”الفرح مشفوع بالحذر والخوف على الديمقراطية والحريات المستعادة “.

مقابلة مع منيف ملحم

يعيش منيف ملحم في دمشق. وهو مناضل في حزب العمل الشيوعي، سُجن لمدة 17 عامًا في سجن تدمر الرهيب. وهو عضو في الأممية الرابعة، ولم يتخلَّ قط عن نضاله ضد الديكتاتورية واعتقل مرة أخرى لبضعة أشهر قبل خمس سنوات، ولكن لحسن الحظ أطلق سراحه. تمكنا من الحصول على انطباعاته الأولى بشأن الاضطرابات الجارية في سوريا.
استقبل شعب سوريا سقوط نظام الأسد بفرح وحماس طوال الأيام العشرة التي استغرقتها هجوم هيئة تحرير الشام، وفي المدن التي تم الظفر بها على طريق دمشق، كيف تفسر موجة الأعماق الشعبية هذه؟
نعم، استقبل الشعب السوري سقوط نظام الأسد بفرح كبير. فقد حكم هذا النظام سورية لأكثر من نصف قرن بدكتاتورية لا تُضاهى. وقد شهد العقد الأخير من حكمه تدمير البشر والحجر، وشرد زهاء نصف سكانه داخل سورية وخارجها، وقتل أو أدى إلى قتل أكثر من نصف مليون من سكانها، وأخضع هذا النظام الوحشي نسبة كبيرة من مواطنيه لكل أنواع التعذيب والإذلال والفقر والحرمان من أبسط مقومات الحياة.
أُعتُقلت مع أربعة من أشقائي واثنتين من أخوات زوجتي، وقضينا ما مجموعه أكثر من نصف السنوات في المعتقلات في عهد الأسد الأب.
بعد الثورة، في عام 2011، قام النظام بنهب منزلنا وحرقه (منزل أثري قديم يعود تاريخه إلى الربع الأول من القرن الماضي)، وتم تهجيرنا منه، واعتقلت مع العديد من أبناء وبنات عائلتي. ما حدث لنا ربما أقل خطورة مما جرى لآلاف العائلات السورية التي فقدت أبناءها في المعتقلات أو نتيجة عنف النظام والمجازر التي ارتكبها على مدار نصف قرن من حكمه. أما الانطباع بأن ثمة مؤيدين للنظام، فهذا صحيح، لكنهم في الواقع لا يتجاوزون 20% من الشعب السوري، ومعظمهم إما أصحاب مصالح مرتبطة بمافيات النظام، أو أقليات طائفية أو قومية خرب النظام وعيها بمساعدة القوى الإسلامية المسلحة لأن الثورة ضده تهدد حياتهم.
لماذا انهار الجيش السوري فورا بلا قتال؟
منذ الأيام الأولى للثورة بدأ الجيش يتفكك بالانشقاق أو الفرار، لخوف الجنود على حياتهم في صراع لا مصلحة لهم فيه. وفي نهاية العام 2018، كانت الوحدة الوحيدة المتماسكة المتبقية في الجيش هي الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، والتي اعتمدت على تجنيد الشبيحة (قتلة مرتزقة استأجرهم النظام. م) للقتال أكثر من اعتمادها على عناصرها المنشغلين بالنهب وجمع الجزية على الحواجز. الحرس الجمهوري مكلَّف بحماية القصر الرئاسي وملحقاته في دمشق. أما بقية الجيش فيتكون أساساً من مجندين جدد وميليشيات إيرانية بمقدمتها حزب الله. وقد تم سحب معظمهم إلى لبنان. وبوجه عام، أصبحت معنوياتهم جميعاً منخفضة جداً بسبب طول أمد الحرب وعدم الاهتمام بالغذاء والسلاح. ما أدى إلى الصورة التي رأينا عندما تقدمت الفصائل العسكرية برعاية تركيا ودعمها.
لا يتحدث الإعلام الغربي إلا عن هيئة تحرير الشام، ولا يأتي على ذكر الجيش الوطني السوري الممول والمسلح من تركيا والذي يتقدم في روجآفا مرتكباً المجازر، فما تأثير الجيش الوطني السوري في تطور الوضع؟
إذا كانت مهمة هيئة تحرير الشام هي إسقاط نظام الأسد، فإن الفصائل العسكرية التي شكلتها تركيا في الشمال من الفصائل العسكرية السورية التي انسحبت من جميع المناطق العسكرية المواجهة للنظام، وضعت لنفسها هدفاً يتمثل في مواجهة القوات الكردية التي تعتبرها تركيا أعظم خطر على حدودها. ونتيجة لذلك، لا أعتقد أنهم سيكون لها دور آخر غير الذي حددته لها تركيا. لن يكون لها دور كبير في مصير سوريا القادمة، سوى دور قوة ضغط تركية على المنتصرين الحقيقيين في سورية.
يقدم الجولاني نفسه على أنه قد تغير. هل تثق به وبهيئة تحرير الشام لإعادة تأسيس شكل من أشكال الديمقراطية في سورية؟
لا أنا ولا معظم السوريين الذين ابتهجوا بسقوط النظام على يد الجولاني يثقون بالخطابات والتطمينات التي يغدقها الجولاني على السوريين والسوريات. فالفرح الذي غمر شعب سوريا بسقوط نظام الأسد يرافقه حذر وخوف على الديمقراطية والحريات المستعادة منذ بداية الثورة بسبب حضور الجولاني القوي.
يزعم بعض الباحثين أن كل ذلك هو استمرار لثورة 2011، فهل نصدقهم؟
منذ بداية الثورة، وتحديداً بعد السنة الرابعة للثورة السورية، اعتبر الكثير من السوريين الفصائل العسكرية السلفية الجهادية قوى معادية للثورة، وقد أبانت السنوات القليلة الماضية أن سكان الشمال السوري يرفضون هيئة تحرير الشام. وما المظاهرات التي خرجت ضد الجولاني في إدلب هذا العام للمطالبة بإسقاطه إلا دليل على ذلك.
أنجزت المقابلة: ميراي كورت

*****************************

منيف ملحم – التزام ثوري

بقلم فانديفورد بيير

ولد منيف ملحم في حمص عام 1951. كان ضابط صواريخ أرض-جو، طُرد عام 1973 لكونه ماركسيا من الجيش الذي كان يسيطر عليه الحزب الوحيد، حزب البعث. في عام 1974، بادر إلى إنشاء حلقة عمال ماركسيين. وفي عام 1976، تأسست رابطة العمل الشيوعي. وبعد انخراطه في العمل السري، انتخب عضواً في المكتب السياسي عام 1978. وكان معروفا كممثل لحساسية تروتسكية في الحزب. في آب/أغسطس 1981، تم تنظيم مؤتمر عام سري لـ ”حزب العمل الشيوعي“ في لبنان. تمكنت الأجهزة الأمنية البعثية من اعتقال جميع المندوبين تقريبًا بعد فترة وجيزة. كانت تلك حقبة قمع النظام الشرس للشيوعيين الذين لم يبايعوه، وكذلك الإسلاميين، الذين تعرض الآلاف منهم للسجن والتعذيب. قضى منيف 17 عامًا في سجون حافظ الأسد. بعد ست سنوات، عرضت عليه السلطات صفقة معتادة: الإفراج عنه مقابل وعد بالكف عن العمل السياسي، وهو ما رفضه مع رفاق آخرين. وبعد خمس سنوات، قوبل العرض نفسه بالرفض نفسه. وبعد أن عجزت السلطات عن جعلهم يقبلون شروط الإفراج عنهم، قدمتهم أخيرًا للمحاكمة–كانوا معتقلين حتئد بلا تهمة–أمام محكمة الدولة العليا التي حكمت عليهم بالسجن مددا تصل إلى عشرين سنة. نُقل إلى سجن تدمر سيء الذكر، وتميزت السنوات الأربع الأخيرة من اعتقاله بجلسات تعذيب يومية. أُطلق سراحه من السجن عام 1997.
في مستهل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبعد وصول بشار الأسد إلى السلطة، شهدت سوريا فترة وجيزة من الانفتاح، عرفت باسم ”ربيع دمشق“، ظهور ”المنتديات“، وهي منتديات نقاش وحوار، في جميع أنحاء البلد، كان فيها دور لعدد من الأعضاء السابقين في حزب العمل الشيوعي. وكان ثقل السنوات الطويلة التي قضوها في السجن، بالإضافة إلى تفكك الاتحاد السوفييتي، قد أجبر العديد منهم على التخلي عن اقتناعاتهم، بل إن بعضهم أصبح من أنصار الديمقراطية الأمريكية.
من جهته أسس منيف ملحم ”منتدى اليسار للحوار“ في دمشق مع شباب ماركسيين. وسرعان ما أُغلقت جميعها تحت ضغط الأجهزة الأمنية. وفي متم العام 2002، أطلق حركة مناهضة للعولمة الرأسمالية، إلى أن أجبرتهم الرقابة الخانقة من قبل الأجهزة الأمنية على وقف نشاطهم.
صمد منيف ملحم في ظروف مادية وصحية غير مستقرة طوال هذه السنوات، وذلك بفضل التضامن المادي من الأصدقاء والرفاق على وجه الخصوص.
وبعد الانتفاضة الشعبية في عام 2011، واصل سعيه للنشاط ضمن حركة الاحتجاجات الشعبية. ونتيجة لذلك، سُجن مرة أخرى في عام 2019. أُطلق سراحه بعد تسعة أشهر، وهي فترة يصفها بأنها أسوأ من تلك التي عاشها خلال 17 عامًا قضاها في السجن حتى عام 1997.
ومع سقوط النظام، أسهم في تجميع المناضلين الذين يريدون إعادة الوصل مع الأهداف الديمقراطية والثورية لعام 2011، من أجل تحرير كامل الأراضي السورية من قوات الاحتلال، سواء كانت إسرائيلية أو تركية أو أمريكية أو إيرانية أو روسية، حتى يتمكن الشعب من اكتساب الثقة في قدرته على تنظيم المجتمع من الأسفل.
المصدر:https://www.europe-solidaire.org/spip.php?article72963

شارك المقالة

اقرأ أيضا