لا عطلة لنزيف الموت والإصابات الخطيرة بأماكن العمل…

بقلم، محمد أمين الجباري

بسبب ظروف التشغيل اللَّاإنسانية الصعبة والمنهكة، وعدم توفير شروط الصحة والسلامة المهنية:
– دماء لا تجف وموت أثناء العمل: مشاهد تتكرر بسبب الاستهتار بشروط الصحة والسلامة المهنية، وظروف العمل القاسية:
– حوادث شغل مميتة وخطيرة خلال الأسبوعين الأول والثاني من شهر غشت 2024
– نزيف الموت والإصابات الخطيرة بأماكن العمل لا يأخذ عطلة…

شهد الأسبوعان الأول والثاني من شهر غشت 2024 (من يوم 01 غشت، إلى يوم 14 غشت 2024) سلسلة من الحوادث المأساوية بأماكن العمل، أودت بحياة عدد من العمال، وإصابات متفاوتة الخطورة لدى آخرين، وذلك بسبب الاستهتار بشروط الصحة والسلامة المهنية، وظروف العمل القاسية، التي يقبل بها العمال من أجل تحصيل لقمة عيش لهم ولأسرهم؛ خرجوا بداية يومهم لتحصيل لقمة عيش لهم ولأسرهم، ولم يكن في حسبانهم، ولا في حسبان أهلهم، أنهم لن يعودوا إلى البيوت مرة أخرى، أو أنهم سيعودون إليها معطوبين، وجثثا هامدة، وسيتم تشييعهم إلى مثواهم الأخير…

*************

أولا: هذه بعض حوادث الشغل، وقعت خلال الأسبوعين الأول والثاني من شهر غشت 2024، تمكنا من رصدها على جرائد إلكترونية وصفحات الفايسبوك…
1- يوم الأربعاء 14 غشت 2024، عصراً، تم إجلاء جثث ثلاثة بحارة شباب ماتوا غرقا بسواحل الناظور من طرف سباحين تابعين للوقاية المدنية بزايو، بعد انقلاب قاربهم في عرض ساحل رأس الماء، إقليم الناظور، فيما تمكن بحار رابع كان برفقتهم من النجاة سباحة.
القارب، حسب الجرائد التي جاء بها الخبر، انقلب بسببأمواج قوية وظروف مناخية جد صعبةبالمنطقة المعروفة بسيدي الراشدي، الواقعة بين رأس الماء والبركانيين، تحديدا قرب شاطئ سيدي البشير، إقليم الناظور.
فيما لا معلومات، للأسف، عن الضحايا.
2- وفي نفس اليوم، الأربعاء 14 غشت 2024، لقي عامل مصرعه داخل بئر بدوار تيمديغة ايت بازي بجماعة تفني بضواحي دمنات، إقليم أزيلال.
العامل، وهو ابن المنطقة، كان قبل وفاته في قعر البئر يقوم باستخراج الحجارة والأتربة باستخدام سطل تجره حبال، ليفاجئ بسقوط رَدمٍ عليه، ليلقى حتفه هناك على الفور.
تم انتشال جثة الهالك من طرف الوقاية المدنية ونقلها إلى مستودع الأموات بالمستشفى قصد التشريح الطبي.
3- يوم السبت 10 غشت 2024، سقط عامل بناء من مكان مرتفع ، من على “سرير” (بامبا)، أثناء عمله بواجهة منزل في طور البناء بتجرئة الرحمة (حمرية) بمدينة جرسيف، ما استدعى نقله في حالة حرجة، ما بين الحياة والموت، إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي بمدينة جرسيف، لوضعه تحت المراقبة الطبية، لإصابته بجروح خطيرة…
الضحية، المدعو “ق ب” في عقده الرابع، سقط بشكل مفاجئ، نتيجة فقدانه لتوازنه.
4- وفي نفس اليوم، السبت 10 غشت 2024، وقع سقوط خطير لعامل فوق سطح منزل بمشروع ادماج مجموعة 12، مشروع سيدي حجاج، إقليم سطات، ما تسبب في إصابة العامل إصابات خطيرة. هذا وقد جاء في أحد الصفحات التي نقلت الخبر أن هناك “تأخر الإسعاف”.
للأسف لا تفاصيل أكثر عن هذه الحادثة الخطيرة، ولا اهتمام بها من طرف الإعلام…
5- يوم الثلاثاء 06 غشت 2024، فارق الحياة عامل صباغةٍ إثر سقوطه من الطابق الأول لمنزلٍ بدوار عزوزات بجماعة أولاد ستوت، ضواحي مدينة زايو، إقليم الناظور، وذلك بعد أن فقد توازنه وهو يزاو ل عمله، ليرتطم بالأرض، مِمَّا تسبب له في إصابات بليغة.
وحسب الجرائد التي نقلت الخبر، جرى نقل الضحية بعد سقوطه بسيارة إسعاف تابعة للوقاية المدنية بزايو صوب المستشفى الإقليمي بالناظور، غير أن خطورة إصاباته عجلت بوفاته اليوم الموالي، الأربعاء 07 غشت 2024.
الراحل يبلغ من العمر 67 عامًا، خلفت وفاته حزنًا وصدمة بالدوار حيث وقعت الحادثة الأليمة.
6- ويوم الاثنين 05 غشت 2024، شهد دوار بشبش بالجماعة نفسها حادثة شغل مماثلة، حيث سقط عامل بناء من مكان مرتفع بعلو ثلاثة أمتار، أثناء العمل بورش بناء، ولا زال بالمستشفى في حالة حرجة، ما بين الحياة والموت، بعد أن تم نقله إليه.
7- يوم الثلاثاء 06 غشت 2024، صباحاً، وقعت حادثة شغل مؤلمة بمحل لبيع الدجاج المذبوح بسوق الحرية البلدي التابع لنفوذ الملحقة الإدارية الثالثة بمدينة القنيطرة، أسفرت عن قطع أربعة أصابع من يد شاب يبلغ من العمر 18 سنة بواسطة ماكينة الكفتة.
هذا، وقد تم نقل الضحية من طرف الوقاية المدنية إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإدريسي بالقنيطرة، لنزع الآلة من يده، نظرًا لصعوبة الحادثة، وتلقي العلاج. وجاء في الجرائد والصفحات التي نقلت الخبر أنه لولا تدخل سريع وناجح لجزارٍ صاحبُ محلٍّ مجاورٍ لمحل مسرح الحاثة، بعد سماعه صراخ الضحية، “لكانت ماكينة الكفتة قد تسببت في بتر يد الشاب بالكامل”…
8- يوم الاثنين 05 غشت 2024، تعرض بحار من طاقم مركب للصيد الساحلي صنف “السردين”، المسمى “موريتاني” المسجل بمندوبية الصيد أكادير، تحت رقم 8-1098، لحادثة شغل خطيرة أثناء رحلة صيد بسواحل العيون، حيث أصيب باليد اليسرى أثناء مزاولة مهامه على ظهر المركب، استدعت نقله إلى مستعجلات المستشفى الإقليمي بمدينة العيون.البحار يبلغ من العمر 39 سنة، ينحدر من منطقة تامري، عمالة أكادير.
9- وظهيرة يوم السبت 03 غشت 2024، نجا 11 بحاراً من الموت غرقا، يشكلون طاقم مركب الصيد بالجر “سيدي الكاوكي” المصنوع من الحديد، إثر غرق الأخير بسواحل الدائرة البحرية بوجدور خلال العودة من رحلة صيد من مصيدة الأخطبوط جنوب سيدي الغازي، نتيجة تسرب المياه إليه، وفشل طاقمه في منع ذلك رغم كل مجهوداته.
واستجابة لنداء الإغاثة لربان المركب، تم إنقاذ البحارة من طرف مركب الصيد بالجر “أبو خليل”، الذي قدم المساعدة لهم بعد أن واجهوا شبح الغرق، ليتم نقلهم تحت إشراف مكتب جمعية إنقاذ الأرواح البشرية صوب إحدى الوحدات الفندقية و تمكينهم من منحة مالية “مصروف جيبي” قصد تغطية الحاجيات.
أنها فاجعة، لحسن الحظ لم تخلف خسائر في الأرواح، تسلط الضوء على ظروف العمل المتردية والخطيرة، التي يرغم البحارة على الكدح فيها؛ حيث تسجل السواحل حوادث غرق مماثلة عديدة على مدار العام.
10- يوم السبت 03 غشت 2024، سقط عامل في مجال البناء من الطابق الثاني لعمارة بالزنقة 3 وسط مدينة سيدي قاسم، وذلك أثناء قيامه بأعمال نقل الزليج بها، مما أدى إلى ارتطامه بقوة على الأرض.
جرى نقل الضحية إلى المستشفى الإقليمي بسيدي قاسم، حيث فارق الحياة، متأثرا بإصاباته البليغة؛ وتم بعدها نقل الهالك إلى مستودع الأموات بذات المستشفى. الهالك يسمى قيد حياته “ع ح”. وخلفت هذه الحادثة الأليمة حزنًا وصدمة في صفوف أصدقائه في العمل.
11- يوم الجمعة 02 غشت 2024، استقبلت مصلحة التشريح التابعة لمستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي بجرسيف جثة عامل بناء، كان قد جرى نقله إلى المستشفى الإقليمي ابن باجة بتازة بتاريخ 28 يوليوز 2024، وذلك إثر سقوطه من درج يؤدي لقبو بعمارة في طور البناء بتازة، وهو في حالة غيبوبة، ويحمل إصابات على مستوى عنقه، ورضوض على مستوى قفصه الصدري ورأسه، إلى جانب نزيف دموي على مستوى إحدى أذنيه، ليفارق الحياة ثلاثة أيام بعد ولوجه إليه، أي يوم الأربعاء 31 يوليوز 2024، مساءً، بمصلحة الإنعاش بذات المستشفى، متأثراً بمضاعفات إصاباته.
الهالك المدعو قيد حياته “ح أ”، شاب ثلاثيني، مزداد سنة 1985، ينحدر من منطقة مكناسة الشرقية بإقليم تازة.
12- يوم الجمعة 02 غشت 2024، لفظ موظف يعمل بالمحكمة الابتدائية بالناضور آخر أنفاسه بشكل مفاجئ، وذلك إثر سكتة قلبية مفاجئة باغتته داخل مكتبه بالمحكمة.
تمَّ نقل جثة الراحل إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي بالناضور لإجراء التشريح الطبي، والكشف بالتالي على ملابسات هذا الحادث المميت؛ فيما خلفت الحادثة الصادمة حزنا في نفوس موظفي المحكمة.
13-يوم الخميس 01غشت 2024، مساءً، تعرض عامل يعمل كهربائيا بفندق، تعود ملكيته لأحد رجال الأعمال الأجانب، بكورنيش أكاديرلصعقة كهربائية، ما اقتضى نقله إلى مستعجلات المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، حيث جرى إسعافه وتقديم العلاجات الضرورية له.
وحسب الجرائد التي نقلت الخبر، أن “الضحية كان بصدد إصلاح أحد المبردات التي أصبحت متهالكة بالفندق، حيث احتك بالأسلاك الكهربائية ذات الضغط المرتفع، ما أدى إلى سقوطه وإصابته بجروح وصفت بالخطيرة”.
ثانياً: لماذا الموت دائم التربص بالعمال والعاملات بمختلف أماكن العمل؟
هذه عينة من الفواجع، التي وقعت خلال الأسبوعين الأول والثاني من شهر غشت 2024 بأماكن العمل، والتي تركت وراءها أسرًا مكلومة، بلا أب ولا معيل، وأيتام وأرامِلَة، وآلام، وأحزان عميقة، أما عددها الحقيقي فأكبر بذلك بكثير، ويتم إبقاء الجزء الأكبر منها بعيداً عن الإعلام وغير مرئي…
قد تنقل الجرائد، التي تطرقت لها، سببها المباشر: فقدان التوازن والسقوط، عدم أخذ الحيطة والحذر…، وقد لا تفعل غالبا.
أما السبب الرئيسي لها فيكمن أساسا في:
– غياب شروط الصحة السلامة المهنية، وانعدام وسائل الوقاية الجماعية والفردية، وعدم توفير وسائل الانقاذ والاسعافات الأولية؛ إضافة ظروف التشغيل اللَّاإنسانية، الصعبة والمنهكة…
– تهاون أجهزة الدولة في اتخاذ التدابير اللازمة للحد من هذه المآسي، حيث غياب المراقبة الفعلية فيما يتعلق بتطبيق شروط السلامة والصحة المهنيتين في أماكن العمل (المنصوص على القليل منها في مدونة الشغل، أو التي صدرت بشأنها مراسيم)، وعدم تفعيلها عقوبات على المخالفين، رغم ضعف هذه العقوبات وعدم كافيتها لردعهم؛
– عدم اهتمام منظمات الطبقة العاملة، خاصة منظماتها النقابية، بشروط السلامة والصحة المهنيتين، وصمت قياداتها عما يصيب العاملات والعمال من فواجع في أماكن العمل أو أثناء الذهاب اليه أو العودة منه، عوض حشد التضامن لفرض وقف استمرار هذه الفواجع؛
– قبول العاملات والعمال مرغمين، من أجل لقمة عيش لهم ولأسرهم، العمل في بيئة تنعدم فيها شروط الصحة والسلامة المهنية.
هذا الوضع المدمر لصحة العاملات والعمال وسلامتهم وحياتهم لا مخرج منه، إلا بتوحيد الجهود بين المنظمات النقابية والجمعيات والإطارات المناضلة للعمل سويا في مختلف المبادرات النضالية لتنسيق جهودها، وذلك من أجل:
– توعية العاملات والعمال بمخاطر العمل، وبمخاطر ظروف نقلهم، وتنظيمهم ليكونوا في طليعة النضال من أجل ظروف عمل لائقة وآمنة…؛
– دور حقيقي لجهاز تفتيش الشغل بعدد كاف من المفتشين وبصلاحيات كبيرة، قادر على القيام بزيارات دورية منتظمة لأماكن العمل لفرض شروط عمل ملائمة للعمال والعاملات، بدل ابقائه جهاز فارغ لا دور حقيقي له؛
– تطبيق ما جاء في قوانين الشغل ومعاقبة كل من أخل بها حقيقة لا كذبا، وسن عقوبات حقيقية رادعة لأرباب العمل؛
– وقف نقل العاملات والعمال في وسائل نقل غير مخصصة لنقل البشر، حاطة بالكرامة، غير لائقة وغير آمنة…
يا عاملات وعمال المغرب لتحسين ظروف عملنا وعيشنا، وصيانة حياتنا، وصحتنا، وسلامتنا، وكرامتنا…

ليس أمامنا سوى:
– رفض العمل في بيئة عمل تنعدم فيها شروط السلامة والصحة المهنيتين؛
– رفض نقلنا في وسائل نقل متهالكة، غير آمنة، وحاطة بالكرامة.
حياتنا أهم من أرباحهم، فلنناضل من أجل حمايتها!
– لا للموت في أماكن العمل!
– لا للموت في الطريق من أو إلى العمل!
– لا للموت بسبب الأمراض المهنية!

شارك المقالة

اقرأ أيضا