حراك شغيلة الصحة 2024: تقييم
حراك التعليم حفّازٌ مهم
كان لحراك التعليم دور أساسي في انطلاق النقاش في قواعد شغيلة القطاع حول المصير الذي ينتظرهم- هن في ظل المتغيرات الجديدة التي تعرفها الترسانة القانونية المنظمة للقطاع.
أدى هذا النقاش إلى ظهور العديد من التنسيقيات وإعادة إحياء أخرى تحت مسميات مختلفة، انطلقت في البداية في غرف الواتساب وكان لها الفضل في إثارة نقاش كان مغيبا، ضد إخراج شغيلة الصحة من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، أو بالأحرى كان مقبولا ومطالَبا به من طرف قيادات نقابات القطاع.
كان ممكنا أن يتطور هذا النقاش في اتجاه جموعات عامة كاملة السلطة التقريرية في الملف المطلبي وبرامج النضال، داخل أماكن العمل (المستشفيات والمستوصفات)، على النحو الذي سار فيه حراك التعليم في بدايته، لولا تفضيل قيادات نقابات القطاع الجلوس إلى طاولة الحوار مع الوزارة بدل الالتحاق بحراك شغيلة التعليم من جهة، ومن جهة أخرى غياب خط نقابي ديمقراطي وكفاحي قادر على الدفع بتلك النقاشات في اتجاه رفع وعي الشغيلة على النحو الذي يعدل من موازين القوى لصالحهم- هن، ويدمج نضالات شغيلة الصحة مع حراك التعليم في حراك واحد قد يستطيع إحداث تأثيرات في سياسة الدولة تجاه الخدمات والوظيفة العموميتين.
قيادات نقابات القطاع: الحوار بدل النضال
لكن في الوقت الذي انطلق فيه حراك التعليم ضد النظام الأساسي الجديد كانت قيادات نقابات قطاع الصحة قد ساهمت في أشواط عديدة من جلسات الحوار القطاعي من أجل تنزيل القوانين الجديدة المنظمة للقطاع، بعيدا عن كل تواصل مع الشغيلة (غياب المجالس الوطنية والجموعات العامة ونشرات تواصلية باستثناء بعض بيانات للتنسيق النقابي الرباعي تشير إلى أن النقاش مستمر حول قانون الوظيفة الصحية)، ومسايِرة لسياسات الدولة في تفكيك الوظيفة العمومية بقطاع الصحة من خلال إخراج شغيلة الصحة من النظام الأساسي العام للوظيفة الصحية منذ سنة 2021، مقدِّمة تطمينات لتلك الشغيلة بأن نظاما أساسيا خاصا سيضمن مكاسب الوظيفة العمومية السابقة ومكاسب أخرى جديدة، تماما كما كان الأمر مع قيادات نقابات التعليم مع النظام الأساسي الجديد.
منذ تلك السنة والدولة/ الوزارة الوصية تعمل على إعداد النصوص التنظيمية التي تلائم هذا الاستثناء الذي جاء به الفصل 4 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية. وطيلة هذه المدة كانت قيادات نقابات الصحة تساير الدولة في عملية الإعداد من خلال جلسات حوار قطاعي حطمت الرقم القياسي في عددها أكثر من 50 اجتماع على حد قول وزير الصحة نفسه، وكانت تصدر بلاغات باسم التنسيق الرباعي (بلاغ 16 مارس 2022 وبلاغ 13 أبريل 2022) تشير فيها إلى أن الحوار مستمر بخصوص مشروع قانون الوظيفة الصحية بدون إصدار بلاغات تفصيلية عن مضمون المشروع ولا عن موقف التنسيق النقابي الرباعي ودون إشراك المعنيين المباشرين بالموضوع: قواعد شغيلة الصحية في النقاش التي يجب أن يكون لها الكلمة الفصل الأخيرة بعرض توصيات جلسات الحوار على جموعات عامة، كما يفعل طلبة الطب.
