أزمة الماء بإفران الأطلس الصغير (حوار)

تعرف إفران الأطلس الصغير أزمة مياه حادة، ناتجة عن تضافر جفاف متوالٍ لسنوات ولاستنزاف الفرشة المائية من قبل الشركة المستغِلة لمنجم وانسيمي. الماء هو عصب حياة واحة إفران، وأزمة الماء تهدد نمط عيش سكان الواحة، وأغلبهم صغارُ فلاحين. لإلقاء الضوء على المشكل وتداعياته أجرت جريدة المناضل- ة حوارا مع أحد صغار الفلاحين بالبلدة. هذا نصه:

* هل تعطينا نبذة مختصرة عن منطقة إفران الأطلس الصغير: المؤهلات الطبيعية (مياه وغطاء نباتي) والأنشطة الاقتصادية الأساسية التي يمارسها السكان؟
إفران الأطلس الصغير جماعة قروية تابعة إداريا لإقليم كلميم، تمتد في السفح الجنوبي للأطلس الصغير الغربي وتحيط بها الجبال من كل الجهات باستثناء جهة الجنوب المنفتحة على الصحراء. وتتميز إفران بوفرة الموارد المائية حيث تتوفر على عدة منابع وعيون، شكلت عبر التاريخ حافزا لاستقرار السكان في المنطقة وممارسة النشاط الفلاحي (الزراعي والحيواني)، مما جعل المنطقة أكبر واحة في المحيط الجغرافي.
باستثناء بعض المزروعات من حبوب ومواد علفية وأشجار الزيتون والنخيل… تحيط بالمنطقة مجالات قاحلة وخالية من الغطاء النباتي اللهم بعد النباتات الشوكية.
إلى جانب النشاط الفلاحي المعيشي يمكن اعتبار التجارة الصغيرة ثاني نشاط اقتصادي بالمنطقة، مما اضطر السكان للهجرة بحثا عن بدائل أخرى خارج البلاد (خصوصا إلى أوربا) وداخله (المدن الكبرى كأݣادير والدار البيضاء…).
* ما هي الطرق التقليدية التي كان السكان يستغلون بها المياه؟
كما سبق وقلت أن المنطقة تتميز بوفرة الموارد المائية خاصة العيون التي تنبع على طول وادي إفران الذي يخترق الواحة، كان عددها قبل سنوات يتجاوز الأربعين عينا منتشرة في مختلف دواوير المنطقة، مما جعل السكان يبتكرون طرقا فريدة لتوزيع استعمال هذه المياه والاستفادة منها بشكل متساو بين السكان، لعل أهمها «نظام تناست ونظام النوبة».
«تناست» باللغة الأمازيغية أو «الطاسة»، كما تجري ترجمتها في عقود الملكية والبيع، هي مدة من الزمن تترواح بين 8 و12 دقيقة حسب الدوار. أما «النوبة»، فهي عدد من الطاسات (تَناسين- جمع تناست) يختلف حسب طول الليل والنهار. ويجري استغلال هذه المياه بالتناوب بين سكان الدوار حسب الحقول والفدادين. إلا أن ظهور الملكية الفردية ووتشتتها بسبب تقسيم الإرث أدى ظهور تفاوتات تجلت في اختلال في توزيع هذه النوبات وتناسين فظهر أشخاص (ملاكون) يملكون عددا كبيرا منها، وأشخاص لا يملكون شيئا. تفاقم الوضع مع نضوب العديد من هذه العيون وتراجع صبيب ما تبقى منها نتيجة عوامل عدة.
* ما الأسباب التي أدت إلى تفاقم أزمة الماء في المنطقة؟
شهدت واحة إفران الأطلس الصغير في السنوات الأخيرة ظهور أزمة مياه، بدأت تتفاقم شيئا فشيئا، حيث نضبت مجموعة من العيون ومنابع المياه بشكل كامل (تغرست، تمنيط، إݣري مقورن، أزمور، أجواد، تالعينت نالزاويت، عين أكشتيم، تفزوين… إلخ)، وتراجَعَ صبيب ما تبقى من العيون (بوفردو، وايغينوست، أسكا، أمدا ليخرت… إلخ). كما انخفض متسوى الفرشة المائية الجوفية، فبعدما كان مستواها عند 20 مترا تحت سطح الأرض في بعض المناطق في تسعينيات القرن الماضي أصبح اليوم يتجاوز 100 متر.
جرى تحول هيكلي منذ بداية التسعينات عبر بداية توسع حفر الآبار الباطنية لتعويض نضوب العيون الرئيسية التي كانت تشكل وسيلة السقي التقليدية.
يمكن تلخيص أسباب هذه الأزمة في ما يلي:
– توالي سنوات الجفاف.
– الاستغلال المفرط للمياه الجوفية مع تزايد عدد الثقوب المائية في المنطقة منذ انطلاق «البرنامج الوطني لتزويد العالم القروي بالماء الشروب- pager» أواخر تسعينيات القرن الماضي، وظهور جمعيات مستعملي المياه التي تتكلف بمهام استغلال التجهيزات الصغرى وصولا إلى مهام التدبير اليومي لمرافق وشبكات التوزيع. حفرت هذه الجمعيات الآبار غير بعيد عن منابع العيون. نفس الشيء بالنسبة للآبار الفلاحية التي تكاثرت هي الأخرى مع عودة أول المتقاعدين الإفرانيين من الخارج خاصة فرنسا في نفس الفترة، وغرس أغلبهم أشجار الزيتون.
– إنشاء سد سيدي المحجوب سنة 2007 في عالية إفران: عوض أن يساهم في تغذية الفرشة المائية كما كان متوقعا، أصبح حاجزا يمنع مياه الوادي من تغذية العيون التي تمر عليها عند جريان الوادي في في الفصل المطير.
– الاستغلال المنجمي بوانسيمي (التابع لمجموعة مناجم): لم تشهد إفران الأطلس الصغير تراجع الفرشات المائية والمياه السطحية بوتيرة كبيرة إلا بعد انطلاق العمل بمنجم وانسيمي، في عالية الواحة، منذ بداية العقد الثاني من القرن الحالي. تقوم الشركة المستغلة للمنجم تغيير مجرى المياه المستخرجة وتعريضها عبر ضخ آلاف الأمتار المكعبة من المياه من باطن المنجم إلى السطح بشكل يومي ودون توقف، مما عجل بنضوب العديد من العيون القريبة كـ «إكري مقورن وتفزوين وتمنيت…»، رغم نفي الشركة والمجلس الجماعي وجود علاقة للمنجم بهذا المشكل.
وقد سبق لفريق الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب أن وجه سؤالا كتابيا لوزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بتاريخ 26 يوليو 2022 حول استنزاف منجم وانسيمي للفرشة المائية بجماعة إفران الأطلس الصغير. وأقرَّ الفريق في سؤاله أن منجم وانسيمي قد «حوَّلَ واحة إفران الأطلس الصغير، التي كانت موقعا إيجولوجيا مهما، إلى صحراء جرداء جراء الاستنزاف الخطير للفرشة المائية». وفي نفس اليوم راسلَ فريق التجمع الوطني للأحرار سؤالا إلى رئيس مجلس المستشارين مؤكدا أن «إعادة اشتغال منجم وانسيمي أضر بالفرشة المائية لواحات إفران نتج عنه نضوب بعض العيون وتراجع صبيب الآبار بالواحات». وهناك أيضا إقرار بمسؤولية منجم وانسيمي في تدخلات فريق التجمع الدستوري سنة 2019 وفريق التقدم والاشتراكية سنة 2020.
وللمزيد حول الموضوع هناك حوار مع مناضل نقابي وناشط في الحملة ضد استنزاف الفرشة المائية بإفران الأطلس الصغير نُشر بموقع «سيادة» بتاريخ 8 غشت 2022:
https://www.siyada.org/siyada-board/سيادة-غذائية/المغرب-منجم-وانسيمي-و-تدمير-الفرشة-ال/.
* هل تقدم السلطة حلولا لأزمة الماء؟
رغم التنبيهات العديدة من الغيورين على المنطقة للسلطة المحلية والمجلس الجماعي والمطالبة باتخاذ تدابير استعجالية لحماية الفرشة المائية للمنطقة، إلا أن تدخلها لا يزال محدودا ودون المطلوب، إن لم نقل منعدما، باستثناء وعود سابقة (منذ سة 2020) من الرئيس السابق (محفوظ حجي) والرئيسة الحالية للمجلس (حنان بلوش) بالتدخل لدى الشركة المستغلة لمنجم وانسيمي لنقْلِ المياه التي يجري استخراجها من المنجم إلى الواحة عبر الأنابيب البلاستيكية. لكن الشركة لم توفر ما وعددت به. والمياه وصلت بشكل طبيعي عبر الوادي إلى الواحة بعد قطع مسافة تتجاوز 7 كلم، ويجري استغلالها من طرف بعض الفلاحين في كل من عين تفزوين وعين تمنت في تنكرت. بل إن سكان دوار تبحنيفت تحملوا مصاريف شراء أنابيب بلاستيكية بتكلفة تجاوزت 150 ألف درهم لنقل هذه المياه إلى السواقي.
لكن ما لا يجري الانتباه له، سواء من طرف صغار الفلاحين (بسبب نقص الوعي بالمسألة البيئية) أو من طرف من يترأس المجلس البلدي، ليس طريقة وميعاد أو تكلفة إيصال تلك المياه التي يجري ضخها، بل هذا الضخ ذاته، الذي يستنزف الفرشة التي يتطلب تكوينها قرونا عديدة، وتضخها الشركة في ثوانٍ قليلة.
بالنسبة لرئيس الجماعة المحلية المحفوظ حجي لا وجود لمشكل الماء نهائيا في إفران. ففي تصريح لموقع هسيريس نفى «معاناة الساكنة مع العطش، مشيرا إلى أن جميع الدواوير تتوفر على صبيب كاف من الماء الصالح للشرب، باستثناء دوار إد علي الحاج الذي كان يعاني من شح المياه قبل تدارك الموقف عبر حفر بئر خاصة به مؤخرا»، وفي نفس الآن «أكد أن منجم “وانسيمي” ليس السبب الأول والأخير للاستنزاف الذي عرفته الفرشة المائية؛ بل هو نتاج لعوامل عديدة، على رأسها انعدام التساقطات المطرية خلال السنوات الأخيرة وغيرها من المسببات التي تسري على جماعات مجاورة عديدة» [22 سبتمبر 2020، https://www.hespress.com/منجم-للنحاس-يُحوّل-واحة-إفران-الأطلس-ا-584518.html].
ونسجل أيضا دعم السلطات، خاصة الجماعة والمديرية الإقليمية للفلاحة بكلميم مشاريع الطاقة الشمسية وضخ المياه الجوفية بشكل عشوائي من قبل جمعيات تدعي أنها تساهم في إحياء الواحة لكنها في الحقيقة تساهم في استنزاف فرشتها المائية.
الخلاصة: ما تقوم به السلطات يفاقم أزمة الماء بدل أن تساهم في حلها.
* ما أثر أزمة الماء على الفلاحة الصغيرة بإفران؟
تراجع النشاط الفلاحي بشكل كبير سواء الزراعة وتربية الماشية، هذه الأخيرة بشكل كبير بعدما كانت المنطقة تتوفر على قطيع مهم من الماشية، حيث لا تجد منزلا بدون بقرة أو أغنام وماعز، أصبح اليوم من النادر وجود منزل فيه قطيع الماشية، كما تقلصت المساحات المزروعة، وتراجعت زراعة الخضروات والحبوب والمواد العلفية (الفصة)، بينما هناك توجه نحو غرس أشجار الزيتون نظرا لجودة منتوجه، وعدم حاجته إلى المياه بشكل كبير مقارنة مع المرزوعات الأخرى.
أدى هذا إلى تكاثر هجرة الشباب نحو المدن الكبرى ونحو الخارج، ما سبب في قلة اليد العاملة التي تنشط في الفلاحة (كالخماسة مثلا).
سبق لفرع حزب الاستقلال بإفران الأطلس الصغير أن تناول مشاكل الفلاحة الصغيرة بالبلدة في بيان له بتاريخ 4 أبريل 2015: «تدهور الواحة واستنزاف مواردها الطبيعية وتراجع الإنتاج الزراعي والحيواني وتدهور المنشئات المائية والعيون، وكذا تلوث الفرشة المائية جراء غياب شبكة الصرف الصحي واعتماد البعض للآبار الناضبة كمطمورات لصرف المياه العادمة ما يشكل خطرا على البيئة وكذا صحة وسلامة المواطنين، إضافة إلى الاستمرار في إغلاق المركز لفلاحي بمركز إفران رغم اعتبار النشاط ألفلاحي وتربية الماشية أهم الأنشطة الاقتصادية بالمنطقة».
* عرفت المنطقة دينامية نضالية ضد استنزاف ثروة الماء، خصوصا من طرف منجم وانسيمي. هل يمكن أن تقدم ملخصا لذلك النضال ونتائجه؟
سبق لبعض الفعاليات الشبابية بالمنطقة أن بدأت معركة نضالية ضد استنزاف منجم وانسميي للفرشة المائية بالمنطقة. بدأت بحملات تحسيسية وتوعوية عبر الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي وبعض الجرائد من بينها جريدة المناضل- ة مشكورة، مرورا بوقفات احتجاجية وسط السوق الأسبوعي يوم 7 يوليو 2022 بدعوة من «النقابة القاعدية للفلاحين بكلميم» ومسيرة إلى ذات المنجم يوم 12 غشت من نفس السنة. إلا أن حجم المشاركة فيهما كان ضعيفا مقارنة مع عدد المتضررين، ويعزى ذلك لعدة أسباب منها نقص الوعي لدى هؤلاء بخطورة أزمة الماء.
* عرفت انتخابات سنة 2021 ترشح مجموعة من الشباب في حزب الخضر المغربي، وكان مشكل الماء في صلب حملتهم- هن الانتخابية. ما حصيلة تجربة أولئك الشباب داخل الجماعة القروية؟
بالنسبة لتجربة شباب حزب الخضر في المجلس الجماعي لإفران- الأطلس الصغير، فرغم مرور ثلاث سنوات على انتخاب هذا المجلس، يصعب تقييم هذه التجربة، بسبب التعثرات والمشاكل التي يتخبط فيها على إثر الحسابات السياسية الضيقة بين أغلبيته، إذ لم يستطع هذا المجلس إلى حدود الساعة تقديم ولو تصور واضح حول كيفية معالجة أزمة المياه بالمنطقة. أثرت هذه المشاكل على فعالية منتخَبي حزب الخضر الثلاثة داخل المجلس، وكل ما قدموه إلى حد الآن هو مراسلات وبيانات حول القضية، يمكن الاطلاع عليها على صفحة الحزب على الفيسبوك بإفران الأطلس الصغير.
ومؤخرا (15 غشت 2024) صادق المجلس الجماعي على اتفاقية إحداث «مجموعة الجماعات الترابية- كلميم واد نون للتوزيع [الشركة الجهوية متعددة الخدمات]، هذه الشركة التي أثارت نضالا في مدينة في فݣيݣ، لا يزال مستمرا ضد تلك الشركة التي تجعل من الماء سلعة مفتوحة للاستثمار الخاص. وقد جرت هذه المصادقة في غياب بعض أعضاء الجماعي لإفران الأطلس الصغير، وضمنهم الأعضاء الثلاثة عن حزب الخضر.
بعد هذه المصادقة، أصدر حزب الخضر المغربي- إفران الأطلس الصغير «ورقة للرأي العام المحلي والوطني حول قضية الشركات الجهوية للتوزيع»، ضمنه موقفه منها، منبها إلى أن «الموضوع يتعلق بخوصصة هذه الخدمات (الماء، الكهرباء، التطهير السائل) مما يعني تسليع هذه المنتوجات ووضعها رهن ربح المستثمرين، مع ما يمكن أن يعنيه ذلك من فرض منطق الربح على حساب المواطنين خاصة في ما يتعل بالماء»، وأبدت الورقة تخوف الحزب من «الرفع من تسعيرة الخدمات التي تقدمها هذه الشركات على حساب جيوب المواطنين في مجال جغرافي تنعدم فيه فرص الشغل والينيات التحتية للرواج الاقتصادي». ويكمن خطر هذه الشركة الجهوية حسب ورقة الحزب في استعمالها لـ»آليات متطورة لضخ مياه الفرشة المائية في الصهاريج وزيادة الاستهلاك طالما أن الأمر يتعلق بسلعة يجب بيعها والضغط بذلك على الموارد المحدودة وغير المتجددة للواحة». وفي الأخير طالبت الورقة والي جهة كلميم واد نون بإلغاء مقرر دورة المجلس وبالتالي إلغاء الشركة الجهوية في واحة إفران (والواحات المشابهة).
* ما الحلول التي تراها ملائمة للحد من أزمة الماء بالمنطقة؟
مهما قدمنا من مقترحات وحلول يبقى إغلاق منجم وانسميي هو الحل الأول الأساسي، وبدونه فإن جميع الحلول لن يكون لها أي جدوى، وبعد إغلاقه فقط يمكن الحديث عن حلول أخرى من قبيل:
– إغلاق وردم جميع الآبار والثقوب المائية العشوائية وغير القانونية في المنطقة؛
– تقنين استغلال مياه الآبار في النشاط الفلاحي ومنع الاستغلال العشوائي والمفرط بفرض فترة راحة يومية لهذه الآبار؛
– دعم الدولة لمشاريع الري بالتنقيط داخل الواحة؛
– استغلال مياه سد سدي المحجوب بشكل جماعي من طرف الفلاحين الإفرانيين.

شارك المقالة

اقرأ أيضا