برنامج أوراش: باب لتعميم الهشاشة ودعم رأس المال
بقلم؛ وائل المراكشي
أصدرت حكومة الواجهة، في إطار تنفيذ برنامجها الحكومي 2021- 2026، صيغة جديدة لذر الرماد في عيون ضحايا البطالة، اسمته «برنامج أوراش»، وضمَّنته وعدا بخلق 250 ألف منصب شغل. ما حقيقة ذاك البرنامج؟ وما الجهات التي يخدمها حقيقية؟
مضمون «برنامج أوراش»
ينقسم البرنامج إلى شقين: «برنامج أوراش 1» لسنة 2022 و»برنامج أوراش 2» لسنة 2023. وحسب موقع وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يستهدف هذا البرنامج:
* الأشخاص الذين يجدون صعوبة في الإدماج في سوق الشغل؛
* الفئة الثانية بالأشخاص الذين فقدوا عملهم بسبب الجائحة الصحية المرتبطة بكوفيد – 19 أو لأسباب أخرى؛
* القطاعات والمقاولات المتضررة من الجائحة.
رصدت حكومة الواجهة للبرنامج مبلغ 2.25 مليار درهم بهدف خلق 250 ألف منصب شغل خلال سنتي 2022-2023، في إطار أوراش عامة صغرى وكبرى مؤقتة.
المعطلون- ات مسؤولون- ات عن بطالتهم
بالنسبة للدولة يستهدف البرنامج «الأشخاص الذين يجدون صعوبة في الإدماج في سوق الشغل»، و»الإعداد لسوق الشغل وولوج فرص الإدماج المتاحة نتيجة الإقلاع الاقتصادي». هكذا فالبلد يتمتع بـ»إقلاع اقتصادي»، المشكل الوحيد القائم، بالنسبة للدولة، هو أن المعطلين- ات غير متوفرين على ما يؤهلهم لولوج «سوق الشغل»، لذلك ستخصص لهم الدولة عبر «برنامج أوراش»: «تكوينات إعدادية لمزاولة أنشطة ورش معين مع تعزيز القدرات والسلوكيات وتنمية روح المواطنة وثقافة العمل خلال مدة إنجاز هذا الورش».
أرقام فَلَكية
لا يثير الرقم الذي أعلنته الدولة لعاب الباحثين- ات عن منصب شغل يضمن لقمة عيش، بقدر ما يثير الاستغراب؛ إذ تعهد الدولة بخلق 250 ألف منصب شغل خلال سنتي 2022- 2023 عبر «برنامج أوراش». وهو رقم لم تتعهد به حتى في استراتيجياتها القطاعية، بل إن الأرقام تؤكد فقدان مناصب الشغل: «فقدت الفلاحة، في الفترة 2008- 2019 (الموافقة بالضبط لفترة «مخطط المغرب الأخضر») 277 ألف منصب شغل صافي، أي 23 ألف منصب في المتوسط كل سنة، طيلة فترة اثني عشر سنة المعنية» وفقد القطاع الصناعي «في المتوسط 20 ألف منصب شغل سنويا، أي حوالي 100 ألف منصب خلال 5 سنوات» [نجيب أقصبي، «الاقتصاد المغربي تحت سقف من زجاج، من البدايات إلى أزمة كوليد- 19»]. فكيف تتعهد الدولة إذن بتوفير ذاك الرقم الفَلَكي: 250 ألف منصب شغل؟
فتات لضحايا البطالة
أعلنت حكومة الواجهة أن البرنامج سيوفر للمستفيدين- ات «دخلا شهريا لا يقل عن الحد الأدنى للأجر» فضلا عن «تغطية اجتماعية شاملة». لكن يدرك الجميع أن تطبيق مدونة الشغل هو الأمر النادر في المقاولات، وهو المسبب لأكبر الاحتجاجات العمالية في القطاع الخاص. فكيف إذن بتوفير دخل شهري لا يقل عن الحد الأدنى للأجر في «أوراش مؤقتة»، تتعاقد فيها جمعيات مع معودمي الشغل، تعاقدات تستأثر عبرها الجمعيات على قسم من ذاك الدخل، كمقابل لوساطتها في التشغيل. فحتى الفتات ليس مضمونا.
