منتدى الأساتذة: محاولة تبييض صفحة سوداء واستعادة المبادرة لتعميق الهجوم

سياسة25 سبتمبر، 2024

بقلم؛ فاتح رضوان

اختارت وزارة التربية الوطنية ذكرى مرور سنة على محاولتها تمرير نظام أساسي لشغيلة التعليم، نظام المآسي، ينال من كل مكتسبات الشغيلة ويفتح في وجهها باب جحيم فرط الاستغلال على مصراعيه، لأجل تنظيم ما أسمته المنتدى الوطني للأستاذ. يستهدف اختيار هذا التاريخ مسألتين: تمرير رسالة بان الدولة مستمرة في فرض منظورها في المسألة التعليمية، ضدا على إرادة الشغيلة والمجتمع، والتغطية على مناسبة ذكرى حراك الشغيلة التعليمية المجيد، بالإعلان أن تلك الشغيلة قد عادت إلى بيت الطاعة منقادة لتوجهات الدولة ومساهمة في تعزيزها بالنقاش والتداول، وها هي تشارك الوزير، الذي صدحت حناجرهم بالدعوة لرحيله، الطاولة والأفكار والبرامج.

ليس المنتدى المراد تنظيمه سبقا في تاريخ “المنظومة” منذ تبني ميثاق التربية والتعليم النيوليبرالي، بل قد سبقته العديد من المنتديات والمشاورات، كان آخرها “مُشاوراتٌ وطنية لتجويد المَدرسة العمومية”، التي سبق أن نظمتها وزارة التعليم ابتداء من 28 ماي 2022 إلى غاية نهاية يونيو، شارك فيها- حسب تصريح الوزير- 100 ألف مشارك-ة. بينهم مدرسون، في إطار “ورشات للتفكير” سميت “المجموعات البؤرية”. انكشفت غاية تلك المشاورات بعد ذلك بشهور قليلة، عبر تبني نظام المآسي، الذي استلهم جزء أساسيا مما تم فرضه في تلك المشاورات في محور ما يسمونه: تدبير الموارد البشرية. ويسير منتدى الأستاذ المزمع تنظيمه على نفس الطريق، سيكتشف الشغيلة بعد نهايته ما يتم إعداده لهم، بإشراكهم. لكن إذا كان مؤكدا أن الوزارة قد اغتنت بتجربة المواجهة التي خاضتها ضد شغيلتها وستمرر ما تريد تمريره بطريقة تبني على الدروس التي أخذتها من تلك المواجهة، فليس من المؤكد أن الشغيلة، المحرومة من أدوات نضال كفاحية، قد استفادت من تجربة الحراك المجيد والمرير. ولعل أهم غايات الوزارة من المنتدى يتمثل في حرمان الشغيلة من كل فرصة لتمثل دروس الحراك، عبر الإمعان في تضليل الشغيلة ومحاولة تفكيك ثقتها بنفسها وإنعاش السموم اللبرالية والفردانية التي تجعل من قضايا مجتمعية كالتعليم شأنا فرديا، ومسألة تقنية، وفي أحسن الأحوال مرتبطة بالحكامة وليس بالسياسة. مثلما يمثل “إقناع” الشغيلة بتكثيف استغلالها والزيادة في التقشف وجعل ذلك مقبولا باستعمال التأثيرات النفسية من خلال إحضار أطباء نفسانيين ومشعوذي التنمية الذاتية وغيرهم من مدعي إيجاد الحلول ليكونوا متكلمين في المنتدى…

بعد الإعلان على المنتدى، انبرت أقلام “ناقدة” له، مركزين نقدهم على جوانب شكلية وسطحية، وهم بذلك يلعبون لعبة شرعنة مضمونه، جارين بذلك النقاش إلى القشور لا الجوهر. بينما يريد أساتذة المغرب وأستاذاته، بناء على تجربتهم العظيمة والمجيدة في مواجهة سياسة طبقية انكشفت غاياتها لكل ذي عينين، أن يشاركوا في نقاش حقيقي على قضايا التعليم، نقاش يبدأ أولا بتمكينهم من كل المعطيات التي يخفيها المتحكمون في الشأن العام التعليمي:

ما دور المؤسسات المالية الدولية في توجيه السياسات التعليمية بالمغرب؟

كيف تديم السيطرة الامبريالية (والصهيونية) تخلف نظامنا التعليمي؟

أي موقع للتقشف والمديوينة في الإجهاز المتواصل على المدرسة العمومية وتمكين التعليم التجاري؟

كيف يستفيد أغنياء الحرب الليبرالية قطاع التعليم (ناهبو ميزانياته عبر مختلف البرامج والمشاريع الممولة من المديونية والمالية العمومية) دون أن يتم كشفهم ولا محاكمتهم؟

هل مدرسو/ات التعليم الاولي وعمال وعاملات النظافة والحراسة والمطعمة، الواقعون تحت أسوأ أنواع القهر والاستغلال ودوس للإنسانية من طرف الوزارة الوصية على القطاع، غير مرئيين؟

هذا غيض من فيض القضايا الأساسية التي يريد الأساتذة والأستاذات نقاشها، فمشاكل القطاع ليست قطعا مشاكل مرتبطة باستعدادات التلاميذ والتلميذات للدراسة، أو إخلاص المدرسين والمدرسات للعمل و”لمهنة” التعليم، أو كيفية مواكبة الآباء لأبنائهم.  إن غاية هاته المنتديات التعمية على كل نقاش سياسي لمشاكل القطاع، وبالتالي لمشاكل البلد. إن على المدرسين/ات ان يناقشوا بالضبط السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي تفقر الأغلبية الساحقة من الشعب وتثري بشكل فاحش أقلية بورجوازية. تلك السياسة التي يعتبرها الوزير وزملاؤه في الحكومة وفي “المعارضة” المؤسسية وعموم طبقة السادة البورجوازيين أن لا مشكل فيها. وسائرون في تطبيقها بحماس لا يلين، أليست الشراكات مع أرباب العمل والجمعيات التابعة لهم تقدم كمخرج لأزمة قطاع التعليم، وهو مخرج يجعل حماس الحاكمين يزداد ولعابهم يسيل، أليس اعتماد مدرسة “الريادة” بأموال قروض البنك الدولي (250 مليار سنتيم) قد يشعل حماس أشد البورجوازيين خمولا، أليست “نواتج” مدرسة الريادة هي قوة عمل شبه مجانية وسهلة الانقياد، “نواتج” مضللة بالإيديولوجيا الليبرالية المفلسة.

لم تلتفت الوزارة للبيروقراطيات النقابية، ولم توجه لهم دعوة للحضور، وبقي هؤلاء في حيص بيص، ما بين مدع لعدم المشاركة، رغم عدم دعونه، وبين منبه لاستفراد الوزارة والخروج على المنهجية التشاركية، في حين ان الأمر يستدعي موقفا مغايرا كليا، لن تقوم به هاته القيادات، وهو موقف من شقين: الدعوة لمقاطعة هذا المنتدى، والدعوة لعقد منتديات حقيقية لنقاش عميق بين الأساتذة، دون حدود نقابية مفصلة على مصالح البيروقراطيات، حول واقع ومستقبل التعليم الذي لا ينفصل عن واقع ومستقبل نضال شغيلته وكل الشغيلة.

طريق شغيلة التعليم بالمغرب واضحة، وقد تلمسوا معالمها في حراكهم المجيد: افتكاك الحركة النقابية من سياسة التعاون الطبقي وممارسيها، توحيد العمل النضالي وتعميق فهمنا لطبيعة هجوم الدولة وتضافر نضالنا الموحد مع نضالات مجمل طبقتنا. طريقنا هو طريق عمال المغرب وكادحيه لأجل بديل ديموقراطي شعبي.

شارك المقالة

اقرأ أيضا