حوار مع علي حموت نقابي بالنقابة الوطنية للصحة- كدش

شهد قطاع الصحة نضالات طيلة الأشهر الخمس الماضية. نضال قاده تنسيق نقابي وطني  بين نقابات قطاعية من مركزيات نقابية فضلا عن النقابة الوطنية لأطباء القطاع العام والنقابة المستقلة للممرضين. وموازاة لهذه النضالات والإضرابات، كان هناك مسار حوارات بين الوزارات ومكونات هذا التنسيق النقابي، أسفر عن اتفاقين (29 ديسمبر 2023 و26 يناير 2024)، تضمن المعهود من تنازلات مادية من الدولة والتزاما من القيادات النقابية بالسلم الاجتماعي والانخراط في “الإصلاحات” الهيكلية للمنظومة الصحية.

تعمق الهجوم النيوليبرالي في قطاع الصحة، مقارنة مع غيره من قطاعات الخدمات العمومية والاجتماعية، وأصبح القطاع الخاص مهيمنا، كما أصبح التسليع والأداء هو القاعدة في القطاع العمومي. استدعى هذا ملاءَمة تشريعات التوظيف مع هذه المستجدَّات. وقد تمكنت الدولة من إخراج شغيلة القطاع من الوظيفة العمومية منذ سنة 2021. ومنذ ذاك التاريخ اقتصرت نضالات شغيلة القطاع على مطالب ذات أثر مالي والحفاظ على مكاسب وظيفة عمومية جرى إخراجهم- هن منها.

للوقوف أكثر على تفاصيل المعركة الأخيرة، وما نتج عنها من اتفاق بين قسم من التنسيق النقابي الوطني، أجرت جريدة المناضل- ة هذا الحوار مع علي حموت، مناضل النقابة الوطنية للصحة- كدش.

 

  1. وقع التنسيق النقابي الوطني في قطاع الصحة اتفاقا قطاعيا مع الحكومة. ما سياق هذا الاتفاق؟

بداية لا بد من الإشارة أن ما يشهده قطاع الصحة من إعادة مراجعة تشريعات الشغل/ التوظيف، لا يخصه وحده. فكل قطاعات الوظيفة والإدارات العمومية تشهد ترتيبا لهذه العلاقات بما يضفي عليها المزيد من المرونة، وعلى رأسها تعويض الوظيفة المركزية بالوظيفة الجهوية/ المحلية. فهذه الأخيرة هي الوعاء المثالي- بالنسبة للدولة- لتحقيق ما تسميه إصلاحات هيكلية للخدمات العمومية والاجتماعي، وعلى رأسها المزيد من انسحاب الدولة من تمويل هذه الخدمات والمزيج من إشراك القطاع الخاص. لكن الملاحظ أن مقاومة شغيلة هذه القطاعات مجزأة ومشتتة، في وجه سياسة عامة موحدة للدولة. واجبنا هو الاستفادة من تجارب كل القطاعات، فلا يمكن وقف هكذا تعديات دون توحيد وتلاقي نضالات كل القطاعات.

بالنسبة للاتفاق الأخير، وقع التنسيق النقابي اتفاقا مع وزير الصحة بتفويض من رئيس الحكومة، جاء هذا الاتفاق بعد معركة نضالية خاضها شغيلة الصحة، دامت أكثر من 5 أشهر، بعد اتفاقي 29 دجنبر 2023 ومحضر اجتماع 26 يناير 2024.

قبل حراك التعليم كانت قيادات النقابات الصحية تساير الوزارة في تفعيل مشاريع القوانين الجديدة الخاصة بالمنظومة الصحية (34.09 الخاص بالمنظومة الصحيةة و08.22 الخاص بإحداث المجموعات الصحية الترابية و09.22 بمثابة نظام أساسي خاص بالوظيفة الصحية). تشهد بلاغات التنسيق الرباعي بذلك و ذلك لقاء مراكش 2023، وحتى تصريح وزير الصحة في البرلمان وتثمينه للمقاربة التشاركية مع النقابات الصحية في إخراج القوانين والمراسيم وبأنه كان هناك أكثر من 50 اجتماع… لا تساير القيادات النقابية الوزارة وحسب، بل تدافع عن منظوراتها وأيدت إخراج شغيلة الصحة من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية باعتبار هذا الاستثناء سيشكل مدخلا لتحفيز شغيلة الصحة (تصريح لكاتب وطني لإحدى النقابات في مجلس وطني لنقابته).

