حول البطالة وتداعياتها والنضال ضدها في المغرب

تداعيات البطالة على أوضاع العاملين في المغرب، ودور الطبقة العاملة المحوري في القضاء عليها

بقلم، سامي علام

تتكون الفئة النشيطة من قسمين؛ فئة نشيطة عاملة خالقة للثروة، وأخرى نشيطة تبحث عن شغل بمثابة جيش احتياط. تمارس هذه الفئة الأخيرة ضغطا على الفئة الأولى لقبول الاشتغال في ظروف عمل مزرية، وبأجور هزيلة، ولساعات طوال. فما يرفضه العاملون ويسعون لتحسينه يبدو في نظر العاطلين عن العمل كجنة ويتمنونه بشغف، خاصة في ظروف معيشية واجتماعية بالغة السوء، لذلك يلعب هذا الجيش العاطل الضخم دورا سلبيا بوجه تحسين أوضاع العمال، فعذاب ظروف العمل المزرية التي يرفضها العاملون، يتطلع إليها العاطلون عن العمل.

تسعى الباطرونا لمراكمة أرباحها، والاستحواذ على جزء كبير من فائض القيمة وتخفيض تكاليف الإنتاج لأدنى ما يمكن، خاصة في ظروف الانفتاح واشتداد المنافسة الخارجية، لذلك تتعرض أجور العمال المباشرة وغير المباشرة لضغط رهيب، لا يتحمله العمال ويفاقمه ارتفاع تكاليف المعيشة، في سياق فرص عمل ضئيلة، وازدياد مستمر لجماهير العاطلين عن العمل، ويستغل الرأسماليون ارتفاع وثيرة البطالة لتغدي ذلك التنافس بين العاملين والعاطلين. هكذا يضطر من ظفر بفرصة عمل للقبول بأشد أنواع الاستغلال وفي أسوء الظروف، فالعاطلون مستعدون تماما للعمل في أسوء الشروط، ما يصب في مصلحة الرأسمال، لذلك فالدولة كممثل لمصالح الرأسماليين لن تتدخل جديا لمواجهة البطالة، بقدر ما تعمل على استخدامها وتعميم الهشاشة، رافعة من وثيرة استغلا العمال، وهذا ما لم يفرض عليها النضال عكس ذلك.

لذلك، يعد النضال ضد البطالة مهمة مركزية للطبقة العاملة، من أجل تحسين شروط الاستغلال، والحفاظ على فرص العمل، وبالتالي فالنضال ضد البطالة من صميم العمل النقابي. لكن القيادات النقابية المغربية لا اهتمام لها بالنضال ضد البطالة، بل بالعكس نجحت دولة الرأسمال في جرها لتبني سياستها، القاضية بتفكيك الوظيفة العمومية وإعادة هيكلة عالم الشغل، وتقنين سلاح الإضراب، وهي سياسة مضرة بمصالح العاطلين والعمال.

إن البطالة ملازمة للنظام الرأسمالي، تتيح للباطرونا عصر العمال لاستخراج أقصى الأرباح، فهي ليست قدرا محتوما يمس ملايين الشباب من نساء وحاملي الشهادات وغيرهم، بقدر ما هي ناتجة عن سياسة واعية لحكام البلد، الساهرين على الدفاع عن مصالح أقلية نهابة، من رأسماليين محليين وأجانب، فالدولة عازمة على تقليص تكاليف اليد العاملة وتسهيل التخلص منها (مرونة التشغيل) دعما للمقاولة الرأسمالية، وتحسين تنافسيتها بوجه مقاولات دول ذات وضع شبيه لجلب الاستثمارات الخارجية، موظفة مختلف الوسائل من قوانين ومعاهد تكوين وجيش منظم ومدرب على نسف نضال العمال، وهي ليست مهتمة بتلبية احتياجات ملايين الفقراء من الخدمات الاجتماعية الضرورية للبقاء على قيد الحياة، ولا معاناتهم أهوال بؤس اجتماعي، دافعة بهم إلى القطاع الخاص لتلبية تلك الحاجات بمقابل والقاء مسؤولية الوجود في وضع بطالة عليهم.

