عاموس غولدبيرغ: “لقد اجتمعت كل عناصر الإبادة الجماعية”
17 يوليو 2024
قدرت مجلة “لانسيت” The Lancet العلمية أن 186,000 شخص من سكان غزة قد لقوا حتفهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة في أكتوبر 2023. وهو رقم “متماسك”، وفقًا لمنظمة أطباء العالم. كان توصيف سياسة نتنياهو بـ”الإبادة الجماعية” – أي “نية التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية” – موضوع جدل دولي حاد منذ أن اتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في نهاية ديسمبر 2023.
عاد المؤرخ الإسرائيلي المقيم في القدس، عاموس غولدبرغ، في مقابلة نشرتها مجلة “جاكوبين” الأمريكية إلى مقاله “نعم، إنها إبادة جماعية”، الذي ظهر في إسرائيل في أبريل الماضي. فيما يلي نص المقابلة:
- وصفتَ، قبل بضعة أسابيع، أفعال إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية ضد السكان الفلسطينيين. هل يمكنك أن تشرح بإيجاز التعريف المحدد للإبادة الجماعية الذي تطبقه، ولماذا تعتقد أنه من المهم استعمال هذا التعبير لتوصيف ما يحدث في غزة؟
- كتبتُ مقالًا باللغة العبرية بعنوان “نعم، هذه إبادة جماعية” في مجلة تسمى “سيشا ميكوميت” Sicha Mekommit, ، التي تعني النداء المحلي. ثم تُرجمَ إلى الإنجليزية، وجرى توزيعه على نطاق واسع. أدرك خطورة هذا الادعاء، ولا أستخف به. كان صعبا جدًا علي كتابة هذا المقال لأنه يتعلق أيضًا بشعبي ومجتمعي. وبصفتي عضوًا في هذا المجتمع، فأنا مسؤول أيضًا عما يحدث. إن حجم الفظائع والدمار الذي ارتكب في إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول لم يسبقه مثيل. لقد استغرق الأمر مني بعض الوقت لاستيعاب ما يحدث، وللتمكن من التعبير عما يجري أمام عيني. ولكن بمجرد رؤية ما يحدث، لا يمكن مواصلة الصمت. حتى لو كان الأمر مؤلمًا لي أو لقرائي أو للمجتمع الإسرائيلي، يجب أن يبدأ النقاش في مكان ما.
ثمة تعريفات عديدة لمفهوم الإبادة الجماعية، ولكن تعريفا واحد فقط مقبول في جميع أنحاء العالم، هو تعريف اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، المعتمدة من قبل الأمم المتحدة في ديسمبر 1948. وهو تعريف قانوني، لكنه يظل غامضاً وقابلا للتأويل، ما يفسر تعرضه للانتقاد.
تصف الاتفاقيةُ الإبادةَ الجماعية بأنها جريمة تُرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية. ونية الإبادة أمر حاسم، ولكن ليس ضروريا أن تكون الإبادة كلية؛ إذ يمكن أن تكون “كلية أو جزئيةً”.
وقد أُنتُقِد التعريف بسبب إغفاله فئات أخرى، مثل الجماعات السياسية، التي اعترض الاتحاد السوفيتي على إدراجها. وبالمثل، لم تحدد الاتفاقية مفهوم “الإبادة الجماعية الثقافية”، حيث خشيت الولايات المتحدة اتهامها بارتكاب إبادة جماعية ضد سكانها الأصليين. كان إدراج الجوانب الثقافية في الاتفاقية مهمًا للغاية بنظر المحامي اليهودي البولندي رافائيل ليمكين Raphael Lemkin الذي صاغ تعبير “الإبادة الجماعية”، وضغط في هذا الاتجاه في الأمم المتحدة. بيد أنه اضطر إلى تقديم تنازلات من أجل المصادقة على الاتفاقية. في النهاية، كان التعريف الذي اقترحته الاتفاقية نتيجة لظرف سياسي وتاريخي معين في الأمم المتحدة، عندما كان للجنوب عدد قليل جدًا من الممثلين وهيمنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.ومع ذلك، يشير معظم الأكاديميين إلى هذا التعريف عندما يتحدثون عن الإبادة الجماعية اليوم. وقد اخترع الكثيرون مصطلحات أخرى مثل الإبادة الديموغرافية والإبادة العرقية والإبادة السياسية وما إلى ذلك (وهي على أي حال ليست قانونية) أو ابتعدوا عن التعريفات. لكن التعريف الأساسي المقبول على نطاق واسع هو التعريف القانوني في الاتفاقية.
- يذكر مقالك أيضًا أمثلة أخرى للإبادة الجماعية، كما هو الحال في البوسنة أو أرمينيا أو الإبادة الجماعية للهيريروس والناماس في ما يعرف الآن بناميبيا. فقد قُتل حوالي 8000 بوسني في سربرنيتسا، في حين يُعتقد أن ما بين عدة مئات الآلاف و1.5 مليون شخص قد لقوا حتفهم في الإبادة الجماعية في أرمينيا. تشير أيضًا إلى أنه ليس ضروريا أن تفضي كل عمليات الإبادة الجماعية إلى أهوال الهولوكوست. في أي مرحلة من الحرب الحالية كنت متأكدًا من أن أفعال إسرائيل في غزة أصبحت إبادة جماعية؟
ومن موقع المؤرخ، إذا نظرت إلى الوضع مجملا، ترى جميع عناصر الإبادة الجماعية قائمة. إن النية واضحة: لقد عبر الرئيس، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع، والعديد من كبار الضباط العسكريين، عن ذلك علانية. لقد شاهدنا تحريضات لا حصر لها لتحويل غزة إلى ركام، وتأكيدات بأنه لا يوجد أبرياء هناك، وما إلى ذلك. وتأتي الدعوات الشعبية لتدمير غزة من جميع مستويات المجتمع ومن القادة السياسيين. يسود المجتمع الإسرائيلي جو متطرف من تجريد الفلسطينيين من الإنسانية إلى حد لا أتذكر مثيلاً له خلال 58 عامًا من العيش هنا.
والنتيجة ما كان متوقعا: عشرات الآف الأطفال والنساء والرجال الأبرياء بين قتيل وجريح، وتدمير شبه تام للبنية التحتية، وتجويع متعمد، ومنع المساعدات الإنسانية، ومقابر جماعية لا نعرف مداها الكامل حتى الآن، ونزوح جماعي للسكان، إلخ
كما أن هناك روايات موثوقة عن عمليات إعدام بإجراءات موجزة، فضلا عن عمليات قصف عديدة للمدنيين في المناطق التي تسمى “آمنة”. لم يعد قطاع غزة كما كنا نعرفه موجودًا. والنتيجة هي بالضبط ما كان مقصودًا. ولفهم المدى الكامل لهذا الدمار والقسوة، أوصي بقراءة تقرير الدكتور لي مردخاي، الذي يعدّ أشمل رواية وأحدثها لما جرى في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
لا يستلزم اعتبار مذبحة إبادةً جماعية أن تكون إبادة كاملة. فكما سبق الذكر، ينص التعريف صراحةً على أن التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة ما يمكن اعتباره إبادة جماعية. وهذا ما حدث في سريبرينيتسا، كما ذكرت، أو في حالة الروهينجا في ميانمار. أعترف بأنني في البداية كنت مترددًا في الحديث عن الإبادة الجماعية، وكنت أبحث عن أي مؤشر يقنعني بخلاف ذلك.فلا أحد يريد أن يُعتبر جزءًا من مجتمع يرتكب إبادة جماعية. ولكن كانت نية نية صريحة، وترسيمة منهجية ونتيجة هي من باب الإبادة الجماعية. لذلك توصلت إلى استنتاج أن هذا هو بالضبط ما تبدو عليه الإبادة الجماعية. وبمجرد أن تصل إلى هذا الاستنتاج، لا يمكنك البقاء صامتًا.
