كاديطاف/ CADETAF قديما وحديثا

تقع “المؤسسة المركزية للشراء والتنمية بالمنطقة المنجمية لتافيلالت وفݣيݣ”، المعروفة اختصارا بـ”كاديطاف”، في مركز احتجاجات منجميي بلدة بني تجيت- إقليم فݣيݣ، منذ إقدامهم في منتصف غشت 2024 على احتلال مناجم بوظهر وبني عروس وأسكندس، وتسييرها ذاتيا.

ما هي هذه المؤسسة؟ وما سياق تأسيسها؟ وما تطوراتها التي دفعت منجميي بني تجيت يصعدون من احتجاجاتهم؟

نقدم هذه الدراسة الصغيرة دعما لنضالات الصناع المنجميين التقليديين والعمال المنجميين ببني تجيت، ونعتذر لهم على عدم الاهتمام بالموضوع قبل انطلاق نضالاتهم.

رابط تحميل الدراسة: كاديطاف-CADETAF

ما هي مؤسسة كاديطاف؟

مؤسسة “المركزية للشراء والتنمية بالمنطقة المنجمية لتافيلالت وفݣيݣ- كاديطاف”، مؤسسة عمومية ذات شخصية مدنية واستقلال مالي، أُسست بمقتضى الظهير رقم 1.60.019 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 2513 بتاريخ 23 ديسمبر 1960، لغرض احتكار جمع كل “معدن من رصاص وزنك يُستخرج من استغلالات صناعية تقليدية بالمنطقة المنجمية بتافيلالت واشتراؤه وإيداعه وخزنه ونقله وبيعه وبوجه عام الاتجار فيه” 1، وكان مقرها الأول بمدينة أرفود.

المنطقة في ظل الاستعمار
اكتشفت أشغال البحث والتنقيب المنجمي سنة 1912 مَكامنا مهمة من معدن المنغنيز بمنطقة بوعرفة والذي تم استغلاله منذ سنة 1922. تعاقبت على المنطقة طرف عدة شركات:
* الشركة المنجمية للأطلس المغربي (Société Minière de l’Atlas Marocain SMAM)؛
* الشركة المنجمية لأدرار (Société Minière de l’Adrar)؛
* شركة كير الكبير (Haut Guir)؛
* الشركة المنجمية لشمال إفريقيا (la Compagnie Minière de l’Afrique du Nord- CMAM)؛
* شركة بينارويا Penarroya))؛
شركة مناجم أحولي (Société des Mines d’Aouli)
استفادت هذه الشركات من تفويت الرخص وكذلك من 500 رخصة للبحث تم منحها من طرف مديرية المناجم في إطار ظهير 3 غشت 1951، الذي وسع قانون المناجم ليشمل منطقة تافيلالت التي كانت تتواجد بها استغلالات شبه صناعية للعروق المعدنية تُستغل من قبل السكان المحليين 2.
سياق التأسيس
تأسست كاديطاف في سياق حرج من تاريخ البلد السياسي بعد الاستقلال الشكلي. وفي تلك الفترة تولَّت الدولة عملية إنماء الرأسمالية المحلية، لأن القطاع الخاص المغربي كان من الضعف ما جعله عاجزا عن القيام بعمليات الاستثمار. وكانت منطقة تافيلات، الواقعة في الحدود مع الجزائر، والمحسوبة على مغرب غير نافع استنزفت الشركات الاستعمارية ثرواته، دون إحداث أي تنمية. لذلك، وتفاديا لأي قلاقل سياسية وضمانا للاستقرار السياسي، خصوصا أن المنطقة كانت قد احتضنت تمرد عدي أوبيهي في يناير 1957، أبقت الدولة على الاستغلال المنجمي التقليدي من طرف الصناع المنجميين، مانعة أي استثمار خاص في المنطقة.
بموجب ظهير صدر سنة 1970، تم توسيع المنطقة المنجمية التي كانت تغطي فقط منطقة أرفود، لتشمل مناطق دايت وبني تدجيت وتيزي نفيرست والراشيدية، التي كان يمارَس فيها نشاط المناولة من قبل شركة بينارويا وحاملي رخص البحث الذين كانوا يتوفرون على المئات من السندات المنجمية في هذه المنطقة. ويعزى سبب قرار التوسيع هذا الى الإنتشار الواسع لأوراش الاستغلال ذات الطابع التقليدي في شمال وغرب اقليم الرشيدية 3. وبموجب الظهير رقم 1.60.019 المتعلق بإحداث المنطقة المنجمية لتفايلالت وفجيج”، الجريدة الرسمية عدد 3287، بتاريخ 29 أكتوبر 1975، تم تمديد هذه المنطقة للمرة الثانية لتشمل مناطق فݣيݣ وتالسينت وبوعرفة وكورامة والريش وآيت هاني وتافنة، وتم تغيير اسم CADET ليصبح CADETAF (مركزية الشراء والتنمية للمنطقة المنجمية لتافيلالت وفݣيݣ).
الإطار الجغرافي
تعتبر المنطقة المنجمية لتافيلالت وفݣيݣ منطقة ذات مؤهلات معدنية كبيرة ومنبعا لإنتاج معادن الرصاص والزنك والباريتين. تحتل المنطقة مساحة شاسعة تقدر بحوالي 58799.21 كيلومترًا مربعًا وتقع شرق البلد. تغطي هذه المنطقة كل أو جزءً من أقاليم الرشيدية وفݣيݣ وتنغير وميدلت وزاكورة وبولمان.
تتميز المنطقة بوجود منطقتين جغرافيتين ومناخيتين رئيسيتين:
* المنطقة الشمالية حيث جبال الأطلس الكبير يبلغ ارتفاعها أكثر من 3000 متر مع انخفاض كبير في درجات الحرارة.
* المنطقة الجنوبية حيث الواحات الخضراء المحاطة بجبال الأطلس الصغير والتي يمكن أن تصل فيها درجات الحرارة إلى 48 درجة في فصل الصيف.
كما تتميز المنطقة بكثافة سكانية منخفضة، وتُعتبر الفلاحة وتربية الماشية، إلى جانب الاستغلال المنجمي التقليدي، من بين الأنشطة الرئيسية لسكانها.