فتات حوارٍ لإطفاء نضال محفَّز بحراك التعليم
حفز انطلاق حراك شغيلة التعليم ورفضهم- هن للنظام الأساسي الجديد النقاشَ في القواعد التي بدأت في القيام بأشكال نضالية خارج النقابات الصحية، محدودة إقليميا ومحليا في بعض المؤسسات الصحية في بعض المدن (طنجة مثلا)… لكنها لم تستطع أن تحدث نفس ما أحدثه شغيلة التعليم من زخم في ساحة النضال.
أُجهِضت تلك المبادرات منذ البداية حتى لا تلتقي نضالات شغيلة الصحة والتعليم في نفس الخندق المناهض لتفكيك الوظيفة الصحية، حيث أن القيادات النقابية أحست بأن الأمور ستفلت من سيطرتها. في هذا السياق راسلت النقابة المستقلة للممرضين وزير الصحة بتاريخ 11 ديسمبر 2023: “نؤكد على أننا منخرطون في إنجاح ورش تغيير القطاع وعلى المشاركة الفعلية في ورش تنزيل النصوص التطبيقية في شقها المرتبط بالمهنيين… فإنه لا معنى للاستمرار في جلسات تشاركية على أهميتها وملحاحيتها، لكن محتواها فارغ عندما نصل إلى الحقوق المادية لفئة عريضة، وأنه لا يمكن أن نخرج من الوظيفة العمومية لنجد أنفسنا في نظام أساسي كثير المحتوى فارغ الفحوى، عنوانه تغيير نص بنص ونظام أساسي بغيره بتكلفة مالية صفرية“.
وهو نفس مضمون رسالة مستعجَلة أرسلتها النقابة الوطنية للصحة- كدش بتاريخ 10 ديسمبر 2023 لوزير الصحة بموضوع “الإسراع بتحسين الأوضاع المادية لمهنيي الصحة قبل مناقشة تنزيل القوانين الجديدة”. وهي المراسلة التي تؤكد قبولا بمضمون “إصلاح المنظومة الصحية على مستوى القوانين…”، كما جاء في المراسلة. يدرك الجميع أن المقصود بـ”إصلاح المنظومة الصحية”، هو إحداث تغييرات في علاقات الشغل بما يتناسب مع الدور الجديد للدولة، وهو توجه استراتيجي عام وشامل للدولة لتفكيك الوظيفة العمومية وخفض كتلة الأجور وتسليع الخدمات العمومية، ورغم ذلك تطالب القيادات النقابية بإشراكها وتقديم فتات يحسن الأوضاع المادية لمهنيي- ات الصحة كمقابل لذلك الإصلاح.
وهو نفس موقف كل الجسم النقابي بالقطاع، وهو مقايضة للخدمات العمومية المجانية والوظيفة العمومية بفتات من المكاسب مادية.
مسارعة الدولة بالاستجابة لطلب الحوار بهدف تطويق حراك التعليم
استجابت الوزارة لنداء القيادات النقابية حيث برمجت جلسات الحوار والتفاوض أيام 27 و28 و29 ديسمبر 2023، لدراسة الملفات ذات الأثر المالي لمهنيي- ات الصحة، تُوجت بمحضر اتفاق عام بتاريخ 29 ديسمبر 2023 بين الوزارة ونقابات القطاع (النقابة المستقلة للممرضين والنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، نقابات قطاعية في إطار مركزيات الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، المنظمة الديمقراطي للشغل).
كان جواب الحكومة يوم 16 يناير 2024 على المطالب ذات الأثر المادي هزيلا (زيادةٌ أقل مما كان متفقا عليها يوم 29 ديسمبر 2023 وتضاف في خانة الأخطار المهنية عوض الزيادة في الأجر الثابت)، وتُفسَّر هذه الهزالة بتمكن الدولة من هزم حراك شغيلة التعليم، وبالتالي انتفى الضغط الذي سيفرض عليها الالتزام بما تضمنته اتفاقات ديسمبر 2023، حين كان حراك التعليم مشتعلا. هذا ما دفع النقابات إلى برمجة أشكال نضالية سرعان ما تم احتوائها بمحاضر اتفاق يوم 23 يناير 2024 وكذلك محضر اتفاق يوم 26 يناير2024. جدير بالذكر أن هذه المطالب ذات الأثر المالي كانت متضمَّنة في “محضر اتفاق حول حصيلة الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين بخصوص وضعية موظفي قطاع الصحة”، موقع منذ 7 أبريل 2006.
برنامج نضالي بعد فوات الأوان
لكن بعد انتظار شهر تقريبا كان رد الحكومة مخيبا للآمال: تجاهل تام لمحاضر الاتفاقات الموقعة بين الوزارة والنقابات الصحية، حيث كان واضحا أن هدف الحكومة هو ربح الوقت حتى لا تتلاقى نضالات شغيلة التعليم مع شغيلة الصحة، الشيء الذي من شأنه أن يُطلِق نضالا شاملا وسط مجمل شغيلة الوظيفة العمومية.
لقد ضيعت القيادات النقابية، بِرِهانها على الحوار القطاعي والمقاربة التشاركية، فرصة تاريخية لتلاقي شغيلة التعليم والصحة في حراك واحد، حيث انتظرت قيادات نقابات قطاع الصحة انتهاء حراك التعليم إلى ما انتهى إليه، لتبدأ برنامجها النضالي ضد تجاهل الحكومة لمحاضر الاتفاقات الموقعة مع الوزارة؛ وكان برنامجا نضاليا في سياق غير ملائم.
في هذا السياق وابتداءً من شهر فبراير 2024 خاضت نقابات الصحة سلسلة من الإضرابات عن العمل، كل نقابة على حدة، أو في إطار ما سمي بالتنسيق الميداني (إضرابات موحدة في الزمان ومتفرقة من حيث الجهة الداعية لها). ثم بعد ذلك الإعلان عن تأسيس التنسيق النقابي الوطني، مكون من ثماني نقابات. الملاحَظ في تشكيلة التنسيق هو غياب شرط النقابة الأكثر تمثيلية الذي كان يشكل أحد أوجه الصراع بين النقابات.
أُصدر أول بلاغ موحد يوم 19 أبريل 2024 يدعوا إلى إضراب عام وطني لمدة 48 ساعة يومي 24 و25 أبريل 2024 بكل المؤسسات الصحية باستثناء المستعجلات والإنعاش، وكذلك الدعوة إلى ندوة صحفية[1] بتاريخ 21 ماي 2024 بمقر النقابة الوطنية للصحافة حيث أعلن التنسيق النقابي عن سياق تأسيسه وأهدافه المتمثل في تنزيل اتفاق 29 ديسمبر 2023 والمحاضر الموقعة مع جميع النقابات نهاية شهر يناير2024 والتي تمحورت أساسا حول مطلبين رئيسيين هما:
- الوضعية القانونية لمهنيي الصحة من خلال الحفاظ على صفة الموظف العمومي وتدبير المناصب المالية وأجور مهنيي الصحة من الميزانية العامة للدولة.
- الشق المالي: إقرار زيادة عامة في الأجر الثابت قيمتها 1500 درهم صافية لفائدة أطر هيئة الممرضين وتقنيي الصحة والممرضين المساعدين والممرضين الإعداديين. وزيادة 1200 درهم صافية لفائدة مهنيي الصحة من فئة المساعدين الإداريين…
أكد التنسيق النقابي الوطني في هذه الندوة انخراطه في سياسة الدولة في القطاع، مطالبا فقط بالوفاء بالتزامات الدولة حول “تحفيز الموارد البشرية”، كمقابل لانخراط القيادات النقابية في تفعيل “التغيير الجذري للمنظومة عبر مباشرة تعديل الترسانة القانونية”.
قبل الندوة الصحفية خاض التنسيق النقابي مجموعة من الأشكال النضالية أيام 24 و25 أبريل 2024 و7 و8 ماي 2024 و9 ماي 2024: وقفات احتجاجية جهوية وإقليمية موحدة في الزمان متفرقة في المكان.
بعد الندوة الصحفية برمج التنسيق النقابي أشكالا نضالية تصعيدية بدءا من إضراب ليومين في الأسبوع أيام 22 و23 ماي 2024، ثم تلته إضرابات لثلاثة أيام في الأسبوع ومقاطعة العمليات الجراحية الغير مستعجَلة والاستشارات الطبية المتخصصة، مقاطعة التقارير والحملات الطبية والاجتماعات مع الإدارة وكذلك مقاطعة عمليات تحصيل مداخيل فواتير الخدمات المقدمة. كان للشكل النضالي الأخير أن يكون ضاغطا ولكنه لم يطبق نظرا لكون هذه المصلحة في العديد من المؤسسات الصحية تُشغِّل موظفين/ات متعاقدين/ات وكانوا غير معنيين- ات بالإضراب، لأن الملف المطلبي للتنسيق النقابي الوطني كان أيضا غيرمعنيِّ بهم- هن.
كما نُظِّمت وقفة وطنية أمام البرلمان بتاريخ 23 ماي 2024 على الساعة الحادية عشر صباحا بمشاركة تقريبا 4000 مشارك- ة من مختلف مدن المغرب، وهو عدد ضعيف مقارنة بعدد المشتغلين بالقطاع الذي يقدر بحوالي 60000 حسب معطيات 2022. يعكس هذا الضعف الكمي ضعفَ التحضير الذي اعتمد في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي والإلكتروني، وكذلك غياب التنسيق على مستوى عدد من الأقاليم وخصوصا بأماكن العمل.
كان من شأن الاهتمام بحراك التعليم أن يخصِّب نضال شغيلة الصحة لأشكال التقرير والنقاش التي مدَّت ذلك الحراك بزخمه الهائل؛ لقاءات نقاش وجموع عامة داخل المدارس تضم كل هيئة التدريس وأطر الدعم، وليس اجتماعات مكاتب نقابية معزولة عن قاعدتها تمْحَضُها المجالس الوطنية صلاحية التقرير في برامج النضال والحوار. كان ذلك التلاقي والنقاش في المدارس هو الذي ضَمن ذاك الحضور الكبير في المسيرات، الذي بلغ أوجه في المسيرة التاريخية في 7 نوفمبر 2023.
من الملاحظات كذلك المسجلة في الوقفة هو غياب شعارات موحدة تعكس وحدة التنسيق النقابي وكذلك ظهور مجموعات متناثرة على جنبات الطريق مما زاد من تقزيم شكل الوقفة الاحتجاجية وأضعف حماسَ الشغيلة.
بعد الوقفة الاحتجاجية صعَّد التنسيق النقابي خطواته بإعلان برنامج نضالي يمتد على خمسة أسابيع يتضمن ثلاث أيام في الأسبوع 28 و29 و30 ماي 2024، ثم 4 و5 و6 يونيو، ثم 11 و12 و13 يونيو، وأخيرا 25 و26 و27 يونيو، مصحوبة بوقفات إقليمية وجهوية وبمقاطعة العمليات الجراحية الغير مستعجلة والاستشارات الطبية المتخصصة ومقاطعة التقارير والحملات الطبية والاجتماعات مع الإدارة، وكذلك مقاطعة عمليات تحصيل مداخيل فواتير الخدمات المقدمة والدعوة لمسيرة وطنية.
بتاريخ 10 يوليوز 2024 نفذ التنسيق النقابي المسيرة الوطنية المبرمجة وجوبهت بالقمع الشديد باستخدام الهراوات وقاذفات المياه وخلفت عددا من المعتقلين قُدر بـ 28 معتقلا أُطلِق سراحهم في وقت متأخر من الليل ومتابعتهم في حالة سراح.
