إفران الأطلس الصغير: تدبير بؤس الدخول المدرسي (حوار)

الحركة الاجتماعية20 سبتمبر، 2024

تقديم موقع المناضل- ة

إفران- الأطلس الصغير، بلدةُ صغيرة تابعة إداريا لجهة كلميم- وادنون، تقع في ملتقى سلسلة الأطلس الصغير والصحراء، يخترقها وادٌ يشكل عصب حياة فلاحي- ات البلدة الصغار. هذه الحياة أصبحت مهدّدة بفعل استيطان شركة منجم وانسيمي، التي أوشكت على استنزاف ما يشكل أساس الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلدة: المياه. في هذه البلدة حيث تجني شركة المعادن مليارات الدراهم أرباحا، يبدأ التلاميذ دخولا مدرسيا بائسا، محكوما بسياسة تقشف فرضتها الدولة على الشعب كله، لكن آثارها الأشد كارثيا تظهر في هوامش البلد الأكثر فقرا. لوضع القارئ في الصورة ننشر حوارا مع مناضل من البلدة حول الدخول المدرسي ببلدة إفران الأطلس الصغير. هذا نصه:

1- بماذا تميز سياق الدخول المدرسي بإفران الأطلس الصغير: البنية التحتية للمدارس؟ الأطر من أساتذة- ات إلى آخره؟

مر الدخول المدرسي في إفران الأطلس الصغير لهذا الموسم 2024- 2025 في ظروف محكومة بسياسة التقشف المعهودة، حيث لا تزال مجموعة من المؤسسات التعليمية تشهد أعمال صيانة وتأهيل كمجموعة مدارس “ابن طفيل” (وهي مصنَّفة كمدرسة رائدة) ومجموعة مدارس “الفقيه بن  أحمد” بأمسرا والثانوية الإعدادية “بئر  انزران” التي يفترض أن تنتهي أشغالها خلال العطلة الصيفية. كما سُجل خصاص في بعض المؤسسات التعليمية في الأطر التربوية كالثانوية التأهيلية “المختار السوسي” و”المدرسة الجماعاتية” هذه الأخيرة تعثر فيها الدخول المدرسي- كما العادة- بسبب تأخر انطلاق النقل  المدرسي.

2- سجلت المنطقة تأخر التحاق أزيد من 280 تلميذ وتلميذة في المدرسة الجماعاتية. ما سبب ذلك؟

لم يتمكن  أزيد من 284 تلميذ وتلميذة في المدرسة الجماعاتية بإفران الأطلس في المستويين السادس والخامس الابتدائي من الالتحاق بمقاعدهم- هن الدراسية حتى تاريخ 18 سبتمبر 2024، على عكس التاريخ المحدَّد رسميا على المستوى الوطني. والسبب هو غياب النقل المدرسي الذي يعتبر الوسيلة الوحيدة التي بإمكانها تأمين تنقل هؤلاء إلى مؤسستهم بعد إلحاقهم بها وتقليص البينة التربوية في المؤسسات الأصلية في معظم دواوير  المنطقة، وهي طريقة للتقليل من توظيف الأساتذة وبقية الأطر بتجميع التلاميذ- ات الملتحقين- ات بالمستوى الخامس والسادس في مدرسة جماعاتية، بدل الاحتفاظ بهم في المجموعات المدرسية وفرعياتها، وتوفير الكافي من الأساتذة والأطر.

ويَفرضُ هذا على التلاميذ- ات التنقلَ من دواويرهم- ات للوصول إلى المدرسة الجماعاتية، عبر حافلات النقل المدرسي، وهذا يؤثر طبعا على قدرة التلاميذ- ات على التركيز في القسم، ويؤثر على انطلاق الحصص وسيرها.

ليست هذه هي المرة الأولى، فقد أشار بيان فرع حزب الاستقلال (20 سبتمبر 2024) إلى أن “توقف خدمة النقل المدرسي بالمدرسة الجماعاتية… أضحى العنوان البارز كل سنة في هذه المؤسسة”، وفي 29 مارس 2021 وجَّه عبد الباقي مناضل، مدير المدرسة الجماعاتية إفران الأطلس الصغير، مراسلة إلى السيدة رئيسة المجلس الجماعي لإفران الأطلس الصغير في شأن غياب النقل المدرسي الذي حال “دون التحاق التلاميذ بمؤسساتهم في الوقت المحدد مما سيؤثر سلبا على الدخول المدرسي وبالتالي هدر الزمن المدرسي”[1].

3- من الذي ينظم عملية النقل المدرسي؟ وما هي شروط الاستفادة منه؟

يتكون أسطول النقل المدرسي للمدرسة الجماعاتية بإفران الأطلس الصغير من أربع حافلات. وهو  عدد غير  كاف لنقل تلاميذ هذه المؤسسة. تُسيِّره جمعية أُسست لهذا الغرض تحمل اسم “جمعية تنمية النقل المدرسي العمومي”، تربطها اتفاقية شراكة مع المجلس الإقليمي بكلميم، الذي يتولى تأمين   وقود الحافلات وقطع الغيار والإصلاحات وكذلك أجور السائقين (مع غياب المرافقين- ات)، في حين يقدم  المجلس  الجماعي لإفران منحة سنوية تُقدَّر بـ 100 ألف درهم لهذه الجمعية لتغطية النفقات الإضافية للنقل المدرسي. وهذا ما يُطلَق عليه الصيغ المبتكَرة لتنويع مصادر تمويل تعليم أبناء الشعب، وهي أشكال لتعويض تخلي الدولة عن ذلك التمويل، وتفويضه لهيئات أخرى مثل المجالس المنتخَبة التي تتعاقد مع أطراف خارجية مثل الجمعيات، وضمنه حتى التعليم الأولي الذي تشتغل مربياته بموجب عقود مع جمعيات.

المدرسة الجماعاتية نفسها جرى إنشائها ضمن نفس المنظور؛ أي “في إطار عقد برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية في شقه المتعلق بالتربية والتكوين، من خلال تنفيذ اتفاقية شراكة بين الأكاديمية الجهوية ومجلس جهة كلميم وادنون”[2]… وعقود الشراكات هذه تحل محل التزامات الدولة والميزانية العمومية بشكل مباشر، وهو ما وصفه بيان فرع حزب الاستقلال بـ”ترقيعات ظرفية تؤثر بشكل سلبي على السير العادي للمنظومة التربوية”.

النقل المدرسي حاليا مخصص لتلاميذ المدرسة الجماعاتية التي تضم المستويين الخامس والسادس  ابتدائي فقط، ويستفيد منه التلاميذ بـ”دون مقابل”.

يشكل الاكتظاظ داخل حافلات النقل المدرسي مشكلا، وقد اشتكت “جمعية النقل المدرسي العمومي إفران الأطلس الصغير” من ذلك في مراسلة موجهة إلى رئيس المجلس الإقليمي لكلميم: “يؤسفني إخباركم أن الوضعية الراهنة لمرفق النقل المدرسي بجماعة إفران أ/ ص، الذي عانى لأزيد من سنتين من مشكل الاكتظاظ”… وكل ما تطالب به الجمعية أحدَ موظفي “الدولة الاجتماعية” هو “تمكين الجماعة من حافلتين إضافيتين!!”. وحسب مراسلة الجمعية فإن هذا الاكتظاظ هو سبب إقدامها على “تعليق خدمة النقل المدرسي”.

من جانبه رد رئيس المجلس الإقليمي لكلميم (محمد الحبيب أنازوم) بأن الجمعية هي من تتحمل المسؤولية، بقول: “المراسلة التي توصل بها المجلس بخصوص إصلاح الأسطول تم استلامها قبل أقل من أسبوع من بدء الموسم الدراسي، وأكد أن هذه الفترة الزمنية غير كافية لإصلاح كافة المشكلات المتعلقة بالنقل المدرسي وأضاف كذلك أن الحافلات لم يتم تسليمها للمجلس عند نهاية الموسم الدراسي كما هو متفق عليه لإصلاحها وظلت في مستودع الجماعة معرضة لأشعة الشمس القوية وهو ما سيعرضها للتلف كالصباغة والعجلات، وأوضح أن الجماعة والجمعية تتحملان جزءاً من المسؤولية، ولا يمكن تحميل المجلس الإقليمي أي مسؤولية في ذلك”[3]… وهذه هي الإشكالات العويصة لثقافة الشراكة؛ حيث تتقاذف الأطراف الشريكة المسؤولية، وفي خضم ذلك تضيع مصالح المعنيين- ات (التلاميذ- ات).

كما سبق أن طرحت عائشة لبلق، عن المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية بالبرلمان، سؤالا لوزير التربية الوطنية، حيث أشارت إلى “حالة ضعف تجهيز إدارة المؤسسة، وغياب مرفق المطعم المدرسي، وكذا مشكل النقل المدرسي وما يعيشه سائقوه من أوضاع مزرية، أدت إلى إضرابهم يوم 05 فبراير الجاري وربما ينخرطون في أشكال احتجاجية أخرى، وكان نتيجة كل ذلك هو توقف الدراسة”[4].

