قضية الصحراء الغربية نهاية مسار طويل
بقلم: حسن أبناي
بات جليا للصحراويين-ات ولشعوب المنطقة المغاربية أن تحولات جارفة تنزل بثقلها على مصير قضية الصحراء الغربية وتَقلب الوضع رأسا على عقب. تحولات عالمية وقارية وإقليمية ومحلية أثرت بقوة على قضية الصحراء ووضعتها على شفا تغيرات نوعية وحاسمة.
سبق لنا في مقالات سابقة رصد مسار تطورات قضية الصحراء الغربية (1)، وخلصنا إلى أنه مسار تراجعي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب (البوليساريو)، نتيجة دينامية تغيير جذري في ميزان القوى عالميا وقاريا واقليميا. انتفت إذن الظروف التي منحت البوليساريو قوة الدفع الأولى لحظة بروزها، وخلص تحليلنا أن مسار التراجع المتسارع سيؤدى إلى هزيمة قاسية.
أهم التطورات خلال السنتين الأخيرتين
حسم النظام المغربي معركة الأرض، بإحكام سيطرته على الشريط الساحلى، ومناجم الفوسفاط وخط نقله، وعلى المدن وتجمعات السكان، وأحكم الحدود مع موريتانيا. لكن أساس متانة موقف النظام المغربي في قدرته تحويل ما شكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا، إلى نقطة قوة. تمددت أنوية المراكز الحضرية إلى مدن استقطبت أضعاف سكانها الأصليين، واستقر البدو الرحل وتغير نمط حياتهم، وبرزت الأنشطة الاقتصادية وشُيدت البنيات التحتية الطرقية والموانئ والمطارات والمؤسسات العمومية التعليمية والصحية… إلخ، بشكل فاق مناطق خارج الصحراء. كما تحولت المنطقة لمركز محوري للمبادلات التجارية مع إفريقيا ومركز لإنتاج فلاحي تسويقي للخارج، وفتح البرنامج الأخير للتنمية والاستراتيجية الموعودة حول بوابة الأطلسي وأنبوب الغاز الإفريقي، البابَ أمام انتظارات ضخمة لسكان الصحراء، وبات وقعُها السياسي ضاغطا. استطاع النظام المغربي تنفيذ تلك الطفرة بتمويلٍ، مصدرُ جزءِ منه المنطقة نفسها والآخر من المالية العمومية المعتمَدة كعكاز إسناد الرأسمال الخاص وتوفير جميع الظروف لنمو استثماراته. برزت طبقة برجوازية صحراوية لم يعد الريع واستثمارات في مدن الشمال يشكل مصدر دخلها الأساس، بل أنشأت شركات استثمار بالصحراء الغربية نفسها، مثلا في المجال الفلاحي، تم توفير وتطوير أزيد من ستة آلاف هكتار، بالداخلة وبوجدور، ووضعها رهن إشارة الفلاحين الشباب، من أبناء المنطقة.
بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991 بدأت نضالات في مدن الصحراء الغربية تعبر عن طموحات الصحراويين-ات المدافعين-ات عن استقلال الصحراء الغربية متخذة أحيانا طابعا سياسيا وحقوقيا، أو مطالب اقتصادية واجتماعية. تراجعت هذه النضالات وخَفَتَ وهجها الجماهيري بتأثير من عمق التحولات المتسارعة، التي عرفتها أوضاع مدن الصحراء الغربية، ووقع ذلك على مواقف السكان المعنيين دون أن يلغي وجودَ بعض التململات خصوصا في الأوساط الشبيبة الطلابية ذات الخصائص المعروفة.
فقدت جبهة البوليساريو دورها، المؤثر والملهم، بصفتها قيادة ثورية تحظى بثقة قسم واسع من الصحراويين-ات حتى المتواجدين-ات خارج منطقة النزاع، بل نالت إعجاب حتى من لا يقاسمها أهدافها السياسية نظير تحديها لنظام مستبد وقاس فتك بلا رحمة بالمعارضين وخنق أنفاس الشعب.
