من أجل «نقابية إيكولوجية كفاحية»
مقابلة مع تانورو دانيال Daniel Tanuro
دانيال تانورو، مهندس زراعي بلجيكي، يتدخل بانتظام في النقابات العمالية في بلجيكا وفرنسا وسويسرا. في نهاية شهر مارس/ آذار، نشر كتاب ”الرأسمالية الخضراء المستحيلة“ (2010)، ومؤخرا كتاب مقابلات مع دار نشر ”لا ديسبوت»، بعنوان «الإيكولوجيا، والنضالات الاجتماعية والثورة».
تتحدث، أنت وعالم الاجتماع مايكل لووي، عن النضالات الإيكولوجية الاجتماعية. ماذا تعنيان؟
دانيال تانورو: إنها نضالات أشخاص يواجهون في الآن ذاته مخاطرا بيئية وتراجعات اجتماعية أو سياسات تقشفية. ويسعون إلى التقدم بأشكال تنظيم أو مطالب تتيح بنحو متزامن مواجهة هذين التحديين، دون تفضيل أحدهما على الآخر. مشكلة الإيكولوجيين في بعض الأحيان أنهم يخوضون معاركهم على حساب المسائل الاجتماعية، مسايرين بذلك الرأسمالية الخضراء. ونشهد هذا بكل مكان في أوروبا، وتخلق هذه السياسة من النمط النيوليبرالي تمردا على هذا النوع من التدابير البيئية، صابة بذلك الماء في طاحونة اليمين المتطرف الذي يسعى لركوب ذلك التمرد.
إحدى هذه الجهات الفاعلة هي الحركة العمالية. ولكنك تحذر من إحدى عيوبها على صعيد البيئة.
يتمثل عيب النقابات العمالية في اعتقاد إمكان إرضاء مصالح الأجراء دون تعريض الأرباح ودينامية التراكم الرأسمالي للخطر. على الورق، يبدو هذا الأمر منطقيًا، لأن العمال يعتمدون على أجورهم للعيش ولا يريدون إفلاس الشركات التي يعملون لديها. لكن الاقتصار على الدعوة إلى خطط الإنعاش على أمل أن تخلق أو تحافظ على فرص العمل يعني البقاء ضمن قواعد النظام: الربح الأقصى.
والحال أن الرأسماليين يجنحون أكثر، مع ميل معدلات الربح إلى الانخفاض، إلى استغلال الموارد الطبيعية، المجانية لأنها ليست نتاج عمل يتطلب دفع ثمنه. ومن ناحية أخرى، يعني ”إنعاش الاقتصاد“حفزَ الآلة التي تُسرّع تدهور البيئة الذي يمثل العمال، وخاصة في الجنوب، أول من يعاني منه. هذا النهج يعني قطع الغصن الذي يجلس عليه عالم العمل.
كتبتم أن «الراسمالية تبتر الطبيعه لأنها تبتر العمل، وتنادون بـ»نقابية ايكولوجية كفاحية» ما هي؟ وما روافعها؟
يكمن التحدي في التفكير بنحو موحد في الأزمات الاجتماعية والبيئية، وإيجاد روافع تستند إلى نضالات الأجراء. على سبيل المثال، الدفاع عن الصحة في مكان العمل في مواجهة الاحتباس الحراري، ولكن أيضًا عن صحة عامة السكان التي تتدهور نتيجة تسميم المحيط الحيوي من قبل الإنتاجوية الرأسمالية. على صعيد عالمي، ما هي القطاعات طليعة النضالات البيئية والاجتماعية؟ إنها الشعوب الأصلية المُعرضة للهجوم، وصغار المزارعين الذين يمارسون الزراعة الإيكولوجية ويتحدون في حركة بيا كامبيسينا، والشباب. وضمن هذه الأخيرة تتبوأ النساء مكانة بارزة. والحال أن النقابات العمالية متخلفة في هذه القطاعات الثلاثة.
أما في عالم العمل، فإن القطاعات الأكثر احتمالاً لتبني وعي اجتماعي ايكولوجي هي الخدمات مثل التعليم والرعاية، وهي أيضاً قطاعات مؤنثة بشكل كبير. وهي أقل اعتمادًا على رأس المال الأحفوري، مقارنةً بعمال البتروكيماويات، على سبيل المثال. هذه القطاعات، الأقل مناوءة للتدابير الإيكولوجية، هي أقل عرضة لتهديد أرباب العمل بالترحيل إلى أماكن أخرى. كما أن دورها يتمثل بشكل مباشر أكثر في الاستجابة لحاجات اجتماعية متعارضة مع تعطش الرأسمالية للربح: فهي تهدف إلى ”الرعاية“.
أنت تقدم هذا كمنظور استراتيجي للتحالف
إنه في الواقع الخيط الأحمر- والأخضر- الذي يوحد القطاعات التي تقف على خط المواجهة في الكفاح ضد تدمير الرأسمالية للبيئة وتسعى إلى ”الاعتناء“ بها. إنه أيضًا مفهوم يمكن أن يمتد إلى جميع القطاعات الأخرى، مثل قطاع البناء أو الصناعة: الاهتمام بالنوعية، بما ننتجه، فيما لا تهتم الرأسمالية كثيرًا بالجوانب النوعية، بل فقط كحامل للكمية، أي الربح مهما كانت العواقب.
في الواقع، يجب أن يكون نضال جميع العمال والعاملات قادرًا على الالتفاف حول هذا المفهوم، لأنه من وجهة نظر أنثروبولوجية، ما هو العمل إن لم يكن العناية بالحياة؟ نحن نوع من الحيوانات له خصوصية (إعادة) إنتاج وجوده عبر نشاط خاص يتوسط بيننا وبين سائر الطبيعة. هذا العمل لا ينفصل عن فكرتنا عن نوعية وجودنا. والرأسمالية تدمر هذا الجانب من ظروف عملنا وظروفنا البيئية.
ماذا يمكن أن يكون مطلب الشغيلة المشترك في هذه الاستراتيجية؟
إنه المطلب المؤسس للحركة العمالية الذي هو أصل الأول من مايو: خفض ساعات العمل. لقد وُلدت هذه الحركة من النضال ضد الاستغلال المفرط للعمال، ويمكن أن يمتد ذلك إلى الاستغلال المفرط للكوكب. إذا كنا نرى أن الرأسمالية قد تمادت في تراكمها وفي أوج التدهور التي تسبب، فعلينا أن نعود إلى الوراء. وهذه هي وظيفة تراجع النمو Decroissance–بالمعنى الحرفي للمصطلح–ولتحقيق ذلك نحتاج إلى العمل أقل وتقاسم العمل، وهو ما يحارب البطالة.
إذًا، هل يجب أن تطالب الحركة العمالية بتراجع النمو؟
ينبغي ألا يكون تراجع النمو شعارًا، بل هو إكراه، لأن النضال يجب أن يجري فصاعدا في إطار مقيد ماديًا بحدود الكوكب. إنه إذن إكراه موضوعي يجب أن تأخذه المطالب النقابية بعين الاعتبار، وليس مطلبًا. لنأخذ الأجور على سبيل المثال: فالنضال من أجل رفع الأجور ليس في حد ذاته مناهضًا للبيئة. بل على العكس، لأن أغنى الناس في العالم، أي 1% الرأسماليين، يسببون انبعاثات غازات دفيئة أكثر مما يسبب الـ 50% الأفقر. فإذا انتزعنا ثروة الرأسماليين وحوّلناها إلى أجور، فإننا نحد من الانبعاثات – لا سيما وأن ما يفعله الشغيلة بأجورهم أقل تلويثًا بكثير مما يفعله الرأسماليون بأرباحهم.
وهذه الثروة المستعادة إلى الشغيلة يمكن تحويلها أيضًا ليس إلى قدرة فردية لاستهلاك المزيد، بل إلى قدرة جماعية لتلبية الحاجات الاجتماعية، والتحويل الايكولوجي للاقتصاد. وهذا يعني التخطيط الديمقراطي للاستثمار، تحت رقابة العمال، لأن التنافس الرأسمالي هو في حد ذاته مصدر للهدر وسبب أزمات فيض الإنتاج المتكررة. لا يمكن الظفر في المعركة ضد الإنتاجوية دون نضال الشغيلة، الذين يشكلون الأغلبية الاجتماعية على صعيد العالم. ولكن دورهم حاسم أيضًا من الناحية الاستراتيجية لتحقيق أقصى قدر من التأثير من وجهة نظر النضال ضد تدمير الكوكب.
أجرى المقابلة كارانجوا أشيل KARANGWA Achille
***************
المصدر:
https://lecourrier.ch/2024/04/30/pour-un-ecosyndicalisme/
اقرأ أيضا