نضال مَنْجَمِيِّي بني تجيت لا يزال مستمرا

الحركة الاجتماعية25 سبتمبر، 2024

بقلم أوعبو المنابهي

يستمر نضال منجميي بلدة بني تجيت- إقليم فݣيݣ ضد محاولات الدولة فتحَ القطاع أمام كبار الرأسماليين وحرمان الصناع والعمال المنجميين التقليديين مما يشكل مصدر رزقهم منذ عقود. يتخذ الاحتجاج شكل احتلال مناجم وتسييرها ذاتيا من طرف الصناع المنجميين ومسيرات واعتصامات في البلدة أمام المؤسسات الرسمية و”المؤسسة المركزية الشراء والتنمية للمنطقة المنجمية لتافيلالت- فݣيݣ (كاديطاف)”.

بعد مسيرة واعتصام يوم 20 سبتمبر 2024، والتفاوض الذي أجراه المعتصمون مع السلطة والوعود التي التزمت بها في جولة التفاوض، تنصلت الدولة عن وعد إحضار وتوزيع المتفجرات التي نقلتها مساء يوم 22 سبتمبر 2024 من بني تجيت نحو مدينة الراشيدية في سيارات مدججة بالحراسة من طرف سيارات الدرك والقوات المساعدة، مبررة ذلك بـ”الضرورات الأمنية”.

أرباب مناجم يتلاعبون بنار الإضراب العام

بعدَ تبيُّن صمود الصناع والعمال المنجميين، صدرت دعوة غير موقَّعة للإضراب العام. أكدت مصادر محلية بأنها صادرة عن أرباب المناجم، الذين غلفوا مصالحهم- كما عادة الرأسماليين دوما- بالمصلحة العامة. تحدث البلاغ عن “الوضع الكارثي الذي تعيشه البلدة بسبب المشاكل التي يعاني منها القطاع المنجمي والتي تضررت منها جميع فئات المنجميين بشكل خاص، والسكان بشكل عام”. ودعا البلاغ إلى “إضراب عام وإغلاق جميع المقاهي والمحلات التجارية يوم 23 سبتمبر 2024 للضغط على الجهات الوصية للتدخل العاجل وإيجاد حلول لكافة المتضررين وفق مقاربة شمولية تعطي لكل ذي حق حقه”.

إن الحديث عن “كافة المتضررين” مضلِّل، فتضرر أرباب المناجم من احتلال مناجمهم أمر مشروع لجأ إليه الصنَّاع والعمال المنجميون أمام تشريدهم من عملهم وتهديدهم بفقدان مصدر رزقهم بعد شروع الدولة في فتح القطاع للرأسماليين الكبار للاستثمار فيه، ما سيفتح باب المنافسة التي ستزيح العمال/ الصناع التقليديين من مناجم اشتغلوا فيها لعقود.

يوم 23 سبتمبر 2024 شل الإضراب العام البلدة، وأغلقت المحلات عن كاملها. ونُظِّم اعتصامان، أحدهما دعا له العمال والصناع المنجميون والمناضلون المتضامنون معهم، والآخر استجابة للبلاغ الصادر عن أرباب المناجم. وأسهم الإضراب العام في إنجاح الاعتصام الأول، الذي التحق به التجار الصغار وفئات شعبية أخرى، اقتحمت إدارة كاديطاف واعتصمت داخلها… يبدو أنها آخر مرة سيتلاعب فيها أرباب المناجم بنار الإضراب العام.

حملة إعلامية إعدادا للقمع

قامت أحد المنابر الإعلامية الموالية صراحة للدولة بتغطية الاعتصام الذي دعا له أرباب العمل، واستقت تصريحات من المشاركين فيه. تصريحات تبدو كأنها جرى تلقينها لمن نطق بها عن ظهر قلب. كلهم متفقون على جملة واحدة: “مجموعة من الملثمين الغرباء الذين اقتحموا المناجم”، “هجوم عصابات ملثمة على المناجم”، “مجموعة عصابات قادمة من مناطق متفرقة من البلد”، “عصابات ملثمة مدججة بالحجارة والمقالع”… إلخ.

إذا كان الأمر يتعلق “بعصابات من الغرباء”، فلماذا تقوم السلطة بفتح “حوارات” معها، والتعهد لها بتحقيق مطالبها؟

يتعلق الأمر إذن بحملة إعلامية لتهيئة الرأي العام لقبول موجة قمع قادمة. فقد سبق للدولة أن جربت نفس الأسلوب مع اعتصام ميناء سيدي إيفني سنة 2008، ومع مخيم أكديم إزيك بمدينة العيون سنة 2010، ومع حراك الريف سنة 2017. دائما ما تصور الدولة المحتجِّين على أنهم “غرباء” أو حتى “عملاء لقوى أجنبية” من أجل جعل الرأي العام يتقبل القمع.

هذه الحملة ليست جديدة، فقد سبق لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ببني تجيت أن أصدر بيانا في غشت 2024، معتبرا خطوة احتلال المناجم “فوضى”، مُطالِبا السلطة للتدخل قصد إنهائها، واقتفى أثره مكتب نقابة الصناع والعمال المنجميين (التابعة للاتحاد المغربي للشغل).

“حوارات” للإلهاء

بعد “حوار” يوم 19 سبتمبر 2024 الذي التزمت فيه الدولة بإحضار وتوزيع المتفجرات على الصناع المنجميين، وتنصلها من ذلك الالتزام، اضطرت مرة أخرى للرضوخ وفتح “حوار” مع المحتجين، بعد نجاح احتجاج يوم 23 سبتمبر 2024.

اجتمعت السلطة مع لجنة منتدَبة من المعتصم على أرضية مطلبية جرت صياغتها في اعتصام يوم 23 سبتمبر 2024. كان رد السطة كما يلي:

– بالنسبة للمتفجرات التزمت السلطة بتوزيعها يوم 26 سبتمبر المقبل، وبررت عدم توزيعها في الوقت المتفق عليه سابقا بـ”ضرورات أمنية”.

– بالنسبة لقضية التسويق وعلى المستوى الاستراتيجي هناك توصيات للوزارة لكي تشتري كاديطاف المنتوج المعدني الذي لا يتجاوز خمسة أطنان، أما بخصوص وضع السوق حاليا فهناك محاولات صلح جارية، إذا نجحت فسيشتري أصحاب المناجم هذا المنتوج وتعود الأمور كما كانت سابقا، وإن لم تنجح محاولات الصلح فسيظل المشكل قائما.

– بالنسبة لمشكل العمال غير الأجراء (الشومور) تمنح لهم ترخيصات في إطار تعاونيات إما تحت سقف المستثمر أو تحت سقف الكاديطاف حسب المنطقة التي تختارها كل تعاونية سواء بجبل بوظهر أو بوعروس أو سكنديس أو أي مكان يدخل في المنطقة المنجمية بدائرتي بني تجيت وتالسنت.

سيستأنف الحوار يوم 27 سبتمبر المقبل، وفي غضون ذلك قرر الصناع المنجميون مواصلة احتجاجاتهم في انتظار إجابات شافية على أرضيتهم المطلبية.

طبعا علمتنا دروس الاحتجاجات العمالية والشعبية السابقة ألا نثق في الدولة، وألا نُلدغ من الجحر مرتين. فالدولة تلجأ إلى “جزرة الحوار والوعود”، عندما لا تستطيع استعمال”عصا القمع”. وما أن تتمكن من خداع قسم من المحتجين بالوعود وتهيئ الرأي العام، حتى تستجمع فصائلها القمعية لاجتثاث الاحتجاج، وسوابق سيدي إفني وأكديم إزيك والريف وجرادة لا تزال ماثلة في أذهاننا.

الحذر واجب وفي نفس الوقت إدراك مآزق نضال معزول. إذا كان التفاوض ضروريا وانتزاع مكاسب جزئيا شرطا للحفاظ على المعنويات القتالية، فعلينا أن ننتزع ضمانات تقي العمال المنجميين ومناضلي البلدة من ضربات الدولة الانتقامية. وأكيد أن تطور نضال منجميي بني تجيت ليشمل فئات أخرى ويمتد إلى مناطق أخرى لفك العزلة، هو الضمانة الوحيدة لمنع انتقام الدولة ولفرض تنفيذ التزامات التفاوض.

دروس في الديمقراطية العمالية

يُعتبَر المعتصم المكان الذي يلتقي فيه العمال والصناع المنجميون رفقة مناضلي البلدة، وفي المعتصم يجري تقرير الخطوات ومتابعة تنفيذها.

في اعتصام يوم 23 سبتمبر صاغ العمال والصناع المنجميون أرضيتهم المطلبية بشكل جماعي، هذه هي مطالبها:

– حل أزمة التسويق فورا ودون قيد أو شرط؛

– إحضار المتفجرات اللازمة للاستغلال في أقرب وقت ممكن؛

– إلزام كاديطاف بتحمل مسؤولياتها في التسويق والتأطير والتنمية وتفعيل صندوق الإغاثة؛

– إيجاد حل عاجل لأزمة العمال غير الأجراء (الشومور)؛

– إلزام المستثمرين بإفراغ جبل بوعروس ببني تجيت و جبل سكنديس بتالسنت؛

– تسويق المنتوج المعدني المتوفر لديهم حاليا دون شروط؛

– الزيادة في الأجور والتصريح بالعمال لدى صندوق الضمان الاجتماعي وتوفير التأمين الصحي؛

– فتح باب الرخص والتجديدات للجميع، ومساعدة العمال على تسوية وضعيتهم والعمل بشكل قانوني؛

– فتح باب الحصول على بطاقة حامل المتفجرات؛

– المطالبة بتحيين الرخص القديمة وإسقاط الجامدة منها التي توقف بها الاستغلال منذ سنوات.

أما اللجنة التي تفاوضت حول هذا الملف فقد جرى انتدابها بشكل جماهيري وديموقراطي، وتكونت من ممثلي العمال غير الأجراء (الشومور) وممثلي الصناع المنجميين وممثلي حاملي بطاقة المتفجرات وممثلي التجار ومناضلين من البلدة، وتناقَش خلاصات التفاوض من طرف المعتصمين.

نضال ضد الرأسمال ودولته

نضال منجميي بني تجيت ليس موجّها ضد صاحب هذا المنجم أو ذاك. بل ضد استراتيجية متكاملة تعمل الدولة على تنفيذها منذ 2016. استراتيجية قائمة على فتح المنطقة أمام الرأسمال الخاص المحلي والأجنبي. فظهير 22 ديسمبر 1960 المتعلق بإحداث المنطقة المنجمية لتافيلالت و فݣيݣ، كان قد منع بشكل قانوني القطاع الخاص من التنقيب المعدني في المنطقة. في حين ألغى الظهير الشريف الصادر في 25 غشت 2016 بتنفيذ القانون رقم 74.15 المتعلق بالمنطقة المنجمية لتافيلات وفݣيݣ”، ذلك المنع فاتحا المجال أمام الرأسمال الخاص للاستثمار في القطاع المعدني بالمنطقة.

المنطقة مغرية جدا للرأسماليين، وقد نقل وزير الطاقة والمعادن السابق (عبد القادر عمارة) تشكياتهم في مجلس المستشارين سنة 2016، حين أشار إلى أن المساحة المخصصة للنشاط المنجمي التقليدي بمنطقة تافيلالت وفجيج تناهز 60 ألف كلم مربع، في حين أن الأوراش التقليدية تغطي مساحة لا تتعدى %10 منها. عين الرأسماليين على %90 غير المستغَلة.

تتحدث الدولة عن التنافس الشريف في القطاع، لكنه ليس “شريفا”، إذ يضع الصناع المنجميين التقليديين في حلبة تنافس واحدة مع كبار شركات التنقيب المحلية والأجنبية. وفي هذا التنافس غير المتكافئ سيخصر المنجميون التقليديون.

فالمادة 8 مثلا من ظهير غشت 2016 تنص على أن الصناع المنجميين التقليديين يتمتعون بحق الأولوية في حالة  إعلان عن المنافسة في ما يخص جزءً يُزاوَل به نشاط منجمي تقليدي، ولكنها تشترط تلك الأولوية بأن “يثبتوا توفرهم على قدرات تقنية ومالية تعادل تلك التي تقدم بها المنافس صاحب أحسن عرض”!! كيف لصناع منجميين تقليديين أن يتفوقوا على القدرات التقنية والمالية للشركات الكبرى؟ خصوصا أن مهمة منح كاديطاف قروضا للصناع المنجميين كما نص عليها ظهير 1960، جرى تعويضها في ظهير 2016 بصيغة “ضمان القروض الممنوحة من لدن مؤسسات الائتمان”.

كما أقر ظهير غشت 2016 إعادة هيكلة مركزية الشراء والتنمية للمنطقة المنجمية لتافيلالت وفݣيݣ- كاديطاف”، بما سيحولها إلى مجرد منظِّم يتخلى عن صلاحيات التسويق وتوزيع عائداتها على الصناع المنجميين، لصالح كبار المستثمرين.

كبار المستثمرين هؤلاء هم “العصابات المدجَّجة بالرساميل” والمحميين من الدولة والذي سيأتون إلى المنطقة دون الحاجة إلى “لثام”، وهم الذين سيضرون بالتنمية الاجتماعية للبلدة، وليس العمال المنجميون.

أين اليسار؟

يستمر نضال منجميي بني تجيت في ظل صمت مطلق من طرف اليسار. لا بيانات تضامن ولا متابعات إعلامية لكسر الطوق وهذا أضعف الإيمان، أو بالأحرى الإيمان الضعيف.

