طاطا: تغيرات مناخية تعمق السياسات النيوليبرالية وطأتَها

بقلم؛ ماسين

لعقود من الزمن لم تسلم المناطق المهمشة من جشع الرأسمالية الفلاحية، حيث دعمت الدولة زراعة البطيخ التي استنزفت الفرشة المائية وأحدثت إشكالات بيئية بليغة، خاصة النفايات البلاستيكية، واستنزاف الفرشة المائية. 

بعد استشعار الدولة للأزمة المقبلة، ومن أجل تفادي أي احتجاج يخل بما تطلق عليه سلما اجتماعيا، وتحث ضغط أزمة العطش التي صارت تطال مجموعة من المناطق وخروج الساكنة للاحتجاج بالدواوير المتضررة، أصدرت قرارات متوالية وإجراءات من أجل تقنين الزراعة المستنزفة للمياه، ثم إلغاءها نهائيا. لكن لم تقف الأمور عند هذا الحد فبعد أزمة الماء، شهدت طاطا كوارث حرائق الواحات، ومؤخرا الفيضانات والسيول الفجائية.

البنية التحتية الهشة: تنمية: أرباح حفنة من ناهبي المال العام

تحمي دولةُ رأسِ المال عبر مؤسساتها المتواطئة المستثمرينَ الحائزين على صفقات إعداد وبناء البنيات التحتية، هذا التواطؤ يزكيه الفساد الذي يدب في كل أوصال المؤسسات العمومية. يجري توزيع كعكة الصفقات حسب الموقع والأهمية، وكل ذلك على حساب مآسي وآلام ومعاناة الأهالي في كل مرة تطالها كارثة بيئية.

شهدت طاطا، وباقي مناطق الجنوب الشرقي والمناطق الشرقية في شهر سبتمبر 2024 فيضانات وسيولا عنيفة، لم تشهد لها مثيلا منذ عقود خلت. فقد أودت بحياة العديد من السكان في تمنارت وطاطا والدواوير المجاورة لها.

فاقم من هذه المآسي ضعفُ التجهيزات الفنية والعُدة اللوجستية والتلكؤ في التدخل من طرف السلطات، ففي حادثة “حافلة نقل الركاب” نجى مجمل الناجين بمجهودات فردية، وبتضامن بينهم لحظة محاولة الخروج من السيول، بينما ظلت السلطات تتفرج وتمنع الأهالي من الاقتراب، في حين تتعالى الصرخات من داخل الحافلة، لذلك فالناجون كلهم ذكور، بينما النساء والأطفال والشيوخ تُركوا ليواجهوا الغرق، وحتى بعد ذلك لم تصل الكلاب المدربة للبحث عن باقي المفقودين إلا بعد 48 ساعة، ما زاد من معاناة أسر الضحايا.

أظهرت هذه الفيضانات هزالة البنية التحتية وعدم قدرتها على تحمل أي كارثة طبيعية، فجرفت السيول القناطر والطرقات البالغة الهشاشة، وكذلك المنازل المجاورة للأودية، ومرد ذلك أن المشاريع الخاصة بهذه البنيات يتم التعامل معها من طرف جميع المتدخلين كفرصة لمراكمة الأرباح وتعويض الخسائر، بين جميع المتدخلين سواء الشركات أو المنتخبين أو رجال السلطة. 

رغم إعلان النشرات جوية انذارية إلا أن الدولة لم ترفقها بأي خطط وتدخلات استباقية من أجل حفظ الأرواح والممتلكات البسيطة لسكان الواحات المجاورة للمجاري المائية، ما يكشف نفاق الإعلام وتصريحات مسؤولي حكومة الواجهة..

أي تنمية لواحات طاطا المنكوبة 

لقد بنت الدولة ركاما من الأكاذيب وتروج له في إعلامها، خاصة بعد زيارة الإقليم نهاية يوليوز، من طرف أحد الوزراء، من أجل الترويج في عز الصيف لدعايات تنموية في هذه البقعة من الجنوب الشرقي، بل بلغت الأمور حدَّ تصريحَ أخنوش بأن سكان طاطا التي تنهشها الهشاشة والبطالة المعممة، لا يريدون الاشتغال بسبب الدعم الاجتماعي (500 درهم!).

تخفي هذه الدعاية في طياتها مساعي الرأسمالية المحلية والأجنبية من أجل أكبر استفادة من خيرات المنطقة الظاهرة والدفينة، فالسدود التلية المزمع تشييدها ليست لخدمة مُعدَمي- ات طاطا وصغار المنتجين- ات، بل من أجل كبار الرأسمالين المغاربة والأجانب أصحاب الضيعات الفلاحية المستحدثة، أو ما قد يأتي من مشاريع دولية حول الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر والتنقيب عن المعادن.

تصطدم الدعاية البرجوازية حول التنمية بالواقع المرير للأهالي ولواقع الواحات الهش من ناحية البنية والمناخ، فقد أتت موجة الفياضات الأولى يوم 8 سبتمبر ثم ليلة 21 من سبتمبر، لتكشف زيف الخطابات الرسمية، فحاصرت السيول عشرات الآلاف من السكان وعزلت قرى ومدنا، وانقطعت المياه والكهرباء وتغطية الهاتف والانترنت، ما عزلها عن العالم في لحظات حاسمة، فبقيت دواوير بدون طرق ما، وبالتالي بدون مواد غذائية أساسية.

مع أول السيول انكشف الفقر الهائل في الطرق والبنيات وهشاشة المنجزات، كما انكشف وزيف الشعارات الرسمية حول التنمية واستدامتها، ليظهر جليا أن دولة الرأسماليين لا تخصَّص للمناطق التي همشتها بسياستها سوى الأسوء من البنيات التحتية من طرق وقناطر وجسور، والوافر من  البنيات التحتية القادرة على المقاومة من نصيب الرأسمال الكبير وأصحاب المشاريع الضخمة.

تبرر الدولة المديونية الضخمة بالخصاص المهول في البنية التحتية الهشة وأنها تحتاج لمواكبة متطلبات العصر وتساهم في الاقتصاد المحلي، لكن واقع الحال المرير أن هذه المديوينة يتم سدادها من جيوب الفقراء وبائسي البلد وعماله، دون أن يصلهم التغيير المنشود الذي تصدح به وسائل الإعلام البرجوازية. يعيش سكان طاطا وأقاليم الجنوب الشرقي ويلات البؤس والحرمان، وتُفاقمها الأزمات المناخية وسياسات الدولة النيوليبرالية.

لا يمكن إلقاء مسؤولية الوضع الذي تعيشه طاطا ونواحيها بشكل قَدَري على الطبيعة، بل على المتورطين من الدولة والرأسمالية المدمِّرة للبيئة، ورجال الأعمال المشاركين في عمليات تشييد البنية التحتية، فهم مجرد ناهبي المال العام وفي البناء المغشوش والبنيات التحتية الهشة من قناطر والطرق، وكذا شبكات تزويد الماء والكهرباء التي ينقطع جلها مع أولى قطرات المطر.

ما سبيل الخلاص؟ 

إن خلاص الجماهير لن يتم الا باسترجاع ثقتها في قواها الذاتية و قدراتها النضالية، وإحياء تقاليد النضال الجماهيري- الشعبي، فقوة الجماهير لا حدود لها إذا تفجرت. قدمت جماهير المنطقة درسا في ذلك من خلال أهم تجربة نضالية لسكانها سنة 2005 من أجل تجويد الخدمات الصحية ورفض التسعيرة بالمستشفيات، والتي يجهل عنها الجيل الحالي الكثير، فنقل الدروس وتجارب النضال لجيل الشباب بطاطا نبراس لنضالهم المستقبلي وثقتهم في قواهم وهذا عمل الإعلام العمالي البديل.

اليوم لدى الساكنة وخاصة الشباب الجامعي والمدرسي فرص للنضال بسبب المناخ السائد في ظل التهميش المستمر، فاحتجاج شباب جماعة أقا وأرباب المحلات بسبب الانقطاع الشبه اليومي للماء ومضايقات السلطات لهم، بادرة نحو تعميم نضال المنطقة، شرط ألا يقتصر على أقا فقط، بل الواجب يحتم أن تتحرك قوى النضال بالإقليم عامة وتحتج على الأوضاع المزرية، والتضامن الشعبي مع كل الحركات الاجتماعية والاحتجاجية كي لا تظل معزولة وحدها ومكشوفة للسلطة، فصهر القوى وتوحيد النضال مع باقي المناطق ذات المطالب الشعبية أمر لا محيد عنه بسبب ميزان القوى المائل للدولة

لن تلتفت دولة البرجوازية للمتضررين ولا المنكوبين ولا لمجموعات المعطلين، إلا بفعل احتجاجي يتجاوز المطالب الآنية (ماء، فك العزلة…) إلى مطالب شعبية واجتماعية حقيقية (تشغيل، صحة عمومية، تنمية حقيقة…)، فك الارتباط مع مسكنات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تنخر المنطقة بصفة عامة. فالعدو ليس الطبيعة بل الرأسمالية التي تنهب خيرات البلد وتترك السكان عراة أمام غضب الطبيعة وكوارثها.

********************************

طاطا: من ذاكرة الكفاح الشعبي؛ الدروس المستخلصة من تجربة هيئة الدفاع عن مجانية وجودة الخدمات الصحية 

ما العمل ؟ 

توالت كوارث الجفاف والحرائق والسيول لتبرز مدى تردي الوضع الاجتماعي الناتج عن السياسات النيوليبرالية التي دامت عقودا. ومع توالي الكوارث واستمرار تلك السياسات، يتأكد أن لا مخرج من هذا الوضع بالثقة في الخطاب الرسمي، ولا بالانخداع بالإجراءات الترقيعية، وبرامج “التنمية المحلية”، إذ لا غاية لها سوى صرف اهتمام الغاضبين والغاضبات عن التحرك الجماعي لانتزاع مكاسب حقيقية. لا سبيل غير مقاومة التعديات بالتنظيم و النضال. وإن لطاطا ونواحيها رصيدها، على غرار مناطق عديدة بالمغرب، من الكفاح المنظم. ثمة نضالات متعددة ومتنوعة، تعلو وتهبط، لكنها متجددة. وقد بلغت ذروةً قبل زهاء 20 سنة من خلال حراك العام 2005 الجماهيري. التحديات التي يفرضها تردي الوضع الاجتماعي، والحالة التي توجد عليها تنظيمات الكادحين- ات، من نقابات وجمعيات، وقوى يسارية، يفرض الاستناد إلى التجربة النضالية، لتنوير طريق الكفاح الشعبي. لذا لا بد من تذكير مقتضب بتجربة 2005 النضالية، واستنتاج دروس منها.  

تجربة هيئة الدفاع عن مجانية وجودة الخدمات الصحية: 

مع بدء فرض أداء ثمن الخدمات الصحية بالمستشفى، جاء الرد بتأسيس هيئة الدفاع عن مجانية وجودة الخدمات الصحية من معظم الهيآت الناشطة في المدينة (نقابية وسياسية وجمعيات المختلفة) وذلك يوم 17 مارس 2005. شرعت الهيئة في النضال بتنظيم مسيرة يوم 27 مارس بعد تعبئة طيلة 10 أيام في طاطا والعديد من القرى، بتوزيع بيانات للعموم في الشارع والأسواق الأسبوعية، وتنظيم حلقات نقاش مع السكان باستعمال مكبرات الصوت، ملصقات… ولقيت التعبئة تجاوبا واسعا لدى السكان. وكانت مسيرة 27 مارس 2005 الأولى في طاطا بذلك الحجم وبمطلب واضح وموحِّد لكل القوى المكافحة. ويوم 1 أبريل نظمت الهيئة وقفة احتجاجية أمام مندوبية وزارة الصحة. ثم بدأ اعتصام في خيام أمام المستشفى الإقليمي، أُطلق عليه اسم  “مخيم المرضى والمهمشين” يوم 23 أبريل، مع تنظيم وقفات احتجاج يومية. وحظي بمساندة تلميذات وتلاميذ المؤسسات التعليمية الذين هبوا لزيارته. وجرى تنظيم مسيرة الشموع يوم 03 ماي 2005. ونظم طلاب إقليم طاطا بجامعة القاضي عياض بمراكش وقفة احتجاجية، ونظم رفاقهم بجامعة ابن زهر باكادير سفرا جماعيا (زهاء 50 طالب وطالبة) إلى طاطا، يوم 7 مايو، لتجسيد التضامن مع الجماهير المناضلة، وساروا في مسيرة من محطة الحافلات إلى مخيم المرضى والمهمشين. ثم كانت مسيرة شعبية ثالثة، سُميت مسيرة “الكاسرونا والكاميلا”، وكانت  حاشدة من المعتصم إلى مقر عمالة إقليم طاطا يوم الأربعاء 11 ماي 2005 دامت 2 ساعات. مسيرة أضخم من سابقاتها بمشاركة نحو 7 آلاف مواطن رجالا ونساء، شبابا وشيوخا. ويوم 26 مايو، نظمت هيئة الدفاع عن مجانية وجودة الخدمات الصحية مهرجانا خطابيا بالساحة الرئيسية بالمدينة. وفي اليوم التالي، نظمت بايمي أواكادير- فم الحصن وقفة تضامن مع سكان طاطا من طرف اللجنة المحلية لمساندة هيئة الدفاع التي شكلتها 9 هيئات سياسية ونقابية وجمعيات.