شكل انطلاق حراك التعليم حافزا للنقاش في صفوف الشغيلة حول مستقبلهم- هن في ظل الوظيفة الصحية والمخاوف المرتبطة بالوضعية الجديدة مع المجموعات الصحية الترابية، خصوصا بعد رفض شغيلة التعليم للنظام الأساسي الجديد والنقاش الذي رافقه، علما أن شغيلة الصحة أُخرجوا من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية (1958) بتاريخ 27 ماي 2021. أدى هذا النقاش إلى ظهور العديد من التنسيقيات والمجموعات في وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بالعودة إلى النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، بعد أن اكتشفت بالملموس حجم الخديعة التي تعرضت لها في ماي 2021.

هذا النقاش في صفوف الشغيلة وفي الوسائط الاجتماعية و مع بداية النقاش حول التأسيس الميداني للتنسيقيات وما أثاره مسلسل الحوار بين قيادات نقابات التعليم والدولة من استياء ورفض عارم من القواعد لسلوك قيادات نقاباتها، جعل القيادات النقابية في قطاع الصحة تلتقط الإشارة وتدعو الوزارة إلى ضرورة تحسين الأوضاع المادية لشغيلة الصحة قبل أي تفعيل للقوانين الجديدة (رسالة كدش  10 دجنبر 2023 ورسالة 11 دجنبر النقابة المستقلة للممرضين). طبعا لم تقطع القيادات النقابية مع نهج المسايرة والشراكة، بل سارعت إلى تأكيد الحصول على مقابل مادي (المطالب ذلت الأثر المالي) لإقناع الشغيلة بصحة ذلك النهج.

هكذا انطلق حوار قطاعي توج باتفاق عام يوم 29 ديسمبر 2023 ومحضر اجتماع 26 يناير 2024 سرعان ما تنكرت له الحكومة حيث كان واضحا أنها تريد ربح الوقت، وبالتالي العمل على تفادي تلاقي نضالات شغيلة الصحة والتعليم، الشي الذي من شأنه أن يفجر نضالا شاملا يشمل أهم قطاعات الدولة (التعليم، الصحة، الجماعات المحلية، العدل، التكوين المهني، المالية…).

هكذا انطلق البرنامج النضالي لشغيلة الصحة في شهر فبراير كل نقابة على حدة، ثم بعد ذلك تأسس التنسيق النقابي المشكل من ثماني نقابات. اجتمعت النقابات الثمانية حول ملف مطلبي موحد من شقين: 1) الوضعية الاعتبارية لمهنيي- ات الصحة؛ و2) المطالب ذات الأثر المالي. كما سطر برنامجا نضاليا تصاعديا بدءا من إضراب ليومين وصولا إلى إضراب 5 أيام في الأسبوع مع مقاطعة البرامج الصحية والعمليات المبرمجة و التقارير… بالموازاة مع هذا الإضراب عن العمل كانت هناك وقفة أمام البرلمان ومسيرة وطنية بالرباط ووجهت بالقمع و الاعتقالات.

ملاحظات لابد منها :

  • لم تعقد مجالس وطنية تقرر في الملف المطلبي أو في البرنامج النضالي و مستقبله؛
  • البرنامج النضالي لم يشرك باقي أفراد شغيلة القطاع (عمال- ات النظافة والحراسة والمتعاقدين- ات…)، كما لم يرفع التنسيق مطالب خاصة بهذه الفئات كأنها غير موجودة بالقطاع. هذه الفئات خصوصا المتعاقدين كانت تكسر الإضراب بوعي أو غير وعي لأنها لم تشرك في الإضراب.

دامت المعركة النضالية تقريبا 5 أشهر، كان آخرها المسيرة الوطنية لـ 10 يوليوز 2024 و الدعوة لإضراب مفتوح 5 أيام في الأسبوع. مباشرة بعدها جرت الدعوة للحوار مع النقابات الصحية، حيث رفض إمش الدعوة بمبرر أن الحوار يجب أن يكون مع وفد حكومي برئاسة رئيس الحكومة و ليس مع وزير الصحة. نتج عن الحوار اتفاق بين وزارة الصحة و قيادات النقابات وُقع باسم ست نقابات حاضرة في الحوار، بينما رفضت النقابة المستقلة للأطباء التوقيع على الاتفاق. لكن تجدر الإشارة إلى أن القيادات الموقِّعة على الاتفاق والرافضة ذلك، لا فرق جوهري بينها، فكلها متفقة على الانخراط في تفعيل الإصلاحات الهيكلية للمنظومة الصحية، لكنها تختلف في حجم التنازل المادي (المطالب ذات الأثر المالي) الذي ستقدمه الحكومة مقابل ذلك.

  1. ما هي مضامين الاتفاق؟

يتضمن الاتفاق نقطتين أساسيتين :

  • الوضعية الاعتبارية لمهني- ات الصحة؛
  • المطالب ذات الأثر المالي.

بالنسبة للوضعية الإعتبارية تضمنت 12 نقطة تمحورت بشكل أساسي حول “الحفاظ على صفة الموظف العمومي” و”أداء أجور الموظفين من الميزانية العامة للدولة”.

يمكن القول أن تخويل صفة الموظف العمومي مجرد خدعة وتلاعب كلامي على اعتبار أن التوظيف العمومي ليس صفة بل علاقات شغل، أي مع من تربطك علاقات الشغل؟ هل مع الوزارة، كما هو مع نمط التشغيل القديم الذي أنهاه قانون 27 ماي 2021، أم مع المجموعات الصحية الترابية، التي منحها القانون المحدث لها صلاحية توظيف وتدبير المسار المهنيي لموظفيها؟ لقد تمكنت خدعة “إضفاء صفة الموظف العمومي” من خداع قسم من موظفي- ات التعليم أثناء حراكهم- هن الأخير، إذ أوهمت جزءا من المفروض عليهم- هم التعاقد أن تلك الصيغة تستجيب لمطلب الإدماج في اسلاك الوزيفة العمومية، في الوقت الذي لا تزال علاقة الشغل تربطهم بالأكاديميات الجهوية وليس مع الوزارة. فهل سنسمح لنفس الخدعة بتضليل شغيلة الصحة؟ هذا ما نعمل لدرئه.

لا يمكن أن تقبل القيادات النقابية بإخراج الشغيلة الصحية من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية سنة 2021 وتقبل بالمجموعات الصحية الترابية والمساهمة في إعداد المراسيم، وفي نفس الوقت تطالب بالحفاظ على صفة الموظف العمومي. ففي المجموعات الصحية الترابية الموظَّف- ة في حالة قانونية ونظامية إزاء المجموعات الصحية الترابية وليس إزاء وزارة الصحة، كما كان معمولا به في النظام الأساسي لموظفي الوزارة لسنة 1967، المؤطَّر بقانون 1958. والإحالة إلى هذا الأخير لن يحافظ على نفس الوضعية النظامية، ما دام التوظيف قد انتقل من الوزارة مركزيا، إلى المجموعات الصحية الترابية جهويا.

  1. في الورقة التقنية التي أصدرها التنسيق النقابي الوطني حديث عن ضمان حقةق مهنيي الصحة في إطار الوظيفة العمومية، هل ذلك صحيح؟

لا ليس صحيحا، كل ذلك في تقديري مجرد خدعة لطمأنة الشغيلة الصحية و تسهيل تمرير النصوص التنظيمية التي تكرس كونهم خارج النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.

هناك سعي من قيادات نقابات القطاع لطمأنة مهنيي- ات الصحة بأن وضعيتهم- هن النظامية لم يطرأ عليها أي تغيير، وأن الترسانة القانونية الجديدة فضلا عن محضر الاتفاق الأخير، ستحافظ على صفة الموظف العمومي والمكتسبات المرتبطة به. ولكن الشغيلة حاليا لا يحتاجون إلى طمأنة بل إلى فتح أعينهم- هن على التخريب الكبير التي يشهده تشريع علاقات الشغل داخل قطاع الصحة (وهو نفس التخريب داخل كل قطاعات الوظيفة والإدارات العمومية). فنص القانون 39.21 بتاريخ 27 ماي 2021 واضح: “إضافة مهنيي الصحة العاملين بالقطاع العام إلى الفئات التي لا تخضع لأحكام الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وذلك حتى يتسنى إعداد نظام أساسي خاص بهم بموجب نص تشريعي، يحدد على الخصوص، الالتزامات المهنية لهذه الفئات والحقوق التي تستفيد منها”[1].

تنص المادة 18 من قانون الوظيفة الصحية على أن التوظيف يتم بناءا على حاجيات المجموعات الصحية الترابية من الموارد البشرية و تفتح المادة 19 باب التشغيل بموجب عقود، أما القانون المحدث للمجموعات الصحية الترابية فيفصل في موضوع التوظيف والوضعيات القانونية والاعتبارية للموظفين… كل هذه الترسانة القانونية تبين أن علاقات الشغل الجديدة تربط مهنيي- ات القطاع بالمجموعات الصحية الترابية و ليس بالوزارة. بل حتى في محضر الاتفاق الموقع مع الوزارة في الشق المتعلق بالوضعية الاعتبارية تنص النقطة 8 على “اعتماد المبارة كآلية أساسية لتوظيف مهنيي الصحة بالمجموعات الصحية” أي أن التوظيف سيكون مع المجموعات الصحية وليس مع الوزارة.

  1. ما حجم التنازلات المادية (” المطالب ذات الأثر المالي”)، و هل هي استجابة فعلية لمطالب مهني الصحة؟

بعد أزيد من خمسة أشهر من الإضراب والاحتجاجات تعرض خلالها الشغيلة للقمع والاعتقالات، لم يكن محضر اتفاق الموقع بين وزارة الصحة والتنسيق النقابي الوطني للمطالب ذات الأثر المالي (16 نقطة) جوابا فعليا على مطالب الشغيلة، بقدر ما شكل فتاتا ماليا (زيادة في الأجور و تحسين شروط الترقيات والتعويضات…)، جزء منها كان مقررا سلفا في الاتفاق المركزي أبريل 2024 بالإضافة لزيادة 500 درهم للأطر التمريضية و 200 درهم لفائدة الأطر الإدارية و التقنية تدرج في خانة التعويض عن الأخطار المهنية تصرف ابتداءا من فاتح يوليوز 2025. إنه تراجع عما كانت تطالب به النقابات (زيادة 1500 درهم صافية لفائدة هيئة الممرضين- ات وتقني- ات الصحة… و 1200 درهم صافية لفائدة المساعدين- ات الإداريين- ات و المساعدون التقنيون…).

لا تعوض هذه الزيادات /”الفتات” المالي ما فرطت فيه القيادات النقابية من توظيف قار في ظل الصحة العمومية المجانية… و لا يناسب الارتفاع الصاروخي للأسعار خصوصا المواد الأساسية. وهنا تجب الإشارة أن مطلب الدفاع عن السلم المتحرك والأسعار غائب تماما في قاموس القيادات النقابية الصحية.

كما أن ما يسمى مَطالِبا ذات أثر مالي، تصب كلها في خانة “تحسين الدخل”. والقيادات النقابية متفقة كلها على أن المدخل الوحيد لذلك هو الزيادة في الأجور والتعويضات والحوافز وتحسين شروط الترقي، وهو أمر صحيح لكنه آثاره زائلة، إذ لا يتمكن من مواكبة التضخم والتسليع العام للخدمات العمومية التي تقضم كل زيادة في الأجر (باعتراف تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد نفسه)، كما أن تلك الزيادات تحولت طيلة العقدين الماضيين إلى لقمة سائغة في أفواه البنوك وشركات العقار والسيارات وكافة أشكال التجهيز المموَّلة بالقروض.

  1. هناك أطراف رفضت توقيع الاتفاق، الجامعة الوطنية للصحة إمش والنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام. ما مبررات رفضها؟

للتوضيح فالجامعة الوطنية للصحة إ.م.ش قاطعت اجتماع الوزير مع النقابات الصحية بمبرر “عدم توفر الشروط الملائمة لعقد الاجتماع وفي مقدمتها اعتذار الحكومة ووزارة الصحة على القمع الذي تعرض له شغيلة الصحة يوم الأربعاء 10 يوليوز 2024 بالرباط. وبأن الاجتماع يجب أن يكون مع وفد حكومي وليس مع وزير الصحة، والاستجابة لمحضر 26 يناير2024 و جواب رئيس الحكومة على النقط الخلافية المتظمنة في هذا المحضر.

أما النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، فقد حضرت في اجتماعات الوزارة والتنسيق النقابي لكنها في الأخير رفضت مخرجات الاجتماع. وبالتالي انسحبت ورفضت التوقيع على محضر الاتفاق، بمبرر أن الحكومة رفضت كل التفاصيل القانونية التي جاءت في إطار التنسيق النقابي المتعلقة بالوضعية الاعتبارية والقانونية للشغيلة الصحية. وفي ما يخص المطالب ذات الأثر المالي اعتبرت النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام أن الحكومة استجابت للمطالب المادية لجل الفئات ما عدا فئة الأطباء والصيادلة و جراحي الاسنان…

لكن المطلع على أدبيات كل القيادات النقابية (سواء التي وقعت أو تمنَّعت عن التوقيع) سيتأكد من أن تلك القيادات متفقة على جوهر سياسة الدولة في القطاع (كل القوانين المذكورة أعلاه والمهيكِلة لمنظومة الصحة)، لكنها تختلف على طرق تصريف تلك السياسة وحجم المقابل المادي الذي تطالب به. لذلك لن يكون لرفض التوقيع على المحضر من معنى إذا لم يصاحبه الرافضون للتوقيع بمطالب مجانية وعمومية خدمات الصحة، وفي نفس الوقت رفض كلي وجازم لتلك الترسانة القانونية.

  1. ما موقع مطالب مثل مجانية الخدمات الصحية و عموميتها في الملفات المطلبية لنقابات القطاع؟

هناك غياب أو تغييب مطلب عمومية ومجانية الخدمات الصحية وذات جودة عالية، سواء في الملفات المطلبية للنقابات أو حتى في النقاشات الداخلية للنقابات أو في المفاوضات مع الوزارة، حيث نجد التركيز بشكل كبير في الملفات المطلبية على المطالب ذات الأثر المالي، كأنها تقايض بها التخلي عن الخدمات الصحية المجانية والعمومية وعن الوظيفة العمومية. لن يستقيم النضال من أجل توظيف قار دون النضال مجانية الخدمات الصحية و الرفع من جودتها و القطع مع سياسة الخوصصة وتسليع الخدمات الصحية و الشراكة مع القطاع الخاص.

كل الملفات المطلبية التي يجري التتفاوض حولها لا تتضمن ولا إشارة إلى مطلبي مجانية وعمومية خدمات الصحة، وهذا ما كان على النقابات المُطالَبة به والدفاع عنه. ويبقى تغييب هذه المطالب قبولا بسياسة الدولة العامة في الصحة.

يبقى الدفاع الحازم عن الطابع المجاني والعمومي للصحة ورفض كل أشكال الخوصصة والشراكة قطاع عام قطاع خاص، هو السبيل الوحيد للحفاظ عن الطابع القار والعمومي لأنماط التشغيل و ما يترتب عنها من حقوق ( الأجور و التعويضات و الترقيات و المعاش، و حتى باقي المطالب ذات الأثر المالي…). فتغير نمط تقديم الخدمة من دولة مقدِّمة للخدمات بشكل عمومي و”مجاني” إلى دولة تحصر دورها في تيسير سبل الاستفادة من تلك الخدمات الى جانب المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية كما جاء في دستور 2011، هو ما فتح السبيل لتغيير أنماط التشغيل.

إن التركيز على المطالب ذات الأثر المالي والوضعيات الإدارية والقانونية، وهي كلها ذات طابع فئوي وقطاعي، يحرِم نضال شغيلة الصحة من سند قوي، وهو السند الشعبي. فرفع مطلب مجانية وعمومية الخدمات الصحية من شأنه أن يشكل أرضية تلاقٍ نضالي مع كل شرائح الشعب، ويفتح أمامها باب الحصول على خدمات ذات جودة من قطاع عمومي، بدل انتظار صدقات الحماية الاجتماعية غير الدائمة والتي يستفيد منها القطاع الخاص أساسا. كما أن الدفاع عن السلم المتحرك للأسعار والأجور من شأنها أن يشكل أرضية تلاقٍ نضالي مع كافة مأجوري- ات البلد المنهَكةِ أجورهم- هن بالغلاء وخوصصة الخدمات.

 

 

[1] – موقع وزارة الاقتصاد والمالية، https://www.finances.gov.ma/ar/Pages/مستجدة.aspx?fiche=5470.

شارك المقالة

اقرأ أيضا