مناقشة حول أزمة المناخ: مفاهيم باعثة على الشك وسبل ضالة

إشتراكية, البيئة16 نوفمبر، 2024

بقلم؛ مايكل لووي

نجد من بين البديهيات المعهودة حول أزمة المناخ عددا كبير من الخطابات المشيرة، بوعي أو بدونه، إلى وجهات خاطئة. ليس القصد الخطابات الإنكارية (من قبيل خطاب السيناتور المتوفى مؤخرًا جيمس إينهوف James Inhofe)، بل تلك المدعية اقتراح حلول «خضراء» أو «مستدامة».
تستند بعض هذه التصريحات إلى أنصاف حقائق أو أرباع حقائق، بينما يستند بعض آخر إلى أخبار مزيفة وأكاذيب وتدليسات. كثير منها مفعم بنوايا حسنة وإرادة طيبة، لكنها ستقودنا في الاتجاه الخاطئ.

إذا واصلنا استعمال هذه الشعارات، حتى مصبوغةً بلون أخضر، ستفضي بنا إلى مأزق. في ما يلي عشرة أمثلة يجب تجنبها.
1. يجب علينا «إنقاذ الكوكب»
هذا شعار ذائع بكل مكان: على لوحات الإعلانات، وفي الصحافة، والمجلات، وتصريحات القادة السياسيين، وما إلى ذلك. لكنه هراء.
كوكب الأرض ليس في خطر! فأيا يكن المناخ، سيواصل دورانه حول الشمس أثناء مليارات السنين القادمة. المهدد بالاحتباس الحراري هو أشكال الحياة العديدة على هذا الكوكب، ومنها نوعنا: الإنسان العاقل.
توحي عبارة «إنقاذ الكوكب» بفكرة خاطئة مؤداها أن الأزمة أمر خارج عنا، وأنها لا تعنينا مباشرةً. إنها توحي بأننا لا نطلب من الناس الاهتمام بحياتهم أو حياة أطفالهم، بل بشيء مجرد مبهم هو ”الكوكب».
لا غرابة في أن يجيب الأشخاص الأقل تسييسًا بقول: «أنا مشغول بمشاكلي الخاصة بنحو أكثر من أن أكترث بـ’الكوكب‘«.
2. «تحركوا لإنقاذ الكوكب»
هذا الشعار المبتذل والمكرر إلى ما لا نهاية تنويع من الصيغة السابقة.
ثمة نصف حقيقة في هذه العبارة: يجب على كل منا أن يسهم شخصيا لتجنب الكارثة. لكنها حملة وهم بأن «الإيماءات الصغيرة»–إطفاء الأنوار وإغلاق الصنبور وما إلى ذلك–ستتيح تفادي حدوث الأسوأ.
سنستغني بهذا النحو- بوعي أو بدونه–عن الحاجة إلى تغييرات هيكلية عميقة في نمط الإنتاج والاستهلاك الحالي. هذه التغييرات الهيكلية تطعن أسس الإنتاج الرأسمالي والمجتمع القائم على تعظيم الربح.
3. الدب القطبي في خطر
إنها صورة نصادفها أينما ولينا الوجه، دب قطبي مسكين يحاول البقاء على قيد الحياة وسط كتل من الجليد الذائب. أكيد أن حياة الدب القطبي–والعديد من الأنواع الأخرى في المناطق القطبية – معرضة للخطر. إن كان لهذه الصورة أن تثير شفقة قلة من ذوي القلوب الطيبة، فلا يبدو أنها تهم غالبية السكان بنحو مباشر.
لكن ذوبان الجليد القطبي لا يهدد الدب القطبي الشجاع وحسب، بل يهدد أيضًا نصف البشر الذين يعيشون في المدن الكبيرة على الساحل، وحتى أكثر من ذلك. فالأنهار الجليدية الهائلة في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية سترفع مستوى البحر بعشرات الأمتار، لكن بضعة أمتار فقط كافية لإغراق مدن مثل البندقية وأمستردام ولندن ونيويورك وريو دي جانيرو وشنغهاي وهونغ كونغ.
بالطبع، لن يحدث هذا العام المقبل، لكن العلماء يلاحظون تسارع ذوبان الأنهار الجليدية. ويستحيل التنبؤ بسرعة حدوثه. في الواقع، يصعب حاليا قياس العديد من العوامل.
إن التركيز فقط على الدب القطبي المسكين يحجب حقيقة أن الأمر مشكلةٌ مرعبة تهمنا جميعًا.
4. تعاني البلدان القابلة للتضرر (بنغلاديش، على سبيل المثال) بشكل كبير من تغير المناخ