دامت هذه السيرورة النضالية شهرين، ولم تتمكن من التطور بامتداد أقوى في ربوع الإقليم، ولم تتضافر مع تجربة مثيلة ولدت في  ايفني ايت باعمران (تأسيس لجنة للنضال ضد الإقصاء ومن اجل الحقوق الاجتماعية، سميت السكرتارية المحلية لتتبع الوضع بايفني -ايت باعمرانواقتصر الأمر على قيام وفد من مناضلي مدينة سيدي إفني بزيارة تضامنية إلى مدينة طاطا، ولم تحظ بتضامن مناطق أخرى بالمغرب، فتبين للدولة أن لحظة خنقها قد حلت. 

شهد يوم يوم 31 مايو استنفارا قمعيا بوضع الحواجز بالشوارع الرئيسية. واستقدام فيالق من قوات التدخل السريع من ورزازات، مدججة بالهراوات والدروع والقنابل المسيلة للدموع وجحافل من الدرك الملكي مصحوبة بكلاب بوليسية. ويوم 1 يونيو على الساعة الرابعة صباحا، بعد 37 يوم من بدء مخيم المرضى والمهمشين، أغارت عليه قوات القمع تحت جنح الظلام، وفككته بمصادرة الخيام. في الصباح، هب السكان إلى المكان للتضامن واستنكار فعل السلطة والمطالبة بإعادة المحجوزات. مساء نفس اليوم: شارك زهاء 2000 مواطن في وقفة أخرى بدعوة من الهيئة، محتجين على مصادرة خيام المعتصم ومؤكدين التمسك بمطالبهم. ويوم الاثنين 6 يونيو، نُظمت وقفة احتجاج أمام المستشفى الإقليمي بعد 3 أيام من التوقف اكتفى خلالها المواطنون بحمل الشارات الحمراء.
يوم 9 يونيو: استرجاع خيام النضال المحجوزة. بعد تسلم الهيئة المحجوزات جابت الشوارع الرئيسية للمدينة في موكب شعارات تحيي الصمود والنضال، تجاوب معها السكان برفع شارات النصر.

 12 يونيو: مسيرة الصفير بمشاركة زهاء 5 آلاف مواطن. بعدها توصل 4 من أعضاء هيئة الدفاع عن مجانية و جودة الخدمات الصحية بطاطا، باستدعاءات من الدرك الملكي. وتم استنطاقهم مع تحرير محاضر، وقدموا أمام وكيل الملك يوم الخميس 16 يونيو صباحا. على أن يَمثلوا أمام القاضي يوم 30 يونيو بالمحكمة الابتدائية بطاطا، بتهمة جمع والتماس غير قانوني لإحسان عمومي.

وبذلك تكون الدولة قد تمكنت من وقف تطور الحراك الشعبي، الذي لم يحقق هدفه، منتزعا تنازلا متمثلا في تسهيل الحصول على شهادة “الاحتياج” لتبرير عدم أداء ثمن خدمات الصحة. هذا مع عدم إرغام أي مريض على الأداء إذا لم يُدل بشهادة الضعف مع منحه مهلة 15 يوم لتقديمها.

تحقق ما لم يكن مَطلبا، لأن فرض التراجع عن إلغاء مجانية خدمات الصحة يتطلب نضالا أعظم تَنضم إليه الجماهير الكادحة بسائر مناطق المغرب. وقد كانت إمكانية امتداد النضال قائمة، وماثلة في نهوض كادحي إيفني آيت باعمران، والعديد من النضالات المحلية، هنا وهناك، لكنها غير منسَّقة، ما أتاح للدولة التغلب عليها تباعا، بالتنازلات المجهرية وبالقمع.

شباب طاطا، من طلاب ومعطلين وعمال، ومن كل صنوف الكدح، ونساؤها، مقبلون ومقبلات على كفاحات لأن عيون الرحمة لدى المسؤولين عن الوضع عيونٌ عمياء، وكثرة الوعود والكلام الجميل مجرد تقنية آنية لتجاوز الفترة الحرجة حيث لا تزال آلام المصائب تهز الأعماق. لذا يجب التزود من كفاحات الماضي بدروسها هذه بعضها:

– يمكن عند اعتبار مصلحة الكادحين توحيد جهود أطراف وتنظيمات عديدة متنوعة، تبدو من زاوية نظر أخرى غير قابلة للتلاقي. يجب تغليب منطق النضال المشترك دون عصبية تنظيمية ولا ادعاء احتكار الحقيقة والصواب. تجميع كل القوى الساعية إلى تحسين الوضع وتغييره شرط أول لا غنى عنه. 