المصدر: “تقرير لجنة الفلاحة والقطاعات الإنتاجية حول مشروع القانون رقم 74.15 يتعلق بالمنطقة المنجمية لتافيلالت وفجيج”، الأمانة العامة، ديرية التشريع والمراقبة، قسم اللجان، مصلحة لجنة الفلاحة والقطاعات الإنتاجية، السنة الولاية التشريعية 2015- 2016، دورة أبريل 2016

كاديطاف قديما
أشرنا أعلاه أن كاديطاف أُسست في سياق كان فيها القطاع الخاص المغربي عاجزا عن عملية الاستثمار، لذلك تولت الدولة تلك العملية، في انتظار نشوء رأسمال خاص قادر على ذلك. كان الاستثمار العمومي عكاز الرأسمال الخاص، وهي سمة خاصة بالبلدان التابعة.
لذلك منع ظهير 1960 أي استثمار من طرف القطاع الخاص في تلك المنطقة المنجمية، ومنح لكاديطاف صلاحية الإشراف على النشاط المنجمي الذي يقوم به الصناع المنجميون التقليديون بينما تحتكر كاديطاف عملية الجمع والتسويق، بينما توزَّع العائدات على الصناع المنجميين بعد خصم تكاليف التسيير والنقل. وكانت تتعاون مع مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية المنجمية، الذي خولت له مهمة حسن تسيير أشغال البحث المعدني.
كان لازما أن يترتب عن هذا الإطار القانوني جملة مهام تتولاها كاديطاف آنذاك:
* منح ظهير 1960 لكاديطاف صلاحية تحويل المعادن.
* تزود مجانا الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين منتجي المعدن، بجميع النصائح والمعلومات والإرشادات التي من شأنها أن تساعد على تحسين أو تنمية استغلالاتهم وأن تلحق عند الاقتضاء بجماعات الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين بطلب منها التقني أو التقنيين الأكفاء الذين يجعلهم مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية رهن إشارتها.
* تجعل رهن إشارة الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين المعدات الضرورية لتحسين وتنمية استغلالهم مقابل ثمن كراء يحدده المجلس الإداري ويزود مكتب الأبحاث والمساهمات المنجمية مركزية الشراء والتنمية بهذه المعدات.
* يمكنها أن تمنح في نطاق توجيهات المجلس الإداري وبمقرر من اللجنة الإدارية تسبيقات مالية عن تسليمات استقبالية قصد تشجيع الاستغلالات أو تحسينها، ولا يمكن أن تفوق تلك التسبيقات القدر المؤدى للمنتجين المعنيين بالأمر عن الستليمات التي أنجزها هؤلاء خلال الشهرين الأخيرين السابقين لمنح القرض.
* يمكن أن تمنح بمقرر من المجلس الإداري قروضا لأمد متوسط ولأمد طويل إلى جماعات الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين، أو تضمن الأموال التي تقترضها هذه الجماعات من مؤسسات القرض العمومية أو الخصوصية قصد اقتناء أدوات الاستغلال أو تنمية استغلالها، ويحدد بموجب قرار مشترك للوزير المكلف بالمناجم ووزير المالية أقصى مبلغ التسبيقات التي يمكن منحها أو المتعلقة بالقروض ضمانها بمقتضى هذا المقطى وكذا مقدار فوائدها ومدتها.
* يمكنها أن تنشئ أو تساهم بمقتضى مقرر من المجلس الإداري في إنشاء جميع المسالك أو بوجه عام جميع المنشآت الأساسية المُعَدة لتحسين إنتاجية الاستغلالات الصناعية وفعاليتها أو مستوى معيشة الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين. ويمكن أن تكون هذه المساهمة على الخصوص بواسطة إعانات مالية تُمنح للجماعة القروية بالمنطقة المنجمية بتافيلالت.
* تساهم في التكوين المهني للصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين الذين قد يصبحون مسيرين أو تقنيين لجماعات الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين.
* تنظم منح إسعافات للصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين المصابين بحوادث الشغل ويمكنها أن تدفع تسبيقات أو إعانات مالية إلى صناديق الإسعاف. ويتعين على مركزية الشراء والتنمية أن تساهم في صيانة صحة الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين الذين تصبح هذه المؤسسة متعهدة إزاء أعضاء جماعات الصناع التقليديين والعمَلة المستقلين بلالتزامات الخاضعة لها المؤسسات الصناعية بموجب المرسوم…. الصادر في 8 فبراير 1958 بشأن تطبيق الظهير الشريف الصادر في 8 يوليوز 1957 المتعلق بتنظيم الطب الخاص بالشغل، على أن ما احتواه هذا الفصل ليس محدودا.
في سياق الخصخصة الشاملة ستتخلى كاديطاف على جملة من المهام أعلاه، بينما ستبقي، مؤقتا في انتظار حلول 2030، مهاما أخرى.
الهجوم على كاديطاف
لتسويغ إعادة هيكلة كاديطاف وفتح المنطقة المنجمية لتافيلات وفݣيݣ، ستشن الدولة حملة دعائية لإقناع سكان المنطقة بذلك.
ألقى عبد القادر اعمارة، وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، عرضا بمناسبة تقديم مشروع قانون رقم 74.15 يتعلق بالمنطقة المنجمية لتافيلات وفݣيݣ أمام لجنة الفلاحة والقطاعات الإنتاجية بمجلس المستشارين بتاريخ 28 يوليوز 2016. لخص العرض منظور الدولة الخادم للاستثمار الخاص، مع ادعاء الحرص على مصالح الصناع المنجميين التقليديين.