يتواجد اليساريون- ات داخل النقابات ويشكلون جزءا من طاقمها القيادي. ما فائدة يسار نقابي إذا لم يهُبَّ لاستنفار القوى العمالية من أجل التضامن مع معركة منجميي بني تجيت، كما هو الشأن أيضا مع عمال شركات طوب فوراج بمنجم بوازار إقليم وارزازات ومنجمي الدرع الأصفر وكدية عيشة، عمالة مراكش وعاملات سيكوميك بمكناس، وغيرها من صبوات النضال العمالي في عموم البلد.

إن ما يقع في بني تجيت من نضال واحتجاج أمرٌ عظيم. فلأول مرة في تاريخ المغرب يهب عمال وصناع منجميون تقليديون لانتزاع ملكية نازعي الملكية (الرأسماليون)، ويسيرونها بشكل ذاتي، مقدمين تجربة حية على ما يمكن أن يكون عليه الوضع عندما تقوم الطبقة العاملة بالبلد كله لانتزاع ملكية مغتصبي البلد وأراضيه وثرواته.

تضع معركة منجميي بني تجيت يسار المغرب أمام امتحان عظيم… إما أن يكون أو لا يكون

—-

ملحق- بيان المنجميين ببني تجيت موجه للرأي العام

23 سبتمبر 2023

تعيش بلدة بني تجيت/إقليم فݣيݣ مؤخرا على وقع وضع اجتماعي مأزوم بسبب شلِّ القطاع المنجمي على مستوى الإنتاج و التسويق، وذلك بعد وقف الإمداد بالمتفجرات اللازمة للاستغلال ومنع الاتجار في المعادن بشكل عام. ويأتي ذلك في ظل تملص مركزية الشراء والتنمية (كاديطاف) من جميع المهام التي كلفتها بها الدولة منذ تأسيسها وألح عليها القانون المنجمي الجديد المنظم للقطاع بالمنطقة المنجمية بتافيلالت وفݣيݣ.

تعود جذور هذه الأزمة إلى عملية تفويت جبل بوعروس المنجمي من طرف الجهات الوصية على القطاع والسلطات المحلية والإقليمية إلى إحدى الشركات، دون الأخذ بعين الإعتبار أن هذا الجبل كان يعيش من خيراته المعدنية عدد هائل من العمال ويعتبرونه مصدر رزقهم الوحيد في هذه المنطقة التي يقوم اقتصادها على المعادن بشكل أساسي.

بعد احتجاجات هؤلاء العمال المشردين على خوصصة الجبل، وبعد إصرار الدولة على تفويته للمستثمرين، قام العمال بشكل عفوي باحتلال منجم يستغله أحد هؤلاء المستثمرين بجبل بوظهر ببني تجيت، ولأن هذا المستثمر هو نفسه ممثل إقليم فݣيݣ في المجلس الإداري لوزارة الطاقة والمعادن فقد عمل على معاقبة كافة الشغيلة المنجمية وكل من يمت للقطاع بصلة، ونزولا عند رغبته قامت السلطة بشلِّ حركة هذا القطاع فمنعت المتفجرات وأوقفت عملية تسويق المعادن.

إن هذه الإجراءات توحي بفشل السلطة والجهات المعنية في تدبير الأزمة وانحيازها الفادح لهذا المستثمر الذي يستغل منصبه بشكل غير قانوني لتصريف أزمته على حساب الأبرياء والكادحين، وبدل هذا الانحياز المرفوض من طرف المنجميين وجب على الجهات المعنية التعجيل بحلول آنية تضمن العيش الكريم والاستقرار لكل فئات الشغيلة المنجمية.

إننا كمنجميين نعلن للرأي العام المحلي و الوطني ما يلي:

– رفضنا القاطع لتجويع الساكنة ومحاولة إخضاعها لجشع الرأسماليين رغما عنها.

– مطالبتنا بالحل الفوري لأزمة التسويق.

– مطالبتنا بتوفير المتفجرات بشكل عاجل.

– مطالبتنا الدولة بالتدخل عبر مقاربات اجتماعية وتنموية كفيلة بمحاربة الفقر والبطالة.

– مطالبتنا بإيجاد حلول واقعية لضحايا تفويت جبل بوعروس.

– عزمنا مواصلة إعتصامنا السلمي المفتوح من داخل مركزية كاديطاف حتى تحقيق مطالبنا العادلة.

– ⁠مناشدتنا لكل ساكنة بني تجيت والإطارات المناضلة وعموم أحرار وحرائر الشعب المغربي إلى تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة.

 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا