فيضانات الجنوب الشرقي: مواجهة أضرار اختلال البيئة يتطلب نضالا طبقيا

سياسة11 سبتمبر، 2024

 

خلفت الأمطار الرعدية، المنهالة بوجه خاص على أقاليم الجنوب الشرقي للمغرب، ضحايا ومفقودين- ات وخسائر مادية جسيمة. فحتى مساء الاثنين 9 سبتمبر 2024، أُحْصِيت ثمانية عشر حالة وفاة: في طاطا (10 أشخاص)، والراشيدية (3 أشخاص، وأجنبيان) وتزنيت (2)، وتنغير (2، أحدهما أجنبي) وتارودانت (1). فيما لا يزال أربعة أشخاص مفقودين. اِنهارت 56 مسكنا، نصفها كليا، وتضررت شبكات الخدمات- الكهرباء والماء الهاتف- وانقطعت 110 مقطعا طرقيا، 26 منها لا تزال منقطعة. وجرفت السيول محاصيلا زراعية وأشجارا مثمرة وطمرت آبارا.

الفيضانات متوقَّعة لأن المغرب من البلدان الأكثر عُرضة للتحولات المناخية بحسب تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وهو مهدد بشكل خاص بالفيضانات، بسبب موقعه الجغرافي، وتباين التساقطات الكبير وطوبوغرافياه. ومن المتوقع حدوث فيضانات شديدة ومتكررة في المناطق والمراكز الحضرية الرئيسية أيضا.  ما نتج عن الفيضانات، في حالات سابقة وفي الحالة الراهنة، من أهوال هو أيضا متوقع بسبب سياسة الدولة الموجهة أساسا لخدمة مصلحة الأقلية الضئيلة المحتكِرة لثروة البلد، لا لتلبية الحاجات الأساسية لقاعدة المجتمع العريضة، من شغلية، عاملين- ات ومعطلين- ات، وفقراء القرويين- ات والفئات الشعبية الكادحة الأخرى، وجعلهم- هن في مأمن من الكوارث.

تكشف الظواهر الطبيعية (فيضانات، حرائق، زلازل…)، ومخلفاتها السلبية، الطبيعة الطبقية لسياسة الدولة، التي تجعل قسما كبيرا من السكان أشد هشاشة بوجه المخاطر، بفعل الإفقار المنعكس في الاضطرار للبناء في مناطق غير آمنة، و نقص جودة السكن، وضعف البنيات التحتية، وقلة ذات اليد وانعدام تعويضات حقيقية.

شريط الجنوب الشرقي من مناطق المغرب المهملة، مجرد مَعِينٍ لنهب الثروة المعدنية من طرف الشركات المنجمية الكبرى المحلية والأجنبية، ومصدرٌ لفائض يد عاملة تتجه صوب المراكز الحضرية الكبرى، ونحو الخارج، لإعالة أسر مدفوعة إلى البؤس والحرمان من أدنى مقومات حياة لائقة، لا دخل ولا خدمات عامة جيدة ومجانية.

عانت تلك المناطق من جفاف قاس واستثنائي فاقم أوضاعها، وبات نسيج الواحات الصامد كموروث ايكولوجي واجتماعي مهددا بالاندثار. ونجم عن تمدد الاستغلاليات المنجمية، والسطو على الأراضي الجماعية، والتضييق على الاستغلال الموروث للغابات والأحراش، تحولات غيرت رأسا على عقب حال تلك المناطق.

نال الجفاف البنيوي من الجنوب الشرقي الهش بيئيا، بسبب ضعف البنية التحتية والإفقار الواسع، الناتجين عن سياسة التقشف، ما يضاعف كثيرا الخسائر الناتجة عن الفيضانات، وغيرها من كوارث. فليست الأمطار من يَقتل ويسبب الخراب، بل سياسة الدولة، القائمة على أولوية قصوى لدعم الرأسماليين، محليين وأجانب، بالخضوع لسياسات استعمارية جديدة يشرف عليه  البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوربي، ويفاقم ويلاتَها الفسادُ المستشري في مسام دولة الاستبداد.

كلما وقعت كارثة تسارع الدولة للترويج لمخططات وبرامج تَعِد بالأفضل، سرعان ما يطويها النسيان إلى أن تحل فاجعة جديدة ويدفع المفقرون- ات الثمن غاليا، لتعود آلة خداع الكادحين- ات إلى اجترار نفس الخطابات الكاذبة والمضللة. صندوق تنمية العالم القروي، وكالة تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، ومسميات أخرى عديدة، كلها آليات لذر الرماد في الأعين وإتاحة الفرص لرأس المال ونهب المال العام.

كشفت حرائق الواحات، وزلزال الأطلس، والفيضانات الدورية، حقيقة خرافة “التنمية المحلية”، وزيف “الديمقراطية المحلية” في ظل نموذج تنموي رأسمالي تابع، محركه أرباح أقلية محتكِرة للثروة، ونظام سياسي استبدادي. ومن ثمة حاجة شعبنا إالى  تنمية بديلة، ولمشروع مجتمعي مغاير قائم على تملك جماعي للثروة ومحافظ على البيئة وتسيير ديمقراطي لكل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

وفي هذا الاتجاه، يمثل تأميم الثروة المنجمية، لتغدو موردا من موارد تلبية الحاجات الأساسية للجماهير الشعبية، خطوة لا غنى عنها في كل سعي إلى حياة لائقة لكل البشر.  لكن تحقيق ذلك مستحيل إلا بفرضه عبر بناء ميزان قوى بالنضال.

وعلى صعيد آني،  وإن كان التضامن الشعبي العفوي سيخفف المعاناة، فلا بد من  إنجاد عاجل من طرف الدولة للسكان المتضررين يتيح المتطلبات الأساسية من غداء وشرب ودواء وإيواء، وتعويض مادي عن الاضطرار ، وتمكين أسر الضحايا من راتب معاش دائم.

وكي لا يكون عمل المساعدة الإنساني مجرد تضميد لجراح يسببها النظام الاقتصادي الاجتماعي (الرأسمالي) الظالم، يجب أن يقترن بتنظيم قوى النضال، وبناء حركة لكادحي- ات القرى على صعيد وطني، توحد مطالبهم- هن ونضالاتهم- هن، وترسم لها أفقا تحرريا حقيقيا. وذلك بالتنظيم الذاتي، اعتمادا على خبرة  تجارب النضال الشعبي التي تميز بها الجنوب الشرقي في العقود الثلاثة الأخيرة، بدور فعال من نساء المنطقة وشبابها العامل والمعطل والجامعي.

المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا