النضال العمالي و مجالسنا الجماعية النموذجية… حالة إضراب عمال مناجم  ببوازار(إقليم ورزازات)، والدرع الأصفر وكدية عيشة، (عمالة مراكش)

بقلم محمد أمين الجباري

منذ منتصف شهر يوليوز 2024 يواصل 325 عاملا منجميا (254 بمنجم بوازار بورزازات، و71 بمنجمي الدرع الأصفر وكدية عيشة بمراكش) في شركة المناولة “طوب فوراج” لدى فرعين لمجموعة شركة “مناجم” (MANAGEM) احتجاجهم إلى غاية اليوم، وذلك بسبب:

– عدم توصل كل عمال الشركة، بأجورهم لشهر يونيو 2024؛

– توقف استفادة العمال وأسرهم من التغطية الصحية منذ فاتح يوليوز 2024؛

– حرمان أطفالهم من منحة عاشوراء (ألعاب وهدايا…)، ومن المخيم الصيفي (وقد كانت هذه المنحة والمخيم مكسبا لهم لعدة سنوات) دون باقي أطفال العمال بشركات المناولة الأخرى وبالشركة الأصلية بالمنجم؛

– عدم تسوية مستحقات منحة الأقدمية…

وطيلة مدة الاحتجاج الطويلة (عشرة أسابيع)، وجه العمال نداءات طلب مساندة وتضامن متكررة إلى عدة منظمات ومناصرين لحقوق العمال. ونظموا وقفات احتجاج واعتصامات شبة يومية أمام ساحة إدارتي الشركتين بمنجمي بوازار والدرع الأصفر، إلى أن أعلنوا العزم على تنفيذ اعتصام رفقة أطفالهم أمام منجم بوازار ومنجم الدرع الأصفر،  مدة أربعة أيام في الأسبوع من 16 إلى 22 شتنبر 2024.  وهو ما أرادوه خطوة تصعيد أولى، لمواجهة أسلوب الآذان الصماء من المشغل ومن السلطات، وسعيهم إلى إنهاك العمال للتخلص منهم (طردهم دون تبعات…)، ولأن تمدرس أطفالهم هذا العام، حوالي 1000 طفل، مهدد بالضياع؛ بل إن أسرهم مهددة بالتشرد والضياع…

لكن أجهزة الدولة بإقليمي ورزازات وزاكورة تجندت لمنع نقلهم وتنقلهم نحو المنجم، ما اضطرهم إلى التنقل رفقة أطفالهم، منذ الصباح الباكر يوم الثلاثاء 17 شتنبر 2024، على الأقدام. منهم من سار حوالي 40 كلم، ما عرض صحة وسلامة وحياة العمال وأطفالهم للخطر، قبل أن تفرض عليهم السلطات العودة نهاية النهار إلى ديارهم مقابل وعود باجتماع بالعمالة مساء الخميس 19 شتنبر 2024، سيحمل “حلولا تنال رضى العمال” على حق قول السلطات…

وهذا ما جعل هذا المشكل الاجتماعي الخطير، “نزاع الشغل” هذا، تتناقله عدد من وسائل الإعلام؛ بل تم طرحه  بالبرلمان من طرف عضو به من  تازناخت منذ بداية الاحتجاج. وهي “التفاتة” لرفع العتب لا اكثر، لم يُتبعها البرلماني لا بزيارة للعمال ولا بدعم فعلي ولو من بعيد.

أما المجالس المحلية المنتخبة، التي يوجد العمال وأسرهم بترابها، مثل: جماعة البليدة، جماعة أكدز، جماعة وسلسات، جماعة تازناخت، جماعة سعادة، جماعة أولاد ادليم…، فلم تبادر إلى أي تضامن أو مساندة للعمال وأسرهم، وكأنهم لم يأخذوا علما بمحنتهم. يبدو أن المجالس المنتخبة تجاهلت المشكل، لتسهم في بقائه بعيدا عن اهتمامات أسر العمال والسكان والرأي العام المحلي والوطني. وهذا بالضبط ما يريده أرباب العمل وأجهزة الدولة عند نشوب أي “نزاع شغل”.

والمفترض أن تكون هذه المجالس وأعضاؤها أول متضامن ومساند للعمال في محنتهم هاته، فهؤلاء العمال وأفراد أسرهم من صوت في الانتخابات، وسيلةً لتحسين الوضع واتقاء تدهوره، وتلقي العون بوجه محن الحياة. وما أنزل بهم المشغل واحد من تلك المحن،  يستدعي رفع الظلم والحيف الذي ينيخ بكلكله عليهم… ما تقوم به المجالس المنتخبة، في حالتها الراهنة، هو تيسير سبل الأرباح للرأسماليين، بتمكينهم من الأراضي بأثمان بخسة، وإتاحة الخدمات لهم من كل نوع، بمبرر “تشجيع الاستثمار”، والتغاضي عن الأضرار التي يلحقونها بالبيئة وبمناطق سكن الطبقة العاملة وسائر الكادحين.

إن ما يفسر موقف المجالس المنتخبة وأعضائها من العمال في معركتهم هاته، هو كون هؤلاء الأعضاء لا يمثلون العمال، فهم أعضاء في أحزاب غير عمالية؛ أحزاب تكذب على العمال فيما هي تخدم مصالح أعدائهم.  لم يتمكن بعد عمال المغرب وعاملاته من بناء حزبهم الخاص بهم المدافع عن مصالحهم، حزب من القوة بحيث يستطيع العمال من خلاله انتخاب ممثلين إلى المجالس الجماعية ومختلف المؤسسات الأخرى (برلمان…) يدافعون فيها عن مصلحة طبقتهم، ويقفون من خلالها إلى جانب ضحايا القهر الطبقي، لا سيما في حالة “نزاع شغل”.

 إن الرؤية السائدة في النقابات العمالية، التي تحصر اهتمامها في الشأن المهني في مكان العمل، متجاهلة مناحي حياة الشغيلة الأخرى، من خدمات عامة، صحة وسكن وتعليم وترفيه، ومحيط حياة سليم، ووضع النساء الأسوأ، رؤية قاصرة  تستدعي تغييرا جذريا. يجب أن يفكر الشغيلة في أوضاعهم الحياتية بكامل أبعادها، ويحددوا مطالبهم بشأنها برؤية شمولية، وينظموا انفسهم، بمختلف الأشكال، من نقابات وجمعيات، ويتزودوا بحزبهم السياسي، يكون أداة يخوضون بها غمار المعارك من اجل تغيير عميق للوضع المفروض عليهم، تغيير يفتح السبيل إلى مجتمع بلا استغلال وبلا قهر، مجتمع سعادة الجميع.

ولتوضيح ما يمكن لمجلس جماعي أن يقوم به خلال “نزاع شغل”، نقدم مثالان من تاريخ نضالات الحركة العمالية العالمية في مقال بعنوان “مجلسان بلديان نموذجيان” (مأخوذ من “نظام العمل المأجور، مقالات من جريدة “ذي ليبور ستاندارد” (1881)).

———————————————-

مجلسان بلديان نموذجيان

 بقلم؛ ف. إنجلز

وعدنا قراءنا بإخبارهم بمجريات الحركة العمالية سواء في انجلترا أو خارجها. وقد سنحت لنا، من حين لآخر، فرصة عرض بعض الجديد عن أمريكا. وتسنح، حاليا، فرصة لإطلاع القراء على بعض الوقائع من الحياة الفرنسية، وقائع مهمة لدرجة أنها تستحق عرضها في أعمدتنا الرئيسية.

لا يوجد في فرنسا نظام التصويت المتنوع الذي لا يزال قائما في انجلترا. فهناك لا فرق بين نظام التصويت في انتخابات البرلمان وانتخابات الهيئات البلدية، فالقاعدة في كل حالة هي الاقتراع العام العلني بواسطة أوراق التصويت. وعندما تشكل حزب العمال الاشتراكي في فرنسا، قرر تقديم مرشحين عمال في الانتخابات، لا إلى البرلمان وحسب، بل حتى إلى جميع الهيئات البلدية. وكانت النتيجة، عند تجديد المجالس البلدية مؤخرا، يوم 9 كانون الثاني / يناير من العام الجاري، أن فاز هذا الحزب العمالي الفتي في عدد كبير من المدن الصناعية، وكذا في جملة مناطق ريفية ولا سيما المنجمية. ولم يتوفق في إنجاح بعض المرشحين وحسب، بل ظفر أيضا في بعض الأماكن بأغلبية المقاعد، بل أن أحد المجالس، كما سنرى فيما بعد، قد تألف كليا من عمال.

