين كي لا نثقل موضوعنا، لنمر إلى الاستنتاج.
طبعا لم تبق المشكلة في حدود الجهاز النقابي المحلي، بل كان القادة النقابيون على صعيد وطني على علم بها. وقد تصرفوا بالتغاضي لدرجة أن أحد أكبرهم كف عن الرد في الهاتف على المناضلين الحريصين على صحة النقابة وسلامتها. واستغل السمسار ذلك لمحاربة معارضيه وطردهم من النقابة. فاستصدر قرار الطرد في 2018. وقد أثرت فضائح السمسار «النقابيّ» حتى على قاعدة التنظيم فتقلص عدد الأعضاء من 1700إلى 400. من الشغيلة من هجر العمل النقابي نهائيا ومنهم من رحل إلى نقابات أخرى. فضعف نضال النقابة، وباتت الوقفات الاحتجاجية تجري بأعداد هزيلة بعد أن كانت تجمع المئات من الشغيلة. وبعد أن اشتهر السمسار النقابي، أصبح بعض أرباب العمل يوجهون عمالهم للانضمام إلى نقابة السمسار.
بدأنا بالإشارة إلى السمسار بدأ بالتنقل بدراجة هوائية، نختم بالإشارة إلى أنه ارتقى اجتماعيا وصار يتنقل بسيارة…
كيف نستأصل المكروب؟
إن السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة سماسرة العمل النقابي هو السلوك السلبي لأعضاء النقابة أنفسهم، أي القاعدة العمالية. يأتي الشغيلة إلى النقابة بضغط من القهر في العمل والفقر. يقتنعون، بعد صبر وتحمل، أن الاتحاد بوجه رب العمل ضروري للاحتماء من ظلمه المتزايد وللعمل من أجل انتزاع الحقوق وحمايتها عندما تُكتسب. لكن الفكرة السائدة هي فكرة «النقابة المحامي»، أي النظر إلى الجهاز النقابي كوكيل ينوب عن العمال، ويعمل وحده لتحصيل الحقوق، كأن له عصا سحرية. عندها تسود الاتكالية والسلبية، وتنعدم في النقابة حياة داخلية نشيطة، حيث النقاش والتعلم الجماعيين، والمحاسبة، وضبط المالية وشفافيتها، وكشوف حساب حول أنشطة الأجهزة النقابية والمسؤولين النقابيين، وذلك بوضع تقارير دورية منتظمة عن عمل كل جهاز تنظيمي. هذه هي المناعة المفتقدة التي تتيح للجراثيم أن تنتشر وتفتك بالجسم النقابي بنخره من داخل.
الحياة الداخلية النشيطة القائمة على مشاركة أعضاء النقابية الجماعية والديمقراطية هي الترياق الوحيد ضد السمسرة المنتفعة بالصفة النقابية.
السكوت عن الجراثيم لا يحمي النقابة بل ينسفها نسفا. لذا وجبت تربية الشغلية منذ اليوم الأول من انضمامهم إلى النقابة على المشاركة النشيطة، وتقوية مؤهلاتهم بالتكوين الفكري والنضالي، وفتح باب المشاركة النسائية، وضبط الآلية التنظيمية بانتظام الاجتماعات ومراقبة تنفيذ قراراتها.
اقرأ أيضا