كيف كانت ردة فعل طلابك أو زملائك أو أصدقائك عندما توصلت إلى استنتاجاتك؟
كما ذكرت آنفا، كتبت مقالي باللغة العبرية. لم أكتبه باللغة الإنجليزية لأنني أردت، في المقام الأولء، أن يواجهه الإسرائيليون، وأن يساعدوا مجتمعي على التغلب على الإنكار وعلى الرغبة في عدم رؤية ما يحدث في غزة. أود أن أقول إن الإنكار جزء من جميع عمليات الإبادة الجماعية وجميع أعمال العنف الجماعي. كان بعض الطلاب غاضبين جدًا مني بسبب مقالي، لكن البعض الآخر شكرني. عارضني بعض الزملاء، حتى أن أحدهم كتب على فيسبوك أنه يتمنى أن يتوقف الطلاب عن دراسة مقرراتي. ووافقني آخرون على ذلك، بينما أخبرني البعض أنني أعطيتهم شيئًا ليفكروا فيه. كان هناك أيضًا أشخاص لم يوافقوني الرأي، ولكنني تمكنت مع ذلك من إقناعهم بأن ادعاء الإبادة الجماعية ليس ادعاءً لا معنى له تحركه مزعة معادية للسامية.
في ألمانيا، غالبًا ما يُنظر إلى الجامعات الإسرائيلية على أنها معقل لمقاومة حكومة بنيامين نتنياهو. ما هو المزاج السائد في الجامعات الإسرائيلية في الوقت الحالي؟
صحيح أن الجامعات معقل المعارضة لحكومة نتنياهو. وقد بدأ ذلك مع إصلاح النظام القضائي قبل الحرب. تعارض أصوات عديدة في الجامعات الحرب رغم أن الكثير تساندها وتشجع، الحكومة على زيادة الضغط غير الإنساني أصلاً على غزة. الكثير ممن يعارضون الحرب إنما يفعلون ذلك بشكل أساسي بسبب الرهائن – وهي قضية جديرة بالثناء – بيد أن أقلية فقط في إسرائيل تدرك هذه الحرب طبيعة اللاإنسانية والإجرامية. يجب أن أذكر أيضًا المظاهرات العديدة للتضامن بين اليهود والفلسطينيين التي جرت في الجامعات. ولكن على العموم، أود أن أقول إن الجامعات كمؤسسات قد فشلت في هذا الاختبار الأخلاقي و في مدى التزاماتها تجاه حرية التعبير والنزعة الإنسانية والتحليل النقدي للواقع في أوقات الأزمات.
قد تكون جامعة تل أبيب ورئيسها آرييل بورات استثناءً، حيث أنه دافع عن حرية التعبير، ولكن ثمة بوجه عام جو من الخوف والقمع. وينطبق هذا بشكل خاص على المعلمين والطلاب الفلسطينيين، الذين يشعرون أنهم لا يستطيعون التعبير علنًا عن أدنى قدر من التعاطف مع إخوانهم وأخواتهم في غزة. فلا مجال لمشاعرهم أو آرائهم في الحرم الجامعي، أو في المجال العام، أو على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد فقد بعض الأساتذة – بما في ذلك اليهود – وظائفهم في الجامعات بسبب تعبيرهم عن انتقاداتهم المشروعة، بينما تعرض آخرون، ممن لم يفقدوا وظائفهم، للمضايقات. وكانت الحادثة الأكثر شهرة هي حادثة نادرة شلهوب-كيفوركيان، وهي أستاذة فلسطينية مشهورة عالميًا في الجامعة العبرية في القدس، معروفة بآرائها الصريحة حول الإبادة الجماعية والصهيونية. قامت الجامعة بفصلها من منصبها لفترة قصيرة. وقد تعرضت للمضايقات والتهديدات من قبل زملائها، حتى أنها تعرضت للاعتقال والاحتجاز لمدة يومين. استجوبتها الشرطة في عدة مناسبات. ربما بدت انتقاداتها قاسية وغير سارة لمعظم الآذان الإسرائيلية، لكنها مشروعة وفي رأيي صحيحة إلى حد كبير.وهي الآن في انتظار معرفة ما إذا كانت ستُتهم ب”التحريض” على أساس مقالاتها الأكاديمية التي تمت مراجعتها من قبل أقران1.
وثمة تطور آخر مثير للقلق متمثل في ترويج الاتحاد الوطني للطلاب الإسرائيليين لمشروع قانون مثير للجدل، من شأنه أن يلزم الجامعات بفصل أي شخص بإجراءات موجزة بما في ذلك الأساتذة المتفرغين بسبب أي انتقاد للدولة أو الجيش يعتبره وزير التعليم “تحريضًا”. لا تؤيد جميع الاتحادات الطلابية المحلية، بما في ذلك فرع الجامعة العبرية، مشروع القانون، والجامعات نفسها تعارضه بشدة. آمل أن لا يتم تمريره؛ ولكن الحكومة الائتلافية، وجزء من المعارضة يدفعون باتجاه تمريره. إنه لأمر مخزٍ حقًا أن يقوم طلاب من المجتمع الجامعي الإسرائيلي بالضغط من أجل هكذا إجراء صارم وتوتاليتاري، ومن المرعب التفكير في النتائج إذا تم اعتماد النص بالفعل.
جامعتك ترفض مزاعم الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، لكنها من ناحية أخرى وصفت على الفور هجوم حماس في 7 أكتوبر بأنه إبادة جماعية. ما هو رأيك؟ هل استوفت أحداث 7 أكتوبر المعايير التي يمكن وصفها بالإبادة الجماعية؟
أتفق مع معظم البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة وغيرها، بما في ذلك المذكرات الحالية الصادرة عن المدعي العام لـ [المحكمة الجنائية الدولية]، كريم خان، والتي تنص على أن هجوم حماس كان مروعًا وإجراميًا، وينطوي على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. يعتقد البعض أنه كان عملاً من أعمال الإبادة الجماعية – لا أعتقد ذلك. أعتقد أنه كان جريمة فظيعة، لا سيما استهداف المدنيين وتدمير الكيبوتسات وأخذ الرهائن، بما في ذلك الأطفال. ومع ذلك، فإن الحديث عن إبادة جماعية توسيع للتعريف إلى حد انعدام المعنى.
وقد رفضت الجامعة صراحةً مصطلح الإبادة الجماعية فيما يتعلق بأفعال إسرائيل عندما أدانت نادرة شلهوب-كيفوركيان. وقالت إنه من المشين الحديث عن الإبادة الجماعية، على الرغم من أن العديد من الخبراء القانونيين والمؤرخين والباحثين في مجال الإبادة الجماعية، مثل راز سيجال وماريون كابلان وفيكتوريا سانفورد ورونالد سوني وفرانشيسكا ألبانيز، استخدموا المصطلح. ويعتقد خبراء بارزون آخرون، مثل عمر بارتوف، أن الوضع أصبح إبادة جماعية.ونحن نعلم أيضًا أن أعلى محكمة في العالم، محكمة العدل الدولية، أصدرت حكمًا في يناير/كانون الثاني بشأن عدد من التدابير المؤقتة، مع إعلانها أنه من المعقول بالفعل أن حقوق الفلسطينيين قد انتهكت بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، أو بعبارة أخرى، من المعقول أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية.
أعتقد أنه من الخطأ الكبير رفض استخدام مصطلح الإبادة الجماعية لوصف أفعال إسرائيل على أنها “لا أساس لها”. فدورنا كأكاديميين هو فحص الحقائق واستخلاص النتائج، وليس رفض المصطلحات بشكل أيديولوجي. قد يُستنتج أن هذه ليست إبادة جماعية، ولكن ليس من غير المنطقي وصفها على هذا النحو، بالنظر إلى الأدلة والعديد من الخبراء الذين توصلوا إلى نفس الاستنتاج. إن رفض هذا الاحتمال باعتباره سخيفًا، دون النظر في الحقائق والحجج، يتناقض مع التزامنا الأكاديمي بالحقيقة.
ترفض الحكومة الألمانية هي أيضاً مزاعم الإبادة الجماعية، وتدعم إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. منذ السابع من أكتوبر، تم إسكات أصوات عدد من الفلسطينيين والإسرائيليين الذين ينتقدون إدارة إسرائيل للحرب، أو حتى تم منعهم من دخول البلاد. بالنظر إلى آرائك الخاصة حول الحرب، هل تعتقد أن الحكومة الألمانية تستخلص الدروس الخاطئة من التاريخ؟
نعم، ألمانيا تستخلص الدروس الخاطئة من التاريخ. الحكومة الألمانية ومعظم وسائل الإعلام الألمانية منحازة، ومخطئة، ومنافقة، عندما يتعلق الأمر بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وهذا ليس موقفًا جديدًا. فألمانيا تدعم إسرائيل وروايتها بسبب فكرة مصلحة عليا للدولة الألمانية، التي تربط شرعية الدولة بدعمها لإسرائيل. لا يقتصر الأمر على أنهم لا يريدون رؤية ما يجري. بل إنهم يرفضون بإصرار أن يروا! هذا الدعم الذي لا يتزعزع، والذي يُنظر إليه على أنه تفويض مطلق لتفعل إسرائيل ما تشاء، بما في ذلك ما أعتبره إبادة جماعية، ليس في صالح إسرائيل.
يجب على ألمانيا، الدولة التي ارتكبت الهولوكوست في ظل النظام النازي، أن تدافع عن القيم العالمية. مبدأ “يجب ألا تتكرر هذا أبدًا” يجب ان يطبق على الجميع. يأتي ما يقرب من 30% من واردات إسرائيل من الذخائر والأسلحة من ألمانيا. وهذا لا يساعد الفلسطينيين ولا الإسرائيليين. إن قضية قمع ألمانيا لحرية التعبير في ألمانيا تسبق الحرب الحالية، لأن الدولة الألمانية تعتبر أي انتقاد لإسرائيل، حتى الذي يعبر عنه يهود، معادياً للسامية. وتتجاهل وسائل الإعلام والحكومة الألمانية ععمدا الواقع في إسرائيل وفلسطين، ما يسمح لإسرائيل بارتكاب الجرائم ومواصلة سياسات الفصل العنصري والضم والاحتلال والاستعمار. لا أعتقد أن تصرفات ألمانيا تساعد إسرائيل. بل على العكس، فهي تدفع المجتمع الإسرائيلي نحو هاوية قد لا تنهض منها.
أعلن وزير مالية إسرائيل بتسلئيل سموتريتش مؤخرًا أنه يريد تحويل مدن وقرى الضفة الغربية إلى خراب مثل قطاع غزة. بينما يتركز اهتمام العالم على قطاع غزة، يخرج الوضع في الضفة الغربية عن السيطرة أيضًا، مع تزايد الاعتداءات على السكان الفلسطينيين وقرارات الحكومة الإسرائيلية بتوسيع المستوطنات. هل هذا جزء من استراتيجية موحدة؟
تعتبر الحكومة، والعديد من المستوطنين ومؤيديهم، الحرب فرصة لتوسيع المستوطنات والاستيلاء على الأراضي وطرد الفلسطينيين. قُتل أكثر من 500 فلسطيني في الأراضي المحتلة على يد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين منذ بدء الحرب. أنا جزء من مجموعة إسرائيلية تدعى “نشطاء وادي الأردن” تحاول حماية مجتمعات الرعاة الفلسطينيين ومساعدتهم في الحفاظ على أراضيهم وسبل عيشهم. منت شاهدا مباشرا على عنف المستوطنين. في الآونة الأخيرة وقعت حادثة مروعة قام فيها مستوطنون يبدو انهم من شدموت ، حيث هجموا على الرعاة والمزارعين الفلسطينيين، و قاموا بسرقة سيارة وتحطيم جميع النوافذ وضربوا وأصابوا الناس بجروح، وقاموا بإرهاب السكان ومضايقتهم باستمرار. من الواضح أن المستوطنين يستغلون الحرب لتوسيع رقعة أراضيهم وطرد الفلسطينيين من أراضيهم وخاصة في المنطقة (ج) في الضفة الغربية (وهي كلها تحت الاحتلال)، و”تهويد” الأراضي.
في كثير من الحالات، يدعم الجيش والشرطة بشكل فاعل أو سلبيّ أعمال المستوطنين، ويمتنعون عمدًا عن التدخل أو محاسبة مرتكبيها. لا تخدم الشرطة دولة القانون، بل تخدم المستوطنين الخارجين عن كل قانون.
وبهذا النحو، لا يضطر الجناة تقريبًا إلى المثول أمام محكمة. وانتهى الأمر بالولايات المتحدة، ودول أخرى، إلى فرض عقوبات على هؤلاء المستوطنين لأنهم أدركوا أن النظام القانوني الإسرائيلي نادرًا ما يحاسبهم. في عام 2017، نشر بتسلئيل سموتريتش وثيقة بعنوان “خطة الحسم”، والتي عرضت على الفلسطينيين خيارين: إما القبول بالعيش تحت الفصل العنصري أو الرحيل. حتى أنه هدد بإبادة أي فلسطيني يقرر معارضة هذين الخيارين. تحظى هذه الخطة التي وضعها سياسيون رفيعو المستوى بتأييد واسع النطاق. وأعتقد أنه حتى لو لم يتم تبنيها رسميًا من قبل الحكومة الحالية، فإن روحها هي التي تحدد سياستها.
تكاد كل استطلاعات الرأي المتوافرة تبرز أن الشعب الإسرائيلي يؤيد الحرب إلى حد كبير. وفي الوقت نفسه، تتضاعف الاحتجاجات المؤيدة لوقف إطلاق النار واستقالة بنيامين نتنياهو. هل بدأ المزاج العام في إسرائيل يتغير؟
يتغير الجو تدريجيًا، حيث يدرك كثيرون أن الطريقة الوحيدة لإعادة الرهائن هي تحقيق وقف دائم لإطلاق النار. ولم يعد البعض يرى جدوى من الحرب. ومع ذلك، لا تزال الأغلبية تدعم الحرب، ولا شك أنها عمياء عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة. إحدى النقاط الإيجابية التي أود أن أسلط الضوء عليها هي أن منظمات مثل “نشطاء وادي الأردن”، التي ذكرتها سابقًا، أو الحركات الشعبية مثل “نقف معًا” تتطور أيضًا، على الرغم من أنها مجموعات صغيرة جدًا مقارنةً ببقية المجتمع. كان أحد الأعمال الرائعة التي قامت بها حركة “نقف معًا” هو مرافقة قوافل المساعدات الإنسانية إلى غزة التي كانت تتعرض للمنع والتخريب من قبل المستوطنين وأنصار اليمين. حتى أن وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير أمر الشرطة بعدم حماية القوافل، مما سمح بحدوث التخريب. قام نشطاء حركة “نقف معًا” بحماية الشاحنات حتى وصولها إلى معبر غزة الحدودي. تتكون هذه الحركة بشكل رئيسي من اليهود والعرب الذين يعيشون داخل حدود 1948، الذين يحتجون ضد الحرب ويطالبون بإطلاق سراح الرهائن، لأنهم يدركون أن الحرب تفيد في شيء، وأن كلا الجانبين يجب أن يدفع ثمناً باهظاً.
ومع ذلك، يتم قمع هذه الأصوات بشدة من قبل الحكومة والشرطة وحتى السلطات المحلية – مثل رئيس بلدية حيفا، يونا ياهاف، الذي صرح أن المظاهرات ضد الحرب يجب ألا تحدث في مدينته.
ما هو المستقبل الذي تتوقعه لإسرائيل وفلسطين بعد الحرب؟ ماذا ستكون آثارها على المدى البعيد؟
لن ينجم شيء جيد من هذه الحرب، ولا أرى أي مخرج من هذا المأزق. لقد عشتُ في القدس طوال حياتي كناشط وأكاديمي، أعمل وأكتب على أمل التغيير. في كتابي، الذي شاركت في تحريره مع صديقي وزميلي البروفيسور بشير بشير بعنوان “الهولوكوست والنكبة: قواعد جديدة للصدمة والتاريخ”، وفي مقالات أخرى كتبناها، تصورنا حلًا ثنائي القومية قائم على المساواة. يؤكد هذا الحل على الحقوق المتساوية للجميع، سواء على المستوى الجماعي أو الفردي. واليوم، تبدو هذه الرؤية أبعد من الخيال العلمي. كما أن حل الدولتين هو مجرد ستار دخاني يستخدمه المجتمع الدولي، لأنه لا توجد طريقة واقعية لتحقيق حل الدولتين القابل للتطبيق والذي من شأنه أن يعطي الفلسطينيين حقوقهم. فالتوسع الاستيطاني لم يترك أي مجال لمثل هذا الحل، وفكرة الدولتين المتساويتين ليست حتى من باب الوارد.
وحتى المقترحات الأكثر تقدمية لليسار الاسرائيلي، وللمجتمع الدولي،لا ترقى الدولي الحد الأدنى من الكرامة والسيادة والاستقلال الذي يمكن أن يقبله الفلسطينيون. ففي المجتمع الإسرائيلي، تنتشر على نطاق واسع العنصرية، والعنف، والنزعة العسكرية، والتركيز النرجسي على المعاناة الإسرائيلية وحدها، لدرجة انعدام أي دعم شعبي لأي حل سوى المزيد من العنف والمجازر.
الوضع القائم غير قابل للاستمرار، وسيواصل انتاج مزيد من العنف. بل إن إسرائيل، التي لم تكن يوماً ديمقراطية مكتملة الأركان، تفقد حتى خصائصها الديمقراطية الجزئية. يوجد اليوم أكثر أو أقل من 7.5 مليون يهودي و7.5 مليون فلسطيني بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط تحت السيطرة الإسرائيلية. يتمتع الأول بحقوق كاملة، بينما لا يتمتع الثاني بأي حقوق أو يتمتع بحقوق جزئية فقط. أصبح المجتمع اليهودي الإسرائيلي متشددًا وتوسعيًا واستبداديًا بشكل متزايد.
لقد أسهمت ألمانيا، والولايات المتحدة، ومعظم الدول الغربية، إلى حد كبير في المأزق الحالي. أنا متشائم للغاية، ومحبط، بشأن المستقبل. أقول هذا بحزن شديد لأن إسرائيل هي مجتمعي ووطني. ومع ذلك، فقد أظهر لنا التاريخ أن المستقبل قد يكون غير قابل للتوقع، وربما تتغير الأمور إلى الأفضل، ولكن هذا يتطلب ضغطًا دوليًا هائلًا. هذا الاحتمال المجرد هو أملي الوحيد.
الترجمة تمت عن النص الفرنسي باستعانة ب Deepl
المصدر :
اقرأ أيضا