إينيسا أرماند: ثورية منسية!

النساء14 نوفمبر، 2024

بقلم؛ سارة فريزر Sarah Frazer

غالبًا ما يبخس الكتاب الغربيون قدر النساء المحيطات بلينين ويَعْرضونهن في صورة شخصيات تابعة، وتنحية نشاطاتهن السياسية الفردية جانبًا لتصبح عديمة الأهمية. لم تُعامَل إينيسا أرماند بنحو مغاير، حيث كانت علاقتها مع لينين محور معظم الكتابات، بينما تكاد أنشطتها السياسية المستقلة ودورها كمنظِّمة اشتراكية في جميع أنحاء أوروبا تكون منسية. كانت إينيسا عنصرا أساسيًا من القيادة البلشفية، حتى أنها كانت ضمن مجموعة القادة الثمانية عشر المنفيين الذين سافروا إلى روسيا بالقطار المختوم في ذروة الحرب للمشاركة في الثورة.
وُلدت أرماند في باريس عام 1879، وانكبت في البداية على قضايا المرأة بفضل أعمالها الأولى الخيرية إزاء النساء الفقيرات. وبعد دراستها للحركة النسوية على يد إلين كي Ellen Key في السويد عام 1904، وُلد أساس سياسة أرماند. وعلى غرار آخرين وأخريات، دُفعت أرماند نحو الاشتراكية بقراءة رواية تشيرنيشيفسكي «ما العمل؟»، وبحفز من زوجها الثاني الذي تعرفت معه على الماركسية.
في العام 1904، انضمت أرماند إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي، وفي العام ذاته، عند عودتها إلى موسكو، أصبحت أرماند عضوًا في الحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وانتخبتها جمعية موسكو لتحسين وضع المرأة لرئاسة لجنة التعليم فيها. سافرت أرماند إلى روسيا في العام 1905 في مهمة تنظيمية بلشفية، لكنها اعتُقلت عند وصولها. ثم اعتُقلت مرة ثانية في العام 1907 ونُفيَت. وهناك قابلت أرماند لينين للمرة الأولى. أُعجب لينين بتنظيمها داخل الحزب وتحليلها النظري وقدرتها على التحدث بأربع لغات. وقد تجلت ثقته في أرماند عندما اختيرت لتمثيل البلاشفة والتحدث باسمهم في المكتب الاشتراكي الدولي في بروكسل عام 1914. وهنا تحدثت أرماند إلى جانب كاوتسكي ولوكسمبورغ وبليخانوف وتروتسكي ومارتوف.
اعتَبرت أرماند ارتقاءَ النساء عنصرا أساسيا في النضال الثوري ضد الرأسمالية، وأن التقدم نحو مجتمع اشتراكي هو السبيل الوحيد لبلوغ حرية النساء. وهذا ما كان يميزها عن الحركة النسوية المعاصرة في أوروبا، المنشغلة في المقام الأول بالمساواة الشكلية أو القانونية وحق الاقتراع والعمل الخيري عوض تحرر المرأة العاملة. وبالمثل، انتقدت أرماند الكثير من اليسار بسبب إهماله للمسائل النسائية، وانعكس ذلك في عملها التنظيمي بعد الثورة الروسية.
غالبًا ما يُبالَغُ في قول إن الثورة الروسية أدت إلى تقدم فوري للنساء، إلا أن عمل أرماند وغيرها بعد الثورة يسائل هذه المَروية. بعد ثورة أكتوبر في عام 1917، أدخل البلاشفة جملة تغييرات تقدمية في القانون، مثل الطلاق، ولكن في عام 1918، أنشأت أرماند وألكسندرا كولونتاي وغيرهما من النساء الثوريات مؤتمرًا نسائيًا لمناقشة وضع النساء في المجتمع الاشتراكي. لم تكن هذه التغييرات في القانون، في حد ذاتها، كافية للنهوض بمكانة النساء في المجتمع. فقد أصررن على أن مجتمعا بدون مساواة النساء لن يكون اشتراكيًا.
في عام 1919، حصل هذا المؤتمر على الدعم الرسمي من القيادة البلشفية وأُضفِيَ عليه الطابع الرسمي تحت اسم زنوتديل (شعبة العمل بين العاملات). تألفت قيادة زينوتديل من النساء اللاتي كن ناشطات في هذا المجال إبان السنوات الحاسمة التي سبقت الثورة، بما في ذلك أرماند. كنّ يعتقدن أن تحرر النساء كان إحدى المهام التي تواجه الثورة. وكن يدعون إلى الشروع في العمل من أجله في الآن، وإلا ستضيع «قضية النساء». فشرع الزنوتديل في إنشاء نظام من المطاعم العامة لتجميع العمل المنزلي، وتحرير النساء من أجل التعليم والعمل خارج المنزل.
كان ثمة بعض انزعاج لدى القيادة البلشفية بشأن إنشاء قسم نسائي دائم داخل الحزب. شاطرت أرماند هذا الشعور، إلا أنها كانت حريصة على ضمان عدم إغفال مسألة النساء في التخطيط الاشتراكي، وتحدَّت بهذا الصدد العديد من الرجال في القيادة.
بعد الثورة، لم يتضاءل اهتمام أرماند بالحركة الاشتراكية. فقد واصلت العمل مع الفرنسيين الشيوعيين والمتعاطفين في روسيا، وانتُخبت أول رئيسة للمجلس الاقتصادي الإقليمي في موسكو، وكانت رئيسة تحرير القسم النسائي في صحيفة برافدا، وواصلت عملها في الترجمة لصالح الكومنترن (الأممية الشيوعية). وبوجه خاص كان لأرماند دور فعال في إنشاء المجلة النظرية البلشفية»”المرأة العاملة» التي كانت تهدف إلى مد النساء بفهم لجذور اضطهادهن.
إنه لظلم كبير أن تُختَزَلَ أرماند في مجرد عشيقةٍ للينين. إذ كانت بلشفية متحمسة، لم تخشَ التحدث علنًا بين خصومها، وكانت تختلف مع لينين وتتحداه علنًا، وكانت مكرسة لتحسين وضع النساء. وفي نهاية المطاف، كان تفانيها للثورة وعملها هو ما دفع أرماند إلى إهمال صحتها، ما أدى إلى وفاتها عام 1920 عن عمر يناهز 46 عامًا.

المصدر:

Wolfe, B. D. (1963) « Lénine et Inessa Armand », Slavic Review 22(1), pp. 96-114.
Tariq, A. (2017) Les dilemmes de Lénine: terrorisme, guerre, empire, amour, révolution. Verso.
Pearson, M. (2001) « Le lieutenant de Lénine », The Guardian.
Elwood, R.C. (1992) Inessa Armand: Révolutionnaire et féministe. Cambridge University Press.

شارك المقالة

اقرأ أيضا