نمط العيش الإمبريالي: استغلال الإنسان والطبيعة في الرأسمالية العالمية

بلا حدود, سياسة23 سبتمبر، 2024

تمهيد للنسخة العربية    + المحتويات

 

 بقلم :

أولريش براند  Ulrich Brand

ماركوس فسن     Markus Wissen

 

تمهيد للنسخة العربية

على الرغم من أن هذا الكتاب لا يُحلّل على نحو صريح الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي في العالم العربي، فإننا نأمل في أن يُقدّم حججا تسمح بإلقاء نظرة مختلفة حول موضوع الكتاب.

أولاً، يسلّط الكتاب، ومن منظور تاريخي، الضوء على دور الوقود الأحفوري، وخصوصا النفط، في التوسع الدينامي للرأسمالية العالمية ونمط العيش الإمبريالي. وفي ما يتعلق بالعالم العربي، أدّت مركزية النفط، لا في الاقتصاد العالمي فحسب وإنما في الحياة اليومية لعدد كبير من الناس أيضًا، إلى تحول القوة من المراكز الثقافية والسياسية والاقتصادية القديمة في شمال أفريقيا ومصر وسورية والعراق إلى الممالك الخليجية التي تعتمد ثروتها المادية على استغلال النفط والقوى العاملة المهاجرة. ما يتضح هنا هو المناطق الجغرافية العلائقية لنمط العيش الإمبريالي – التي غالبا ما تكون مخفية وغير مدركة: يساهم النظام الاقتصادي العالمي اللامتكافئ جدا في تدمير الظروف المعيشية للأشخاص الضعفاء في البلدان الأخرى، بالطريقة نفسها التي يُنتج بها ثروة أجزاء كبيرة من بلدان الشمال، وخصوصا الطبقات العليا. وبالتالي، فإن حياة أقلية عالمية تقوم على تدمير الظروف المعيشية لعدد متزايد من الناس في أجزاء أخرى من العالم والأجيال المقبلة. يؤدي هذا إلى الفقر، وليس لدى كثيرين من الناس خيار آخر سوى الهجرة إلى مناطق أخرى. ثانيا، يمكن فهم الاضطرابات والحركات التقدمية والصراعات العنيفة التي يواجهها

العالم العربي الآن لعدة أعوام على أنها مظاهر لتناقضات نمط العيش الإمبريالي. لم تؤد أنماط الإنتاج والاستهلاك الكثيفة الاستخدام للموارد والانبعاثات إلى تفاقم الأزمة البيئية العالمية فحسب، بل أدت إلى تفاقم عدم المساواة أيضًا التي تمثل علاقات المجتمع مع الطبيعة في عدد من الأماكن في العالم. يزداد عدد الأشخاص الذين ينقطعون عن الوصول الى الموارد الطبيعية ونظم البنى التحتية التي تعتمد عليها حياتهم اليومية. للأزمة البيئية العالمية أسباب مختلفة جدا، والسبب الرئيس هو النمط الإمبريالي للعيش في بلدان الشمال. وفي ذات الوقت لها تأثيرات متفاوتة للغاية. إن الآثار السلبية لتغير المناخ واضحة تماما في العراق أو في سورية أو في السودان، وتساهم في النزاعات.

ثالثا، يمكن أن يساعد كتابنا على فهم حقيقة أن الاستغلال المفرط للعمال الأسيويين في دول منطقة الخليج، لا يكاد يكون موضع تساؤل، بصرف النظر عن القضايا المثيرة للجدل. إن متطلبات نمط العيش الإمبريالي، أي الطبيعة الرخيصة والمنتوجات والبد العاملة من مكان آخر»، عادة ما تكون غير واضحة للعيان. وهذا ينطبق بوجه خاص على النطاق العالمي، حيث يسمح النأي المكاني المطلق بالتعتيم على مصادر الثروة. علاوة على ذلك، فهي آلية تعمل داخل البلدان المنفردة، حيث يتم ضمان الاستغلال ليس عن طريق القمع العلني وحجب الحقوق فحسب، لكن من خلال التوافق الاجتماعي أيضًا على ما يمكن عده طبيعيا».

أخيرا، هناك نقاشات حادة في أنحاء العالم العربي كلها في شأن البدائل للمجتمعات الرأسمالية والطبقية والأبوية والنظام العالمي الإمبريالي. أظهر الربيع العربي عدم ارتياح كثيرين من الناس للنظام السائد. نقدم في نهاية الكتاب أمثلة من أوروبا، تظهر معا ملامح نمط العيش التضامني. بيد أن نهجنا، ومن دون أن يكون ساخرا، يهدف أيضا إلى فهم سبب صعوبة التغلب على نمط العيش الإمبريالي الراسخ، أي لماذا لا تؤمنه قوى قاهرة فحسب، بل يحظى بقبول واسع أيضًا.

باختصار، نحن نعتزم المساهمة في التفكير المشترك حول الديناميات المهيمنة والمدمرة جدا في عالمنا اليوم – وحول إمكانات تجاوزها في اتجاه مستقبل أكثر عدلاً واستدامة وبالتالي، فإننا نفهم أيضًا الترجمة العربية لكتابنا بوصفها تعبيرا عن احترامنا العميق وتضامننا مع جميع أولئك الذين يشاركون في النضال من أجل الديمقراطية والمساواة، والذين خاطروا أو حتى فقدوا حياتهم أو صحتهم في هذه النضالات. نأمل في أن يساهم الكتاب في فهم أفضل للسياق العالمي والاجتماعي للنضالات التقدمية، وتعزيز التضامن الدولي ومواصلة تطوير الاستراتيجيات التي تهدف إلى التغلب على استغلال البشر والطبيعة وممارسة الهيمنة عليهما.

لم يكن تأليف الكتاب الأصلي باللغة الألمانية تجربة ثرية جدا للتعاون العلمي المكثف والودي بالنسبة إلينا كمؤلفين فحسب، بل كانت تجربة مدفوعة بموجة من القبول النقدي من جانب عدد من الأصدقاء والزملاء الذين تدين لهم بخالص الامتنان.

تلقينا على مدى الأعوام القليلة الماضية أسئلة نقدية واقتراحات مهمة خلال الندوات. والمحاضرات، إلى جانب عدد من التعليقات المكتوبة. لقد ساعدنا ذلك على ترسيخ أفكارنا – وبالطبع زرع الشكوك، لأننا أصبحنا على بينة مما لا يمكننا أن نأخذه في الحسبان في هذا الكتاب.

في ما يتعلق بهذه الطبعة العربية من كتابنا، فنحن ممتنون جدا لبشار الزبيدي، الذي اقترح علينا فكرة إصدار نسخة عربية من الكتاب على ترجمته الرائعة. كما نود أن نشكر مبروكة مبارك وصباح الناصري على استعدادهما للمساهمة في مقدمتي الكتاب من أجل ربط حججنا ببعض تجارب العالم العربي. ونود أن نشكر مركز دراسات الوحدة العربية على نشره ترجمة كتابنا هذا.

أولريش براند

ماركوس فسن

برلين – فيينا، كانون الثاني / يناير 2021

محتويات الكتاب 

Contenu -Ar

شارك المقالة

اقرأ أيضا