دعم سخي للمقاولات
في الوقت الذي خصصت فيه الدولة فتاتا لا يتعدى 2.25 مليار درهم لضحايا البطالة التي يتعدى عددها 250 ألف الموعود بخلق مناصب من أجلها، خصص صندوق محمد للاستثمار المحدَث سنة 2021 ما يقارب 15 مليار درهم للرأسماليين.
«برنامج أوراش» بحد ذاته جرى إقراره من أجل تجاوز صعوبات المقاولات التي نتجت عن أزمة كوفيد- 19. فقسم من الدخل الموعود ضمانُه للمستفيدين- ات من البرنامج تتحمله الدولة. حيث أقر البرنامج منحة تحفيز للمقاولات التي تحتفظ بأجرائها لمدة 24 شهرا، وفي نفس الوقت ورد في موقع وزارة الإدماج الاقتصادي أن ستتحمل «المصاريف المتعلقة بالأجر والتكوين وحصة المشغل والتأمين عن حوادث الشغل بالنسبة للتغطية الاجتماعية»، إذ التزمت الدولة بـ»مَنح المشغِّلين مِنحة التحفيز عن التشغيل في حدود 1500 درهم شهريا لمدة 18 شهرا لكل مستفيد». هكذا ستوفر الدولة للمقاولات أُجراءً- ات مجانيين- ات وفي نفس الوقت تتحمل كلفة تشغيلهم- هن المؤقت، من مالية عمومية يجري دائما التشكي من عجزها.
توسيع لمجال هشاشة الشغل
تتحدث الدولة على أن البرنامج يضم نوعين: «أوراش مؤقتة» و»أوراش دعم العمل المستمر»، وورد عن ذلك في بوابة وزارة الإدماج الاقتصادي ما يلي: «إنجاز أشغال وأنشطة ذات طابع مؤقت». لكن عند تمحيص المهام المكلَّف بها المستفيدون- ات من البرنامج، يتضح أنها خدمات عمومية تحتاج إلى خلق مناصب شغل قارة ودائمة وليس مؤقتة.
فالمهام التي يتضمنها البرنامج هي: «إنجاز مسالك طرقية وترميم المآثر والمنشآت العمومية والتشجير وإعداد المساحات الخضراء ومحاربة التصحر وزحف الرمال ورقمنة الأرشيف والتنشيط الثقافي والرياضي والتأطير التربوي العرضي»، وأيضا «خدمات موجهة للأشخاص والأسر والمجتمع تعرف خصاصا على صعيد بعض المناطق من قبيل محو الأمية والتعليم الأولي والاعتناء بالأشخاص المسنين والأنشطة الرياضية والثقافية والمطعمة المدرسية والخدمات الشبة الطبية…». فهل هذه «أشغال وأنشطة ذات طابع مؤقت»؟
لكن الهدف الضمني هو ما تسميه وثائق الدولة: «تنويع الأوضاع القانونية للأجراء». فمن شأن إغراق أماكن الاستغلال/ العمل بأُجراء وأجيرات من وضعيات قانونية مختلفة تدمير وحدة الصف العمالي، وتسهيل استغلال الشغيلة. فالمقاولات وأيضا المؤسسات العمومية والوظيفة العمومية تعج بأشكال متعددة لصيغ لتوظيف، خصوصا مع التدبير المفوض والشراكة قطاع عام- قطاع خاص.
