موتى حرارة بني ملال: شجرة تخفي غابة احترار المناخ وتقشف دولة
بقلم، الولي العتابي
بتاريخ 24 يوليو 2024 شهدت بني ملال (أسفل سلسلة جبال الأطلس الكبير) فاجعة وفاة 21 شخصا بسبب “موجة حر غير مسبوقة”. ليست هذه هي المرة الأولى التي تنتج وفياتٌ عن كوارث طبيعية، فقد سبقتها فيضانات 2014 وحرائق العرائش سنة 2022. لكشف حقيقة ما جرى قمنا باستقصاء في صفوف عائلات الضحايا.
تراوحت درجات الحرارة في المدينة أيام الوفاة ما بين 45 و47 درجة وهي درجات سبق أن جرى تسجيلها من قبل، ويحكى أن هناك وفيات بسبب الحرارة في السنوات الماضية.
توفي 21 شخصا تقريبا منهم رجال ونساء وأطفال بالمستشفى الجهوي بني ملال، أغلبهم كان يعاني من أمراض مزمنة، ومعظمهم من الأطفال والكهول الذين يعانون من الأمراض المزمنة كالربو والحساسية و داء السكري.
سُجلَّت 4 حالات وفاة خارج المستشفى و17 حالات داخله. وأفاد المستجوَبون أن تأخر حضور سيارات الإسعاف في الأوقات المناسبة، وظروف المستشفى الكارثية وغياب العناية اللازمة في قسم المستعجلات مما أخَّر تقديم الاسعفات الأولية في الوقت الملائم، هو الذي فاقم الكارثة وأودى إلى الوفيات. صرح أحد المستجوبين حول خدمات الإسعاف: “باستثناء بعض الحالات النادرة، فإن عمل سيارات الإسعاف لا يرقى ولا يمثل الاسم الذي تحمله هذه الخدمة”.
فتحت المديرية الجهوية للصحة تحقيقا في الموضوع، وحمَّل السيد كمال الينصلي المدير الجهوي للوزارة بجهة بني ملال خنيفرة مسؤولية تلك الوفيات لـ”موجة الحر، والحالة الصحية للمتوفين بسبب تقدمهم في السن وأمراضهم المزمنة”، وناشد المواطنين “لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لهذه الإصابات التي تسببها موجة الحر”[i]… هكذا تُخلى مسؤولية الدولة وتحمَّل للطبيعة وللضحايا.
أفاد أحد الذين استجوبناهم بما يؤكد ما قيل أعلاه: “ردة فعل السلطات المحلية والإقليمية رد فعل طبيعي وذلك بغية تجنب مثل هذه الأحداث في المستقبل، وتم الإبلاغ عن فتح تحقيق لمعرفة ملابسات الواقعة، وكما عهدنا فكلَّما قيل بفتح تحقيق في واقعة ما نعتبر أن الملف أُقبِر ووُضع في خزانة النسيان”.
وعلى غرار ما جرى إثر زلازال الحوز العام الماضي، فإن الدولة تدخلت بَعديا، لرفع الحرج والتنصل من المسؤولية، إذ صرح المدير الجهوي بأنه جرى “تأسيس خلية تنسيق وتتبع وتعبئة جل موظفي قطاع الصحة بما فيها أطباء وممرضون وسائق سيارات الإسعاف وتقنيون، ووفرت نظام ديمومة في جميع المستشفيات”. تُحدَث لجان وتُفتَح تحقيقات، لكن لا حديث عن حالة المستشفيات والمستعجلات أثناء وقوع الكارثة. وهو ما فصله بيان صادر عن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: “الاكتظاظ الملحوظ بقسم المستعجلات التابع للمركز الاستشفائي حيث تنتفي كل شروط احترام الكرامة الإنسانية نتيجة النقص الحاد في الموارد البشرية، وضعف التجهيزات الطبية وقلة الأَسِرَّة وعدم توفير مكيفات الهواء، بالإضافة إلى الخصاص الحاد في الأطقم الطبية والتمريضية، وغياب الأدوية، بما فيها الأدوية الخاصة بالأمراض التنفسية”[ii]. وهو ما أكدته مصادر طبية لموقع صحفي: “مستعجلات المركز الاستشفائي الجهوي لم تكن مزودة بمكيفات هوائية على مستوى قاعة الصدمات ولا بقنينات الأوكسيجين الضرورية لإسعاف المرضى، وهو ما يرجح وقوع هذه الكارثة بهذه الحصيلة الثقيلة في الأرواح… لم يتم تزويد قسم المستعجلات بها إلا بعد هذا الحادث”[iii].
صرح أحد المستوجبين مؤكدا ما ورد في بيان الجمعية المغربية والمصادر الطبية، قائلا: “الأجمل في هذه البناية العظيمة هو الزهد وقلة الأطر والمعدات خاصة المعدات ذات الأهمية، وانعدام الأدوية، الأمر الذي يجعل المريض الزائر للمستشفى زبونا محبوبا من طرف الصيدليات المجاورة”.
هكذا، ورغم كل الضجيج حول الرقي بالمنظومة الصحية والحماية الاجتماعية، أسهمت سياسة التقشف في مفاقمة آثار كارثة طبيعية أدت إلى كارثة بشرية. وفي حين طالب أحد المستجوبين بـ”ضرورة تجهيز المستشفيات والمراكز الصحية بالتجهيزات الضرورية كالمكيفات الهوائية ومضخات الأكسجين… مع توفير موارد بشريه كافية لتوفير العناية اللازمة للمرضى”، لم يتجاوز رد فعل المدير الجهوي نصائحًا معهودة، وكأن سكان المناطق الحارة كانوا يتساقطون كالحشرات من الحر قبل تلك النصائح: “نهيب بجميع المواطنين لاتخاذ الإجراءات الوقائية بما فيها شرب كميات كافية من المياه وتجنب النشاط المتعب في ظل موجة الحر، وتجنب أشعة الشمس”[iv]، متغافلا أن أغلب الوفيات (17 من أصل 21 حالة) سُجلت داخل المستشفيات لا خارجها، وأن “تجنب النشاط المُتعب” ترف لا يتمتع به سوى الأغنياء والمشتغلين في المكاتب المكيَّفة، وليس ملايين الكادحين- ات المجبرين على العمل في جميع الظروف لتأمين لقمة العيش.
يندرج ما حدث في بني ملال في إطار أزمة المناخ ووجهها الخاص بالاحترار، وعكس ما يروَّج من أن المنطقة معروفة دائما بموجات الحرارة (فترة “الصمايم”)، فإن المستويات القياسية للحرارة مؤخرا “غير معتادة، وتجاوزت الحدود العليا التي اعتاد المغرب تسجيلها”، حسب تصريح محمد سعيد قروق، أستاذ علم المناخ[v]. ففي نفس الأسبوع الذي شهدت حالات الوفيات ببني ملال، كان يوم 22 يوليو “الأكثر حرارة على الإطلاق في العالم منذ تسيجل البيانات عام 1940، وفق ما أعلنت شبكة كوبرنيكوس الأوروبية”، وحتى أكادير، وهي مدينة ساحلية معروفة بحرارتها المعتدلة، سجلت في العام الماضي (11 غشت 2023) أعلى معدل حرارة بالمغرب بمعدل 50.4 درجة[vi].
[i] – 25-07-2024 https://www.youtube.com/watch?v=ulstA7Ha7YY.
[ii] – 26- 07- 2024، https://m.alayam24.com/articles-516904.html.
[iii] – 26- 07- 2024، https://m.alayam24.com/articles-516904.html.
[iv] – 25- 07- 2024، https://www.youtube.com/watch?v=FHpkY0r9Sug
[v] – 26- 07- 2024، https://www.youtube.com/watch?v=dYias5C78Zc&t=241s.
[vi] – 25-07-2024، https://www.aljazeera.net/news/2024/7/25/وفاة-21-شخصا-بسبب-الحر-في-المغرب.
اقرأ أيضا