هذا نصف حقيقة. نعم، سيؤثر الاحتباس الحراري (وقد بات بفعل) بنحو حاد على بلدان الجنوب الفقيرة وهي الأقل مسؤولية عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وصحيح أن هذه البلدان ستكون الأكثر تضررًا من الكوارث المناخية والأعاصير والجفاف وتضاؤل الموارد المائية.
لكن تصوُّر أن بلدان الشمال لن تتأثر بهذه الأخطار نفسها خاطئ. ألم نشهد حرائق غابات رهيبة في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا؟ ألم تحصد موجات الحر ضحايا عديدة في أوروبا؟ ألم نشهد ارتفاع وتيرة وقوة الأعاصير التي تضرب الولايات الأمريكية في الخليج والمحيط الأطلسي؟ وهذا غيض من فيض.
البقاء على فكرة أن التهديدات محدقة بشعوب الجنوب وحدها، سيجعل أقلية من الأمميين المقتنعين فقط تعي الخطر. والحال أن البشرية برمتها ستواجه، عاجلاً أم آجلا، كوارث غير مسبوقة. علينا أن نشرح لسكان الشمال كيف أن هذا التهديد يحدق بهم أيضا مباشرةً.
5. بحلول العام 2100، قد ترتفع درجة الحرارة بمقدار 3.5 درجة مئوية، أو 6.3 درجة فهرنهايت، وهي درجة تكاد تكون غير قابلة للتصور، قياسا بحقبة ما قبل الصناعة
قول موجود في العديد من الوثائق الجادة–ولكن يبدو لي غير مؤكد، وفي بعض النواحي، صارف للأنظار.
من وجهة نظر علمية: نعلم أن تغير المناخ ليس سيرورة خطية. فقد يتسارع فجأة. فالعديد من أبعاد الاحتباس الحراري لها تأثيرات ارتجاعية يستحيل التنبؤ بعواقبها. على سبيل المثال، تنبعث من حرائق الغابات كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، والتي تساهم في الاحتباس الحراري وبالتالي تزيد من حدة حرائق الغابات. لذا، إذا استعصى التنبؤ بما سيحدث في غضون سنوات قليلة، فكيف يمكننا ادعاء التنبؤ بالقادم في قرن؟
من وجهة نظر سياسية: بحلول نهاية هذا القرن، سنكون جميعًا في عداد الموتى وكذا معظم أبنائنا وأحفادنا. كيف يمكننا حشد اهتمام الناس والتزامهم بمستقبل لا يعنيهم، سواء مباشرة أو مداورة؟ هل يجب أن نقلق للأجيال القادمة؟
هذه فكرة نبيلة، طالما دافع عنها الفيلسوف هانز جوناس Hans Jonas على سبيل المثال، حيث أوضح أن علينا واجبا أخلاقيا تجاه الذين لم يولدوا بعد. قد تهتم أقلية بهكذا حجة، إلا أن الأكثرية ضعيفة الانشغال بما سيحدث في عام 2100.
6. بحلول عام 2050، سنبلغ «حياد الكربون»
ليس هذا الوعد من الاتحاد الأوروبي، ومن مختلف حكومات أوروبا، نصف حقيقة، ولا حسن نية ساذجًا: إنه محض تضليل.
أولاً، عوض تنفيذ فوري للتغييرات العاجلة التي يطالب بها المجتمع العلمي (الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ) في السنوات الثلاث أو الأربع القادمة، يَعد قادتنا بالعجائب في عام 2050.
ولكن جلي أن هذا متأخر جداً. وفضلا عن هذا، تتغير الحكومات كل أربع أو خمس سنوات، فما الذي يضمن الوفاء بهذه الالتزامات ما لم يكن أصحابها قابلين للمحاسبة بعد ثلاثين عاماً؟ إنها طريقة فظة لتبرير تقاعس حالي بوعد يتعذر التحقق منه.
ثانيًا، لا يعني «الحياد» خفضا كبيرًا الانبعاثات–بل على العكس تمامًا! إنه حساب مضلِّل يعتمد على التعويضات. تستمر الشركة XY في نفث ثاني أكسيد الكربون، ولكنها تزرع غابة في إندونيسيا، يُفترض أن تمتص كمية معادلة من ثاني أكسيد الكربون، إذا لم تحترق الغابة.
بيد أن «آليات التعويض» هذه جرى فحصها من قبل منظمات بيئية غير حكومية عديدة، اعتبرتها غير معادلة. وهذا يكشف التضليل التام الذي ينطوي عليه وعد «حياد الكربون».

7. يقوم مصرفنا (أو شركة النفط) بتمويل الطاقات المتجددة، وبالتالي فهو يشارك في «التحول البيئي»
يقوم هذا الغسل الأخضر الشائع هو أيضًا على التلاعب بـ»الوقائع». صحيح أن البنوك والشركات متعددة الجنسيات تستثمر في الطاقات المتجددة، لكن دراسات مفصلة أنجزتها منظمة العدالة البيئية والضريبية الأوروبية «أتاك»، وغيرها من المنظمات غير الحكومية، أظهرت أن هذا ليس سوى جزء صغير–وأحيانًا متناهي الصغر–من عملياتها المالية.
لا يزال الجزء الأعظم من استثماراتها متجها إلى النفط والفحم والغاز وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى. إنها مسألة بسيطة تتعلق بالربحية والمنافسة على حصص السوق.
تُقْسم جميع الحكومات «المعقولة»–على عكس ترامب، أو بولسونارو في البرازيل–أنها ملتزمة بالانتقال البيئي والطاقات المتجددة. ولكنها تلجأ، بمجرد حدوث مشكلة في إمدادات الوقود الأحفوري–الغاز مؤخرًا، بسبب سياسة روسيا العدوانية–إلى الفحم بإعادة تشغيل محطات الطاقة العاملة بالفحم الحجري. و يستجدون العائلة المالكة السعودية (الدموية) لزيادة إنتاج النفط.
كل الكلام المنمق عن «الانتقال البيئي» يحجب حقيقة غير سارة: لا يكفي تطوير الطاقات المتجددة. ففي النهاية، الطاقات المتجددة متقطعة: فالشمس لا تشرق دائمًا في شمال أوروبا. صحيح أن تقدما تقنيا حصل في هذا المجال، لكنه لن يحل كل شيء.
تتطلب الطاقات المتجددة، بالمقام الأول، موارد منجمية مهددة بالنفاذ. وإن كانت الرياح والشمس موارد غير محدودة، فليست تلك بتاتا حال كل المواد اللازمة لاستخدامهما (الليثيوم والنحاس وغيرها).
لذلك سيتعين علينا التفكير في إنقاص استهلاك الطاقة الاجمالي، وتخفيض انتقائي. تدابير لا يمكن تصورها في إطار الإنتاج الرأسمالي.
8. سنتجنب، بفضل تقنيات احتجاز الكربون وعزله، الكارثة المناخية
تلكم حجة تستعملها الحكومات بشكل متزايد، ويمكن العثور عليها حتى في بعض الوثائق الجادة (على سبيل المثال من الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ). إنه وهم الحل التكنولوجي المعجزة الذي سينقذ المناخ دون حاجة إلى تغيير أي شيء في نمط إنتاجنا (الرأسمالي) وطريقة حياتنا.
وللأسف، الحقيقة المؤسية أن هذه التقنيات المُعجزة لالتقاط الكربون وعزله في الغلاف الجوي بعيدة كل البعد عن الواقع. جرى فعلا إجراء بعض المحاولات، وهناك عدد قليل من المشاريع قيد التنفيذ هنا وهناك، ولكن لا يمكن الجزم في الوقت الحالي بأن هذه التكنولوجيا فعالة أو ناجعة أو إجرائية.
كما أن هذه التكنولوجيا لم تحل مشاكل الاحتجاز أو العزل (التي تحدث في مناطق في باطن الأرض حاجزة للتسرب). وليس هناك ما يضمن أنها ستحلها مستقبلا.
9. ستقلل السيارات الكهربائية إلى حد كبير انبعاثات غازات الاحتباس الحراري
هذا مثال آخر على نصف الحقيقة. نعم، السيارات الكهربائية أقل تلويثًا من السيارات الحرارية (المشتغلة بالبنزين أو الديزل)، وبالتالي أقل ضررًا على صحة سكان المدن. ولكن حصيلتها من زاوبة نظر تغير المناخ، أكثر تبايناً.
إنها تنفث قدرا أقل من ثاني أكسيد الكربون، ولكنها تسهم «كل كهربائي» كارثي. في معظم البلدان، يجري توليد الكهرباء باستخدام الوقود الأحفوري (الفحم أو الغاز أو النفط). ما يجعل خفض الانبعاثات الناتجة عن السيارات الكهربائية «تقابله» زيادة في الانبعاثات الناتجة عن استهلاك كهرباء أكبر.
في فرنسا، تُنتَج الكهرباء باستخدام الطاقة النووية، وهذا مأزق آخر. وفي البرازيل، تؤدي السدود الضخمة إلى تدمير الغابات، وبالتالي فهي مسؤولة عن زيادة بصمة الكربون.
إذا أردنا خفض الانبعاثات بشكل كبير، لا يمكننا تجنب خفض كبير في حركة السيارات الخاصة. هناك وسائل نقل بديلة أكثر كفاءة وفعالية: وسائل النقل العام المجانية ومناطق المشاة ومسارات الدراجات. تحافظ السيارة الكهربائية على وهم إمكان الاستمرار كما في السابق بمجرد تغيير التكنولوجيا.
10. بالاعتماد على «آليات السوق»، مثل ضرائب الكربون أو أسواق حقوق النفث، أو على رفع أسعار الوقود الأحفوري، سنتمكن من خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
حتى بعض علماء البيئة المخلصين يرون أن آليات السوق هذه هي الحل. ولكن هذه أيضًا خدعة. فقد أثبتت آليات السوق أنها لا فعالية لها بتاتا في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
تسعى هذه التدابير المعادية لمصالح أغلبية المجتمع إلى تحميل الطبقات الشعبية ثمن «الانتقال البيئي»، فضلا عن كونها عاجزة على إسهام كبير في الحد من الانبعاثات. ويمثل الفشل الذريع لـ»أسواق الكربون» التي أدخلتها اتفاقيات كيوتو أفضل دليل على ذلك.
ليس بتدابير «غير مباشرة» أو «تحفيزية»، قائمة على منطق السوق، سنفلح في كبح هيمنة الوقود الأحفوري الذي أبقى النظام مشتغلا منذ قرنين الزمن.
بادئ ذي بدء، يجب مصادرة الاحتكارات الرأسمالية في مجال الطاقة، وإنشاء خدمة طاقة عامة مهمتها الحد بشكل كبير من استغلال الوقود الأحفوري.
11. بات تغير المناخ حتميا، «فلا يمكننا سوى التكيف»
يمكن إيجاد هذا الصنف من التصريحات القدرية في وسائل الإعلام ولدى القادة» السياسيين.
على سبيل المثال، قال السيد كريستوف بيشو Christophe Bechu، وزير التحول البيئي في حكومة ماكرون، مؤخرًا: «بما أننا لن نتمكن من منع الاحتباس الحراري، مهما حاولنا جاهدين، يجب أن نتدبر أمرنا للحد من آثاره مع التكيف معه».
هذه وصفة ممتازة لتبرير التخلي عن «جهودنا» لتجنب الأسوأ. ومع ذلك، فقد أوضح علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بوضوح أنه على الرغم من أن الاحترار قد بدأ بالفعل، لا يزال ممكنا البقاء تحت الخط الأحمر البالغ 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية–شريطة البدء الفوري في إجراء تخفيضات كبيرة جدًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ما الخلاصة؟
بالطبع، يجب أن نسعى إلى التكيف. ولكن إذا خرج التغير المناخي عن السيطرة وتسارع، يغدو «التكيف» مجرد وهم. كيف يمكننا «التكيف» مع درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية (122 درجة فهرنهايت)؟
يمكن أن تتعدد الأمثلة. وكلها تقودنا إلى استنتاج مفاده أننا إذا أردنا تجنب تغير المناخ، فعلينا تغيير النظام الرأسمالي والاستعاضة عنه بشكل أكثر مساواة في الإنتاج والاستهلاك. هذا التوجه الضروري هو ما نسميه الاشتراكية البيئية.

رابط الأصل:
https://againstthecurrent.org/atc233/discussing-the-climate-crisis-dubious-notions-false-paths/

شارك المقالة

اقرأ أيضا