وضع الوزير في مقدمة الإشكالات المنعَ القانوني الذي يفرضه ظهير 1960 اتجاه المتدخلين الخواص تنفيذ باستثمارات معدنية بالمنطقة. واشتكى من ضعف مردودية النشاط المنجمي التقليدي المزاوَل بالمنطقة المنجمية لتافيلالت وفكيك، مقارنة مع المؤهلات المعدنية لهذه المنطقة.
وفي مداولات مجلس المستشارين دورة أبريل 2016، أشار فريق الأصالة والمعاصرة إلى “عدم قدرة المنجميين التقليديين على مسايرة [تطورات القطاع المعدني] بما يتطلب إمكانات مادية وتقنية تفوق قدراتهم المحدودة”. وكان الحل جاهزا بالنسبة للفريق: “استغلال الإمكانيات المعدنية الهائلة التي تزخر بها المنطقة، عبر فتح المجال للمستثمرين الذين يمتلكون الشروط والإمكانيات الضرورية للاستغلال المنجمي بطرق حديثة”.
انبرت صحافة رجال الأعمال لوضع ثقلها في الكفة، ونشر موقع Energie/ Mines & Carrières، مقالا ورد فيه: “في الوقت الحاضر، من المسلَّم به أن التعدين الحِرفي لم يعد قادراً على التطور، نظراً لأن الرواسب المعدنية أصبحت أكثر عمقاً مما يتطلب وسائل وأساليب متطورة للتطوير تتجاوز بكثير قدرة عمال المناجم الحرفيين. لذلك أصبح من الضروري إعادة هيكلة التعدين الحرفي، وهو ما سيتضمن مراجعة ظهير 1 ديسمبر/كانون الأول 1960 الذي أنشأ منطقة تافيلالت وفݣيݣ للتعدين، مع رفع القيود المفروضة على وصول المستثمرين من القطاع الخاص وحماية حقوق عمال المناجم الحرفيين” 4.
لكن ظهير 1960 يقف عائقا أمام هذا المطلب، لذلك كانت خلاصة الوزير هي “اعتبار تعديل ظهير فاتح ديسمبر 1960، مدخلا رئيسيا لبلوغ الأهداف المتوخاة من مشروع إعادة الهيكلة”.
وبالفعل تمكنت الدولة من إصدار قانون جديد هو “ظهير شريف رقم 1.16.131 صادر في 25 غشت 2016 بتنفيذ القانون رقم 74.15 المتعلق بالمنطقة المنجمية لتافيلات وفݣيݣ”، الجريدة الرسمية عدد 6502، بتاريخ 22 سبتمبر 2016.
وليس هذا حصرا على كاديطاف. فقد نال التعديل أيضا القانون المتعلق بالمناجم بتاريخ 1 يوليو 2015، وبنفس المبررات: ” تشكل أحكام ضابط المناجم عائقا أمام المقاولات الراغبة في الاشتغال على مساحات كبيرة وإنجاز برامج أشغال على نطاق واسع (فالمساحة القصوى المسموح بها هي 25 ألف هكتار ما عدا في حالة ترخيص بموجب مرسوم)” 5.
كاديطاف حديثا
عكس ظهير 1960 الذي كان يحصر التنقيب في “النشاط المنجمي التقليدي”، أحدث الظهير الجديد (2016) بابا خاصا بـ”النشاط المنجمي غير التقليدي”. وفي حين حصر الظهير الجديد النشاط المنجمي التقليدي في يد الصناع غير التقليديين، خلال مدة انتقالية مدة 15 سنة، فتح باب النشاط المنجمي غير التقليدي للمسثمرين الخواص.
فُرض على مؤسسة كاديطاف أن تكيف نفسها مع هذا الواقع التشريعي الجديد. وفي حين حافظت شكلا على نفسها كـ”مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي” و”خاضعة لوصاية الدولة”، فإن مهاهما عرفت تغييرات جوهرية.
أهم صلاحية كانت تتمتع بها كاديطاف حسب ظهير 1960 هي “احتكار عملية جمع كل من معادن الرصاص والزنك والباريتين المستخرَجة من الاستغلالات التقليدية بالمنطقة المنجمية لتافيلالت وفݣيݣ، وشرائها وإيداعها وتخزينها ونقلها وبيعها وبصفة عامة تسويقها”. وكانت هذه المهمة واردة في الفصل العاشر من الجزء الثاني في ظهير 1960. بينما أوردها ظهير 2016 في باب “أحكام انتقالية وختامية”، بهذه الصيغة: “تحتفظ هذه الأخيرة، خلال مدة استمرار ممارسة الاستغلال المنجمي التقليدي المشار إليها في المادة 2 من هذا القانون، بحق احتكار جمع كل من معادن الرصاص والزنك والباريتين المستخرَجة من الاستغلالات التقليدية بالمنطقة المنجمية لتافيلالت وفݣيݣ، وشرائها وإيداعها وتخزينها ونقلها وبيعها وبصفة عامة تسويقها”… أي أن ذاك الاحتكار مؤقت وسينتهي بانتهاء الفترة الانتقالية (15 سنة)، وبعد ذلك سيحل القطاع الخاص/ الشركات الكبرى محلها.
أما الباب الثالث من ظهير 2016 والذي يتحدث عن المهام الدائمة لكاديطاف، فيقتصر على مهام التنظيم والإشراف القانوني والمواكبة… إلخ:
– مواكبة التنمية المنجمية؛
– برمجة إجراءات لترويج المؤهلات المنجمية للمنطقة وتنفيذها؛
– المساهمة في تنمية البحث عن الموارد المنجمية بالمنطقة واستغلالها؛
– إعداد العقود المشار إليها في المادة 5 من هذا القانون وتتبع تنفيذها؛
وهذا ما عبر عنه بالحرف عبد الرحيم دينار، مدير كاديطاف، في حوار مع موقع LesEco.ma، بقول: “تم توسيع نطاق اختصاصات CADETAF لتشمل وضع ومراقبة تنفيذ العقود بين الإدارة والمستثمرين والحرفيين” 6، وهو في الحقيقة ليس توسيعا بل إحلال صلاحيات جديدة محل القديمة، فضلا عن تراجعات أخرى سنتناولها أدناه.
إضعاف كاديطاف لتسهيل إعادة هيكلتها
