شغيلة أوراش البناء يموتون أو يصابون بعاهات في حوادث مميتة وخطيرة بشكل شبه يومي… من يتحمل مسؤولية استرخاص حياة الأجراء في أماكن العمل؟

 بقلم: م. أ.  الجباري

فواجع تردي ظروف العمل في قطاع البناء مستمرة بوتيرة تكاد تكون يومية. آلة قتل تدور بلا توقف وسط لامبالاة   عامة، سواء من طرف مؤسسات رسما يُفترض أن تولي اهتماما خاصا بالأمر، أو من طرف (وهذا أشد ايلاما) من كرف منظمات الطبقة العاملة. بقصد ابراز هول ما يجري، حوادث النصف الأول الشهر الجاري كما نشرتها صفحة فيسبوك مرصد حوادث الشغل والأمراض المهنية:

1-يوم الثلاثاء 11 يونيو 2024، مساءً، اياماً قليلة قبل عيد الأضحى، فارق الحياة عامل بناء بتجزئة المنظر الجميل بمدينة وزان إثر سقوط سطل “دلو” مليء بالإسمنت على رأسه من فوق البناية.

 2-يوم الاثنين 10 يونيو 2024، مساءً، لقي عامل بناء مصرعه إثر سقوطه أرضاً من مكان مرتفع أثناء العمل بورش بناء بزاوية شارع إدريس الثاني وزنقة سيدي وعياط بمدينة خنيفرة، أو ما يعرف محليا بـ “زنقة السينما”.

العامل فقد توازنه من فوق “سرير” العمل ليقع على الأرض، وانهارت عليه شحنة من طوب البناء “الياجور”، ليصاب على مستوى الرأس وأجزاء متفرقة من جسمه إصابات بليغة. تم نقله، في حالة خطيرة جدا، على متن سيارة إسعاف صوب المركز الاستشفائي الإقليمي، غير أنه فارق الحياة بعد لحظات قصيرة.

الهالك يسمى ن. محمد عمره حوالي 38 سنة، ينحدر من جماعة سيدي يحيى أوساعد، إقليم خنيفرة.

3-يوم السبت 08 يونيو 2024، صباحاً، سقط عامل بناء بورش بناء مركز تكوين وتأهيل المرأة بجوار مقر الملحقة الإدارية الثانية بحي النكد بجرسيف، وذلك بعد أن فقد توازنه أثناء العمل بمكان مرتفع بالورش، ليرتطم بالأرض بشكل قوي، ما تسبب في إصابته بجروح بليغة بالرأس.

جرى نقله، وهو في حالة حرجة، صوب مستعجلات المستشفى الإقليمي بجرسيف، حيث تقرر توجيهه على عجل صوب المستشفى الجامعي بوجدة نظرا لخطورة وضعه الصحي. الضحية يدعى “م ع”، شاب، عمره 23 سنة، مزداد سنة 2001.

4-يوم السبت 08 يونيو 2024، أيضا، توفي عامل بناء وآخر في حالة خطيرة، تم نقله الى المستشفى، بعد سقوطهما أثناء العمل من مكان عالٍ بعمارة بمدينة بالدروة، اقليم برشيد.

5-يوم الأربعاء 05 يونيو 2024، سقط عامل صباغة بتجزئة طريق بوتيني، بتزنيت. العامل أصيب على مستوى الكتف والرأس.

6-يوم الثلاثاء 04 يونيو 2024، سقط عامل بشركة لصنع الياجور الأحمر “الطوب الأحمر” المتواجدة على الطريق الوطنية بجماعة سيدي موسى المجدوب (على بعد كيلومترات قليلة شرق المحمدية)، عمالة المحمدية، تم نقله إلى المستشفى وهو مابين الحياة والموت.

العامل شاب، يسمى زكرياء، متزوج، وله ابن، يقطن بحي الفتح 1 بلوك 12، بنفس الجماعة.

7-يوم الاثنين 03 يونيو 2024، عصراً، سقط عامل صباغة من أعلى واجهة الطابق الأول لبناية، حيث كان يقوم بأشغال الصباغة، بشارع مولاي هشام “شارع الواد” بكلميم، بعد انسلال حبل السرير الخشبي الذي يقف عليه عادة عمال الصباغة مما جعله يفقد توازنه ويسقط أرضا، ليصاب بكسور وإصابات متفرقة نقل على إثرها في حالة حرجة إلى المستشفى الجهوي بكلميم.

العامل شاب، يدعى “ن سالم”، يبلغ من العمر 28سنة، يعمل في إطار الأشغال التي تجري هاته الأيام لصباغة واجهات البنايات المتواجدة بعدد من الشوارع الرئيسة للمدينة، في إطار برنامج التأهيل الحضري الذي يموله مجلس جهة كلميم وادنون وفوته لمقاولات بملايير السنتيمات.

وفي الغالب هذا النوع من الأشغال يُسند لمقاولات من باطن بهدف التنصل من كوارث حوادث الشغل والأمراض المهنية، ومن التأمين عنها، إضافة إلى خفض تكلفة اليد العاملة…

هذا، وقد تم التنبيه سابقا من طرف صحفيين وناشطين فيسبوكيين لانعدام ظروف السلامة للمشتغلين في صباغة واجهات الشوارع الرئيسية بكلميم، وخطورة استعمال وسائل تقليدية في العمل بـ”ورش كبير كصفقة الصباغة التي تم تمريرها بأكثر من ثلاث ملايير على مستوى كلميم وحدها، وأكثر من 10 ملايير على مستوى الجهة ككل”.

8-يوم السبت 01 يونيو 2024، شهد حي طنجة البالية بمدينة طنجة، سقوطاً مرعباً لعامل بناء، أمام أنظار زملائه، وذلك بعد أن فقد توازنه خلال مزاولته لعمله بالطابق الخامس بإقامة في طور البناء، ما تسبب في إصابته بجروح وكسور متفاوتة الخطورة.

تم نقل المصاب إلى المستشفى في حالة حرجة. ويرقد حاليا في المستشفى، ولا يُعرف مصير حالته الصحية.

أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان، العديد من الحوادث المماثلة التي سجلتها طنجة هذه السنة، والسنوات الأخيرة، وقد لقي عدد كبير من العمال مصرعهم جراء السقوط من مكان مرتفع بأوراش البناء بها.

لن يوقف الوفيات والإصابات بسبب العمل غير وحدة العمال ونضالهم من أجل ظروف عمل لائقة…

 

 أول ملاحظة يمكن تسجيلها من خلال هذه العينة هخي كون أغلب الوفيات والإصابات الخطيرة في صفوف العاملين بأوراش البناء ناتجة عن السقوط من مكان مرتفع أثناء العمل، أو تساقط أشياء ثقيلة على العمال، في ظل انعدام شروط السلامة والصحة المهنيتين. وما يفاقم أكثر هذه الحوادث ويرفع عدد حالات الوفيات والإصابات: تأخر وصول الإنقاذ، وتدني فعاليته، إضافة إلى ضعف خدمات الإسعافات والعلاج بعد وصول الضحايا إلى المستشفيات…

حوادثٌ، بل مآسٍ وفواجع، كان يمكن تفادي أغلبها، أو على الأقل جعلها إلى حدٍّ كبير غير مميتة وغير خطيرة، لو تم الحرص على توفير شروط السلامة والصحة في أماكن العمل قبل مباشرة العمل فيها، خاصة أنظمة منع السقوط من مكان مرتفع أثناء العمل، والحماية من تساقط أشياء ثقيلة على العمال…

هذا الوضع يجد استمراره في امتناع أرباب العمل وأصحاب المباني عن توفير شروط الصحة والسلامة المهنية، وغياب التأمين لفائدة العمال عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، وعدم تسجيلهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي…فيما أجهزة الدولة مُهْمِلة في القيام بدور المراقبة، بل متواطئة، حتى في فرض تطبيق ما تتضمنه قوانين الشغل الحالية، على قلَّتِها وعدم كفايتها، حول شروط الصحة والسلامة في ورشات البناء، والحد من المخالفات…

ما الفائدة للعاملات والعمال ولأسرهم من أن تهرع في كل مرة أجهزة الدولة هاته إلى مكان الحادثة بعد أن تكون المصيبة قد وقعت…؛ أتهرع من أجل ألا يتاح للضحايا وقت للتفكير في الأسباب، وكي لا يتبلور غضبهم وتذمرهم إلى الاحتجاج على هذا الوضع؟

وأما منظمات الطبقة العاملة، خاصة منظماتها النقابية، فغير مطروحٍ إلى الآن على جدول أعمالها تنظيم صفوف عمال البناء، الذي يزيد عددهم عن المليون، ولا اهتمام لها بشروط السلامة والصحة المهنية، ولا بما يصيب العاملات والعمال من فواجع في أماكن العمل، أو أثناء الذهاب اليه أو العودة منه…

فيما العاملات والعمال، نظراً لكونهم مذرَّرين، غير منظمين، يقبلون مرغمين، من أجل لقمة عيشٍ، العمل في أماكن عملٍ غير آمنة، وغير لائقة، تنعدم فيها شروط الصحة والسلامة والكرامة…

لن يوقف هذه الفواجع غير تعاون المنظمات النقابية والإطارات المناضلة سويا في مختلف المبادرات النضالية لتنسيق جهودنا من أجل: توعية العاملات والعمال بمخاطر العمل، والمطالبة أساسا بتوفير شروط الصحة والسلامة، بالبدأ بتطبيق ما جاء في تشريعات الشغل على علاتها وقلتها ومحدوديتها، ومعاقبة كل من أخل بها حقيقة لا كذبا؛ثم المطالبة بسن عقوبات حقيقية رادعة لأرباب العمل؛ وإعطاء دور حقيقي لجهاز تفتيش الشغل بعدد كاف من المفتشين وبصلاحيات كبيرة، قادر على القيام بزيارات دورية منتظمة لأماكن العمل لفرض شروط عمل ملائمة، بدل ابقائه جهازاً فارغاً لا دور حقيقي له…

– يا عاملات وعمال المغرب صحتنا، سلامتنا، حياتنا أهم من أن نخسرها ونحن نسعى لكسب لقمة عيش لنا ولأسرنا. فلنرفض العمل في الأماكن الخطرة؛ الأهم أن نعود بعد كل يوم عمل سالمين لأسرنا…

– لا للموت في أماكن العمل!

– لا للموت في الطريق من أو إلى العمل!

– لا للموت بسبب أمراض العمل المهنية!

شارك المقالة

اقرأ أيضا