تبخر رصيد البوليساريو المعنوي بسبب فقدانها هامش استقلالية قرارها التي كانت تحوزها إبان المواجهة العسكرية، وأضحت رهينة حسابات ديبلوماسية الحليف (النظام الجزائري) وتفاهماته مع القوى الإقليمية والإمبريالية. فالصحراويون-ات في المخيمات لا يرون أفقا لمأساة دامت خمسة عقود، وقيادتهم السياسية بلا استراتيجية تخرجهم من وضع انتظار ما لن يأتي. بل تأكد بالدليل أن تلك القيادة تبدد برعونة المكاسب تلوى الأخرى كما حصل حين قررت إغلاق معبر الكركرات سنة 2020 وما نتج عنه من خسائر استراتيجية وحرمانهم من الانتجاع والرعي في المناطق العازلة شرق الجدار العازل بسلاح الطيران، وتحولت ثغرة الكركرات إلى معبر دولي.
ومما لا شك فيه أن ظهور فوارق اجتماعية بين القيادة السياسية وعموم النازحين-ات مقارنة بالقائد المقاتل في الصفوف الأمامية وتشكُّل شريحة من المترفين منفصلة عن عموم اللاجئين-ات في أوضاع بؤس شديد تزيد من حذر وتشكيكية الناس وافتقاد القيادة للمصداقية السياسية.
النظام الجزائري محاولات يائسة لمعاكسة جاذبية الانحدار
قضية الصحراء الغربية قضية النظام الجزائري أيضا وأحيانا خصيصا. يمكن الجزم أن قضية الصحراء الغربية بشكلها الحالي ما كانت لتوجد أو لتستمر لولا تبنيها من طرف النظام الجزائري وتمويلها السخي ماليا وعسكريا وديبلوماسيا. لا يمكن إنكار إمكانية وجود حركة استقلال الصحراء الغربية، حتى بدون دعم النظام الجزائري، لكن طابعها ومداها ومكوناتها ما كان ليكون على ما هو عليه حاليا، بدون ذلك الدعم.
البوليساريو خارج الأرض التي تريد تحريرها، وبعيدة جغرافيا عن أغلبية الجماهير الصحراوية. إنها مرتهنة بشكل مطلق بالنظام الجزائري، يوجد مسلحو البوليساريو ومؤسساتها ومخيمات النازحين-ات فوق الأراضي الجزائرية، والأخيرة مصدر أساسي لتمويلها وتسليحها، وهو حاميها الديبلوماسي.
يستعمل النظام الجزائري قضية الصحراء الغربية في إطار تنافس إقليمي مع النظام المغربي، إلا أن ذلك كان ممزوجا في فترة ما بنزعة قومية تحررية مناهضة للأنظمة الملكية التابعة للإمبريالية وحليفتها الصهيونية، أما ما بعد التسعينات فقد تغيرت الدوافع الحقيقية. تحولت قضية الصحراء الغربية إلى بقرة حلوب ومبررا لتضخيم ميزانية الجيش الجزائري بحجة التهديدات الخارجية ومبرر لسيطرة الجيش على الحكم الفعلي. طبعا الأمر نفسه بالنسبة للنظام المغربي، فقضية الصحراء الغربية كانت مطية لفرض إجماع وطني، ومبررا لقمع شرس ضد المعارضة، ومسوغا لفرض سياسة تقشف عنيفة باسم استكمال التحرير واسترجاع الأراضي المغتصبة، واستُعملت متنفسا لإبعاد الجيش عن الشأن السياسي خصوصا بعد محاولتين انقلابيتين فاشلتين.
يضع النظام الجزائري في مقدمة سياسته الخارجية الدفاع َعن استقلال الصحراء الغربية، ويظهر ذلك في مواقفه إزاء الدول التي تعبر عن دعم موقف النظام المغربي أو التي توحي بالإقدام على ذلك. شهدنا منذ سنة 2021 سلسلة ردود وقرارات صادرة عن النظام الجزائري تعكس حقيقة دوره في ملف الصحراء الغربية، مثل استدعاء سفراء الدول للاحتجاج على فتح القنصليات بمدن الصحراء الغربية، وسحب السفير المعتمد، وتعليق عمليات التوطين البنكي للمعاملات التجارية (أي وقفا للاستيراد) كما في حالة إسبانيا في يونيو 2022، والتحرك لإبطال تغير موقف دول جديدة كما في الزيارات العاجلة إلى كينيا واثيوبيا بعد انتشار خبر قرب إعلان تبنيهما للموقف المغربي… إلخ.