قبل تأسيس  «The Labour Standard  (ذي ليبور ستاندارد) بفترة وجيزة، أضرب عمال المصانع في مدينة روبيه الواقعة على حدود بلجيكا. وسرعان ما أرسلت الحكومة القوات المسلحة إلى هذه المدينة، وحاولت في الآن ذاته، بمبرر استتباب النظام، الذي لم يكن مهددا بتاتا، أن تستفز المضربين إلى القيام بأعمال تكون ذريعة لتدخل القوات المسلحة. ولكن العمال التزموا الهدوء، وما ساعدهم بصورة رئيسية على مقاومة كل استفزاز إنما هو نشاط المجلس البلدي الذي يتألف بأغلبيته من العمال. فقد عُرضت أسباب الإضراب في المجلس، فناقشها بتفصيل، وبالتالي، واعترف بصواب مطالب المضربين، واتخذ فضلا عن ذلك إجراء فعليا، إذ قرر اعتماد مبلغ 50000 فرنك أو 2000 جنيه سترليني لمساعدة المضربين. ولكن هذه الإعانة لم تُدفع، وذلك لسبب واحد هو اعتراض المحافظ عليها. إذ أن المحافظ يملك، بموجب القوانين الفرنسية، حق  تعليق أي قرار للمجالس البلدية إذا اعتبر أن هذه الاخيرة قد تجاوزت صلاحيتها. ومع ذلك، كان للدعم المعنوي الكبير الذي قدمه  المجلس البلدي هذا للمضربين قيمة خارقة بالنسبة للعمال.

في 8 حزيران / يونيو، طردت الجمعية الصناعية المنجمية في كومانتري، وسط فرنسا (محافظة آليه)، 152 عاملا رفضوا الخضوع لشروط عمل أسوأ. وكان هذا الإجراء ضمن نظام مستعمل في الآونة الأخيرة لإدخال تدريجي لظروف عمل أسوأ، فأضرب جميع عمال المناجم، وعددهم قرابة 1600. وفورا، أرسلت الحكومة القوات المعتادة بقصد ترهيب الشغيلة واستفزازهم . لكن المجلس البلدي لهذه المدينة تبنى على الفور قضية العمال. ففي اجتماع 12 حزيران / يونيو (وكان، فضلا عن ذلك، يوم أحد) اتخذ القرارات التالية:

1- – بما أن المجتمع ملزم بأن يؤمن معيشة أولئك الذين يضمنون بعملهم معيشة الجميع، وبما أن الدولة ترفض أداء هذا الواجب، فإن البلديات ملزمة بالقيام به؛ إن المجلس يقرر تقديم قرض بمبلغ 25000 فرنك (1000) جنيه سترليني) بضمانة أكثر المواطنين يسرا؛ غاية هذا المبلغ مساندة عمال المناجم المضطرين للإضراب عن العمل بسبب طرد 152 من رفاقهم من غير حق.

قرار متخذ بالإجماع، ولم يعترض عليه غير رئيس البلدية.

2- – بما أن الدولة، ببيعها ملكا قيما للشعب، هو مناجم كومانتري، لشركة أسهم، قد وضعت الشغيلة العاملين هناك تحت رحمة الشركة المعنية؛ وبما أن الدولة كانت بالتالي ملزمة بالحرص على ألا  يبلغ ظلم الشركة للعمال، في أسوأ الأحوال، حدا يهدد وجودهم بالذات؛ وبما أن الدولة بوضعها القوات المسلحة تحت تصرف الشركة أثناء الإضراب لم تحافظ على حيادها، بل وقفت أيضا إلى جانب الشركة،

فإن المجلس يطالب، باسم مصالح الطبقة العاملة الملزم بالدفاع عنها، نائب محافظ الإقليم:

1 – بأن يسحب على الفور القوات المسلحة التي ليس وجدوها هنا سوى استفزازا مباشرا؛

2- بأن يتدخل لدى مدير الشركة ويجبره على إلغاء الإجراء الذي سبب الإضراب.

قرار متخذ بالإجماع.

ومخافة أن يسبب فقر البلدية فشل الاقتراض المصادق عليه أعلاه، اتخذ المجلس قرارا ثالثا، بالإجماع كذلك، يقضي بفتح باب التبرعات لصالح المضربين، وطلب من جميع البلديات في فرنسا أن تساهم في تقديم مساعدة مالية لنفس الغاية.

وهكذا نرى هنا نتائج واضحة لاشتراك العمال، لا في البرلمان وحسب، بل أيضا في الهيئات البلدية وغيرها من الهيئات. وكم من الإضرابات في انجلترا يمكن أن تنتهي بنتيجة مغايرة تماما لو حظي العمال بتأييد المجلس البلدي المحلي! إن المجالس البلدية والمحلية، المنتخب معظمها  في انجلترا من قبل العمال، تتكون في الوقت الحاضر، وبوجه الحصر، من أرباب العمل وعملائهم المباشرين وغير المباشرين (المحامين، الخ)، وفي أحسن الأحوال  من أصحاب الدكاكين.

عندما يحدث إضراب أو إغلاق، تستخدم السلطات المحلية على الفور كل قوتها المعنوية والمادية لصالح أرباب العمل وضد العمال؛ ويُستخدم البوليس، الذي تدفع رواتبه من جيوب العمال، لنفس الغرض الذي تستخدم له القوات المسلحة في فرنسا، ونعني بذلك أنه يستفز العمال لدفعهم للقيام بأعمال غير شرعية بقصد ملاحقتهم.

إن السلطات المدعوة إلى تنفيذ القانون بصدد الفقراء، ترفض على العموم أن تقدم أي مساعدة لأولئك الذين هم برأيها ملزمون بالعمل بغض النظر عن كل شيء. وهذا بالذات ما كان ينبغي توقعه. فمن وجهة نظر أبناء تلك الطبقة التي يصبر العمال على وجود ممثليها في هيئات الادارة المحلية، ليس الإضراب إلا فتنة ضد النظام الاجتماعي القائم، واعتداء على حق الملكية المقدسة. ومن جراء ذلك، سينصب دائما كل نفوذ السلطات المحلية الهائل، المعنوي والمادي، على تأييد أرباب العمل طالما تقبل الطبقة العاملة انتخاب أرباب

عمل وممثلي أرباب عمل إلى الهيئات المحلية المنتخبة.

نحن نأمل أن يفتح نشاط هذين المجلسين البلديين الفرنسيين عيون الكثيرين.  تُرى هل يقولون على الدوام، قاصدين أيضا العمال الانجليز، أن هذه الأمور تسير على نحو أحسن في فرنسا»؟ إن الطبقة العاملة في انجلترا، مع منظماتها العريقة والقوية، مع حرياتها السياسية القديمة، مع تجربتها خلال سنوات وسنوات في حقل النشاط السياسي، تتمتع بأفضليات هائلة قياسا بعمال أي بلد من بلدان القارة. ولكن الألمان أوصلوا إلى البرلمان 12 ممثلا عن العمال، وللعمال، كما في فرنسا، الأغلبية في كثير من المجالس البلدية. صحيح أن حقوق العمال الانتخابية في انجلترا محدودة، ومع ذلك تشكل الطبقة العاملة أغلبية السكان في المدن الكبيرة وفي المناطق الصناعية. يكفي أن تريد هذه الأغلبية الكامنة حتى تجعل من نفسها سلطة بالفعل في الدولة، سلطة في جميع الأماكن التي يتركز فيها السكان العمال. وإذا تمثل العمال تمثيلا لائقا في البرلمان، وفي المجالس البلدية، وفي مجالس الوصاية المحلية، كم سيلزم من وقت ليكون ثمة أيضا رجال قضاء من العمال بمقدورهم أن يضعوا العصي بين أقدام أولئك الموظفين المغرورين والأغبياء الذين يستبدون بالجماهير الشعبية في كثير من الأحيان؟

ذي ليبور ستاندارد 25 حزيران / يونيو 1881

شارك المقالة

اقرأ أيضا