رغم المديح العالي الذي خصصه لبرنامج أوراش تقريرٌ صادر عن مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني ومرصد العمل الحكومي في يناير 2023، إلا أنه لم يستطع أن يسكت عن «هشاشة فرص الشغل الناتجة عن البرنامج، بالإضافة إلى محدوديتها الزمنية، وهو ما قد ينتج عنه توترات اجتماعية، في حالة عدم قدرة المستفيدين على الولوج الطبيعي إلى سوق الشغل». وكل ما يهم طبعا المركز والمرصد هو تفادي «التوترات الاجتماعية».
احتجاجات ضد برنامج أوراش
أثار البرنامج استياءً، خصوصا في قطاعي التعليم والصحة. حيث رفضته تنسيقية التعاقد المفروض في قطاع التعليم واعتبرته «سياسة حلولٍ ترقيعية» منبِّهة إلى أن طابعه المؤقت «سيتحول بدوره إلى خيار استراتيجي»، تماما كما وقع مع مخطط التعاقد [بيان المجلس الوطني 31 مارس 2022]. وكانت الدولة قد استعانت ببرنامج أوراش لمواجهة إضرابات شغيلة التعليم، بمبرر توفير حصص الدعم للتلاميذ- ات المتضررين- ات من الإضرابات!
وفي قطاع الصحة كانت هناك احتجاجات ضد منح صفة «الممرض» للعاملين في «برنامج أوراش، واعتبرت النقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة أن البرنامج «يمس حق المواطنين في تلقي العلاجات الملائمة» [14- 04-2022، https://www.hespress.com/ممرضون-يطلبون-تنظيم-ملتحقي-أوراش-1016868.html].
وفي الوقت الذي استهدفت فيه نقابات الشغيلة (التعليم والصحة) جوهر البرنامج، اقتصرت انتقادات الأحزاب، خصوصا حزب العدالة والتنمية الذي يعارض فقط لأن غريمه التجمع الوطني للأحرار يوجد في موقع الحكومة)، الذي خصص أسئلته الشفوية للتركيز على الأعطاب الشكلية للبرنامج: «تنزيل برنامج أوراش، محفوف بالتوظيف الحزبي»، «برنامج أوراش يطرح إشكالات من الناحية القانونية والتنظيمية»، معتبرا أنه «غير مؤطر قانونيا، وأن مرجعية البرنامج الحكومي ومنشور رئيس الحكومة، غير كافية»… إلخ.
من أجل سياسة تشغيل ضامنة للعمل القار
يندرج «برنامج أوراش»، شأنه شأن برامج سابقة (مقاولاتي… إلخ)، في إطار سياسة إلهاء تعتمدها الدولة لتفادي انتظام ضحايا البطالة للنضال من أجل شغل قار ضامن للكرامة. فقد جاء هذا البرنامج في عز أزمة اقتصادية واجتماعية بسبب الإغلاق الاقتصادي الناتج عن جائحة كوفيد- 19. هذه الأزمة التي نتج عنها إضافةَ عشرات الآلاف من فاقدي- ات الشغيل/ المُسرَّحين- ات إلى الملايين المعطَّلة والمحرومة من حق العمل.
يجب أن يضافر نضالنا داخل إطارات المعطلين- ات والحركة النقابية المناضلة من أجل ضمان هذا الحق.
من أجل:
* الشغل للجميع بأجر لائق، والتصدي لتفكيك المرافق العمومية وخوصصة الخدمات الاجتماعية، بما يمكن من تلبية الحاجات الاجتماعية وتوفير فرص الشغل؛
* التعويض عن البطالة للمعطلين وعن فقدان العمل لفاقدي الشغل بالحد الأدنى للأجور؛
* النضال من أجل تقليص ساعات العمل وتخفيض سن التقاعد، لخلق فرص عمل جديدة، مع رفع الأجر بما يتماشى وارتفاع تكاليف المعيشة؛
* النضال من أجل الرفع من الميزانيات الاجتماعية لتوفير فرص الشغل، ضدا على إملاءات المؤسسات المالية المانحة؛
* الامتناع عن سداد الديون المستنزفة للثروة الوطنية واستثمارها لخلق فرص الشغل.
اقرأ أيضا