4- ما المقصود بالمدارس الجماعاتية؟ ومتى جرى إحداثها بإفران وسياق إحداثها؟

المدرسة الجماعاتية هي مؤسسة تعليمية ابتدائية لتجميع تلاميذ المدارس الابتدائية في البوادي والقرى   التي تعرف انتشار الأقسام المشتركة والأقسام المتعددة المستويات، أو التي تعرف انتشار ظاهرة الهدر المدرسي بفعل التنقل المستمر للأسر كما هو الشأن عند قبائل الرحل. بدأ إحداثها في المغرب منذ سنة  2009 في الجهة الشرقية… لكنها في آخر المطاف تشكل جوابا مشوَّها على مشكل (الأقسام المشتركة والمتعددة المتسويات) بمشكل آخر (المدارس الجماعياتية)، بدل الحل الحقيقي المتمثل في توفير الكافي من أطر التدريس والبِنيات.

استقبلت المدرسة الجماعاتية بإفران الأطلس الصغير أول فوج من التلاميذ في الموسم الدراسي  2019- 2020. وضم تلاميذ المستويين الخامس والسادس الابتدائي في أربع مجموعات مدرسية  تتواجد داخل تراب جماعة إفران الأطلس الصغير  في حين تم الإبقاء على المستويات الأخرى في هذه المجموعات.

ترتب عن ذلك إجبار  تلاميذ وتلميذات في بداية مشوارهم- هن الدراسي على التنقل بعيدا عن منازلهم- هن وأسرهم- هن لمسافات تتجاوز سبع كلمترات في بعض الدواوير بواسطة حافلات غالبا ما  تتجاوز حمولتها القانونية وفي غياب مُرافقين- ات، بشكل يومي رغم وجود مؤسسات تعليمية قريبة من منازلهم- هن، حيث يضطرون للاستيقاظ باكرا  لكي لا يتأخروا عن  الحافلة.

جرى إحداث هذه المدرسة الجماعاتية، بسبب تقليص المستويات بالفرعيات والمجموعات المدرسية عبر إلحاق تلاميذ المستويين الخامس والسادس بالمدرسة الجماعاتية، والابقاء على المستويات الأخرى (الأول والثاني والثالث والرابع)، في المجموعات المدرسية الأخرى وعددها أربع.

المدرسة الجماعاتية بإفران لا يدرس فيها سوى المستويين الخامس والسادس الابتدائي وهذه حالة ربما  استثنائية  في المغرب، لأن المفترض في المدارس الجماعاتية هو أن تضم جميع المستويات.

من مشاكل المؤسسة أيضا عدم بناء المطعم إلا مؤخرا (لا تزال فيه الأشغال جارية)، فالتلاميذ يتنقلون إلى دار الطالب القريبة للاستفادة من المطعم، بعد توقيع اتفاقية شراكة بين المديرية الإقليمية والجمعية الخيرية الإسلامية المسيرة لهذا المرفق.

هل تأثرت الأسر بإلغاء مليون محفظة؟ وهل أثر ذلك في انطلاق الموسم الدراسي؟ وهل هناك استياء من طرف الأسر، أم أن الدعم (200 درهم) قد عوض المحفظة؟

تأثُّر الأسر بإلغاء مليون محفظة وارد جدا. خاصة وأنها كانت تخفف عنهم جزءا من المصاريف. وتشكل “مليون محفظة” سياسة موجَّهة لتخفيف آلام أشد ضحايا تخلي الدولة عن تمويل التعليم العمومي وتشجيع الخصوصي وتفويت المقررات المدرسية للمطابع الخاصة، واستهداف تلك الأسر الأشد فقرا بصدقات مليون محفظة، التي جاء الدعم ليحل محلها، أي ليُحِلَّ مُسكِّنا محل مُسكِّن آخر.

ومن ضمن المُسكِّنات أيضا تدخل مجموعة من الجمعيات النشيطة في الدواوير التابعة للجماعة   وقامت بتوزيع مجموعة من اللوازم الدراسية على تلاميذ هاته الدواوير لتخفيف مصاريف الدراسة  على الأسر  بعد تخلي الدولة  عن مليون  محفظة.

إلى حد الآن لم يلتحق جميع التلاميذ بأقسامهم في جميع الموسسات الاعدادية والتأهيلية رغم مرور   15 يوما على الانطلاقة الرسمية للدخول المدرسي. وأكيد أن إلغاء مليون محفظة سبب ضمن أسباب أخرى، ما جعل السلطات المحلية تستعين بـ”البريح” لحمل الأسر على إرسال أبنائها إلى  المدارس بعد  تأخرهم  عن الالتحاق بها.

[1]https://sawtkom.ma/10587.html.

[2]https://aref-gon.men.gov.ma/Ar//Pages/DetailActualite.aspx?ActuID=70UiryIJtag.

[3]https://sawtkom.ma/66020.html.

[4]https://www.chambredesrepresentants.ma/ar/مراقبة-العمل-الحكومي/الأسـئلة-الكتابية/وضعية-المدرسة-الجماعاتية-بإفران-الأطلس-الصغير-بإقليم-كلميم.

شارك المقالة

اقرأ أيضا