– أشكال النضال الميدانية وحدها كفيلة ببناء القوة الجماهيرية التي ظلت من قبل مشتتة، وهي القادرة دون سواها على الضغط الفعلي من أجل انتزاع المطالب. أساليب المراسلات إلى الجهات العليا، وما يسمى “الترافع”، لا يمكن أن تكون في أحسن حال سوى أداة ثانوية للتعبئة، وليس سبيلا لبلوغ الأهداف. 

– الجماهير الشعبية تنخرط في النضال عندما يكون المطلب واضحا، والجهود التنظيمية موحدة. ويزداد هذا الانخراط عند تسيير النضال بشكل ديمقراطي مباشر. وفي هذا المضمار يجب العمل لسد أوجه النقص التي لازمت تجربة هيئة الدفاع عن مجانية وجودة خدمات الصحة. رغم الطابع الديمقراطي الظاهر لعمل الهيئة، إذ تمثلت فيه معظم التنظيمات المحلية، ظل ناقصا. فأغلب الاجتماعات جرت بين الممثلين المنتدبين إلى الهيئة، يقررون الخطوات النضالية ويعينون الأجهزة الساهرة على تنفيذها. وينفرد  أعضاء الهيئة بتقييمها بعيدا عن السكان، مكتفية بإبلاغهم بالقرارات المتخذة.
يجب العمل على ضمان مشاركة السكان المباشرة بعقد الاجتماعات العامة بشكل مكشوف وجماهيري، كيفما كان موضوعها (تقرير خطوة نضالية،كيفيات تنفيذها، تقييمها).

– كان للنقابات دور فوقي في تأسيس هيئة النضال الشعبي في طاطا، لكن لا تعبئة واحدة في صفوف المنخرطين في النقابات، وفي صفوف الشغيلة بشكل عام، لنقاش أسباب الاحتجاج والانخراط في الخطوات النضالية. إن هذا الوضع يستدعي من المناضلين النقابيين في المنطقة النضال من أجل أكبر انخراط لنقاباتهم وللشغيلة في كفاح السكان.

– تميز حراك 2005 في طاطا بالحضور القوي للنساء، أضفين عليه طابعا شعبيا حقيقيا، جعل حتى غير المشاركين يتعاطفون. لكن هذا الحضور القوي لم ينعكس في قيادة النضال، حيث لم توجد حتى امرأة واحدة في هيئة الدفاع عن مجانية وجودة خدمات الصحة. يبين هذا عيب تهميش النساء داخل التنظيمات المكونة للهيئة من جهة، والحاجة إلى أشكال تنظيم ديمقراطية فعلا يكون فيها للنساء مكانة مناسبة لدورهن النضالي. بقدر ما يكون تسيير النضال ديمقراطيا بقدر ما يجذب مزيدا من الجماهير، وبمقدمتها النساء. 

– رغم أن احتجاج الجماهير الشعبية موجه ضد النتائج المباشرة للهجوم النيوليبرالي، لم تكن تلك الجماهير واعية بأصل البلاء، ولا تربط الهجوم على مجانية خدمات الصحة بما يتعرض له التعليم وسواه من القطاعات الاجتماعية من تدمير، وبتفشي البطالة، وبغلاء المعيشة، وبما يجري في “المؤسسات المنتخبة”، وبأشكال القمع التي تواجه بها الدولة مطالب الناس المقهورين، وبوجه عام بالطريقة التي تسير بها شؤون البلد. ثمة حاجة ماسة، والحالة تلك، إلى عمل توعية وتثقيف شعبي يفتح أعين الكادحين ويزيد أهدافهم وضوحا، ويطور درايتهم النضالية. يجب خلق فضاءات يلتقي فيها الناس الأكثر انشغالا بسبل تحسين الوضع وتغييره، ليناقشوا ويتعلموا. مقرات جمعيات ونقابات وقوى يسارية، نوع من هذه الفضاءات، فضلا عما تتيحه تكنولوجيا التواصل من إمكانات يمكن استعمالها لأهداف النضال.

المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا