لماذا لا يزال حزب الله صامداً على الرغم من اغتيال إسرائيل لحسن نصر الله

بقلم جوزف ضاهر

وجه التصعيد الإسرائيلي الدموي ضد لبنان في الأسابيع القليلة الماضية ضربة شديدة لحزب الله، خاصة بعد مقتل حسن نصر الله. بدأ ذلك بانفجار أجهزة الاتصالات التي تستخدمها عناصر حزب الله، مدنيين وعسكريين، ما أدى إلى مقتل 39 شخصًا وجرح عدة آلاف. وأعقبت هذا الهجوم حملة تفجيرات كارثية أدت إلى اغتيال شخصيات عسكرية وسياسية رفيعة المستوى في الحزب، فضلاً عن مقتل ما يقرب من ألفي مدني وترحيل أكثر من مليون شخص.

تطورت في العقود الماضية عبادة الشخصية في دعاية الحزب حول حسن نصر الله. وقد تجلى ذلك في أعقاب الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006 عندما تم تغيير شعاره الأول ”نصر إلهي“ إلى ”نصر من الله“، وهو ما كان استعمالا لاسم حسن نصر الله. وكان ذلك جزءًا من ثقافة صورة القائد في  حملات الحزب الإعلامية.

بينما كان حزب الله يحظى بشعبية كبيرة بين الطوائف الدينية اللبنانية الأخرى، وحتى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تراجعت كثيرا شعبية نصر الله خارج قاعدة الحزب بعد حرب العام 2006. وثمة أسباب عديدة  وراء ذلك ذلك، منها استخدام حزب الله قدراته العسكرية ضد جهات وطنية أخرى. فعلى سبيل المثال، اجتاح  الحزب في العام 2008 بعض أحياء بيروت الغربية، وجرت مواجهات عسكرية في مناطق أخرى، لا سيما في الشوف، بعد أن أعلنت الحكومة اللبنانية أنها تريد تفكيك شبكة اتصالات الحزب.

وفضلا عن ذلك، شارك الحزب لاحقًا في القمع الدموي للانتفاضة السورية إلى جانب النظام السوري المستبد، الأمر الذي خلق أيضًا توترات طائفية في لبنان.

كما كان حزب الله من الأطراف المعتبرة مسؤولة عن الأزمة الاقتصادية والمالية لعام 2019، إذ كان حزب الله مشاركا من كل حكومات الوحدة الوطنية منذ العام 2005. وقد عارض نصر الله بشدة الحركة الاحتجاجية في ذلك العام [2019]، وبلغ به الأمر حد اتهام المتظاهرين بأنهم ممولون من سفارات أجنبية. لا بل جرى إرسال عناصر من حزب الله لمهاجمة المتظاهرين.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تورط أعضاء حزب الله في العديد من التوترات الطائفية مع أعضاء الطوائف الدينية الأخرى، واتُهم بأنه أحد الأطراف الرئيسة التي تعرقل التحقيق في تفجيرات مرفأ بيروت في أغسطس/ آب العام 2020.

لكل هذه الأسباب، ازدادت عزلة حزب الله سياسيًا واجتماعيًا خارج قاعدته الشعبية الشيعية. وبدلًا من أن يُنظر إلى نصر الله كشخصية وطنية مقاومة، بات يُعتبر على نحو متزايد”زعيما“ طائفيا يدافع عن مصالح حزبه السياسية ومصالح أنظمة مستبدة، مثل سوريا وإيران.

هذه العزلة هي التي حدت بالحزب إلى السعي إلى تجنب حرب شاملة مع إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

سعى حزب الله، باعتماد تحرك محسوب ومعتدل ضد الأهداف العسكرية الإسرائيلية، إلى منع استغلال الصراع من قبل الأعداء السياسيين الداخليين في لبنان، لأن ذلك سيجعل الحزب الفاعل الرئيس المسؤول عن كل مصائب البلد. بيد أن الحرب الإسرائيلية الحالية على لبنان، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، قوضت هذه الخطة بشدة.

في هذا السياق، يحاول مسؤولو حزب الله أن يثبتوا أن الحزب ماضٍ في طريق الأمين العام السابق بعد اغتياله واغتيال عدد من الكوادر العسكرية والسياسية الرفيعة. وهو ما أكده القيادي المؤقت نعيم قاسم في خطابه أمام أنصارالحزب وأعضائه بقول ”نحن ماضون على خطى حسن نصر الله”.

باتت أولويات حزب الله الآن هي أولاً حماية هياكله الداخلية وحلقات قياداته بما في ذلك ملء الفراغ في قمة الحزب في مختلف المسؤوليات السياسية والعسكرية وانتخاب أمين عام جديد.

وثانياً، يسعى الحزب إلى الحفاظ على أهدافه في ما يتعلق بالحرب مع إسرائيل: عدم الفصل بين جبهتي غزة ولبنان إلى حين وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والحفاظ على بنيته التحتية وقدراته العسكرية وحمايتها، بما في ذلك الصواريخ، والصواريخ بعيدة المدى، من هجمات إسرائيل البرية.

ومن المهم الإشارة إلى أن حزب الله يظل في الوقت الراهن، على الرغم مما تلقى من ضربات كبيرة، أهم فاعل سياسي في لبنان. كما أنه يحتفظ بنفوذ يتجاوز حدوده الوطنية، لا سيما في سوريا، ويمثل أيضًا مصالح طهران السياسية الإقليمية.

والواقع أن قدرات حزب الله العسكرية لا تزال تشكل أهم مؤهلاته، على الرغم من الاختراقات الإسرائيلية وضعف التواصل الداخلي واغتيال عدد كبير من قادته العسكريين المتمرسين. ويمتلك بوجه خاص ترسانة هائلة من الصواريخ والقذائف. وقد استخدم الحزب مؤخرًا ولأول مرة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر صواريخ فادي (صواريخ متوسطة المدى) متنوعة لضرب مواقع عسكرية في ضواحي مدينتي حيفا وتل أبيب. علاوة على ذلك دمر جنود حزب الله، في أثناء محاولات تسلل الجيش الإسرائيلي الأولى إلى الأراضي اللبنانية، دباباته الميركافا، وأصابوا وقتلوا بعض جنوده.

وإلى جانب حركته المسلحة، يمتلك الحزب شبكة كبيرة من المؤسسات تقدم خدمات أساسية وضرورية، رغم أنها تضررت جزئياً بسبب الحرب و تنامي احتياجات السكان. وفي هذا السياق، سيحافظ الحزب على الأرجح على قاعدته الشعبية – خاصة في ظل غياب بديل سياسي دامج وفي خضم أزمة اقتصادية مستمرة مع دولة معطلة.

أما على الصعيد الإقليمي، لا يزال حزب الله يستفيد من دعم إيران، حتى وإن كان هذا الأخير قد ضعف في قطاعات من الحزب في أعقاب الاغتيالات والتدمير الإسرائيلي الأخير. والواقع أن أهداف طهران الاستراتيجية، لا سيما منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، هي تحسين موقعها الجيوسياسي الإقليمي من أجل تعزيز قوتها التفاوضية المستقبلية مع الولايات المتحدة في المسائل النووية والعقوبات. كما ترى في ذلك الدعم وسيلة لضمان مصالحها السياسية والأمنية، مع تفادي نشوب صراع إقليمي مباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة.

وهذا هو السياق الذي يجب أن يوضع فيه رد إيران الأخير على إسرائيل، الذي لم يسفر عن أضرار كبيرة. وبالطبع حاولت إيران أيضًا إعادة تأكيد شكل من أشكال الردع، على الرغم من أنه لم يكن متكافئًا مقارنة بتفوق مقدرات اسرائيل العسكرية والدعم الذي تقدمه واشنطن. وفضلا عن ذلك، لن يوقف هذا حرب إسرائيل على لبنان.

يصح القول إن حزب الله في أخطر وضع منذ تأسيسه، ومن غير المرجح أن يتحسن هذا الوضع قريبًا بالنظر إلى استمرار اعتداءات إسرائيل وعزلة الحزب داخل لبنان.

إن كانت قوة الحزب الرئيسة تتمثل في بناء تنظيم قوي ومنضبط، وليس في ”عرض رجل واحد“ – «one-man-show » ، على الرغم من الدعم  الطائفي  حصرا الذي يحظى به نصر الله – فإن قدرة الحزب على توسيع قاعدته مقيدة إلى حد كبير باستراتيجيته وتوجهه السياسي. لم ينخرط حزب الله في بناء مشروع هيمنة مضادة يتحدى النظام الطائفي والنيوليبرالي اللبناني. والواقع أن الحزب دعمه بنشاط بتحوله إلى أحد المدافعين الرئيسيين عنه.

وعلاوةً على ذلك، تصرف الحزب كحلقة وصل رئيسة للنفوذ والمصالح الإيرانية في المنطقة، لا سيما بعد اندلاع الانتفاضات في سوريا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ العام 2011. تصرف عزز أيضًا نظامًا استبداديًا نيوليبراليًا معارضًا لتحرر الطبقات الشعبية.

وبعبارة أخرى، حزب الله عاجز، كغيره من الفاعلين السياسيين الإقليميين المشاركين في المقاومة ضد إسرائيل، عن بناء حركة واسعة تربط بين القضايا الديمقراطية والاجتماعية، وتعارض كل القوى الإمبريالية والإمبريالية الفرعية في المنطقة، مع العمل من أجل التغيير الاجتماعي من الأسفل عبر بناء حركات حيث الطبقات الشعبية الفاعل الحقيقي في تحررها.

ترجمة  مستعينة  ب Deepl

جوزف ضاهر  مدرس بجامعة لوزان في سويسرا وبجامعة غاند في بلجيكا. من مؤلفاته: “الاقتصاد السياسي لحزب الله” و” الماركسية وفلسطين”.

شارك المقالة

اقرأ أيضا