صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 26 ديسمبر 2024

يجد القارىء-ة للتحميل أسفله ملحقا اسبوعيا لجريدة المناضل-ة تسهيلا لتوزيع مواد الموقع مؤلفة وحدةً متكاملة، بقصد الطبع للتداول بين طلائع النضال العمالي و الشعبي، وعامة المهتمين-ات، وأداة أكثر انتظاما لإيصال وجهة النظر العمالية الاشتراكية البيئية النسوية.

نهيب بالقراء-ات لمراسلة المناضل-ة تعريفا بالكفاحات الجارية وبآراء المشاركين-ات فيها تعزيزا للإعلام العمالي والشعبي أداةً لبناء ادوات النضال ضد الرأسمالية وكل صنوف الاضطهاد الملازمة له

للتحميل والقراءة  اسبوعية المناضل-ة عدد 37- 26 ديسمبر 2024

****************************

 تقديم: البوصلة الطبقية الأممية المفقودة لدى يسار دعم نظام الأسد

انتهى عهد آل الأسد في سوريا. سوريا التي طالما كبّلتها الديكتاتورية البعثية وأرهقتها 14 عاماً من الحرب الأهلية الوحشية بحفز من تدخلات أجنبية، ها هي الآن تلمح حرية هشة.
ما مقدمات انهيار النظام؟ وأسبابه العميقة؟ وما تأثيرها على الوضع بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وما هي الآفاق بالنسبة للشغيلة والطبقات الشعبية؟ هذا ما يسعى هذا الملف إلى استجلائه بمنظور ماركسي أممي.
لماذا انهارت ديكتاتورية الأسد ؟
تدل السرعة التي سقط بها النظام على أنه لم يكن يحظى بأي تأييد شعبي. ولم يفلح منذ عشر سنوات في البقاء في السلطة سوى بفضل دعم روسيا بوتين وطائراتها التي شاركت في التدمير والمجازر ، ودعم ديكتاتورية الملالي الايرانية بإرسالها ميليشيات حزب الله اللبناني ومجموعات شيعية أخرى.
النظام الإيراني، الحليف الرئيس لنظام الأسد بالمنطقة، نال منه الضعف بنحو كبير في السنوات الأخيرة. فاقتصاد البلد في حالة متردية بسبب العقوبات الدولية. وقد حدت التحديات الداخلية للنظام ،الذي يواجه غضب الشعب، من قدرته على دعم الأسد كما عهد من قبل. فضلا عن كلفة مساندته لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، والاشتباكات مع التحالف الذي تقوده السعودية. لذلك، لم يكن نظام الملالي مستقرا اقتصاديا وسياسيا للقتال على عدة جبهات ومنع هزيمة الأسد. انضاف الى ذلك ما حل بدراعه في لبنان، حزب الله، الضالع هو ايضا في قمع الشعب السوري.
كما أن سقوط الأسد هو أيضًا نتيجة غير مباشرة للمقاومة البطولية للشعب الأوكراني الذي انخرطت ضده جميع القوات العسكرية لروسيا بوتين منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، ما فرض عليه ترك نظام الأسد لمصيره.
طبيعة ما جرى وطريق بديل ثوري :
لم يكن الاجهاز على نظام الأسد نتيجة لتعبئة الشعب السوري المستقلة، بل نتيجة لانتقال السلطة بين معسكرات رجعية، لم يكن فيها للشغيلة والجماهير الشعبية دور. هذا لأن عقودا مديدة من البطش الأسدي أفنت الحركة العمالية و الشعبية: فخدمة للبرجوازية ، وُضعت المنظمات العمالية تحت تحكم الدولة، وتم قمع الثوريين الحقيقيين، وبمقدمتهم حزب العمل الشيوعي، وتم احتواء الحزب الشيوعي لدرجة معارضته الانتفاضة الشعبية في 2011 معتبرا إياها مؤامرة إمبريالية. وحتى قبل الحرب الأهلية، كانت الحقوق النقابية مقيدة، والاتحاد العام لنقابات العمال مخضعا لحزب البعث و الإضرابات العمالية ممنوعة.
لا توجد حاليا حركة شعبية ديمقراطية علمانية جماهيرية في البلد، ولا حتى في المنفى. لا ثقة في حكومة انتقالية يقودها إسلاميون لضمان حقوق الشغيلة و الكادحين وحقوق النساء والأقليات القومية. و لا يمكن التعويل سوى على تنظيم الشغيلة و الكادحين الذاتي. لكن تدمير الحرب المهول لاقتصاد سورية ، يجعل تنظيم الشغيلة في أماكن العمل أشد صعوبة مما كان في مصر أو تونس في عام 2011. وتبقى حرية التنظيم الحقيقية للعمال والمضطهدين في سوريا، بما في ذلك حرية التجمع، معركة يجب كسبها.
مع ذلك لن تنطلق الجماهير الشعبية السورية من صفر، فقد مكّنت التجربة الثورية للجان التنسيق المحلية في المناطق المحررة في بداية الثورة (2011-2012) المجتمع المدني من كسب خبرة غنية في الإدارة المحلية وبناء سلطات مدنية حقيقية. ورغم سحق هذه التجارب بإراقة الدماء، سيساعد رصيد خبرتها في اعادة بناء ادوات تنظيم نضال عمالية وشعبية.
انهيار النظام عامل مساعد، دون أن يكون ضامنا بأي وجه، لتطور التنظيم الذاتي للطبقات الشعبية، هذا الذي لا غنى عنه لإعطاء مضمون لمطالبها الديمقراطية والاجتماعية، ولإتاحة مساحة ديمقراطية لتحرر حقيقي ولسياسة بديلة. ستكون المهمة الأساسية في بلد أنهكته الحرب والتدخلات الأجنبية إعادة بناء المجتمع المدني والمنظمات الجماهيرية الشعبية النقابية والسياسية والمنظمات النسوية والجمعيات المحلية. أدوات النضال هاته وحدها كفيلة بتحقيق
هدف الثورة السورية الذي لم يقتصر على إسقاط النظام: بل أيضا بناء مجتمع ديمقراطي وعادل اجتماعياً، قادر على ضمان إدماج جميع المكونات الثقافية والعرقية والدينية وصون حقوقها، ضد جميع أشكال الشوفينية.
أصل ضلال بعض اليسار : منظور جيوسياسيي اصطفافي
لم يتسلح نوع من اليساريين لفهم ما جرى سوى بنظريات المؤامرة، ما حدا بهم إلى اختراع سوريا بلا سوريين، حيث المصالح الجيوستراتيجية الأجنبية هي العامل الأساسي، فغضوا الطرف كليا عن إبادة الشعب السوري، على غرار ما فعل أسلافهم المتغاضين عن معسكرات الإبادة الستالينية.
لا يمكن لهذا اليسار ادعاء جهل ما كان يجري. فمنذ سنوات، ظل يساريو سورية يرفعون أصواتهم ضد فظائع النظام الدموية. فتم تجاهلهم بحسابات خيالية حول لعبة شطرنج بين القوى. لم ير هذا اليسار شيئًا لأنه لا يريد رؤية ما يبطل رؤيته للعالم. استعاض عن الصراع الطبقي بمنظور اصطفافي لصراع معسكرات إمبريالية متعارضة، و اكتشف حتى فضائل تقدمية ومناهضة للإمبريالية لمعسكر امبريالي، لا يقل همجية وإمبريالية عن المعسكر الآخر! فانجرف الى مساندة للطغاة الرجعيين الدمويين.
يكمن جذر عمى هذا اليسار السياسي في كفره بمقدرة الشعوب على الانتفاض والقيام بالثورات فلم ير في الانتفاضات الشعبية سوى «مؤامرات» وتلاعب بالجماهير الجاهلة من قبل الأقوياء! فاختزل انتفاضات «الربيع العربي» الشعبية في «مؤامرة» حبكتها الأجهزة الأمريكية. ليست الجماهير المظلومة بنظر هذا اليسار، ولا يمكن أن تكون، إلا مجرد كومبارس في التاريخ. وفوق كل شيء، أن الأجهزة السرية الإمبريالية القوية هي وحدها القادرة على صنع التاريخ! منظور تآمري على طرف نقيض من تأكيد ماركس على أن «البشر يصنعون تاريخهم بأنفسهم…»
فلسطين
وكان إحدى أكبر حجج ذلك اليسار الزائفة اعتبار سوريا الأسد تلقائيًا في صف مقاومة الاستعمار الإسرائيلي. كيف يمكن اعتقاد أن نظامًا يعذب شعبه ويفتك به يمكن أن يكون حليفًا في النضال التحرري من أجل تحرر شعب آخر؟ هل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني يبرر غض الطرف عن كل سنوات المجازر والأهوال التي عانى منها الشعب السوري على مدى سنوات؟ لقد دفع اللاجئون الفلسطينيون الذين يعيشون في سوريا أيضًا ثمن هذا القمع الممنهج الذي لا تزال آثاره ماثلةً حتى اليوم في مخيم اليرموك–الذي كان حتى انتفاضة 2011 أكبر مخيم فلسطيني في العالم. إن سوريا الحرة والمستقرة والقوية هي أفضل دعم لحقوق الشعب الفلسطيني
مخاوف اسرائيل والانظمة الرجعية والامبريالية:
يستبد بالرجعيات المحلية وبإسرائيل وبالإمبريالية الأمريكية خوف من أن يشجع انهيار نظام الأسد دعوات التغيير السياسي في بلدان المنطقة. إسرائيل تخشى حقاً قيام ديمقراطية في سوريا خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تضامن أكبر مع الفلسطينيين، ومن ثمة سعيها إلى تقويض هذا التحول بأي ثمن.ففي غضون 72 ساعة من الإطاحة بالأسد، التقى قادة الجيش والمخابرات الإسرائيلية بمسؤولين مصريين في القاهرة لإجراء محادثات عاجلة حول الاستقرار الإقليمي.
ماذا ستفعل هيئة تحرير الشام وهيئة الإنقاذ الوطني؟ يجب ان يبقى في الأذهان ما جرى في مصر وليبيا وتونس، من سطو على السيرورة الثورية حتى بعد إطاحة الطغاة وإعادة تنظيم قوى الثورة المضادة نفسها بطرق أخرى. و لا غض للطرف عن جرائم ”الجهاديين“السابقة وقمعهم الحالي حيث انتصروا فقط بفضل القنابل والغازات المسيلة للدموع التي أهلكت الحراك الشعبي في سوريا.
وعلينا نحن ، نحن الأمميين والأمميات، أن نتفادى مرة أخرى تحليل الثورات في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظور الجيو السياسي المشوه، منظور ”عدو عدوي عدوي». نحن بحاجة قبل كل شيء، إلى أداة تبقى أساسية بالنسبة لليسار: المنظور الطبقي الأممي.

شارك المقالة

اقرأ أيضا