كغيرها من المؤسسات العمومية، تعرضت كاديطاف لعملية إضعاف، قصد تبرير إعادة هيكلتها والتخلص من مهامها القديمة وإعدادها لمهامها الجديدة.
ففي نقاش مشروع القانون 74.15 (ظهير 2016)، ورد تعليق للحسني موحى في موقع الأمانة العامة للحكومة على الانترنت، جاء فيه: “هل من تقدموا بهذا المشروع لا يعلمون أن مركزية الشراء والتنمية لإقليمي تافيلالت وفݣيݣ أصيبت بالإفلاس، وخاصة منذ 1986، بسبب سوء التدبير؟ وأنها أعلنت عجزها عن القيام بالمهمة الرئيسية التي أنشئت من أجلها والمتمثلة في احتكار شراء منتوجات الصناع المنجميين التقليديين. ونتيجة للاحتقان الاجتماعي الناتج عن ذلك، تم غض الطرف عن بروز فئة من السماسرة تخصصوا في شراء المنتوج وبعد التصريح به لدى المركزية بصفتهم منتجين، وما هم بمنتجين، يعيدون بيعه” 7.
عرفت كاديطاف- شأنها شأن جميع المؤسسات والمقاولات العمومية- ما يُطلَق عليه في الصحافة البرجوازية “سوء تدبير”، وهو في الحقيقة دفعٌ بها إلى الإفلاس. ففي سنة 2022 فتحت الفرقة الوطنية بالدار البيضاء تحقيقا مع مدير وموظفي كاديطاف التابعة لوزارة الانتقال الطاقي بالراشيدية، وحجز قاضي التحقيقي جوازات سفرهم وأغلق الحدود في وجههم وتوبعوا بتهم تبديد المال العام والاختلاس والتزوير. وفي غضون ذلك لم تتخذ الوازرة المختصة أي قرار ولو احترازيا في حق المتابعين الذين لا زيالون يواصلون غزواتهم في هذه الإدارة، التي ظلت تمارسها صلاحياتها كأن شيئا لم يقع، مثل الإشراف على مباريات التوظيف. في حين مارست هذه الإدارة حملة انتقامية شرسة استهدفت موظفيها عبر الاقتطاع من أجورهم وإصدار قرارات إدارية تعسفية كانتقام منهم من المتهم الرئيسي، بعدما استمعت لهم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في محاضر رسمية 8.
نفاق الاهتمام بالصناع المنجميين التقليديين
في عرضه أمام مجلس المستشارين قال عبد القادر اعمارة، أن مشروع ظهير 2016 يهدف إلى “المواكبة الاجتماعية للصناع المنجميين التقليديين والمحافظة على حقوقهم المكتسَبة”. وأضاف فريق الأصالة والمعاصرة إلى نفاق الوزير ما يلي: “لقد طالبنا في فريق الأصالة والمعاصرة في العديد من المناسبات بضرورة الاهتمام بالمنجميين التقليديين، باعتبارهم العمود الفقري للاستغلال المنجمي التقليدي بالمنطقة وبالنظر أيضا للأدوار الاقتصادية والاجتماعية التي يقومون بها في مجال تنمية المنطقة، وهذا الاهتمام لن يتأتى- في نظرنا- إلا عبر الحفاظ على الحقوق المكتسبة لهذه الفئة وتشجيعها على الانخراط في تعاونيات وتكتلات قادرة على الاستجابة للشروط الجديدة التي يتطلبها الاستغلال المنجمي بالمنطقة”.
كيف سيتمكن الصناع المنجميون التقليديون من الحفاظ على حقوقهم المكتسبة أمام ظهير يفتح القطاع أمام منافسة شرسة من طرف الرأسماليين المحليين والأجانب؟ هذا هو السؤال الذي تتفادى الدولة الإجابة عنه، وتكتفي بعبارات “المنافسة والشفافية”.
هذا ما تقوله المادة 8 من ظهير 2016: “في حالة إعلان عن المنافسة في ما يخص جزء يُزاوَل به نشاط منجمي تقليدي، يتمتع الصناع المنجميون التقليديون الذين يزاولون أنشطتهم بالجزء المذكور بحق للأولوية في الحصول على رخصة بحث، شريطة أن ينتظموا في إطار شركات أو تعاونيات وأن يثبتوا توفرهم على قدرات تقنية ومالية تعادل تلك التي تقدم بها المنافس صاحب أحسن عرض”. لكن كيف سيتمكن الصناع المنجميون التقليديون من “إثبات توفرهم على قدرات تقنية ومالية تعادل تلك التي تقدم بها المنافس صاحب أفضل عرض”؟
يتفاقم الأمر إذا أخذنا بعين الاعتبار تغير وظائف كاديطاف مع الظهير الجديد. فظهير 1960 كان ينص على أن كاديطاف تمنح “قروضا لأمد متوسط ولأمد طويل إلى جماعات الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين، أو تضمن الأموال التي تقترضها هذه الجماعات من مؤسسات القرض العمومية أو الخصوصية قصد اقتناء أدوات الاستغلال أو تنمية استغلالها”، كما كانت “تنشئ أو تساهم في إنشاء جميع المنشآت الأساسية المُعَدة لتحسين إنتاجية الاستغلالات الصناعية وفعاليتها أو مستوى معيشة الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين” وأيضا “تسبيقات مالية عن تسليمات استقبالية قصد تشجيع الاستغلالات أو تحسينها “، في حين أن ظهير 2016 ألغى هذه الإعانات المالية، وحصر مهمة الإقراض في “ضمان القروض الممنوحة للصناع المنجميين التقليديين أو مجموعاتهم من لدن مؤسسات الائتمان قصد اقتناء معدات الاستغلال أو تنمية استغلالاتهم”، وضمَّنها في باب الأحكام الانتقالية، التي ستنتهي بنهاية الفترة الانتقالية (15 سنة)، وآنذاك سيفتح الباب كاملا للمنافسة التامة (أي غير المتكافئة) بين الصناع المنجميين التقليديين وكبار المستثمرين الرأسماليين.
من أين سيأتي إذن الصناع المنجميون التقليديون بالقدرات التقنية والمالية التي تعادل تلك التي يتقدم بها المنافس صاحب أفضل عرض؟ لقد حرم ظهير 2016 الصناع المنجميين التقليديين من كل دعم مؤسَّسي وقصَّ أجنحتهم، ثم طلب منهم أن يطيروا مثل الرأسماليين الكبار.
عبر أحد منجميي المنطقة عن تخوف إفلاسهم بسبب منافسة الشركات بقول: “اليوم، الصناع التقليديون المنجميون سوف يحرمون من مصدر قوتهم، وسوف يتشرّدون، وغالبا سوف يهاجرون إلى مدن الداخل”، موضحا “أنهم حتى لو رغبوا في الاستمرار في مزاولة عملهم، فإنهم لن يتمكنوا من ذلك، لأنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة شركات عملاقة تتجاوز قدراتها المالية والتقنية قدراتهم بمئات المرات، “وبالتالي ستكون الغلبة لهذه الشركات” 9.
أما في ما يخص الحقوق الاجتماعية المكتسبة، فقد تخلى ظهير 2016 عن تلك الحقوق التي كان يضمنها ظهير 1960. ففي ما يخص مثلا الإسعاف وحوادث الشغل والأمراض المهنية، كان ظهير 1690 ينص على أن كاديطاف تنظم “منح إسعافات للصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين المصابين بحوادث الشغل ويمكنها أن تدفع تسبيقات أو إعانات مالية إلى صناديق الإسعاف. ويتعين على مركزية الشراء والتنمية أن تساهم في صيانة صحة الصناع التقليديين والعَمَلة المستقلين الذين تصبح هذه المؤسسة متعهدة إزاء أعضاء جماعات الصناع التقليديين والعمَلة المستقلين بلالتزامات الخاضعة لها المؤسسات الصناعية بموجب المرسوم…. الصادر في 8 فبراير 1958 بشأن تطبيق الظهير الشريف الصادر في 8 يوليوز 1957 المتعلق بتنظيم الطب الخاص بالشغل، على أن ما احتواه هذا الفصل ليس محدودا”. أما ظهير 2016 فقد اقتصر على أن مهمة كاديطاف هي “تدبير صناديق الإسعاف”، وهي أيضا واردة ضمن الأحكام الانتقالية.
ماذا عن تمثيلية الصناع المنجميين التقليديين داخل كاديطاف؟
تناولت الظهائر تمثيلية الصناع المنجميين التقليديين والعَمَلة المستقلين، كالآتي:
* ظهير 23 ديسمبر 1960: “أربعة ممثلين عن جماعات الصناع التقليديين والعمَلة المستقلين يُعيَّنون طبق الشروط المحددة بموجب مرسوم يقترحه الوزير المكلف بالمناجم”.
* “ظهير 2 يونيو 1961 10: “إن الممثلين الأربعة لهيئات الصناع والشغالين المستقلين لدى مجلس إدارة مركزية الاشتراء والتنمية بالمنطقة المنجمية بتافيلالت يقع الاختيار عليهم من بين ممثلي الهيئات المذكورة الذين هم أعضاء المجالس الجماعية بناء على لائحة ثمانية أشخاص مؤهلين يقدهم عامل إقليم تافيلات ثم يُعيَّنون لفترة سنة واحدة بموجب قرار يصدره الوزير المكلف بالمناجم”.
* ظهير 22 سبتمبر 2016: “ستة أعضاء يمثلون الصناع المنجميين التقليديين بالمنطقة”، ممثل عن كل إقليم (الرشيدية، فݣيݣ، تنغير، ميدلت، زاكورة، بولمان).
ما يُلاحظ في الظهائر الأولى أن تمثيلية الصناع المنجميين التقليديين والعمَلة المستقلين أقل دائما من تمثيلية الدولة. أما ظهير 22 سبتمبر 2016 فقد أعطى لرئيس مجلس إدارة كاديطاف صلاحية دعوة “أي شخص ذاتي أو اعتباري من القطاع العام أو الخاص، يرى فائدته”.
أما عن طريقة التعيين فإن ظهير 2 يونيو أقر بأنه يتم عن طريق الاختيار من بين المجالس الجماعية بناء على لائحة ثمانية أشخاص يقدمها عامل إقليم تافيلالت، في حين وردت في ظهير 22 سبتمبر 2016 صيغة: “يُحدَّد كيفيات تعيين ممثلي الدولة وعددهم وصفاتهم، وكذا كيفيات تعيين باقي الأعضاء الآخرين ومدة انتدابهم بنص تنظيمي”. ما يعني أن الصناع المنجميين التقليديين محرومين من حق انتخاب من يمثلهم في المجلس الإداري لكاديطاف، ما ينزع عنهم حق مراقبة ومحاسبة ممثليهم، هؤلاء الأخيرين يظلون رهن إشارة من يعينهم؛ أي وزارة الداخلية في آخر المطاف.
بالنسبة لبني تجيت- إقليم فݣيݣ، فممثلها في مجلس إدارة كاديطاف- حسب إفادة مناضل من البلدة- هو السليماني م. اسماعيل، وهو المستثمر الذي استفاد من صفقة جبل بوعروس، وهو نفسه الذي احتل العمال منجمه بجبل بوظهر.
تشحيم الرأسمال الخاص
في الوقت الذي ضيَّق ظهير 2016 الخناق على الصناع المنجميين التقليديين، فتح الباب مُشرعا أمام الرأسمال الخاص للاغتناء من ثروات المنطقة.
أعلن الوزير عبد القادر أعمارة في عرضه أمام مجلس المستشارين، أن فلسفة مشروع الظهير ترمي أساسا إلى جعل المنطقة المنجمية لتافيلالت وفݣيݣ قِبلة أمام المستثمِرين الخواص بناء على قواعد المنافسة.
فتح ظهير 2016 المجالات التي لا يزاوَل فيها النشاط المنجمي التقليدي أمام الاستثمار الخاص. وحسب عرض الوزير فإن هذه المجالات تمثل %90 من مساحة منطقة تافيلات وفݣيݣ، في حين أن النشاط المنجمي التقليدي يمارَس فقط على %10 من تلك المساحة.
ستُحول الدولة المنطقة كلها إلى قطعة حلوى يلتهمها الرأسمال الخاص، في حين تحشر الصناع المنجميين في الـ %10 المتبقية، وحتى هي في تنافس مع الرأسماليين، تَنافس يفرض على الصناع المنجميين التقليديين إثبات قدرات مالية وتقنية في نفس مستوى تلك التي يقدمها الرأسماليون الخواص.

المصدر: “تقرير لجنة الفلاحة والقطاعات الإنتاجية حول مشروع القانون رقم 74.15 يتعلق بالمنطقة المنجمية لتافيلالت وفجيج”، الأمانة العامة، ديرية التشريع والمراقبة، قسم اللجان، مصلحة لجنة الفلاحة والقطاعات الإنتاجية، السنة الولاية التشريعية 2015- 2016، دورة أبريل 2016

ولإدراك سبب إصرار الرأسمال الخاص ودولته على فتح/ غزو تلك المنطقة، نورد هنا ثرواتها كما قدمها الوزير عبد القادر اعمارة:
* إضافة إلى الرصاص والزنك والباريتين المستغلة، توجد في المنطقة مواد معدنية أخرى كالمنغنيز والحديد والنحاس وعدة أحجار صناعية كالفليورين والرخام؛
* بلغ رقم معاملات كاديطاف سنة 2015 ما يناهز 520 مليون درهم، كانت حصة الصناع التقليديين منها 352 مليون درهم.

هذا ما تسعى الدولة لانتزاعه من المنطقة ومن الصناع المنجميين التقليديين، وتغطي هدف هذا الغزو بعبارات منافقة مثل “ضرورة الإصلاح وإعادة الهيكلة لينهض بالدور المنوط به في التنمية الاقتصادية والاجتماعية محليا وجهويا” و”المواكبة الاجتماعية للصناع المنجميين التقليديين والمحافظة على حقوقهم المكتسبة”.
مقاربة تشاركية برئاسة رأسمالي كبير
قال الوزير عبد القادر اعمارة في عرضه في مجلس المستشارين بأن الدولة اعتمدت “نهجا تشاوريا وتوافقيا لإصلاح النظام المنجمي التقليدي”. تضمَّن هذا النهج لقاءات تواصلية مع الصناع المنجميين في منطقة تافيلات وفݣيݣ سنة 2014.
لكن المقاربة التشاركية في عُرف الدولة هو إعلام المستهدَفين ببعض تفاصيل مخططاتها ونثر الوعود والأكاذيب بشأن الحفاظ على “حقوقهم المكتسَبة”. في حين يتولى الرأسماليون مهمة الإشراف على تشريع القوانين. وهذا ما جرى مع ظهير 22 سبتمبر 2016، فـ”لجنة الفلاحة والقطاعات الإنتاجية” بمجلس المستشارين التي قدَّم الوزير عرضَه أمامها، وأعدت تقريرا بشأن مشروع ظهير 22 سبتمبر 2016، كان يرأسها العربي العرايشي عن فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أما النقابة العمالية، فكان نصيبها هو الخليفة الثاني لرئيس اللجنة، الذي تقلده محمد زروال فريق الاتحاد المغربي للشغل. وهذا ما يفسر موقف مكتب نقابة الصناع والعمال المنجميين (التابعة للاتحاد المغربي للشغل)، المعادي لنضالات الصناع المنجميين التقليديين ببني تجيت، واعتبرها “فوضى”، مطالبا السلطات للتدخل من أجل إنهائها.
ثروات الأرض لمن يعيش فوقها
هبَّ الصناع المنجميون التقليديون والعمال المنجميون منذ غشت 2024 للنضال ضد خطة الدولة تحويل بني تجيت إلى مرتع للرأسماليين ومنبع لجني الأرباح. لقد أحس هؤلاء الصناع والعمال بأن دكاكة الرأسمالية قادمة مع التشريع الجديد، وأدركوا أن عبارات “الحفاظ على الحقوق المتكسَبة للصناع المنجميين التقليديين”، ليست إلا دخانا يختفي وراءه الرأسمال الخاص المحلي والأجنبي، الذي سيزيحهم عن حفرهم المنجمية التي اعتاشوا منها لعقود.
تدعِّي الدولة أن الرأسمال الخاص هو وحده القادر على الاستغلال المنجمي بطرق حديثة، كونه يمتلك الشروط والإمكانيات الضرورية. لكنها تخفي عن الصناع المنجميين التقليديين وكادحي- ات بني تجيت وكل منطقة تافيلالت وفݣيݣ، حجمَ الدعم والإعانات التي تقدمها لذلك الرأسمال الخاص كي يصبح كذلك (الإعفاءات الضريبية، البنية التحتية المموَّلة من المالية العمومية، منح عبر ميثاق الاستثمار)، بينما حرمت الصناع المنجميين من تلك الإعانات التي كانت تقدمها كاديطاف بموجب ظهير 23 ديسمبر 1960. إذا كان التنقيب المنجمي “يتطلب وسائل وأساليب متطورة للتطوير تتجاوز بكثير قدرة عمال المناجم الحرفيين” فإنه لا يتجاوز قدرة الميزانية العمومية والاستثمار العمومي. لكن هذا الأخير يجري توجيهه لحفز المبادرة الخاصة، وليس لحفز المبادرة الشعبية كالتي أبان عنها الصناع المنجميون التقليديون ببني تجيت الذين احتلوا المناجم وسيروها ذاتيا.
ليست هناك قانون حديدي ينص على أن الرأسمال الخاص هو الوحيد القادر على الاستثمار، خصوصا أن كل تقارير مؤسسات الدولة (بنك المغرب، المندوبية السامية للتخطيط) تُثبت أن القطاع الخاص عاجز عن تمويل عملية التنمية، إلى حدود جعلت شكيب بنموسى، رئيس لجنة النموذج التنموي الجديد، يصرح بأن: “”الليبرالية خيبت آمالنا”، وتقرير بنك المغرب لسنة 2019 الذي كتب: “إن “تباطؤ النمو والتشغيل مترتب أيضا مباشرة عن ضعف الاستثمار الخاص، بالرغم من الحوافز العديدة الممنوحة” 11.
يريد رأس المال إذن يفوز بعكعة معادن بني تجيت ومنطقة تافيلالت وفݣيݣ، دون أن يساهم بفلس في عملية الاستثمار، بل اعتمادا على المالية العمومية، شأنه في ذلك شأن كل القطاعات الأخرى.
لقد أثبت حركة احتلال مناجم بني تجيت من طرف الصناع المنجميين التقليديين قدرة هؤلاء على التنقيب. فحسب إفادة لمناضل من المنطقة زار منجم “الوسط”: “هناك خيرات معدنية كثيرة جدا والعمال لن يتركوه أبدا، حتى إن أعادوا لهم جبل بوعروس. العمل منظَّم وتسود روح التضامن والاحترام بين العمال، لكن لديهم مشكل كبير في التسويق؛ إذ أنهم جمعوا سلعة كثيرة و هم يحرسونها في المنجم بانتظار حل ما”. الدولة إذن هي من يقف حجرة عثرة أمام تنمية المنطقة من طرف من يسكنها، وتسعى إلى استقدام فيالق الرأسماليين من مناطق أخرى ومن الخارج، لاستنزاف ثرواتها.
تُردف الدولة دوما كلمة التنمية بكلمة مستدامة. ولكن علينا ألا نفهم منها التزاما من الدولة بالمعايير البيئية، بل بالعكس، ما تسعى الدولة لضمان استدامته هو تدفق الأرباح إلى جيوب الرأسماليين والشركات. وهو ما أكده مدير كاديطاف عبد الرحيم دينار بقول: “يهدف القانون رقم 33-13 المتعلق بالتعدين إلى تنشيط التنقيب والبحث التعديني بهدف الكشف عن رواسب جديدة مع ضمان التنمية المستدامة لصناعة التعدين الوطنية” 12. إن ما تعمل الدولة على استدامته ليس البيئة وخيرات الأرض بل “صناعة التعدين الوطنية” التي يسيطر عليها الرأسماليون.
وحده الدفاع عن سياسة عمومية لاستغلال خيرات الأرض هو ما سيتيح تنمية اجتماعية للمنطقة ويحافظ على حقوق الصناع المنجميين التقليديين وكادحي- ات بني تجيت، وغيرها من مناطق البلد.
على الدولة أن تسن سياسة عمومية قوامها إعادة هيكلة كاديطاف بما يخدم مصالح كل الشرائح التي تعتاش من العمل المنجمي: الصناع المنجميون التقليديون والعمال المنجميون بمختلف فئاتهم والعمال المشتغلون ببطاقة المتفجرات والعمال غير الأجرء (الشومور 13) وصغار التجار الذين يعيشون من بيع وشراء المنتوج والسائقون ومالكو وسائل النقل، وكل كادحي- ات بني تجيت (وعموم المنطقة)، وليس إعادة هيكلتها بما يخدم مصالح الرأسماليين الكبار.
ولن يتأتى هذا إلا بالعودة من جديد إلى المنع القانوني لكل استثمار خاص بالمنطقة، كما كان عليه الأمر مع ظهير 23 ديسمبر 1960، ودعم مالي ومادي لمؤسسة كاديطاف، واحتفاظها بصلاحية جمع واقتناء وتسويق المنتوج المعدني الذي يستخرجه الصناع المنجميين التقليديين والعمال المنجميين.
أورد الملف الذي صاغه الصناع المنجميين التقليديين بمعتصمهم في بني تجيت بتاريخ 23 سبتمبر 2023 مجموعة من المطالب الآنية:
– حل أزمة التسويق فورا ودون قيد أو شرط؛
– إحضار المتفجرات اللازمة للاستغلال في أقرب وقت ممكن؛
– إلزام كاديطاف بتحمل مسؤولياتها في التسويق والتأطير والتنمية وتفعيل صندوق الإغاثة؛
– إيجاد حل عاجل لأزمة العمال غير الأجراء (الشومور)؛
– إلزام المستثمرين بإفراغ جبل بوعروس ببني تجيت و جبل سكنديس بتالسنت؛
– تسويق المنتوج المعدني المتوفر لديهم حاليا دون شروط؛
– الزيادة في الأجور والتصريح بالعمال لدى صندوق الضمان الاجتماعي وتوفير التأمين الصحي؛
– فتح باب الرخص والتجديدات للجميع، ومساعدة العمال على تسوية وضعيتهم والعمل بشكل قانوني؛
– فتح باب الحصول على بطاقة حامل المتفجرات؛
– المطالبة بتحيين الرخص القديمة وإسقاط الجامدة منها التي توقف بها الاستغلال منذ سنوات.
ويجب إكمالها بمطالب تتعلق بهيكلة المؤسسة العمومية كاديطاف:
– أن تكون تمثيلية الصناع المنجميين التقليديين متناسبة مع وزنهم في القطاع، على أن تكون التمثيلية عبر الانتخاب في جموع عامة بدل صيغة التعيين، ويخضع هؤلاء الممثلون لرقابة من انتخبهم مع إمكانية عزلهم في حالة خرق ما انتُخبوا من أجله. وفتح باب الحضور لمجالس كاديطاف الإدارية أمام سكان البلدة أو من يختارونه لذلك، وحذف تلك الصيغة الواردة في ظهير 22 سبتمبر 2016، التي تعطي لمدير المجلس الإداري إمكانية استدعاء “أي شخص ذاتي أو اعتباري من القطاع الخاص” لحضور اجتماعات المجالس.
– حصر رخص الاستغلال المنجمي في الصناع المنجميين التقليديين والاستثمار العمومي تحت رقابة شعبية؛ مع منع كلي لأي استثمار خاص من طرف الرأسماليين.
– إنشاء معهد منجمي ببلدة بني تجيت لتكوين شباب المنطقة تكوينا يتناسب مع مؤهلات منطقتهم؛
– بناء مصانع لتهيئة وإعداد الرصاص والزنك محليا، بدل استخراجها ونقلها للدار البيضاء أو تصديرها للخارج 14.

********************************

[1] – “الظهير رقم 1.60.019 المتعلق بإحداث المنطقة المنجمية لتفايلالت وفجيج”، الجريدة الرسمية عدد 2513، بتاريخ 23 ديسمبر 1960.

[2]https://cadetaf.com/ar/نبذة-عن-المركزية/.

[3]https://cadetaf.com/ar/نبذة-عن-المركزية/.

[4]– 30-10-2016, https://energiemines.ma/secteur-minier-opportunites-et-menaces/.

[5] – وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة- قطاع الطاقة والمعادن، “مذكرة تقديم القانون رقم 33.13 المتعلق بالمناجم”؟

[6] – 18-02-2021، https://leseco.ma/business/dossier-special-mines-visite-guidee-a-la-cadetaf.html.

[7]http://www.sgg.gov.ma/arabe/Legislation/ListeAvantProjets/Commentaire.aspx?cle=200.

[8] – 19-12-2022، read://https_aljiha8.com/?url=https%3A%2F%2Faljiha8.com%2Farchives%2Fp%3D12880، و03-11-2022، https://rihanapress.ma/الفرقة-الوطنية-تحقق-مع-مدير-وموظفي-كاد/.

[9] – 08-06-2020، https://www.hespress.com/تعديل-ظهيرٍ-يغضب-الصناع-التقليديين-ال-565702.html.

[10] – “ظهير شريف رقم 2.61.120 بتحديد شروط تعيين ممثلي هيئات الصناع والشغالين المستقلين لدى مجلس إدارة مركزية الاشتراء والتنمية بالمنطقة المنجمية بتافيلالت”، الجريدة الرسمية عدد 2536، بتاريخ 2 يونيو 1961.

[11] – أبريل 2024، نجيب أقصبي، “الاقتصاد المغربي تحت سقف من زجاج، من البدايات إلى أزمة كوليد- 19″، ترجمة نور الدين سعودي، المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية- عدد 36، سلا- المغرب، ص 209.

[12]– – 18-02-2021، https://leseco.ma/business/dossier-special-mines-visite-guidee-a-la-cadetaf.html.

[13]– العمال غير الأجراء (الشومور): هم عمال مستقلون يعملون لصالحهم وليس لرب العمل، يبحثون عن المعادن في الأماكن المهجورة أو الأماكن التي لا يشتغل بها أحد. منذ الاستعمار الفرنسي اشتق اسمهم من كلمة chômage، بمعني كونهم بطاليون بلا عمل وليس لهم مناجم خاصة لذلك يشتغلون بطرق تقليدية في الأردام و في المناطق غير المستغلة أو التي توقف بها الاستغلال منذ مدة طويلة. حاليا العدد كبير جدا يتجاوز 700 شخص، لكن ليسوا جميعا من بني تجيت، لأن ضحايا جبل بوعروس غالبيتهم من بلدة كرامة وبلدة تالسنت وأيت بومريم وأيت بوشاون، وكلها مناطق محيطة ببني تجيت، في حين كان عدد الشومور في بني تجيت قبل هذه الأحداث يتجاوز مئة عامل [إفادة مناضل من بلدة بني تجيت].

[14]  – 11-09-2024، https://www.almounadila.info/archives/24179.

شارك المقالة

اقرأ أيضا