الاتحاد الوطني لطلبة المغرب : من الجلال … إلى الانحلال

الشباب و الطلبة6 فبراير، 2025

بقلم: عبد الرحيم برادة

يوم 24 يناير الجاري، حلت الذكرى 52 لحظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. جرى ذلك في سنة 1973 الفاصلة، حيث ستشتد جائحة القمع ضد مكونات اليسار المغربي، الشعبوي منه و الماركسي اللينيني. جائحة ستطوي حقبة صراع مع الملكية، ومن ثمة اتجاه هذه نحو بسط تام لتحكمها بالوضع، وتدشين حقبة جديدة عنوانها «الإجماع الوطني حول الصحراء والمسلسل الديمقراطي»، حيث سيلتف يسار وطني برجوازي حول النظام، ومعه بقايا الحزب الشيوعي المغربي المنحط، فيما ستسحق آلة القمع اليسار المنتسب الى الطبقة العاملة.
في نظرة إجمالية لمسار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التاريخي، عرض المناضل الفقيد عبد الرحيم برادة، تقييمه ضمن الكتاب الذي أصدره عن أ.و.ط.م مركز بنسعيد آيت إيدر . كان إسهام ع. برادة النص الوحيد بلغة فرنسية في الكتاب. نعرضه مترجما أدناه على القارئ-ة محيلين على الكتاب المنوه به (الطبعة الثانية، سبتمبر 2017) لاستكمال الصورة عن تلك المنظمة العتيدة المأسوف عليها.
(المناضل-ة)

سيشهد الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، المولود مع الاستقلال، حياة مضطربة بفعل توجهاته السياسية وإرادة حكم الحسن الثاني وضع حد، بكل الوسائل، لما كان للمنظمة من تأثير في الساحة الطلابية، بل وفي المجتمع المغربي برمته.
وجَدتُ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لمّا وصلت إلى باريس سنة 1957، وقد بات حاضرا بهوية راسخة في اليسار. يسارٌ حقيقي، وقوي وجاد في تلك الحقبة. انخرطت على الفور كعضو، بعد إحاطة بالوضع أتاحها لي الرائع عمر بنجلون الذي كنت قد تعرفت عليه للتو. وستدوم صداقتنا الأخوية حتى وقت اغتياله.
كانت اجتماعات «فرع» الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في باريس متواترة، بالغة الحيوية وصاخبة في الغالب. ذلك لأن أهواء الطلاب الملتزمين سياسيًا كانت يمينية لدى أقلية ويسارية لدى السواد الأعظم.
وبوجه الدقة، كان الاستقلاليون المحافظون، في اليمين، يرون توجهات الفرع مطبوعةً جدا بالأيديولوجية الماركسية. وبفعل ذلك، غادروا، بعد تعايش وجيز مع اليساريين، وأسسوا نقابة تحت عباءة حزبهم. نقابة لن تَسِمَ أبدا الحياة الطلابية بحضورها، ولا الحياة السياسية بعمل احتجاجي.
أما في اليسار، فالصورة مغايرة كليا. ثمة في المقام الأول الطلاب الشيوعيون، قليلو العدد جدا لكنهم بالغو النشاط.
وكان هناك بوجه خاص من أقدموا على تأسيس فرع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في باريس. ذلك لأن معظم طلاب حزب الاستقلال انشقوا عن حزبهم في 1958-1959، مؤاخذينه بجريرة الاعتدال إزاء القصر، وشكلوا أول نواة باريسية لهذا الحزب اليساري الجديد. وقد شارك في هذا التأسيس جمع غفير من الطلبة الآخرين من غير المنتمين إلى حزب الاستقلال، وأنا منهم. وقد اتُّخذ قرار إنشاء هذا الفرع بعد لقاءات عديدة مع المهدي بنبركة، المؤسس الرئيس لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، تلتها لقاءات أخرى مع عبد الرحيم بوعبيد ومحجوب بن الصديق، الذين تنقلوا جميعا إلى باريس للاجتماع بنا في مكان أسطوري بالحي اللاتيني، وهو رقم 20 في شارع سربنت Serpente.
لن أفاجئ أحداً بقول إننا كنا، في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، متأثرين إلى حد كبير بالماركسية. لم يكن الحزب ينتسب إلى هذه الأيديولوجية، لكن عددا من مناضليه وبعضا من مؤسسيه، بخاصة بن بركة وبوعبيد، كانوا يستلهمونها في تفكيرهم. ومن جانب آخر تيسر لنا، بالنظر إلى قوة حضورنا في الأوساط الطلابية، الاستيلاء على فرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ما أثار بشدة استياء أصدقائنا الشيوعيين الذين لم يكن بوسعهم قيادة النقابة لأنهم كانوا أقلية. ما كان يعني وجوب التفاوض دائما معهم من أجل تمثيلهم في اللجنة التنفيذية لفرع باريس وفي انتخاب المندوبين إلى المؤتمرات، التي كانت تُعقد بالطبع في المغرب.
وبطبيعة الحال، كانت اجتماعاتنا العامة في باريس ومؤتمراتنا في المغرب (كنت مندوبا من باريس في مناسبتين، بقبعتي المزدوجة: الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والاتحاد الوطني للقوات الشعبية) بالغة الحيوية، لأنها كانت تتسم بالهوى الأيديولوجي المتقد، حيث كان «الرفاق الشيوعيون» يتصرفون بتلطف متعالٍ إزاء طلاب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، معتبرين إياهم ناقصي النزعة الثورية. الأمر غير الصحيح بتاتا، كما كانت تشهد عليه مساهماتنا في المؤتمرات، التي تجمع بالطبع فروع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، بفرنسا وبأوربا وبالبلدان العربية (مصر وسوريا والعراق)، وتختتم بـ»توصيات» ذات شحنة تمردية عالية.
هذا لأننا كنا ندعي إعادة تشكيل العالم. كانت للمطالب النقابية المحض مكانة ضئيلة جدا في عملنا، قياسا بمعركتنا السياسية من أجل مجتمع مساواة وديمقراطية (يجب ألا يكون للملك أي سلطة)، يحكمه دستور يضعه مجلس منتخب بالاقتراع العام، وحيث الدين مفصول عن الدولة. في أحد التوصيات المقررة في نهاية الخمسينيات، تجرأنا فسمينا القوات المسلحة الملكية بـ»جيش ذي هيكل صوري». أما عن النظام الملكي، فقد أعلنّا في نفس السياق بأن عليه الخضوع للإرادة الشعبية (حسب رطانتنا) أو التنحي. كان على القصر أن يعلم أننا كنا مستعدين للعمل على إقامة جمهورية إذا ما أصرّ على دسائسه «الإقطاعية»، وهي نعت غالبا ما استُخدم في خطابنا.
كنا نتصرف على هذا النحو، مفعمين بالحيوية، بشكل طبيعي، علنًا، في وضح النهار. ذلك لأن الملكية كانت حينئذ ضعيفة جدًا. وكنا نحن الطلاب اليساريون نأخذ أنفسنا على محمل جد، مدفوعين برومانسية ثورية مسيانية. باختصار، كان كل شيء يبدو ممكنًا.
لم يكن هذا الخطاب موجهاً ضد محمد الخامس، لأننا كنا نراعيه، بل ضد ابنه الذي كان يكن كراهية شديدة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب وللاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث يكاد الاتحادان ينصهران. الأمر الذي يفسر سبب شروع الحسن الثاني، بمجرد توليه السلطة في فبراير العام 1961، في تحطيم مركزَيْ المعارضة الرئيسيين هذين. رد الطلاب بتجذرهم، فانتقل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى اليسار الماركسي اللينيني أو الماوي المتطرف بعد حوالي خمسة عشر عامًا من ولادته.
وعندها رد الحسن الثاني بقمع أكثر دموية مما شهدت حقبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الأولى في الستينيات: اعتقال مئات المناضلين، والتعذيب، والاختطافات، والمحاكمات المطولة، وإدانات هذيانية. ثم حظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ولما عاد إلى الوجود، لم يكن أكثر من كائن مستنزف. ثم فتح الحكم الباب أمام حليفه الموضوعي في ذلك الوقت، الإسلاميون، الذين سيتكلف فصيلهم الأكثر فاشية – الشبيبة الإسلامية – في تواطؤ مع الحكم، باغتيال عمر بن جلون في 18 ديسمبر 1975. ثم حلت مكان مُثُل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الديمقراطية الأيديولوجية الظلامية التي رد عليها أنصار موجة يساروية جديدة، ”القاعديون“. فكان أن بدأت، مرة أخرى، حياة طلابية مطبوعة بالعنف، بيد أنه قائم هذه المرة بين الطلاب أنفسهم، عنفٌ يبيح كل شيء، حيث حلّت الأسلحة البيضاء محل سلاح الأفكار.
والنتيجة النهائية هي موت العمل النقابي الطلابي التقدمي الذي طبع المغرب لعشرين سنة كاملة، لا سيما بتكوين مثقفين أزعجوا نظام الحسن الثاني المستبد. وقد برز هؤلاء المثقفون بكل مكان تقريبا، لا سيما في الجامعة وفي حركة الدفاع عن حقوق الإنسان (خاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان) وفي نقابة المحامين. بيد أن الحقيقة تقتضي الاعتراف بأن بعض قدامى مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب انخرطوا في صفوف المخزن وارتقوا فيها. أما أساتذة الجامعة، فأقل ما يقال عنهم إن معظمهم لزم الصمت طوال سنوات الرصاص. وأخيرا، من بين المحامين، رفض بعض أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب – الاتحاد الوطني للقوات الشعبية السابقين (وهم أقلية) الدفاع عن المناضلين «الجبهويين» في السبعينيات (منظمات : إلى الأمام، 23 مارس، لنخدم الشعب) الذين نكلت بهم عدالة مأمورة لأنهم تجرأوا على مساندة حق الصحراويين في تقرير المصير، منكرين (أي المحامين) على هؤلاء المتهمين حرية أن يكون لهم رأي مغاير!
وإجمالاً، انحط الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، بعد أن شهد حقبة مديدة من الجلال إلى وضع كارثي. ومنذئد وهو خامل في حالة انحلال.

20 مايو 2015
ترجمة جريدة المناضل-ة
مصدر:الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
سلسة ذاكرات.
اصدار مركز محمد بنسعيد آيت إيدر
الطبعة الثانية. شبتمبر 2027

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا