لا تصدٍّ فعال للقمع السياسي إلا بنهوض قوى الطبقة العاملة الكفاحية

الافتتاحية, سياسة14 أغسطس، 2024

تم، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء الملك العرش، إفراجٌ عن بعضٍ قليلٍ من معتقلي- ات الرأي؛ بعد معاقبتهم- هن بمدة سجن مما حُكم به عليهم- هن، بتهم ملفقة ومغلفة لحجب طابع هذا القمع السياسي. تم الاعتداء عليهم بعقوبات سجن ليكونوا عبرة لغيرهم- هن.كان معتقلو- ات الرأي هؤلاء، ضحايا استبداد سياسي يروم إعدام ما تبقى من بصيص حرية تعبير  جرى خنقها بالقوانين، وبسيطرة رأس المال على إمكانات ممارستها، من وسائل إعلام عمومية وإمكانات ضخمة لممارسة الصحافة بكل أنواعها.

وككل قمع، أتى ترويع الصحافيين- ات و المدونين- ات أُكله الظرفي، ذلك بإخراس الأصوات الناقدة في الصحافة، وانكماش مساحة التعبير الحر في وسائل التواصل الاجتماعي، وتَهيُّب الغاضبين- ات على الوضع الاجتماعي المتردي من كل دعوة إلى الاحتجاج عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذه التي باتت وسيلة تعبئة فعالة بعد احتواء قيادات منظمات النضال العمالي وقصور اليسار عن حشد قوى النضال ببرنامج يوقف الهجوم الكاسح على حقوق الطبقات الشعبية ومكاسبها.

إبطال فعالية وسائل التواصل الاجتماعي التعبوية  إحدى غايات كماشة القمع، والغاية الأخرى الحد من انتقاد الأوضاع ومن كشف أصل البلاء وتوجيه أصبع الاتهام إلى الجهة المسؤولة في نهاية المطاف عن الأهوال التي تحول حياة ملايين البشر المقهور إلى مآس.

 يندرج هذا  الإفراج ضمن تدبير سياسي لوضع اجتماعي ما فتئ يتوتر بفعل تصعيد الإضرار بالقدرة الشرائية لسواد الشعب الأعظم وبحقوقه الاجتماعية والسياسية. فسياسيا أفضى تطبيق  قانون الأحزاب إلى  تعدد أحزاب مُطبلة للسياسة الرسمية، وتضييق خناق كل معارضة، معتدلة كانت أو جذرية، مع بقاء سيف المنع مرفوعا بوجهها كلَّ لحظة تجاوزٍ للمرسوم من حدود للعمل السياسي. وتلقى النضال الاجتماعي ضربة غير مسبوقة تاريخيا بالبطش بحراكي الريف وجرادة، ويستمر يوميا التنكيل بالمقاومة العمالية بأماكن العمل، بآلية إضفاء هشاشة على علاقة الشغل بنحو يعدم إمكانات التنظيم، وبطرد النقابيين- ات وسجنهم- هن، واقتحام مسيرات الشغيلة واعتصاماتهم بقوات التدخل السريع.

ليس سجن الناقدين- ات والمعارضين- ات، وكل صنوف القمع، ظاهرة طارئة، تُعزى لتعسف هذا الجهاز أو ذاك، بل هو من صميم مجتمع تمارس فيه الأقلية المغتنية سلطتها على الأكثرية المُفقَرة. وسيظل ملازما، بحدة متفاوتة، لمجتمع مبني بهذا النحو الطبقي، بآلية ثلاثية قوامها الشرطة، والجيش، والمحاكم والسجون.  

القمع هو أحد الوظائف الأساسية لكل نظام سياسي مهما بلغ طابعه الديمقراطي طالما كان قائما في بنية طبقية. غير أن الإكراه وحده لا يؤمن السيطرة الطبقية، حيث تستدعي هذه جعل البشر ضحايا النظام الاقتصادي- الاجتماعي يقبلون وضعهم، وتلك وظيفة الاحتواء الايديولوجي. 

وتتفاوت النسبة بين الإكراه العنيف والاحتواء الايديولوجي حسب المجتمعات، لكن القمع يبقى في نهاية المطاف الوسيلة الحاسمة بيد الطبقة المسيطرة ترفع حدته إلى أعلى مستوياته عندما تهدد ثورة سيطرتها. 

هذه حقائق أولية يفرض التذكيرَ بها ما يروج من أضاليل إمكان إنهاء القمع، وتساكن  مكونات مجتمع تمزقه تناقضات طبقية. فبعد هذا الإفراج عن قلة من المعتقلين- ات السياسيين- ات، عادت من جديد خطابات جرى استهلاكها حد الإدمان إبان المناورة السياسية الشهيرة في تاريخ المغرب باسم “هيئة الانصاف والمصالحة”. وقد ساعد على هذا التدفق القوي لتلك الأضاليل ما صرح به بعض المفرج عنهم نفسه. 

هذا رغم أن زهاء العقدين الفاصلين عن تلك الخدعة السياسية أكدت الطابع الخرافي لكل ما جرى ترويجه واستهلاكه على نطاق واسع، حتى من قبل قسم من اليسار. 

 يقتضي هذا إعادة تأكيد حقيقة أن الوسيلة الوحيدة للتصدي للقمع هو إيقاظ قوى نضال جديدة ومتزايدة حجما وقوة من أعماق هذا المجتمع الذي تسحقه سلطة الرأسماليين المحليين وحلفائهم الإمبرياليين. ضحايا النظام متنوعون، ولا يقتصر ضرر الاستبداد السياسي على الطبقة العاملة والفئات الكادحة الأخرى. لكن ضمن هؤلاء الضحايا وحدها الطبقة العاملة تمتلك مقدرة نضالية نوعية بحكم مكانتها في البنية الاجتماعية على طرف نقيض 100% من البرجوازية وسلطتها. لهذا تتمثل الوسيلة الرئيسة في التصدي للقمع في استنهاض قوى نضالية متنامية من صفوف الطبقة العاملة وبناء أدوات نضالها على أسس طبقية خالصة لا تشوبها شائبة. يقتضي هذا الاستنهاض عملا سياسيا يقع على كاهل الأقلية الواعية، وقوده التشهير بكافة صنوف القهر والاضطهاد أيا تكن الضحية، بنحو يجعل الطبقة العاملة قائدة لكافة ضحايا السلطة الجائرة القائمة، سلطة الرأسماليين المحليين والإمبريالية.

الاستبداد يدوس  بأداته القمعية حتى أنصارَه الناصحين، وبعض من المفرج عنهم هم من هذا الطراز، لأنه يخشى أن تؤجج انتقاداتهم الودية ومواعظهم حركة نضال شعبي منفلتة تأتي على الأخضر واليابس في النظام السياسي وأساسه الاقتصادي- الاجتماعي. يخلق تعددُ ضحايا الاستبداد حلفاء للطبقة العاملة في نضالها من أجل الديمقراطية، حلفاء عديدون  يجب ألا يعاملوا بلا مبالاة. بل يجب استعمال ما يتعرض له مجمل ضحايا النظام من أجل إنماء وعي الطبقة العاملة ذاتها وتأهيلها لقيادة كافة هؤلاء الضحايا وفق منظورها الطبقي.

شارك المقالة

اقرأ أيضا