لن يتم القضاء على البطالة سوى بالقضاء على أصلها، أي بدون دك النظام الرأسمالي المسؤول الأول عنها، وعن كافة الشرور الاجتماعية، وبناء مجتمع بديل، مجتمع المنتجين المتشاركين، مجتمع يعطي الأولية لتحقيق الحاجات الإنسانية وليس الأرباح. وهو ما يستدعي بناء أدوات النضال العمالي والشعبي على أسس كفاحية وديمقراطية، ومن بينها حزب العمال والعاملات…

*************************************** 

 

تجارب النضال ضد البطالة بالمغرب ومآلاتها: ما المطلوب لإعادة إحيائها؟ وعلى أية مطالب؟

بقلم، سامي علام

لم يعدم البلد تجارب نضالية قاومت سياسة الدولة في التشغيل، قادت نضالات محلية ووطنية ضارية من أجل التشغيل، ولم تسلم من بطش الدولة، وقدمت شهداء ومعتقلين ومعطوبين، كما أدمجت نضالات شعبية محلية مطلب تشغيل أبنائها ضمن مطالبها. حققت هذه التجارب النضالية مكاسب فعلية، وأرغمت الدولة على التخفيف من حدة هجومها على التشغيل، غير أن نضالها لم يرق لإسقاط خطط الدولة ومجابهة سياستها المؤَدِّية للبطالة.

+ مآل بعض تجارب النضال ضد البطالة  

الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب: تأتي على رأس هذه التجارب؛ أقدمها وأكثرها جماهيرية وتنظيما من حيث اشتغال أجهزنها بشكل دوري ومنتظم، التجربة الرائدة في النضال؛ الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، التي خصبت النضال الشعبي في المدن والقرى النائية، وزودته بأمهر قياداته في سيدي إفني وزاكورة وبوعرفة وطاطا والحسيمة وجرادة وغيرها. تأسست هذه الجمعية في تسعينيات القرن الماضي، وقادت نضالات ضارية وطنية ومحلية، ففرضت تشغيل بعض منخرطيها خاصة في الإدارات المحلية، وانتزعت لجزء آخر منهم مكاسب في “التشغيل الذاتي”. تراجعت الجمعية تنظيميا واضمحلت جل فروعها، ما عدا فروع لازالت شبه فاعلة في شمال وشرق البلد، فقدت بدورها وهجها النضالي وتوارت للنضال محليا على مطالب جزئية.

مجموعات حاملي شهادة الماستر والدكتوراه: فسيفساء من مجموعات الحاصلين على الشهادات العليا، برزت في العقد الأول من القرن الحالي، رابطت بالرباط باحتجاجات شبه يومية، كان سنة الحصول على الشهادة ماركة مسجلة لكل منها، تميزت بنضال كل فوج بشكل منفصل، ما عدا حالات قليلة حيث نسق بعضها ميدانيا. رسمت هذه المجموعات ملاحم بطولية في مقارعة القمع، قدمت معتقلين وجرحى، فرضت على الدولة توظيفها في القطاع العام، وكان آخر الأفواج الموظفة سنة 2011 في عز نضالات حركة العشرين من فبراير، فيما توارت المجموعات المتبقية عن النضال، بعد قرار الدولة القاضي بالتوظيف عن طريق المباراة، واستقطب أغلب من تبقى من أعضائها في مباريات التعليم بالتعاقد (التوظيف الجهوي).

تنسيقية المعطلين حملة السواعد: تجربة محلية، كالتي أسسها شباب الأحياء الشعبية بمدينة أسفي، في العقد الأول من هذا القرن، شباب بدون شواهد تعليمية، مقصي من ولوج سوق الشغل وعمال وعاملات مسرحين من العمل، شنت نضالات محلية، واعتصامات في مراكز إنتاج الثروة كمجمع الفوسفاط بأسفي، لكنها لم تعمم وطنيا، سوى في أسفي وخريبكة واليوسفية، فانتهى بها الأمر إلى الزوال.

التنسيقية الوطنية للمجازين المعطلين بالمغرب: مجموعات من تنسيقيات محلية، تأسست ببعض المدن في ظرفية ربيع الشعوب لسنة 2011، من طرف الأجيال الجديدة الحاصلة على الإجازة، الذين فشلت فروع الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالمغرب في استقطابهم لصفوفها، خاصة أن أنظمتها الداخلية سمحت لقدماء الجمعية بالأولوية في التوظيف والتشغيل والاستفادة من الامتيازات المنتزعة، فظهرت على هامش فروعها تنسيقيات محلية، جمعت بين صفوفها حديثي الحصول على الإجازة. قادت بدورها نضالات مشتتة، لم تسلم من قمع الدولة، لكنها لم تعمر طويلا، وسرعان ما توارت عن النضال، دون مكاسب تذكر.

التنسيقية الوطنية ضد تخفيض سن التشغيل في التعليم: مع قرار الدولة عبر وزارة التعليم والشباب والرياضة سنة 2021 القاضي بتخفيض سن القبول لاجتياز مباريات التعاقد في قطاع التعليم إلى ما دون 30 سنة، وهو القطاع الوحيد الذي كان التشغيل فيه يشكل آمالا للشباب الحاصل على الإجازة، حيث يستحوذ على أكثر من نصف المناصب المخصصة للوظيفة العمومية (لم تقل مناصب التعليم عن 16 ألف مند 2016)، بحكم الخصاص المهول في قطاع التعليم، الذي يفرض تشغيل آلاف المجازين سنويا، في مختلف التخصصات. عمت هبات الشباب للمعطل والطلاب مختلف المدن خاصة الجامعية منها ضد إجراءات الإقصاء من اجتياز المباريات عبر تخفيض السن والحصول على نقط امتياز، لكن سرعان ما توقفت نضالاتها بدورها، خاصة مع ظرفية وباء كوفيد-19، ولم تتمكن من استعادة الزخم بعد ذلك.

تلاشت أغلب هذه التجارب بفعل قمع الدولة الشرس وقصور منظورها للنضال، حيث يغلب عليها التنافس في الظفر بمكاسب عوض الوحدة والتضامن، كما أن تقاليد البيروقراطية والكولسة وعيوب اليسار المهيمن وسط جمعية المعطلين ساهم في إفشال العديد من معاركها، وزاد من حدة المشكل عزلتها عن العمال، بفعل عدم اهتمام القيادات النقابات بالنضال ضد البطالة. فنتج عن مأزق هذه الحركة انتشار أوهام الخلاص الفردي عبر الهجرة للخارج وممارسة العمل الهش…

المطلوب لإعادة إحياء الحركة ضد البطالة

للظفر بمكاسب لهذه الحركة يلزم أن تتبنى الفروع النقابية المكافحة النضال ضد البطالة لكونها تهدد بشكل مباشر حتى من لازال محتفظا بفرصة عمله، عبر دمج ما تبقى من هذه الحركة في صفوفها، وتشييد البناء من أسفل، بإنشاء بنيات قاعدية، تتيح لم شمل ضحايا سياسة الدولة في التشغيل، والتعاون وتنظيم النضال الوحدوي مع باقي المنظمات الشعبية، وإتاحة النقاش الجماعي الحر والديمقراطي. وأن تعمل هذه الفروع على تبني مطالب تهم أساسا:

– الشغل للجميع بأجر لائق، والتصدي لتفكيك المرافق العمومية وخوصصة الخدمات الاجتماعية، بما يمكن من تلبية الحاجات الاجتماعية وتوفير فرص الشغل؛

– التعويض عن البطالة للمعطلين وعن فقدان العمل لفاقدي الشغل بالحد الأدنى للأجور؛

– النضال من أجل تقليص ساعات العمل وتخفيض سن التقاعد، لخلق فرص عمل جديدة، مع رفع الأجر بما يتماشى وارتفاع تكاليف المعيشة؛

– النضال من أجل الرفع من الميزانيات الاجتماعية لتوفير فرص الشغل، ضدا على إملاءات المؤسسات المالية المانحة؛

– الامتناع عن سداد الديون المستنزفة للثروة الوطنية واستثمارها لخلق فرص الشغل

شارك المقالة

اقرأ أيضا