محضر اتفاق لإنهاء النضال والعودة إلى مسار الحوار والمقاربة التشاركية
مباشرة بعد قمع المسيرة الاحتجاجية أصدر التنسيق النقابي بيان رقم 9 يدين القمع واعتقال المناضلين يدعو من خلاله إلى إضراب وطني خمسة أيام في الأسبوع ابتداءً من الجمعة 12 يوليوز2024 وأيام 15 و16 و17 و18 و19 يوليوز 2024 و22 و23 و24 و25 و26 يوليوز 2024 مصحوبة بوقفات إقليمية وجهوية، وهو ما يعني إضرابا مفتوحا في المصالح التي لا تشتغل بنظام الحراسة، لكنه إضراب لم توفَّر له شروط نجاحه، خصوصا الجموع العامة التي تضم كل الشغيلة، وكانت بذلك أشبه بإعلان إضراب قبل الغرق مجددا في جولات الحوار.
وفعلا، بتاريخ 12 يوليوز 2024 وجه وزير الصحة دعوة للتنسيق النقابي لمناقشة مستجدات الحوار الاجتماعي، استجاب لها بسرعة التنسيق النقابي، الذي حضرته كل مكوناته باستثناء قيادة الجامعة الوطنية للصحة- الاتحاد المغربي للشغل، التي رفضت الحضور بمبرر أن الاجتماع يجب أن يكون مع وفد حكومي وليس مع وزير الصحة حتى وإن كان بتكليف من رئاسة الحكومة. وهو محض مبرر شكلي، إذ لم ترفض قيادة تلك النقابة الإطار العام لسياسة الدولة الذي تتفاوض عليه باقي القيادات النقابية.
أصدرت النقابات السبع الحاضرة في الاجتماع بلاغا تفصيليا حول مضمونه بتاريخ 14 يوليوز 2024[2]، وظل التنسيق النقابي متشبثا بالبرنامج النضالي إلى حدود يوم 23 يوليوز 2024 تاريخ ثاني اجتماع للتنسيق النقابي مع وزير الصحة بتكليف من رئيس الحكومة من أجل تبليغ التنسيق النقابي جواب الحكومة حيث جرت عملية التوقيع على الاتفاق القطاعي وتعليق البرنامج النضالي. تجدر الإشارة أن الاتفاق القطاعي وُقِّع من طرف قيادات ست نقابات بعد انسحاب النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام وأصدرت بيانا في الموضوع.
لقد أثبت عدم انخراط قيادات نقابات القطاع إلى جانب شغيلة التعليم في حراك عام ضد تفكيك الوظيفة العمومية، وتفضيلها الجلوس إلى طاولة الحوار مع الوزارة، وانتظار هزيمة حراك التعليم لإعلان برنامج نضالي، ثم الالتحاق مرة أخرى بطاولة الحوار وتوقيع المحضرالنهائي، وانخراطها في جلسات ولجان “الشروع في تنفيذ بنود الاتفاق القطاعي”، أن القيادات النقابية إنما تستعمل البرامج النضالية بشكل متحكَّم فيه من أعلى من أجل مناوشة الدولة قصدَ استئناف الحوار، مؤكدة ما أعلنته شقيقاتها في قطاع التعليم من أن “الإضراب أبغض الحلال” تلجأ إليه مرغَمة عندما تُغلق الدولة باب الحوار.
ملاحظات سريعة لابد منها
- في الملف المطلبي نلاحظ غياب مطلب مجانية وجودة الخدمات الصحية، هذا المطلب هو الضامن لمكاسب الوظيفة العمومية وأساس الحفاظ على علاقات الشغل/ التوظيف القارة بدل رفع شعار فارغ مثل “الحفاظ على صفة الموظف العمومي”.
- غياب مطالب تخص العاملين- ات في القطاع الخاص وعدم إشراكهم- هن في البرنامج النضالي
- تغييب مطالب شغيلة التعاقد، الشيء الذي جعلهم- هن خارج البرنامج النضالي وبالتالي أحد أسباب عدم نجاح عدد من البرامج النضالية (تحصيل الفواتير في عدد من المؤسسات).
- غياب تجمعات بالمؤسسات الصحية تسمح بالنقاش الحر والتقرير في البرامج النضالية والملف المطلبي.
- غياب جسور التنسيق مع باقي القطاعات خصوصا داخل الوظيفة العمومية والاستفادة من تجربة شغيلة التعليم.
- التركيز على نقاش المطالب ذات الأثر المالي وغياب نقاش حول مسلسل الهجوم على الوظيفة العمومية. يعتقد شغيلة الصحة أن التوقيع على محضر الاتفاق بما يتضمنه من فتات مالي أنهى أمر النضال، ويجب التركيز فقط على تنزيل محاضر الاتفاق في شقه المالي (السنوات الاعتبارية، التعويض عن البرامج الصحية، التعويضات عن الحراسة و الالزامية…)، لكن الزيادات في الأجور كانت أقل مما طالب بها التنسيق النقابي الوطني (1500 درهم)، كما أن كل تلك التعويضات تبتلعها الزيادات الصاروخية في الأسعار والمزيد من خوصصة الخدمات العمومية (التعليم والصحة)، وبالتالي لن يحدث أي أثر في تحسين القدرة الشرائية. وهنا المطلب الجدير بالدفاع عنه هو السلم المتحرك للأجور وزيادة في الأجور بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار.
- الهجوم مستمر على جبهات عديدة: قانون الإضراب، التقاعد… وجب تحفيز النقاش في قواعد الشغيلة سواء التعليم أو الصحة وباقي الشغيلة حول خطورة هذه القوانين، والانخراط في كل المبادرات النضالية الداعية للتصدي لقانون الإضراب والهجوم على التقاعد، والانخراط فيها مثل الجبهة المغربية ضد قانوني الاضراب و التقاعد، أو تأسيس مبادرات أخرى سواء على المستوى الوطني أو المحلي.
لنستعد للقادم من النضالات
ستفتح الترسانة التشريعية الجديدة باب جهنم الاستغلال على شغيلة القطاع، تماما كما هو شأن النظام الأساسي الجديد بقطاع التعليم، ومجمل الهجوم على تشريعات الشغل في الوظيفة العمومية، بما يجعلها مطابقة لجحيم الاستغلال القائم في القطاع الخاص: الأجر مقابل الاستحقاق (تخفيض نسبة الأجر الثابت، ورفع نسبة الأجر المتغير المرتبط بالأداء الفردي) والترقية مقابل المردودية (حوافز فردية غير معمَّمة وغير دائمة مرتبطة بحجم العمل المؤدى)… إلخ، كما أن قانون الشغل بالقطاع الخاص (مدونة الشغل) تخضع حاليا لمراجعة بما يجعلها أكثرمرونة.
وفي نفس الوقت تستمر سياسة الدولة القائمة على تسليع القطاع وربط خدمات العلاج بالأداء المالي (المباشر أو عبر صدقات التغطية الصحية المعمَّمة)، في الوقت الذي تنتشر فيه مصحات القطاع الخاص كالسرطان مستفيدة من شتى صنوف الدعم.
سيطلق هذا موجات نضال، علينا العمل على استنتاج دروس ما فات كي نخصب به القادم من جولاته. لقد مر وقت طويل كانت فيه شغيلة كل قطاع، تناضل من أجل مصالحها المهنية حصرا، دون الاهتمام بما يجري في القطاعات الأخرى، ودون الاكتراث بتدمير الخدمات العمومية وضرب مجانيتها. علينا الإعداد لجولات نضال يلتقي فيها كل ضحايا سياسات الدولة سواء تعلق الأمر بالشغيلة (في القطاع العمومي والخصوصي على السواء)، أو بفئات الشعب الأخرى المعنية بالخدمات العمومية والمجانية، في اتجاه إضراب عام عمالي وشعبي يستهدف مجمل السياسات النيوليبرالية المدمرة للخدمات العمومية ولتشريعات الشغل وللبيئة.
شادي الجبالي
[1]– البلاغ الصحفي للتنسيق النقابي
[2] انظر نص جريدة المناضلة بتاريخ 26 يوليوز 2024 الاتفاق بين الحكومة و التنسيق التقابي الوطني الصحة : استسلام ناجز
اقرأ أيضا