يغدق النظام الجزائري أموالا طائلة لوقف الانجراف الديبلوماسي لدعم مقترح الدولة المغربية، متغافلا أنه نتيجةُ تحولات بدأت منذ عقود وأن أبعادها عالمية وقارية وإقليمية. لا يدافع النظام الجزائري في موقفه عن قضية الصحراء الغربية عن مطامح ديمقراطية، وليس دعمه للبوليساريو بدافع غايات تحررية بل مجرد غطاء لإخفاء منجم ذهب يستفيد منه قادة الجيش ومبررا لإذكاء عداء ديماغوجي ضد عدو خارجي لتبرير سيطرة الجيش على الحياة السياسية والاقتصادية للجزائر ومواصلة خنق شعبه الذي خرج في سنة 2019 في حراك شعبي عظيم لاستكمال معركة تحرره التي بدأتها الثورة الجزائرية العظيمة ولم يبلغ غايته بعد أن استعاد النظام توازنه واستعاد قبضته القمعية مؤقتا.
الإمبريالية من الابتزاز إلى دعم النظام المغربي
وظفت الإمبريالية قضية الصحراء الغربية لابتزاز النظام المغربي ونيل صفقات مربحة، مستعملة أساليبا خسيسة ومفضوحة مثل إعلانات برلمانية أو تقارير منظمات أو أذرع إعلام. وما أن تنال الواحدة من تلك الدول فرصتها يأتي الدور على الدولة الأخرى. تعرض النظام الجزائري للتلاعب ذاتِه، خصوصا في العقدين الأخيرين. والمخزي سقوطُ النظامين في تنافس لإرضاء الامبرياليين لكسبهم على حساب الخصم مقابل صفقات مكلفة. سبق لنا فضح خبث الامبرياليين وسياسة نهب ثروات شعوبنا ونددنا بخضوع النظاميين المغربي والجزائري المذل لألاعيب الإمبريالية(2). ويبدو حاليا أن سباق التسلح في المقدمة وقد بلغ ما ترصد له البلدان درجة مجنونة بالنظر للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعوبنا، وبالنظر للمراتب المتأخرة في سلم مؤشرات التنمية والتطور والتي لا يمكن تداركها إلا ببناء مغرب كبير ديمقراطي في خدمة شعوبه (3).
كان إعلان دولاند ترامب في 10 ديسمبر 2020 الاعتراف بالصحراء الغربية تحت سيادة المغرب حدثا مفصليا. وأكدنا حينه أنه قرار يترجم استراتيجية الإمبريالية الأمريكية، وليس نزوة شخص نزق في لحظات مغادرته كرسي السلطة. حافظت إدارة بايدان على القرار دون أن تتبعه بخطوات عملية مثل فتح قنصلية في الداخلة كما كان مقررا. وقد يكون لتفجر قضايا عالمية خطيرة كانسحاب القوات الامريكية من أفغانستان والغزو الروسي لأوكرانيا وبعده العدوان الاسرائيلي على غزة، دورٌ في ذلك خصوصا أن القرار ارتبط بمسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي اراد بايدن أن يحرز فيه تقدما ليكون أساس حملته الانتخابية اللاحقة التي أزيح منها لوضعه الصحي.
سارت دول إمبريالية عديدة على نهج الولايات المتحدة الأمريكية بل إن بعضها انقلب من رفض معلن حينها للقرار الأمريكي إلى نقيضه، كما حال فيدرالية ألمانيا الاتحادية التي دعت لاجتماع مجلس الأمن لمناقشة القرار الامريكي، وموقف الحكومة الإسبانية الرافض. أصبحت لائحة البلدان الأوروبية الملتحقة بالموقف الامريكي مفتوحة: هولاندا وألمانيا والنمسا وبولونيا والمجر والتشيك وفنلندا والدانمارك… إلخ. لكن دروة التحولات وأكترها ثقلا بالنظر لما سينجر عنه من مستتبعات عملية وهو موقف الحكومة الإسبانية والرئاسة الفرنسية.
إسبانيا باعتبارها المستعمر السابق للصحراء الغربية وأحد البلدان الداعمة لساكنة المخيمات وقلب الحملات الشعبية المساندة للبوليساريو، والركيزة الأساسية للدفاع عنها في المحافل الأوروبية. بعد حوالي 10 شهور من أزمة حادة بين البلدين وقطيعة في العلاقات الدبلوماسية جراء الاستقبال السرى لإبراهيم غالي في مستشفى إسباني. بدأت «مرحلة جديدة» من العلاقات بين البلدين في مارس 2022 برسالة بيدرو تشانسيز تعتبر «مبادرة الحكم الذاتي التي تقدّم بها المغرب عام 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف»، مؤكدا إدراكه «أهميةَ مسألة الصحراء الغربية بالنسبة للمغرب، والجهود الجادة والموثوقة التي يبذلها المغرب، في إطار الأمم المتحدة، لإيجاد حل مقبول للطرفين». إنه تغيير جذري في الموقف التقليدي للحكومة الإسبانية التي ما فتئت تعلن التزامها الحياد وتبني «حل سياسي عادل ومستدام ومقبول من الطرفين تحت إشراف الأمم المتحدة». وقطعت اسبانيا الشك باليقين يوم 21 فبراير 2024 خلال زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى الرباط، جدد خلالها التأكيد على موقف إسبانيا الوارد في البيان المشترك لأبريل 2022، الذي يعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية هذا الخلاف.
لكن دروة المواقف الإمبريالية ومنتهاها الأقصى عكَسه الموقف الفرنسي بعد أزمة وجمود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين 2022-2023 بسبب اتهامات فرنسية بتجسس الاستخبارات المغربية على هاتف ايمانويل ماكرون، بالمقابل شنت حملة منسَّقة للضغط على الأخير واتهامه بالتواطؤ ضد سياسة النظام المغربي لحل قضية الصحراء الغربية. أعلن في الرباط أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وجه رسالة إلى الملك مما ورد منها أنه «يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية». وأكد في الرسالة ذاتها «ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة»، وأن بلاده «تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي». وأنه «بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية. وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت»، مضيفا أن هذا المخطط «يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة». أعرب رئيس الجمهورية الفرنسية عن التزامه بأن «تواكب فرنسا المغرب في هذه الخطوات لفائدة السكان المحليين».
بعد يومين من نشر رسالة ماكرون رسميا، فازت شركة «إيجيس» الفرنسية للهندسة بالاشتراك مع نظيرتها «سيسترا» وشركة «نوفيك» المغربية بعقد لمد خط سكك حديد للقطارات السريعة بين القنيطرة ومراكش.
بعدها قام إيمانويل ماكرون بزيارة للمغرب يوم 28 أكتوبر 2024 لمدة ثلاثة أيام، جدد فيها موقفه السالف من قضية الصحراء الغربية في خطاب أمام البرلمان وكرره في اجتماعات عديدة. طبعا لم يغفل ماكرون أن يكون مرفقا بفيلق من رؤساء الشركات ومدراء البنوك ووفد من الشخصيات المتنوعة لعقد صفقات مربحة بغلاف مالي يصل إلى 10 ملايير يورو، شملت قطاع البنية التحتية السككية والاتصالات والربط الكهربائي والموانئ وصفقات قادمة في ميدان الطيران والتسليح… إلخ، تكريسا لأواصر التبعية التي غرسها الاستعمار الإمبريالي والتي تتجدد في سياق جديد.
محكمة العدل الأوروبية
أصدرت محكمة العدل الأوروبية يوم 04 أكتوبر 2024 قرارا نهائيا يقضي ببطلان اتفاقات تجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في الصحراء الغربية. واستندت المحكمة في قرارها على غياب شرط «موافقة شعب الصحراء الغربية على التنفيذ…». يبدو أن الأمر يتعارض مع قولنا إن الاستراتيجية الإمبريالية حسمت أمرها لدعم حسم الصحراء الغربية لصالح النظام المغربي حفاظا على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. ويبدو أن قرار المحكمة العليا لا يتناقض جوهريا مع الموقف الإمبريالي السالف بل، إن حكم المحكمة الأوروبية مهماز لاستمرار الابتزاز الإمبريالي الأوروبي وتقييد النظام المغربي من أي محاولة للعب بين المتنافسين الامبرياليين بعد ضمانه للمواقف الرسمية للدول الأوروبية. إن حكم المحكمة الأوروبية سيف معلق في الهواء لكن يمكن أن يهوى على رقبة النظام المغربي، لكن دينامية التطورات ستجعل أوروبا الإمبريالية مجددا تدوس بأقدامها على قدسية قوانينها جريا وراء دِينها الوحيد أي المزيد من الأرباح الاستعمارية.
ما سر تغير الموقف الإمبريالي؟
سيعطي الموقف الفرنسي الجديد زخما إضافيا لالتحاق دول أخرى لتتبنى موقفا مساندا للطرح المغربي، سواء في أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية على منوال البلدين الامبرياليين الرئيسيين المستعمرين للمنطقة، لكونهما الأكثر اطلاعا على تفاصيل القضية ولهما علاقات تاريخية عميقة ببلدان المنطقة.
يروج المسؤولون والمحللون المدافعون عن النظام المغربي أن التغييرات المتتالية في مواقف الدول الإمبريالية من قضية الصحراء الغربية تعود إلى قوة النظام المغربي وحسن تدبيره للملف، وهذا فيه كثير من المبالغة وقليل من الحقيقة. فكيف لبلد تابع اقتصاديا وعسكريا وسياسيا أن يفرض على قوى كبرى سياسته؟ ماذا يملك هذا النظام من أوراق ضغط ليجبر بها تلك القوى الإمبريالية على تبني هذا الموقف أو ذاك؟
الحقيقة أن الاستراتيجية الامبريالية في إفريقيا أملت خيارها بتسوية قضية الصحراء الغربية لصالح النظام المغربي، الحليف العسكري/الأمني، والاقتصادي والسياسي. استراتيجية تحكم في منطقة مفصلية بين الصحراء والساحل وغرب إفريقيا وشمالها وفي نقطة محورية للمحاور البحرية الرئيسية الأطلسية والمتوسطية. إن الدول الامبريالية الأوروبية لم تغير موقفها بسبب ضغط النظام المغربي بل انخراطا منها في الاستراتيجية الإمبريالية الأمريكية المنافسة لتمدد الصين والتسلل العسكري إلى المنطقة.
علما أن النظام المغربي لا يمس خيط المصالح الصينية الاقتصادية أساسا، بل عززها بإبرام صفقات مع شركات استثمارية صينية خصوصا في قطاع أجزاء السيارات، والأمر نفسه مع روسيا الاتحادية عبر اتفاق الصيد البحرى والفلاحة واستيراد القمح والنفط في عز العقوبات الغربية.
يحتمل أن تعطي عودة دولاند ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه الانتخابي يوم 06 نوفمبر 2024 دفعا أقوى لمنعطف بدأ بقرار اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء في 10 ديسمبر 2020. وستتمخض عنه تحولات متسارعة سيكون وقعها على ملف الصحراء الغربية حاسما من الناحية القانونية والديبلوماسية والاقتصادية.
قرار مجلس الأمن أكتوبر 2024
صدر قرار مجلس الأمن كما العادة في أكتوبر 2024، ومدَّد لبعثة المينورسو عاما إضافيا. لم يحمل القرار أي جديد لكن عكست جلسة نقاشه ميزان القوى الحالي والتغيرات الحاصلة في قضية الصحراء الغربية.
حضرت الجزائر بصفتها ممثلا غير دائم في مجلس الأمن وعكست تدخلات المندوبين تحضيرات عرض القرار للتصويت. عمم حامل القلم في قضية الصحراء (أي المكلف بتحرير نص القرار هنا الولايات المتحدة). اضطر مندوب الجزائر إلى تقديم مشروع تعديلين في جلسة المجلس الأولى، بإضافة مهمة مراقبة حقوق الانسان إلى مهام بعثة المينورسو. هذا المقترح صوتت لصالحه الجزائر والموزمبيق فيما رفضته باقي الدول، لكن المثير هو تصويت روسيا ضده وتبريرِ ذلك برفض إدخال أي تعديل على مهمة المينورسو. كما صوتت ضده الصين الشعبية أيضا. أما الثاني فهو التنصيص في منطوق القرار أن أطراف النزاع المعنية بالمفاوضات هما المغرب والبوليساريو حصريا بديلا عن التأكيد على الدعوة إلى التفاوض السياسي عبر مائدة مستديرة بحضور الجزائر وموريتانيا. وصوت المجلس بالرفض أيضا. إن تصويت روسيا والصين الحليفين التاريخيين للجزائر رغم ما يخصص لهم من صفقات مربحة فاقت ما تناله القوى الإمبريالية الغربية يدل على درجة اختلال كفة الميزان لصالح النظام المغربي (4).
نهاية مسار طويل؟
مسار قضية الصحراء الغربية، الذي انطلق بالكفاح المسلح، واجتاز مرحلة وقف إطلاق النار تحضيرا لتنظيم استفتاء تقرير المصير، بعدها فترة المفاوضات السياسية المفضية إلى حل سياسي توافقي باتفاق الطرفين، هذا المسار الطويل على مشارف نهايته.
إن التطورات المستمرة على أرض مدن الصحراء الغربية، وأوضاع النظام الجزائري المحشور في الزاوية يلعق نزيف جروحه، وحسم الامبرياليات لخيار إنهاء القضية في إطار السيادة المغربية، وتراجع جبهة البوليساريو وافتقادها للرصيد المعنوي الذي حازت عليه خلال حرب العصابات في بداية نشأتها، يجعلنا نكرر القول إن قضية الصحراء الغربية، كما بدأت مند خمسة عقود، بلغت نهايتها. «الحقيقة مرة كالعلقم، لكن واجب أي قيادة نضال مسؤولة أن تقر بها وتعيد بناء تكتيكاتها عبر نقاش ديمقراطي بمشاركة المعنيين، وامتلاك الشجاعة السياسية والنضالية لممارسته صونا للمبادئ ولتضحيات وطموحات الذين اعتنقوا يوما النضال لأجل تحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الإسباني وما تبعه من تطورات منذ أواسط السبعينات» (5).
قد تستمر قضية الصحراء الغربية بشكل اخر، وقد تنبعث في سياق آخر وبمطالب وصيغ تنظيمية ما. ونعتقد أن دلك رهين بجملة ظروف بدءا بردة فعل جبهة البوليساريو السياسي بوجه الوضع الحالي الدي عرضنا أهم خصائصه.
احالات:
– الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب (البوليساريو)..إلي أين؟
https://web.archive.org/web/20130116050633/http://www.almounadil-a.info/article2594.html
مؤتمر البوليساريو الثالث عشر: مستقبل الصحراء الغربية بين مطرقة ربيع الثورات وسندان انسداد الآفاق أمام القيادة
https://web.archive.org/web/20130226042652/http://almounadil-a.info/article2722.html
(2)- الصحراء الغربية:الديمقراطية بين قمع المستبدين وتلاعب الامبرياليين
23/04/2013
– وحده الحل الديمقراطي سينهي مأساة شعوب المنطقة
https://web.archive.org/web/20130227153254/http://almounadil-a.info/article488.html
(4)- https://www.youtube.com/watch?v=gMVaKN4XHFE&t=19s
(5)- البوليساريو في مؤتمرها السادس عشر: نهاية مرحلة ومُستقبل مجهول
https://www.almounadila.info/archives/11838
اقرأ أيضا